العدد 306-307-308 -

العدد 306-307-308 ، السنة السابعة والعشرون، رجب وشعبان ورمضان 1433هـ

زمن سقوط الأقنعة

زمن سقوط الأقنعة

 

أم علي – غزة – فلسطين

إن الله سبحانه قد هيأ للأشياء مقاديرها، فهيأ للنار أن تحرق، وللماء أن يروي، وجعل هذه الصفات والخصائص ملازمة لا تنفك عنها إلا بمعجزة تتلاشى بانقضاء زمن المعجزة، والإنسان هذا الكائن الغريب العجيب تتغير أحواله وصفاته تبعاً للفكر الذي يحمله، وتبعاً للمفاهيم التي يتصف بها، فتراه متغيراً متحولاً حسب ما يعتقد وحسب ما يؤمن به.

والأهم هو أن هذا الإنسان قد تضيع به السبل وتنحرف به الطريق فلا يبقى منه إلا هذا الجسد الفاني، جسد خال من كل ذي قيمة، وهذا ما يحدث في كل الأوقات وكل الأزمان، وقد تنخدع العامة والخاصة به وهو يصرح بهفوات لسان لا تنتمي لأي واقع سليم. يقول الله سبحانه وتعالى في هؤلاء (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)).

وتظن الكاذب من هؤلاء صادقاً وتحسب ما يتلفظ به من معانٍ وكلمات أنه قد أوتي من العلم والحكمة الشيء الكثير. قال رسول الله e: «أَعَاذَكَ اللَّهُ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ، قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لا يَهْدُونَ بِهِدَايَتِي، وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلا يَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي». البيهقي.

هؤلاء ضاعوا وضيعوا الأمة معهم عهوداً ظنت فيها أنهم على شيء من الأمر، وهم كذلك ظنوا، هؤلاء قال فيهم الشهيد سيد قطب في ظلاله: “هؤلاء خانوا غيرهم في الظاهر ولكنهم في الحقيقة خانوا أنفسهم، فقد خانوا الجماعة ومنهجها ومبادئها التي تميزها وتفردها، وخانوا الأمانة الملقاة على الجماعة كلها” انتهى

ومن هؤلاء نجد أحزاباً وجماعات ومفكرين وعلماء وقادة… عميت عليهم حقائق الأمور فكانوا أداة طيعة في يد الغرب يصرون على معاداة أهلهم وعقيدتهم، وهؤلاء سهل عليهم بيع ذممهم في سبيل تحقيق أمور دنيوية رخيصة لهم.

ونرى من هؤلاء في فلسطين منظمات ادعت زوراً أنها قامت لتحرير فلسطين، فكان أن باعت أهل فلسطين وأرض فلسطين وسلمت أرض الإسراء والمعراج لأحفاد القردة والخنازير مقابل لا شيء. وما يحز في القلب والنفس أنه قد تبع هذه المنظمات حركات إسلامية حذت حذو من سبقها في التفريط والإذعان والتسليم، حيث ادعت وسطية الإسلام وعملت على ترسيخ احتلال فلسطين بأن سلمت بالواقع المرير. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد أمرهم خارج فلسطين، فتجدهم في مصر والأردن وسوريا، وهذه الجماعات كان فكرها سطحياً لا تعلم من الإسلام الا العبادات وبعض الشعائر، فحرفت بوصلة الأمة عن مسارها، وأبعدت الأمة عن وجعها الحقيقي في الاحتكام للإسلام والعيش في دولة تحكمها شريعة القرآن. هذه الجماعات تلونت وتبدلت حسب الواقع الذي تعيش فيه.

كانت هذه الجماعات قبل الثورات تعادي الغرب وتظهر سخطها عليه، وبعد الثورات أصبحت على استعداد للتحاور مع الغرب، فهي أول من تخلى عن المسلمين في سوريا: تخلت عن النساء التي تغتصب، وعن الأطفال والشباب الذين يعذبون ويذبحون كما تذبح النعاج، أصر كبيرهم في تصريح له أنه لا يعمل على إقامة دولة إسلامية لطمأنة الغرب أن الهدف الحقيقي لهم هو سعيهم للعمل للديمقراطية ورفضهم العمل من أجل الإسلام. إنهم بذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وهيهات هيهات بين من يعمل لمرضاة الغرب وبين من يعمل لمرضاة رب الشرق والغرب.

أفتى بعضهم بما هو معلوم من الدين بالضرورة بتحليل ما هو حرام في شرعنا. ففي تونس الخضراء سمحوا بالعري على الشواطئ، وبالخمر في المنتجعات السياحية، وادعوا أن ذلك في مصلحة المسلمين وللحفاظ على السياحة.

خدعت بعض هذه الجماعات المسلمين زمناً طويلاً بقولها إنها تسير في طريق التحرر والعمل ضد يهود، ولكن ما حدث في سوريا كان فيه خير كثير بأن أظهر أنها لا تحمل خيراً للأمة أبداً. عملت على نصرة المجرم الظالم على أهلنا وأحبتنا في شامنا العزيزة، ولم يقتصر عملها على هذا فحسب، بل مدت نظام الكفر الأسدي بالمال والعتاد والجنود كي يفتك بالمسلمين. ألا خزي الدنيا والآخرة على من خذلنا و ناصر المجرمين علينا.

وظهرت على الساحة السياسية شخصيات كانت تحظى لدى الأمة بالاحترام الشديد، ولكن سرعان ما انكشف ما كان مختفياً تحت عباءة الكذب والفسق والضلال، وبانت على حقيقتها عارية ضعيفة منكسرة. حُسبوا علينا دهراً بأنهم كتاب وعلماء ومفكرون، ولكن عندما زالت أقنعتهم ظهروا على حقيقتهم التي طالما أخفوها وحاولوا جاهدين إبعادها عن تفكير الأمة وعن تصورها. هؤلاء أشباه العلماء وأشباه المفكرين قد تكشفوا حينما ثارت الأمة على الظلم والقهر والذل، فناصرت أنظمة الكفر والجور على الأمة، وأيدت قاتل الأطفال ومغتصب النساء…

أمثال هؤلاء هم الخطر الحقيقي على الأمة، فالغرب يعرض بضاعته الكاسدة  عبر هؤلاء ليكون لهم الحكم بعد سقوط الطواغيت، وللأسف الشديد نجد بيننا من يؤيدهم ويناصرهم مخدوعاً بمعسول كلامهم عن الحريات والديمقراطيات وغيرها من المسميات… ونحن بدورنا ندعو أمتنا المجيدة أن لا تنخدع بهم، فهم أداة طيعة بيد الغرب للسيطرة على مقدراتنا، وهم يسعون ليحكموا بلادنا بمسميات غريبة عن عقيدتنا، يريدون أن يحكموا أهلنا بما يسمى بالدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. أي بالخط العريض يريدون أن يحكموا الأمة بنظام كفر مغطى بالإسلام. أمثال هؤلاء هم إما مخادعون أو مخدوعون فاحذروهم يا أهلنا في كل بلاد المسلمين فلا يخدعنَّكم.

أمتي العزيزة: قد بان عصر نهضتك وعزتك فاعملي بجهد مع المخلصين من أبنائك لإرجاع ما ضاع منك وخفي عنك وشوَّهَ صورة دينك، استرجعي قوتك وهيبتك وخيرك الذي سيعم أنحاء المعمورة كلها، وعلى الله قصد السبيل…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *