العدد 306-307-308 -

العدد 306-307-308 ، السنة السابعة والعشرون، رجب وشعبان ورمضان 1433هـ

أموال حكام المسلمين في بنوك الغرب…

أموال حكام المسلمين في بنوك الغرب…

 

نافذ الجعبري- فلسطين

لم يكن من قبيل الصدفة أن يترافق سقوط الطغاة في كل من تونس ومصر وليبيا بالكشف عن فضائح مالية ونهب منظم لثروات الأمة من قبل هؤلاء الطغاة وأفراد عائلاتهم والمقربين منهم، بلغ أرقاماً لا يكاد يصدقها العقل السوي، ناهيك عن تبديدٍ لمليارات الدولارات في أمور لا تجني منها الأمة أية فائدة تذكر. فالأموال تنهب وبشكل منظم لتودع في مصارف الغرب في حسابات شخصية للحاكم وأبنائه وأصهاره والمقربين منه، في الوقت الذي تئن فيه البلاد تحت وطأة الديون الخارجية منها والداخلية، ويئن فيه الشعب تحت وطأة الفقر والبطالة وشح الموارد.

إن ما قامت به الأمة من إسقاط لهؤلاء الطغاة وما رافق سقوطهم من فضائح على كافة المستويات أدى فيما أدى إليه لفتح العديد من الملفات التي بقيت مغلقة لعقود من الزمن، ومن أهمها الدور القذر الذي لعبه الغرب وما يزال في دعم هذه الأنظمة المجرمة وتقديم كافة أشكال الدعم لها للحيلولة دون سقوطها وانعتاق الأمة من ظلمها واستبدادها، كيف لا وهو من صَنَعها على عين بصيرة وأمدها بأسباب الحياة عقوداً من الزمن لتبقى راعية لمصالحه، وتكون الضمانة الأكيدة لعدم عودة الأمة لتتبوأ مكانتها الحقيقية بين الأمم.

لقد عاشت الأمة الإسلامية قروناً في ظل حكم الإسلام كانت خلالها مشعل النور الذي أضاء حياة البشرية جمعاء بنور الإسلام، غير أن تخاذل المسلمين في فترة من الفترات عن الحفاظ على دولتهم ورمز عزهم وتكالب أعدائهم عليهم أدى إلى تراجع مكانتهم بشكل تدريجي كانت نهايته سقوط دولة الخلافة وتقسيمها إلى دويلات تخضع خضوعاً مباشراً لجيوش دول الاستعمار الغربي وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا، حيث استمر هذا الخضوع إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي خرجت منها الولايات المتحدة الدولة الأقوى على وجه الأرض، ما أغراها بالعمل على منافسة حلفائها على النفوذ في مستعمراتهم، فعملت على إيجاد أجواء سياسية عالمية ترفض مبدأ الاحتلال، كما عملت وبشكل غير مباشر على دعم ما يسمى بحركات التحرر الوطني في البلاد المحتلة وفي مقدمتها بلاد العالم الإسلامي والتي ستؤول الأمور إلى قياداتها في المرحلة القادمة، لتنسحب جيوش الاحتلال من تلك البلاد وتعلن دولاً مستقلة ذات سيادة، تحكمها زمرة من العملاء الذين صنعهم الغرب على عين بصيرة ليكونوا له خدماً طائعين، همهم الأول الحفاظ على مصالحه من جهة والإبقاء على حالة التخلف التي تعيشها الأمة من جهة أخرى. ولتحقيق ذلك فقد أطلق يدهم في ممارسة أبشع أشكال الظلم والفساد والترويع للأمة، كما وفّر لهم كافة أشكال الدعم السياسي والمالي وحتى العسكري ليتمكنوا من الاستمرار في لعب الدور القذر الذي أناطه بهم.

مما سبق يتضح وبشكل جلي أن ما كشف عنه من فساد مالي ونهب منظم لثروات الأمة لم يكن ليتم دون علم الغرب الكافر ومباركته، بل ودعمه اللامحدود لعصابات السرقة هذه. فالأموال تسرق بشتى الوسائل القذرة لتودع في بنوك الغرب وتدخل أسواقه المالية، ويُجمَّد البعض منها على شكل عقارات وممتلكات في مدنه المختلفة، فتكون النتيجة أن المستفيد من هذه الأموال هو الغرب ومؤسساته في حين يحرم منها أصحابها ومالكوها الحقيقيون من أبناء الأمة، في الوقت الذي لا ينفك السياسيون الغربيون عن التغني بضرورة نشر الديموقراطية الغربية في بلاد المسلمين، وتخليص الشعوب من أنظمة الحكم الدكتاتورية التي هي في الأساس صنيعتهم وربيبتهم، فأي نفاق هذا الذي يمارسونه؟!

لقد تسابقت الدول الغربية في الإعلان عن دعمها لمطالب الشعوب في التحرر من الطغيان حال تأكدها من عدم صلاحية هذه الأنظمة للاستمرار بغية ضمان السيطرة على مجريات الأمور، وأن لا تحقق الثورات أهدافها الحقيقية من عودة الأمة إلى مبدئها الصحيح والانعتاق من هيمنة الغرب وعملائه. كما تسابقت في الكشف عن بعض الأرصدة وتجميد البعض الآخر في الحسابات المصرفية التي تعود للطغاة الذين سقطوا أو الذين هم على وشك السقوط. أما أولئك الذين لم تهب على بلدانهم رياح التغيير بعد، فلا أحد يتحدث عن جرائمهم وسرقاتهم وأرصدتهم التي تفوق تلك التي تعود لمن سقطوا أو يكادون.

ونخلص مما سبق إلى حقيقة دامغة مفادها أن أنظمة الحكم القائمة في العالم الإسلامي، من سقط منها ومن هو آيل للسقوط، بل ومن يتبجح بأنه نظام مستقر وقادر على مقاومة الهزات والصمود في وجهها، تشترك جميعها في قاسم مشترك رئيسيّ يتلخص في كونها أدوات للاستعمار بوجهه الجديد بغية الاستيلاء على ثروات البلد والإبقاء على حالة البؤس والفقر والتخلف، والتي غدت سمة ملازمة لكل من يخضع لحكم تلك الأنظمة. فلا فرق بين من سقط منها وبين من هو على درب السقوط، وليس أدل على ذلك من تداعي رؤوس الفساد في الكثير من البلدان العربية لرفع شعار الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد الذي ينخر مفاصل تلك الأنظمة بلا استثناء، من خلال إجراءات تجمّل القبيح على أمل أن يصبح مقبولاً في أعين ضعاف البصر، ولكن ذلك الخداع وتلك المراوغة لم تعد تجدي، وسنة التغيير ماضية لا محالة. وأمة الإسلام التي وصفها رب العزة بأنها خير أمة أخرجت للناس لن ترضى بأقل من الدوس على تلك الأنظمة والعودة إلى مبدئها والتوحد تحت راية الإسلام، مهما بلغ حجم التضحيات، ومهما بلغت وعورة المسالك. مصداقاً لقوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

وسنتعرض فيما يلي لبعض السياسات التي تتبعها تلك الأنظمة في الاستيلاء على ثروات الأمة وتبديدها للإبقاء على حالة التخلف القائمة، والحيلولة دون نهضة الأمة نهضة حقيقية، وبالتالي الإبقاء على حالة التبعية لدول الغرب الكافر.

فمن أبرز تلك السياسات قيام هؤلاء الطغاة بإغراق شعوبهم في مستنقع من الديون الربوية التي تقدمها الدول الغربية ومؤسساتها المالية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لقاء فوائد ربوية عالية بدعوى معالجة العجز في ميزانيات تلك الدول، غير أن هذه القروض لم تكن توظف في معالجة العجز بل كانت تحوَّل في مجملها إلى الحسابات المصرفية للحكام وأعوانهم في مصارف الغرب. وبدل أن يعالج العجز يتفاقم وتصبح الدولة غير قادرة على سداد تلك الديون أو حتى الفوائد الربوية المترتبة عليها. وهنا يتدخل صندوق النقد الدولي لفرض حزمة من الإجراءات التي تضمن استمرارية الدولة في الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، مقابل إعادة جدولة تلك الديون ومن ثم مضاعفة الفوائد الربوية المترتبة عليها. أما عن الإجراءات التي يفرضها صندوق النقد الدولي فعادة ما توصف تلك الإجراءات بالتقشفية وذلك بهدف الحد من سرعة نمو الإنفاق العام الجاري والاستثماري، وذلك عن طريق تحجيم نمو القطاع العام، وتجميد الأجور، والحد من الخدمات العامة الاجتماعية، ورفع القيود عن المعاملات الخارجية، وتحرير التجارة الخارجية، وإلغاء تدخل الدول في مجال الاستيراد والتصدير، كما تشمل زيادة العبء الضريبي على المواطن، وتخفيض قيمة العملة المحلية، وغير ذلك من الإجراءات التي يرى الصندوق أن من شأنها استعادة التوازن الداخلي، وبالتالي التوازن الخارجي؛ ما يثقل كاهل المواطن ويجعل السعي وراء لقمة العيش شغله الشاغل.

غير أن هذه الإجراءات لم تسهم بالمطلق في تخفيض حجم الدين بل على العكس، إذ يكفي هنا أن نذكر أن حجم ديون الدول العربية بين عامي 1980م و2000م قد تضاعف سبع مرات من 49 مليار دولار في عام 1980م إلى 325 مليار دولار في عام 2000م، ولم يصاحب هذا الارتفاع زيادة مماثلة في الناتج المحلي، وذلك استناداً إلى وثيقة نشرها موقع “مكتبة المدني” الإلكترونية تحت عنوان “أثر الديون الخارجية على الدول النامية” حيث يمكن الاطلاع على تفاصيل وافية عن الديون وتأثيراتها بالرجوع إلى الموقع الإلكتروني:

 http://www.almdni.com/2011/08/24/316/

كما أن من أكبر الجرائم التي ارتكبتها تلك النظم بحق شعوبها ما سمي بسياسة الخصخصة والتي تم من خلالها بيع مؤسسات القطاع العام لشركات خاصة ضمن صفقات مشبوهة بدعوى توفير المال اللازم لمعالجة أزمة الديون والارتقاء بتلك المؤسسات التي كانت تعاني بالمجمل من فساد إداري ومالي عن طريق تحويلها إلى القطاع الخاص. غير أن هذا البيع لتلك المؤسسات حول ملكيتها لشركات أجنبية في الغالب، وما قبض ثمناً لها قد تم الاستيلاء عليه من قبل رأس النظام والمتنفذين من حوله؛ ما حرم الدولة من مصادر دائمة للدخل مقابل مبالغ زهيدة تمت سرقتها والاستيلاء عليها. وأورد هنا أمثلة على بعض ما حصل في الأردن كمثال على تلك السياسة نقلاً عن الموقع الإلكتروني “المركز العربي” تحت عنوان: “من المسؤول عن سرقة أموال الشعب الأردني؟”:

شركة البوتاس العربية: أعطيت هذه الشركة حق الامتياز حصرياً لاستخراج الأملاح والمواد الكيماوية في كامل منطقة البحر الميت وشاطئ البحر لمسافة 1كم حيث بيعت حصة الحكومة للمستثمر الكندي بمبلغ (126) مليون دينار، وقد وصلت أرباح الشركة عام 2008م إلى (311.4) مليون دينار، أي أن أرباح الشركة لعام واحد قد قاربت ثلاثة أضعاف المبلغ الذي بيعت به.

شركة الإسمنت: لقد باعت الحكومة حصتها عام 1998م إلى مجموعة لافارج الفرنسية، حيث يوجد لها مصنعان أحدهما في الفحيص قرب عمـّـان والآخر في الرشادية –محافظة الطفيلة- بمبلغ (70) مليون دينار أردني، وقد حققت الشركة ربحاً عام 2007م/2008م مقداره 118مليون دينار، أي أن الأرباح قاربت ضعفي ما بيعت به الشركة.

شركة أمنية للاتصالات الخلوية: باعت الحكومة الترخيص الخاص بشركة أمنية للاتصالات بـ (4) ملايين دينار فقط. وقد باعها صاحب الترخيص بعد أقل من عام إلى مستثمر آخر بمبلغ (415) مليون دينار، أي أن هذه الصفقة قد حرمت خزينة الدولة من مبلغ (411) مليون دينار.

شركة الكهرباء: بيعت هذه الخدمة بمبلغ (52) مليون دينار لشركة دبي كابيتال، مع أن ممتلكات هذه الشركة من مبان ومعدات تقدر بأكثر من مليار دينار.

شركة الاتصالات الأردنية: والتي كانت تدر دخلاً لخزينة الدولة يقدر بمئات الملايين من الدنانير، بيع ما نسبته 88% إلى شركة فرانس تيليكوم – أورانج بمبلغ(508) مليون دولار، علماً بأن أرباح الشركة السنوية تتعدى قيمة ما بيعت به.

الخطوط الجوية الملكية الأردنية: تم إلغاء المؤسسة الأردنية، وحولت إلى شركة استثمارية قابضة، وتم فصل نشاط الطيران عن النشاطات المساندة بعد أن تمت خصخصتها حيث بيعت مجمعات صيانة محركات الطائرات وتموين الطائرات ومركز التدريب والأسواق الحرة وأكاديمية الطيران لشركات أجنبيه بمبلغ (122) مليون دولار، كما أن مطار الملكة علياء الدولي وكافة مرافقه تديره شركة فرنسية، علماً بأن السعر الحقيقي لهذه البيوعات يزيد عن (600) مليون دينار، كما تم بيع كامل حصة الملكية من شركة عالية للضيافة وفندق عالية ورويال تورز إلى مستثمرين أجانب بثمن بخس. ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى الموقع:

http://3arabcenter.com/?p=1410

هذا مجرد مثال يوضح بالأرقام حجم الفساد الذي نتج عن انتهاج سياسة الخصخصة في بلد يعاني من عجز مزمن في الإيرادات؛ ما أوجد فجوة هائلة في مستوى الدخل بين الأكثرية المسحوقة والأقلية المنعَّمة، انعكست بشكل واضح على المستوى المعيشي للسكان. أما عن البلدان الأخرى في العالم الإسلامي، فالوضع ليس أفضل حالاً؛ إذ بمجرد بروز فكرة الخصخصة سارعت النظم الحاكمة لتبنيها؛ ما حرم الأمة من أصول كانت تعود عليها بالنفع لتتحول إلى أرصدة في الحسابات الخاصة للطغم الحاكمة، والمجال هنا لا يسمح بالاستفاضة في عرض الأمثلة من بلدان أخرى، إذ يكفي أن نقول إن ما حصل في الأردن ليس أكثر من صورة مصغَّرة لما حصل في بلدان أكثر غنى وأوفر ثروات.

ومن أهم ما ترتب على سياسة الخصخصة ما أعطي من امتيازات التنقيب عن الثروات الطبيعية كالبترول والمعادن والفوسفات وغيرها لشركات خاصة بعقود طويلة الأجل مقابل مبالغ زهيدة مقارنة بالقيمة الحقيقية لتلك الثروات، ما يعني إهدار تلك الثروات والتعجيل بنضوبها لصالح شركات أجنبية تستولي عليها فتنقلها كمواد خام لتصنع في بلدانها ويعاد استيرادها بمبالغ هائلة تسهم بشكل فاعل في انتعاش اقتصاديات الدول الغربية، بدل أن تصنّع محلياً لتحدث نمواً اقتصادياً لأصحابها الحقيقيين.

أما عن الصفقات الخاصة بتلك الامتيازات فالحديث يطول، إذ يتم عقد تلك الصفقات بشكل مريب لصالح شركات مشبوهة بتفاصيل مثيرة للجدل، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك ما يسمى بقضية بيع الغاز المصري لكيان يهود، والتي حرمت الشعب المصري من مليارات الدولارات لتصب هذه المليارات في خزينة العدو، ورغم كثرة التفاصيل المتعلقة بالصفقة المذكورة وعدم اتساع المجال لذكرها، إلا أنني سأورد بعض الوثائق المتعلقة بها لأهميتها، والتي نقلتها عن موقع “المصري اليوم” حيث يمكن الاطلاع على التفاصيل كاملة على الموقع الإلكتروني:

http://www.almasryalyoum.com/node/472105

وفيما يلي نص بعض تلك الوثائق:

في 21 ديسمبر 1998م وجَّه المهندس عبد الخالق عيَّاد، رئيس الهيئة العامة للبترول، مذكرة إلى الدكتور حمدي البني، وزير البترول في ذاك الوقت، يعرض خلالها تفاصيل لقاء جرى في فرنسا جمعه ومسؤولين بشركة كهرباء (إسرائيل) جاء فيها: “تلخيصاً لما دار في اللقاء المنعقد في مدينة باريس بفرنسا بحضور السادة رؤساء شركات أموكو مصر والدولية وهيئة كهرباء إسرائيل معي، وذلك لمناقشة موضوع تصدير حصتي شركتي أموكو والدولية في الغاز المنتج من حقولهما في البحر الأبيض المتوسط بمصر إلى هيئة كهرباء إسرائيل، وأود أن أشير إلى طلب الشركتين من الهيئة المصرية العامة للبترول إصدار خطاب إلى هيئة كهرباء إسرائيل يؤكد عدم ممانعة الهيئة في تصدير حصتيهما، وهو ما يتفق مع نصوص الاتفاقيات المبرمة معهما بشأن البحث والتنقيب وإنتاج الغاز، وقد قمت بإعداد الخطاب المطلوب. وأرى أن تصدير حصة الشريك الأجنبي يمثل ضرورة قصوى بعد أن تزايدت احتياطيات الغاز المؤكد، وكذلك تأكد فرص اكتشاف المزيد منه. أيضاً الموافقة على طلب هاتين الشركتين سوف يكون حافزاً لهما على المضي قدماً في تنفيذ خطط التنمية والبحث في المستقبل، وهو ما سوف يوفر لمصر نصيباً من الغاز يقابل التزايد المستمر في الطلب على الغاز محلياً”.

  • وفى 19 مارس 2001م وجَّه رئيس الوزراء الدكتور عاطف عبيد خطاباً إلى رئيس شركة شرق البحر الأبيض المتوسط ونص على التالي: “السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز، تحية طيبة، يسرني إبلاغكم أن مجلس الوزراء قد اتخذ قراراً بجلسته في 18 سبتمبر 2000م بتحديد أسعار بيع الغاز الطبيعي من الهيئة العامة للبترول في مخرج العريش وغيره بسعر المليون وحدة حرارية بريطانية MBTU طبقاً للمعادلة المرفقة وبحد أدنى 75 سنتاً وحد أعلى 1.25 دولار، ويزداد الحد الأعلى إلى دولار وخمسين سنتاً في حالة ارتفاع سعر البرميل من بترول برنت إلى 35 دولاراً أو أكثر. وهذه الأسعار للكميات التي سيتم التعاقد عليها معكم من الهيئة المصرية العامة للبترول ولمدة خمسة عشر عاماً. ويمكنكم الاستناد إلى قرار مجلس الوزراء سالف الذكر فى الاستثمارات التي ستقومون بها وفى جدوى المشروع. حتى يمكن الإسراع بمد خط الأنابيب اللازم، وبدء قيامكم ببيع ونقل وتصدير الغاز الطبيعي المصري في أقرب فرصة إلى الدول التي ستقومون بالتعاقد معها، ويتم موافاة وزارة البترول بصورة العقد المقترح من جانبكم في أقرب فرصة للدراسة والتوقيع”. ويحمل الخطاب توقيع الدكتور عاطف عبيد مذيلاً بجملة “مع خالص تحياتي”.

ومن بين هذه المستندات، مذكرة مشروع قرار وزير البترول بتفويض رئيسي الهيئة العامة والشركة القابضة، والذي ينص على ما يلي:

  • “بعد الاطلاع على قرار مجلس الوزراء بجلسته بتاريخ 18/9/2000م، بشأن قيام الهيئة المصرية العامة للبترول ببيع الغاز الطبيعي لشركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز بهدف تصديره إلى الأسواق المستهلكة بمنطقة البحر المتوسط وأوروبا من خلال خط الأنابيب، وذلك لكمية تقدر بنحو 7 مليارات متر مكعب سنوياً وتزداد فى حالة وجود فائض. وعلى قرار مجلس الوزراء المذكور بتحديد أسعار بيع الغاز الطبيعي المباع، وفى التعاقد مع شركة البحر المتوسط للغاز لمدة 15 عاماً يمكن تجديدها بموافقة الطرفين والترخيص لوزارة البترول ممثلة في الهيئة المصرية العامة للبترول في إنهاء إجراءات التعاقد، قرر:

أولاً: نفوض السيد المهندس إبراهيم صالح، رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول، والسيد المهندس محمد طويلة رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للغاز في توقيع عقد بيع الغاز لشركة شرق البحر المتوسط وفقاً للأسعار والاشتراطات التي قررها مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 18/9/2000م، كما نفوضهما في توقيع عقد بيع الغاز من شركة البحر المتوسط إلى شركة الغاز الإسرائيلية وغيرها من الشركات الإسرائيلية أو التركية أو غيرها كطرف ثالث ضامن لتوريد الكميات والمواصفات الفنية ومدة التوريد وفقا للتفاصيل الواردة في هذه العقود والخاصة بذلك.

ثانياً: يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره وينشر بالجريدة الرسمية.

يتضح مما سبق أن القرار ببيع الغاز المصري لكيان يهود قد اتخذ من أعلى المستويات السياسية، وتم تحديد سعر البيع كذلك من نفس المستوى. فإذا علمنا أن سعر التكلفة للوحدة يزيد عن السعر المقرر لتصديرها للعدو، فإن الصورة تصبح واضحة المعالم لتكشف عن الدوافع الحقيقية لتلك الصفقة.

أما عن نفط الخليج والعراق وليبيا وغيرها من البلدان التي حباها الله سبحانه بهذه الثروة فالحديث يطول، فالشركات التي تقوم بالتنقيب عن النفط واستخراجه هي بالمجمل شركات غربية يكون لها نصيب الأسد في أثمان النفط المستخرج والذي يباع كنفط خام كما ذكرنا سابقاً، في حين تكون حصة البلد المنتج الفتات، غير أن وفرة الإنتاج هي التي توحي ظاهرياً بأن المردود مرتفع نسبياً، وهذا بالطبع لن يدوم طويلاً، فسرعان ما تنضب تلك المخزونات بعد أن تكون قد نهبت تحت سمع وبصر نواطير الغرب ممن يسمون بالملوك والرؤساء.

ومن أبرز ما ينبغي الحديث عنه في هذا السياق صفقات الأسلحة المشبوهة والتي تقدر بالمليارات وتباع لتلك الأنظمة وفق شروط قاسية تجعل منها عبئاً على تلك الدول بدل أن تسهم في أمنها واستقرارها، إذ إن هذه الأسلحة يتم تشغيلها وصيانتها من قبل فنيين أجانب مقابل مبالغ خيالية، ولا يسمح باستخدامها إلا ضد الشعوب كما ظهر جلياً في ليبيا واليمن وسوريا، أما الأعداء الحقيقيون للأمة فهم في منأى عن خطر تلك الأسلحة، ولا يخفى هنا ما يشوب تلك الصفقات من فساد مالي يعود بالنفع على الفئة المتنفذة، لترزح الأمة تحت أعبائه لسنوات تطول.

ويكفي للتدليل على ما ذكرنا ما قامت به دول الخليج وفي مقدمتها ما يسمى بالمملكة السعودية من شراء لأعداد كبيرة من الطائرات وغيرها من أنواع الأسلحة والتي لم تستخدم إلا في نصرة الأميركيين في حربهم ضد المسلمين في العراق، وكذلك ما قام به الهالك القذافي من شراء للأسلحة وتقديمها لحركات التمرد في كل من السودان وتشاد ما ساهم في الفاجعة التي مني بها المسلمون في السودان بفصل جنوبه، وربما الإعداد للمزيد من الشرذمة. ولعل في الخبر التالي الذي أوردته وكالة “مأرب برس” بتاريخ 29/12/2011م مثالاً صارخاً على ما ذكرنا أورده كما هو بالنص: “الخميس 29 ديسمبر-كانون الأول 2011م الساعة 11 مساءً -مأرب برس– وكالات

http://marebpress.net/news_details.php?sid=39202

“أعلن البيت الأبيض اليوم الخميس عن توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يقضي ببيعها طائرات من نوع (أف 15 إس.إي) متطورة بقيمة 29.4 مليار دولار. فيما هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز إذا فرضت عليها عقوبات نفطية.

وأصدر المتحدث باسم البيت الأبيض جوشوا إيرنست بياناً قال فيه إن “الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقعتا على اتفاق من حكومة إلى حكومة بموجب برنامج المبيعات الأجنبية لتوفير طائرات قتالية متطورة من نوع (أف 15 إس إي) إلى القوات الجوية السعودية”.

وقال إيرنست “إن الاتفاق الذي تقدر قيمته بـ29.4 مليار دولار يتضمن إنتاج 84 طائرة جديدة، وتحديث 70 طائرة حالية بالإضافة إلى الذخائر وقطع الغيار والتدريب والصيانة واللوجستيات”.

وأشار إلى أن هذا النوع من الطائرات الذي تطوره شركة (بوينغ) هو “الأكثر تعقيداً وقدرة في العالم”.

واعتبر أن الاتفاق سيؤثر إيجابياً على الاقتصاد الأميركي، ويساهم بتقدم الوعد الذي قطعه الرئيس باراك أوباما بخلق الوظائف من خلال زيادة الصادرات، مشيراً إلى أن الخبراء يقولون إن الاتفاق يساهم بدعم أكثر من 50 ألف وظيفة في أميركا، ويتعامل مع 600 مورد في 44 ولاية، وتأثيره الاقتصادي السنوي يقدر بـ3.5 مليار دولار.

وأضاف أن الاتفاق يدعم “العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية ويظهر التزام الولايات المتحدة بقدرة دفاعية سعودية قوية تكون مكوناً أساسياً باستقرار المنطقة”.

يأتي الإعلان عن الصفقة أيضاً بينما يستعد الرئيس الأميركي باراك أوباما لتسريع حملته من أجل إعادة انتخابه في نوفمبر تشرين الثاني 2012م، وهي حملة من المرجح أن يشكل الاقتصاد الأميركي ونمو الوظائف محور المنافسة فيها”.

إن ما ذكرناه غيض من فيض، ولو أردنا أن نسترسل في الحديث عن تلك الفضائح لذكرنا العجب العجاب، ولكن المجال لا يتسع والحديث يطول، فالفساد والنهب ليس حكراً على نظام دون نظام أو حاكم دون حاكم أو رئيس دون ملك، بل كلها أنظمة مستنسخة من بعضها البعض، لا خير فيها ولا أمل في إصلاحها.

من هنا كان العمل لإزالة تلك الأنظمة علاوة على كونه واجباً شرعياً، فإنه السبيل الوحيد لخروج الأمة من هذا النفق المظلم الذي أدخلتها فيه تلك الأنظمة، والخروج من حالة الفقر والبطالة والتخلف والجهل، ولتعود الأمة لتحتل مكانتها الحقيقية بين الأمم، وهذا لن يكون إلا بإسقاط تلك الأنظمة وتوحد الأمة في دولة واحدة تحت إمارة خليفة مسلم تتقي به وتقاتل من ورائه مصداقاً لحديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام «الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به» سائلين المولى عز وجل أن يجعل ذلك قريباً، إنه نعم المولى ونعم النصير.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *