العدد 306-307-308 -

العدد 306-307-308 ، السنة السابعة والعشرون، رجب وشعبان ورمضان 1433هـ

الفضائيات والدعاية الغربية… بهرجة لباطل يترنح أمام حق يتقدم

الفضائيات والدعاية الغربية…

بهرجة لباطل يترنح أمام حق يتقدم

 

د. مـصعب أبو عـرقـوب

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير – فلسطين

اقترف الغرب الكافر منذ سقوط الخلافة الإسلامية مئات المذابح، وأشعل عشرات الحروب، وسفك دماء آلاف المسلمين، وانتهك الأعراض، وألقى ملايين الأطنان من القنابل على رؤوس المسلمين واحتل أرضهم ونهب ثرواتهم. لكنه لم ينتصر في حربه هذه؛ إذ لم يستطع أن يُنسي الأمة إسلامها المتجذر في عقول وقلوب أبنائها، فانتفضت الأمة بربيع تخطى حدود سايكس بيكو لتحطم بثوراتها الكثير من العقبات في سيرها نحو باب الخلافة، التي هي عزها ورفعتها ورقيها ونهضتها، فاستعادت الأمة بذلك ثقتها بنفسها وبدأت تتلمس طريق العزة والانعتاق من التبعية والذل وترنو أعين شبابها في ميادين التحرير إلى تطبيق شرع الله وتحرير فلسطين وغيرها من الآمال التي تجسّد شوق الأمة إلى الوحدة والعيش في ظل دولة الخلافة.

أمام جُمَع التغيير المتلاحقة وأمواج الجماهير المنطلقة من المساجد، والتكبيرات والهتافات النابضة بخلجات قلوب المسلمين المتعطشين للإسلام وعدله، يقف الكفر مرة أخرى في خندقه الأخير أمام الحق فيسعى إلى تشويهه وتضليل الناس عنه، علّه ينفذ إلى عقول أبناء المسلمين ليسيطر عليها بعد أن فشلت قنابله وبارجاته وطائراته وعملاؤه على مدى عقود في إبعاد الإسلام عن عقول المسلمين، في محاولة منه لمحاصرة الثورات وصرفها عن الإسلام ومشروعه الحضاري المتمثل بإقامة الخلافة الراشدة ليحافظ على مصالحه وأدواته الاستعمارية في بلادنا.

ويأتي الإعلام عموماً، والقنوات الفضائيات بشكل خاص، على رأس تلك الأدوات التي يستعملها الغرب الكافر وعملاؤه في الأنظمة المترنحة أمام الأمة الإسلامية، فغدت الفضائيات الأداة الفعّالة في الدعاية الإعلامية التي تشن على أمتنا ليل نهار، في محاولة يائسة للوقوف أمام التغيير الجذري القادم، ولا نكشف سراً إن قلنا إن معظم القنوات الفضائية تساهم في تلك الحرب الدعائية على مشروع الأمة الحضاري، وتقف أمام كل العاملين له وأمام كل نشاط أو كلمة أو فكرة، بالتضليل أو التحريف أو التجاهل، لكن إلقاء الضوء على حقيقة “الدعاية الإعلامية” التي تشنها تلك الفضائيات وعلى بعض أساليبها وأكثرها تكراراً، يمهد الطريق للوقوف أمام هذا الكم الهائل من التضليل والتحريف.

وقبل التعرض لبعض أساليب تلك الدعاية نتوقف عند تعريف الدعاية وبعض أشهر مدارسها:

فالدعاية “propaganda” يعرّفها معهد تحليل الدعاية في الولايات المتحدة الأميركية على أنها “تعبير عن رأي أو فعل ينقله فرد أو جماعة من الأفراد عن قصد، بهدف التأثير في آراء وأفعال الأفراد الآخرين أو الجماعات من خلال استغلال مفاهيم علم النفس”. وأول من استعمل هذا الاصطلاح هو البابا جريجوري عام 1622م في اجتماع لجمعية الدعاية المقدسية التبشيرية.

وبحسب معجم مصطلحات الإعلام، فالدعاية هي: “التأثير على ﺁﺭﺍﺀ ومعتقدات الجماهير لجعلها تتخذ اتجاهاً معيناً نحو نظام أو مذهب بصورة إيجابية أو سلبية، كما تحاول تهيئة نفسيات الأفراد لقبول وجهات النظر التي تدعو لها والتشبع بها لجعلها تتخذ اتجاهاً معيناً نحو نظام أو مذهب بصورة إيجابية أو سلبية، كما تحاول تهيئة نفسيات الأفراد لقبول وجهات النظر التي تدعو لها والتشبع بها، وتلجأ إلى تشويه الحقائق وتحريفها.”* ويقول العالم جاك أيلول في الدعاية “ما هو دعاية لا يمكن أن يكون حقيقة”، وقد برز دور الدعاية الإعلامية بعد الحرب العالمية الثانية خصوصاً، وقد عرفت مدارس دعائية من أشهرها:

أولاً: المدرسة الدعائية النازية: التي كان على رأسها “جوزيف جوبلز” وزير الدعاية الألماني الذي كان شعاره “اكذب…اكذب ومرةً أخرى اكذب حتى تصدق ما تكذبه”، ويقول أحد القادة النازيين: “إننا نستهلك الكثير من القنابل لندمر مدفعاً واحداً في يد جندي، أليس من الأرخص أن نوجد وسيلةً لتسبب اضطراب الأصابع التي نضغط على زناد ذلك المدفع في يدي الجندي؟؟”.

ثانياً: المدرسة الدعائية الشيوعية: وقد اعتمدت على الفضيحة السياسية، وتسليط الضوء على الظلم الناشئ من النظام الرأسمالي، وتقديم الحلول الاشتراكية بعد بيان عظم ظلم المبدأ الرأسمالي، وقد قال ماركس: “يجب جعل الاضطهاد الحقيقي أكثر قسوة بإضافة الوعي إليه، وجعل العار أكبر خزياً بالإعلان عنه”.

ثالثاً: المدرسة البريطانية: وتقوم في جوهرها على “معالجة الحقيقة” بما يخدم مصالحهم، أي على التضليل، فقد قال أرنست بيغين وزير خارجية بريطانيا الأسبق: “إن الطريق السوي لنشر الحقيقة هو معالجتها”، فالحقيقة عند بريطانيا يجب أن تعالج لتوافق توجهاتهم وسياستهم الاستعمارية. وأسلوبهم في ذلك السيطرة على الأخبار وانتقائها وعدم المبالغة، يقول اللورد ماكدونالد “الـ (بي بي سي) -هيئة الإذاعة البريطانية- مهتمة فقط بنشر الحقيقة”، أي حقيقة المعالجة على طريقتهم!!.

رابعاً: المدرسة الأميركية: استفادت الولايات المتحدة الأميركية من المدارس السابقة، وتقوم على نشر دعايتها من خلال التعليم والتأثير على الجماهير بالوسائل الإعلامية المختلفة، فأنشأت لذلك وكالة المعلومات الأميركية لدعم سياستها الخارجية وسمي جزءاً من الوكالة (صوت أميركا) الذي يتولى إذاعة الأخبار والدعاية للسياسات الأميركية. واعتمدت على وسائل إعلامية ضخمة لبث دعايتها؛ فالولايات المتحدة تمتلك أكبر ترسانة إعلامية في العالم، ووكالات الأنباء الأميركية تتحكم بـ 80% من الصور المبثوثة، وتنتج أو تبث 57 % من الأفلام السينمائية في العالم، وتزود “وكالة الأسوشيتدبرس” 1600 صفحة بأخبارها، كذلك 5900 محطة إذاعية وتلفزيونية، ويشترك الأميركيون بــ90% في شبكة “الإنترنت”.

وتضع الولايات المتحدة الأميركية تلك الترسانة الإعلامية في خدمة دعايتها الإعلامية التي يدور محورها حول “الدعوة بشكل إيحائي إلى (التحضر) على طريقة تقليد الأسلوب الغربي، والثقافة الغربية، والفكر البرجوازي الليبرالي الغربي. أي أن المطلوب من المجتمعات غير الغربية، وبالذات منها الواقعة ضمن جدول الاستهداف الغربي كمجتمعاتنا الإسلامية والعربية، أن تفقد هويتها المحلية وتهجر أعرافها وتقاليدها المحلية الأصيلة، المعروفة بإيثار التماسك العائلي وعفاف الأفراد من كلا الجنسين”.

ومع اختلاف تلك المدارس إلا أن الباطل وإن تعدد فإنه لا يستطيع أن يقدم حججاً مقنعة، فليجأ إلى التحريف والتزوير، فتجتمع تلك المدارس الدعائية على أساليب وسمات أصبحت هي المستخدمة لكل باطل، وتشكل الدعامة الرئيسية وخلاصة تجاربه في التضليل والصد عن سبيل الله، وهي التي تطبق عملياً في الحملة الدعائية على الأمة الإسلامية عبر فضائيات السوء، ومن أشهر تلك الأساليب والسمات:

  1. الدعاية التضليلية: والتي من سماتها “التوجه إلى الأشخاص لا إلى الموضوعات التي تستدعي المناقشة وإعمال العقل، فالدعاية الموجهة للأشخاص تستهدف أخلاقهم وسلوكهم وتحرك مشاعرهم وعواطفهم أكثر مما تتطلب إعمال العقل والتفكير”.

  2. إخفاء الدعاية وتمويهها حتى لا تبدو واضحة على أنها دعاية، وإلا تعرضت للفشل، فالأمة تعرف عدوها، وتكره كل محارب لعقيدتها وأفكارها المتجذرة، فلا بد من إخفاء العداء والهجوم على أفكار الإسلام تحت مسميات مضللة كحقوق المرأة والديمقراطية والمدنية وغيرها من أشكال التمويه الفكري والسياسي.

  3. إسناد الدعاية بمعلومات ذات قيمة، وإلى المعرفة الدقيقة بمجريات الأمور، وإلى اللغة والاتجاهات الثقافية والوطنية، وذلك من باب التشتيت وبث السم في الدسم.

  4. التوجه للقضايا المعروفة من الشعب، والحديث عنها بصدق وموضوعية (البطالة / التنظيم / الاحتكارات / الغلاء / الأمن / الفساد)، للفت الانتباه وتحريك المشاعر حتى تستطيع غرس المفاهيم السياسية والحلول الرأسمالية في غفلة من حضور العقل.

  5. الاعتماد على فرق متخصصة: فالدعائيون أو القائمون على تنفيذ الدعاية يتمتعون بحرية الحركة والتنفيذ، ويعملون دون أي رادع، وتوفر لهم الإمكانات الهائلة للقيام بأعمالهم من خلال:

  • المعرفة بنفسية الجماعة التي توجه إليها الدعاية، ولذلك تجرى الإحصائيات والمسوحات الميدانية واستطلاعات الرأي.

  • توفير عامل الخلق والإبداع في إنتاج الأفلام القصيرة والمؤثرات الصوتية وغيرها من أساليب الجذب البصري والسمعي.

  • العمل على صياغة وتكرار بعض العبارات والأقوال القصيرة والمعبرة التي قد تعطي بعض النتائج، وتهتم الفضائيات بالتكرار كأسلوب دعائي، ويقف وراء تلك الصياغة مفكرون وعلماء في الدعاية والتضليل، فقد جاء في كتاب “الإقناع وغسيل الدماغ” لكاتبه “جي أي بروان”: “إن صاحب الدعاية إذا كرر قولاً ما مرات كافية، فسيأتي يوم يجد قوله قبولاً عند الناس”.

  • عامل الدين: الاستشهاد بحديث نبوي أو آية كريمة يمنح الدعاية مصداقية، فالأمة الإسلامية تقدر النصوص الشرعية وتتأثر بها. ويقدم “علماء السلاطين” خدمة هائلة في هذا البند للدعاية المضللة، فيحرفون القول عن مواضعه ويلوون أعناق النصوص لتوافق الدعاية الرسمية وتشرعن للحاكم ظلمه.

  • التهديد بالقوة الموجَّه للإعلاميين المهنيين أسلوب تتبعه الدول العظمى لتقييد حرية عمل بعض الإعلاميين الذين لا يسيرون في ركاب الدعاية الغربية المغرضة. لم يسلم حتى بعض الصحفيين الأميركيين من التسريح عن العمل لما استنكروا الحرب على العراق في مقالاتهم الصحفية، وهو ما حدث لمراسل شبكة فوكس نيوز الأميركية “جيرالدو ريفيرا” التي تعود ملكيتها إلى “روبرت مردوخ” اليهودي الأصل. كما طرد الصحفي “سموكو” مراسل صحيفة كريستيان ساينس من جنوب العراق، وقائمة الصحفيين المطرودين من العراق ومن مناصب عملهم طويلة.

  1. التحريف: أن يعمد إلى تصريح أو خبر منسوب لشخص أو دولة أو حزب فيُجري عليه تحريفاً بسيطاً قد يؤدي إلى نتائج خطيرة على صعيد ردة فعل الجمهور، ولا تتورع الفضائيات في تحريف كل ما يمكن أن يشكل خطراً على الحكام والغرب المستعمر، وتسعى إلى تحريف كل ما يخدم مشروع الأمة -الخلافة-.

  2. عامل الحذف: فالقاعدة الإعلامية تقول: “إذا أردت أن ينسى الرأي العام زعيماً فاحذف صوره وأخباره أو أي لفظ عنه”. والفضائيات تتعمد وبشكل سافر حذف أي مشاهد تظهر فيها رايات العقاب أو تسمع فيها هتافات تدعو لإقامة دولة الخلافة.

  3. التلاعب بنسبة الصدق والكذب: إن المزج بين الصدق والكذب يعتبر من المهارات الأساسية في الدعاية الغربية، فقول نصف الحقيقة تضليل مقصود.

  4. ألمبالغة وأسلوب التضخيم والتهويل: وهذا الأسلوب يستهدف فئة تستمتع بتناقل الأخبار المضخمة، لكن هذا الأسلوب لم يعد قابلاً للنجاح في زمن الانتشار الإعلامي الواسع.

  5. الإيجاز: أي قليل من الأفكار وكثير من التكرار: يجب أن يستخدم مع الدعاية أفكار قليلة مع العمل على كثرة تكرارها.

  6. بث الشائعات وإثارة البلبلة: فيما يخص موضوع دعاية الخصم.

  7. الحرب النفسية وتحطيم معنويات المنافسين.

  8. أسلوب الافتراء والكذب: ففي حرب احتلال العراق “حضَّرت وزارة الدفاع الأميركية مركزاً صحفياً بكلفة مليون ونصف دولار أميركي لتقديم أخبار سير العمليات العسكرية في الدوحة عاصمة قطر. واستعملت الدعاية الأميركية صوراً قديمة للإنزال في صحارى خالية لتبين سهولة الإنزال، وأن لا وجود للمقاومة، وهي صور تعود لحرب الخليج الثانية”.

ويبقى بعد الحديث عن أساليب الدعاية الإعلامية التي تشنها معظم الفضائيات على الأمة الإسلامية أن نفرق بين الدعوة والدعاية لنجد أن مؤسس حزب التحرير الشيخ العلامة تقي الدين النبهاني رحمه الله قد وضع خطاً دقيقاً وفاصلاً بينهما، فقد جاء في كتابه “التفكير”: “أسلوب الدعاية لفكرة يتشابه مع أسلوب الدعوة لهذه الفكرة، كل منهما يعتمد على عرض الفكرة على الناس، ولكن هذا التشابه قد يضلل حملة الدعوة، وقد يضلل أصحاب الدعاية لفكرة، فأسلوب الدعاية إذا استعمل في أسلوب الدعوة قد يخفق على المدى الطويل، وأسلوب الدعوة إذا استعمل في الدعاية يجعل الدعاية تخفق، فأسلوب الدعوة يعتمد على شرح الحقائق كما هي، أما أسلوب الدعاية فإنه يعتمد على تزيين الفكرة وبهرجتها، وإن كان كل منهما لا بد فيه من حسن العرض”.

وبافتقار الغرب ودعايته إلى الحقائق والحجج المقنعة يلجأ عبر أساليبه الدعائية الماكرة إلى “بهرجة” الباطل وتزيينه للوقوف في وجه الإسلام والعاملين المخلصين لإعادته كأسلوب حياة من جديد، وأمام هذه الهجمة يبقى الحق والدعوة إليه متفوقة؛ لأنها متصلة بالله العلي القدير من ناحية، والأساليب التي تتبعها الدعوة متفوقة على الدعاية الإعلامية المضلِّلة الموجَّهة للأمة عبر الفضائيات من ناحية أخرى؛ فقد صنَّف بعض الباحثين الدعاية من حيث المصدر إلى صنفين: الأول: الدعاية العامودية، وهي الدعاية التقليدية من السلطة للجماهير، أي من أعلى إلى أسفل عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة، والثاني وهي الدعاية الأفقية التي تتم داخل المجتمعات وتنتشر بين الناس ولا تنزل عليهم من أعلى، وهذه أكثر تركيزاً وأعمق تأثيراً “وتسعى إلى تقديم وعي متماسك”.

وهنا يظهر تفوق العمل السياسي المرتكز على الإيمان بالله والإخلاص له، فالفضائيات كأداة العصر الدعائية لا تستطيع بحال من الأحوال أن تنافس الاتصال الشخصي، فلا تناقش الأفكار، ولا تبلورها، ولا تزرع العقائد، ولا تنمّي الوعي، ولا ترعى النفسيات، ولا يتحرق العاملين عليها لكل فكرة يطرحونها، ولا يذوبون شوقاً لترسيخها، ولا يذرفون الدموع ليلاً على حال المتلقين لدعايتهم، ولا يقيمون وزناً للدماء والأعراض إلا في إطار القيمة الدعائية التي تخدم مصالح مشغليهم، سواءٌ أكانوا من الأنظمة المهترئة أم من يقف وراءها من الغرب الكافر المستعمر.

والأمة تلمس صدق الداعية من كذبه، ولا يبقى أمام حملة الدعوة وأصحاب المشروع النهضوي المتمثل بإقامة الخلافة الراشدة إلا أن يجدّوا ويشمروا عن سواعدهم أمام هذه الهجمة الدعائية التي نرجو الله أن تكون العقبة الأخيرة أمام قيام دولة الخلافة، ولا بد من تكثيف العمل الدعوي وعدم إهمال الدعاية كأسلوب ضروري. فالاتصال الشخصي والزيارات للناس في بيوتهم يجب أن تكون الخبز اليومي لحامل الدعوة، ويجب أن يصبح كل حامل دعوة أداة إعلامية متحركة في كل مكان، فلا يخلو مسجد من خطيب أو داعية يعلق على كل فكرة أو حدث سياسي، ويضع الحلول الشرعية لكل مشاكل الأمة، ويبصِّر الأمة بطريق العزة الذي يجب أن تسلكه، بعد كل صلاة إن أمكن، ولتحمل أفكار الإسلام بالدعوة والدعاية في كل الميادين والجامعات، ولتتحول الأسواق والتجمعات إلى منابر يدعى فيها إلى تطبيق الإسلام والعمل على إقامة الخلافة الراشدة؛ ليتعود الناس على شباب الدعوة وعلى أفكار الإسلام، ولتوجد القطيعة والبغضاء بين الأمة وبين الدعاية الإعلامية الغربية البغيضة، ولا بد لحملة الدعوة أن ينزلوا إلى الشارع ويخاطبوا الجماهير بالأسلوب المؤثر البسيط، فنحن للأمة أقرب وللتعبير عن نبضها أصدق، فلا يجوز أن تخلو ساحة أو ميدان أو مسجد أو تجمع أو اجتماع أو ندوة من حامل دعوة أو صوت يعلو بكلمة الحق، فسكوت حامل الدعوة يعني أنه تخاذل وسمح للفضائيات وغيرها من أدوات الحرب على الإسلام والأمة الإسلامية أن تنفرد بالأمة، ولا يعذر أي فرد في صمته أمام أي فكرة يحارب بها الإسلام؛ فالطبيب يجب أن يناقش الدولة المدنية، ويجب أن يحفر في عقول مرضاه أن “الدولة المدنية طاغوت العصر”، والمدرس يجب أن يغرس في عقول طلابه أن “الديمقراطية نظام كفر.. يحرم تطبيقها أو الأخذ بها”، والعامل يجب يكرس مفهوم “الخلافة وعد وفرض”، والأب يجب أن يحفِّظ أبناءه “الأمة تريد خلافة من جديد”، ورب البيت يجب أن لا يترك شاردة أو واردة مما تطرحه الفضائيات إلا ويعلق عليها أمام عائلته وأولاده.. فتلك أمانة ولا مكان للتقاعس، فالتقاعس يعني أن نخلِّي بين الفضائيات ودعايتها المضلِّلة وبين عقول أولادنا ونسائنا؛ لتنهش جلودهم سياط المفاهيم الغربية الكافرة، فتسلخهم عن الإسلام ومفاهيمه العزيزة.

ولا بد من التكرار والإصرار وطرق الأبواب والأذهان، فإن حُجب نشاطنا وحُذفت مشاهد رفع رايات العقاب في احتشادات فلسطين لنصرة الشام وفي مظاهرات الشام، فلترفع رايات العقاب وألوية رسول الله في كل مكان، في البيوت، والمحلات والمراكز والمستشفيات والأسواق، حتى لا تخطئها عين أو كاميرا،، وإن تجاهلتنا الفضائيات وعتّمت على نشاطاتنا ومؤتمراتنا، فلنحاصرها ولنضيق مساحة عدساتها بتكبير مساحات عملنا.. ولنعمل على تصغير تلك المساحات التي لا نتواجد فيها قدر المستطاع، فالهدف الدعائي للفضائيات وغيرها من أدوات الدعاية هو الوصول للناس وإقناعهم والتأثير عليهم، فلنصل إليهم أولاً، ولنلتحم مع الأمة قبلهم، وبذلك يصعب على الفضائيات كأداة إعلامية تنقل الأخبار والأحداث أن تتجاهلنا، لأنها تسعى لتحقيق مشاهدة عالية عن طريق ملاحقة الأحداث ومخاطبة هموم الناس التي يجب علينا كدعاة حصرها في استعادة حكم الله في الأرض بإقامة الخلافة التي تحل مشاكل المسلمين ومآسيهم.

ومن نعمة الله علينا أن منّ علينا بالعيش في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ الأمة الإسلامية، فقد قضى كثير من الدعاة من الرعيل الأول وهم يتطلعون إلى خروج الجموع للشوارع وهي تهتف “الشعب يريد إسقاط النظام”، وها هي الأمة تنفض عنها غبار الذل، وتكسر جدار الخوف، وتقتحم الميادين في مشهد تمناه كل داعية مخلص سجن أو عذب أو نفي أو قتل من أجله. كثيرون آثروا رضى الله على القعود والخنوع، فكانوا الرواد والبناة الأوائل، وها قد جاء دور هذا الجيل من الدعاة ليقتحموا الميادين ويلتحموا بالأمة في كل نبضة ومع كل خلجة قلب.

فإنها اللحظات الأخيرة قبل انبلاج فجر الخلافة، إن شاء الله تعالى، وما أروعها من لحظات تقطع فيها الأمة صلتها مع كل الطواغيت والمستعمرين، وتتجه إلى الله الواحد القهار! فاللحظات الأخيرة تشهد تمايزاً في الصفوف، وتوجهاً خالصاً من الدعاة لله وحده. فالكفر رمانا عن قوس واحدة، ولم يبق لنا إلا باب الله، والله ناصرنا بمنِّه وكرمه، فلنحثَّ الخطى، وليتحرك كل العاملين، ولنعلِ الصوت، ولتستمرَّ الثورة حتى إعلان الخلافة الراشدة. فالنصر لأمة الإسلام، ونحن أوثق فيما عند الله مما في أيدينا.

قال تعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *