إرهاصات النصر
2001/02/11م
المقالات
1,978 زيارة
(نص الكلمة التي ألقاها الأستاذ عصام عميرة في ندوة بعنوان «أمة في مفترق طرق» أقيمت في جامعة القدس بدعوة من كتلة الوعي فيها، السبت 14 رمضان 1421 هـ.)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه،
أيها الإخوة والأخوات الأكارم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
إن الأمة الإسلامية اليوم تقف في مفترق طرق متشعب الدروب، وتتجاذبها قوى الكفر المتصارعة على خيراتها والمتآمرة على حاضرها ومستقبلها، لمنعها من الاختيار الصحيح الذي يدخلها في الدرب الموصل إلى الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ولا شك أن المراد لهذه الأمة من قبل أعدائها التاريخيين من اليهود والنصارى، ومن الرأسماليين الذين يمتصون ثرواتها كما يمتص الإسفنج الماء، وكذلك من قبل حكامها الذين لا ينتمون لها، لا شك أنهم جميعاً يريدون لهذه الأمة الفناء أو الاستسلام، وعلى أقل تقدير يريدون لها أن تنحرف عن عقيدتها ومنهاج حياتها ومحرك غضبتها وسبيل نهضتها ألا وهو الإسلام، ولا يعبأون البتة بمصيرها، أو في أي الدروب ستسير بعد هذا المفترق طالما بقيت حائرة مترددة بسبب فُرقتها وتشرذمها. ولكننا على ثقة أن أمة قد أبصرت طريق النور ودرب الحق لا يمكن إلا أن تسلكه، خاصة وطلائعها ورُوّاد نهضتها هم من أصحاب الفكر المستنير الذين ليسوا بالخب ولا الخب يخدعهم. ويحدوهم الأمل أن لا يطول الوقت قبل أن تتخذ الأمة قرار السير في الدرب الموصل إلى النصر والخلافة.
======================================
أيها الإخوة والأخوات الأكارم: إن للنصر إرهاصات تنذر بقرب حصوله، ومؤشرات تدل على حجمه وحركته في الأفق. ولقياس مدى تطابق تلكم الإرهاصات والمؤشرات مع المسافة بينه وبين العاملين له، وكذلك معرفة حجمه إزاء تطلعات العاملين وطموحات عامة المسلمين، لا بد من الوقوف عند جملة من الحقائق والمعطيات، ومعرفة حجم العمل المطلوب والتحديات التي تواجه العاملين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن حسابات النصر تختلف عن حسابات العمل وتحدياته، كون الأولى من الله سبحانه وحده، وتقع في دائرة القضاء، أما الثانية فتعتبر ضمن طاقات البشر في الإعداد وبالتالي تقع في دائرة التكليف. يقول الله سبحانه وتعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، وهذا يعني أن لقضية النصر جانبين، جانب عند الناس وهو العمل المطلوب شرعاً وفق نواميس الكون، وجانب عند الله عز وجل ينزله على من يشاء كيف يشاء وقتما يشاء. فإذا قام الناس بواجبهم النصروي حسب الشروط المطلوبة، والمتمثلة في اتباع الطريقة الشرعية لحمل دعوة الإسلام وبناء المجتمع الإسلامي، فإن الله سبحانه وتعالى يحقق لهم النصر، ويهيئ المناخ الملائم لحصول تداعياته وإتمام المطلوب من الاستخلاف والتمكين والأمن. وذلك قوله جل وعلا: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)، وقوله سبحانه وتعالى: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين). هذا وإن طبيعة النصر ينبغي أن تنسجم مع نوع التطلعات والطموحات إذا تحقق الإعداد المناسب، وإلا يكون نصراً وهمياً أو مغلوطاً. فإذا أراد الجيش أن ينتصر على عدوه في ساحة المعركة فإن المطلوب من جهة الجيش هو الإعداد قدر الطاقة من أسباب القوة وفنون المعارك في جميع المجالات المادية والروحية، ومطلبهم من الله أن يظهرهم على العدو بإفنائه ودحره وإيقاع أكبر الخسائر في صفوفه وخضوعه واستسلامه. والعاملون اليوم لاستئناف الحياة الإسلامية، مطلوب منهم أن يحققوا شروط النصر بإيمانهم وعملهم وفق طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومطلبهم من الله أن يهيئ لهم نقطة ارتكاز يقيمون فيها دولة الخلافة الإسلامية بعد انهيار نظام أو أكثر من الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي على يد أهل القوة والمنعة من أبناء المسلمين المخلصين، وأن يمكنهم بعد ذلك من مبايعة خليفة واحد على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، للحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يتم بعدها ضم باقي أقطار العالم الإسلامي إلى كيان الخلافة الواحد، ثم يُحمل الإسلام بعد ذلك رسالة هدى ونور إلى العالم أجمع. وفي نفس الوقت فإنهم يأملون أن يبدل الله خوفهم أمناً بتقويتهم مادياً وروحياً ومعنوياً، وإزالة هيبة الكفار وقواهم العظمى من نفوسهم، ونزع الوهن من قلوبهم وزرعه في قلوب أعدائهم، وإلقاء المهابة منهم في نفوس خصومهم، بل إنهم يطمحون أن تقاتل معهم ملائكة السماء عندما يعلنون الجهاد الحقيقي ضد الكفار كما قاتلت مع أسلافهم. أما إذا كانت تطلعات العاملين وطموحاتهم لا تنسجم مع أعمالهم وإعداداتهم فإن ذلك يكون افتئاتاً على السنن الكونية، وتراخياً مذموماً في تهيئة الأسباب وتنفيذ الشروط. كأن يقوم قوم بقراءة القرآن وترتيله وتجويده طمعاً في أن ينزل الله ملائكة تقصف القواعد الأميركية في الخليج والجزيرة، كما قام قوم قبلهم من مشايخ الأزهر بقراءة صحيح البخاري لدحر الغزاة الفرنسيين عن مصر أيام نابليون. وكأن يقول فريق رياضي عندما يهزم فريقاً آخر: “لقد نصرنا الله عليهم نصراً مؤزراً مبيناً”، فهذا وأمثاله لا يتفق مع القواعد الشرعية المقررة في معاني النصر وشروطه وأسبابه ونتائجه.
أيها الإخوة الأكارم: إن إرهاصات النصر اليوم تتجسد على خلفية عمل العاملين المخلصين الجادين والهادفين لإقامة دولة خلافة المسلمين منذ عقود طويلة من الزمن، وتتشكل على أرضية صلبة من البناء الفكري الرصين لحملة الدعوة الإسلامية، وقد بدت نتائجه واضحة في طول البلاد الإسلامية بعد قيامهم بالعملية الصهرية التي أذابت الجليد المتراكم على مفاهيم الإسلام الصحيحة، وتاريخه وحضارته، وارتباطه الذي لا ينفك عن دولته ونظامه السياسي، تماماً كما فعل مصعب الخير رضي الله عنه في المدينة. وشكلت عندهم رأياً عاماً قوياً يطالب بالخلافة، يرافقه وعي عام لا بأس به على كثير من أحكام الإسلام وخصوصاً الخلافة والعقيدة والجهاد، وأحكام السياسة الشرعية وعلاقة الراعي بالرعية. تأتي تلك الإرهاصات من كل الاتجاهات كالرياح المبشرة بين يدي نصر الله القريب بإذنه لتقول للمسلمين: هيا استعدوا فقد آذن الليل بالانقضاء وأوشك الصبح على الانبلاج.
فما هي هذه الإرهاصات؟
-
تعالي أصوات المسلمين المنادية بالخلافة وضرورة الحكم بما أنزل الله ، وارتفاع تلك الأصوات كماً وكيفاً، وقد ذكرت بعض الصحف الخليجية أن أنصار الخلافة قد بلغ عشرة ملايين في وادي فرغانة فقط، وهو الوادي الذي يقع في أراضي أوزبيكستان وطاجكستان وقرغيزستان. وعلى هذا فقد يصل تعداد أنصار الخلافة في العالم الآن مئات الملايين. ولا عجب، فتلك هي قضية المسلمين الأولى والمصيرية في هذه الأيام، وقد أدرك المسلمون بشكل لا يقبل التأويل أن تغيير أوضاعهم لا يكون إلا بقيامها.
-
وصول المسلمين إلى منتهى الذل والإهانة وفقدان العزة والكرامة، والنيل من مقدراتهم وقتل نفوسهم وانتهاك أعراضهم وحرماتهم بشكل لم يسبق له مثيل وفي معظم مناطق عيش المسلمين، ما حرك فيهم الغيرة على دينهم ودنياهم، واستشعارهم لضرورة التغيير، والانتفاض على واقعهم المرير.
-
تنبه الأمة إلى ضرورة استخدام القوة الكامنة في الجيوش المسلحة والمدربة في مواجهة أعدائها من اليهود والنصارى وغيرهم، وبدء الطلب من الحكام باستخدامها حسب الأصول الحربية المرعية، أو على الأقل فتح الحدود مع العدو المحتل أمام الجماهير الغاضبة. ولما لم يفعلوا ذلك حقد الناس عليهم، ونفضوا أيديهم منهم، وأصبح العمل الجماهيري لإسقاطهم قاب قوسين أو أدنى.
-
زيادة التفاف الناس حول الحزب المخلص الواعي واتخاذه قائداً ومرجعاً سياسياً وفقهياً موثوقاً لهم، بعد تنقيته من كافة الشوائب الداخلية التي علقت به أو أُلصقت به وليست من جنسه، وسقوط كافة الشبهات التي أثيرت حوله من أعدائه الحاقدين وخصومه الجاهلين. وقد تزامن ذلك مع انخفاض مستوى الطلب على تأييد التنظيمات المسلحة [إسلاميها ووطنيها] التي بهرت الناس ردحاً من الزمن، بل وفقدان الثقة بقدرتها على القيام بالأعمال التي تحقق تطلعات الناس، كونه قد ثبت عجزها الفاضح في هذا المجال، هذا إن لم تُتهم بتورطها في مخططات الحكام، وصرنا نسمع من المسلمين العاملين في هذه التنظيمات عبارة موحدة مفادها أن أقيموا الخلافة وسنكون جنودها الأوفياء! وهذا الأمر يعتبر بحد ذاته مؤشرَ وعي لدى الناس، ومدعاةً للتفاؤل بتعاظم القوى العاملة لإقامة الخلافة على يد الغرباء ونُزّاع القبائل الذين يصلحون ما أفسده الناس من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنته.
-
التصدي الشرس لحملة الدعوة من قبل الحكام وجلاوزتهم، والذي بلغ حد القتل تحت طائلة التعذيب، إضافة إلى الاعتقال التعسفي والسجن لمدد طويلة وصل بعضها إلى عشرين عاماً. ناهيكم عن الملاحقة وأعمال التشتيت والتشويه والتعتيم الإعلامي الرهيب الذي عبر عنه أحد المحللين السياسيين السوريين لدى إجابته على أسئلة مذيع قناة الجزيرة الفضائية حول إغلاق سجن المزة وإطلاق سراح بضع مئات من المسجونين السياسيين قائلاً: هناك حزب إسلامي، أجمع القوم على عدم ذكر اسمه، يعتبر أخطر حزب على أنظمة الحكم، ولما ألح عليه المذيع أن يذكره بالاسم قال له: لو ذكرته لعرضت نفسي للاعتقال! يضاف إلى ذلك ما ذكرته مجلة الوطن العربي في عددها رقم 1238 الصادر يوم الجمعة 24/11/2000م أن هناك عشرة ملايين أوزبيكي يخططون للخلافة، وأن حرب القوقاز تبدأ من وادي فرغانة، وذكرت ثمانية أحزاب إسلامية تعمل هناك على سبيل الحصر ولم تذكر شيئاً عن حزب التحرير، مع أن المعتقلين من شباب الحزب في أوزبكستان وحدها قد بلغ أربعين ألفاً، وهو العدد الذي ربما يفوق عدد منتسبي ومؤيدي تلك الأحزاب مجتمعة.
-
اهتمام الغرب الرأسمالي والشرق المترسمل ـ وكلاهما كافر ـ بتنامي ظاهرة الإسلام السياسي، وخوفهم من نجاحه في الوصول إلى سدة الحكم، وعقد المؤتمرات السرية والعلنية لمواجهته، وإنفاق الأموال الطائلة على مراكز الدراسات الإستراتيجية في محاولة للوقوف على أنجع السبل لكبح جماحه، ومنع وصوله إلى سدة الحكم. كما أن كثيراً من الدول القائمة في العالم الإسلامي تستعين بنتائج دراسات هذه المراكز، وتتبنى ما جاء فيها من توصيات.
-
الدور المشبوه الذي تمارسه المنظمات الصهيونية اليهودية والنصرانية في المنطقة والعالم والتي تقوم على تشويه صورة الإسلام والمسلمين من جهة، وتحاول مساواة الدين الإسلامي بالأديان السماوية الأخرى تحت شعارات وحدة الأديان وحوارها، والتسامح الديني ومحاربة ما يطلقون عليه التطرف أو الأصولية. وما التظاهر بمشاركتهم للمسلمين في أعمال انتفاضة الأقصى إلا جزءٌ من هذا الدور المشبوه، ولقد رأيت بأم عيني صباح أحد الأيام القليلة الماضية منظراً يوحي بالوئام والانسجام بين اليهود والنصارى أمام دير مار الياس الواقع جنوبي بيت المقدس، حيث شاهدت سيارات تحمل لوحات فلسطينية، في الوقت الذي يمنع فيه دخول عصفور يحمل لوحة فلسطينية إلى القدس، وشاهدت رجالاً من النصارى تبدو عليهم مظاهر الاحتفال ببعض أعيادهم، ودوريات من الجيش وحرس الحدود تحرسهم، وإذا مرت أمامهم حيوها بمودة، وشاهدت بعض قساوستهم يقف مع ضباط إسرائيليين وقفة هدوء وانسجام، لا فيها استنفارٌ ولا اتهام، ولا تدافع كالذي نشاهد مثله عندما يوقفون أمثالهم من المسلمين.
-
محاولات الحكام امتصاص غضب الشارع الإسلامي الجاد، والذي ظهر تجاوبه جلياً مع انتفاضة الأقصى، وذلك بافتعال مسيرات حكومية، أو إفساح المجال لبعض رموز هذا الشارع بالتعبير الصريح عن رأيها ولو أدى إلى النيل من أشخاص حكامها، مما كان يعتبر قبل ذلك خطاً أحمر وجريمةً لا تغتفر. ومن جهة أخرى فإن الحكام قد استغلوا بعض المشايخ والعلماء ممن لهم احترام وتقدير بين المسلمين لنشر ثقافة إسلامية مخصوصة، خالية من عناصر الإثارة والتحريض ضد الكفر والكافرين، وذلك من أجل تبريد الأجواء من حولهم، وصرف أنظار المسلمين عن الأحكام الشرعية المتعلقة بالحكم والسياسة والاقتصاد والجهاد الحقيقي بالسلاح الحقيقي في معارك حقيقية، وتركيزها فقط على أحكام العبادات والصدقات والأحوال الشخصية وبعض أحكام العقيدة والأخلاق، وإذا كان لا بد من الحديث عن الجهاد فبالمال، أو بالصبر وما يطلق عليه جهاد النفس، أو بما دون ذلك من التصفيق لرماة الحجارة والدعاء بتسديد رميهم وجبر كسرهم وطلب الرحمة لشهدائهم والشفاء لجرحاهم، وبناء المدارس بأسماء الشهداء وغير ذلك من الأعمال التي لا تغيظ عدواً ولا تسر صديقاً. وهذا يفسر النقص الشديد في الكتب والمؤلفات حول الموضوع الأول إلى درجة الفاقة، ووفرتها في الموضوع الثاني إلى درجة التخمة، بل إنهم ذهبوا أبعد من ذلك، وأنشأوا تياراً من العلمانيين والمشايخ يهاجم الخلافة، ويشوه صورتها ويستبعد إمكانية عودتها، بدءاً من علي عبد الرازق المصري الذي ظهر مع سقوط الخلافة العثمانية، وانتهاءً بأحمد القطعاني الليبي الذي ظهر في آخر برنامج للشريعة والحياة على قناة الجزيرة الفضائية.
-
سقوط آخر الأقنعة عن حكام الدول العربية وما يسمى بالدول الإسلامية بعد مسارعتهم إلى عقد مؤتمرات قمة عربية وأخرى إسلامية لصرف الأنظار إلى قممهم، وانتظار ما يمكن أن يتمخض عنها، إلى أن تهدأ الأجواء وتعود المياه إلى مجاريها. فلا القمة العربية أنتجت ولا الإسلامية التي جاءت بعدها أثمرت، وما زادونا إلا رهقاً. وأي معنى في أن يجتمع قادة المسلمين وذروة رجالهم ليبحثوا ذروة قضايا المسلمين في ذروة تأججها، ويتجنبون عمداً ذكر ذروة سنام الإسلام في بيانهم الختامي؟! إن ذلك يعني أنهم ليسوا في الذروة، ولا يستحقون لقب الذروة، بل على العكس، فهم في الحضيض بعد ظهور عجزهم الكبير عن تلبية أدنى المتطلبات! فما حاجة الأمة لهم بعد ذلك؟ آمل أن تبدأ الأمة بوضعهم في المكان الذي يستحقون.
-
ومن الإرهاصات إفلاسُ المبادئ الوضعية كالاشتراكية والرأسمالية، وعجزُها عن تلبية الاحتياجات الإنسانية على الوجه الأكمل، بل قد ظهر جلياً كيف أنها نزلت بالبشرية إلى أدنى من مستوى البهيمية، وبروز حتمية اختيار البديل الإسلامي خصوصاً عند المسلمين، ليس حنيناً للماضي التليد فقط بل كونه المبدأ الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأنه المبدأ الوحيد الذي يعيد للبشرية كرامتها، ويخلصها من أخلاق السفاح ومظاهر الإباحية والدياثة، وجشع الرأسمالي وأطماعه التي لا تعرف الحدود، وظلمه الذي ملأ الوجود.
-
يصاحب هذه الإرهاصات النصروية التي تعصف بالعالم الإسلامي اليوم مبشرات عَقَدِيّة من آيات قرآنية كريمة، وأحاديث نبوية شريفة تحمل قدراً كبيراً مشتركاً يكاد يفيد التواتر المعنوي بأن النصرَ حتمي لِحَمَلة الدعوة، وأن قيامَ دولة الخلافة الراشدة الثانية حقيقة لا ريب فيها. أقتطف منها ما أخرجه ابن ماجة عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، قيل ومن الغرباء ؟ قال: النّزّاع من القبائل». ومن أراد المزيد حول هذا الموضوع فليرجع إلى مجلة « الوعي» عدد 162 من صفحة 5 إلى صفحة 10.
أيها الحضور الكرام: إن طوفان العمل الإسلامي المخلص قد أوشك أن يجتاح كل قوى الكفر، وأوشك أن يقف العملاق الإسلامي على قدميه ليلقن العالم كله دروساً لا تُنسى في العدل والقوة والإخلاص وحسن الرعاية وبراعة السياسة. وإن بوادر النصر قد لاحت في الأفق الإسلامي لتقول للجميع: على رسلكم أيها السادة، فالعاملون للإسلام أقوى شكيمة من أي وقت مضى، وأوسعُ انتشاراً من أي وقت مضى، وأنقى كياناً من أي وقت مضى، وأنصارهم ومؤيدوهم أعظم من أي وقت مضى، ومؤشر الخلافة صاعد بسرعة البرق الذي سيخطف أبصار الكفار وأعوانهم، وستقوم الخلافة قريباً بإذن الله، وستصبح دولتها الدولة الوحيدة في العالم بعد أن تكون قد تربعت على عرش الدولة الأولى والأقوى فيه. وتلك سنة الله في خلقه، فالحرب سجال والأيام دول، وما بعد الضيق والشدة إلا الفرج، وما بعد العسر إلا اليسر. وصدق الله سبحانه وتعالى حين يقول: (فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً)، وقد أعجبني من الشعر قولُ أحدهم:
إِذا الحادِثاتُ بَلَغْنَ المَدى وكادَتْ تَضِيقُ بِهِنَّ المُهَجْ
وحَلَّ البَلاءُ وقَلَّ الوَفَاءُ فعِنْدَ التَّناهِي يَكُونُ الفَرَجْ
أيها الحضور الكرام: إن السعيد من بادر إلى العمل مع العاملين لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، وأخلص عمله لله لعل الله يتقبل منه، فيكون من الغرباء النّزّاع الذين يغرسهم الله لهذا الدين. وإن الشقي من والى الكفار والمنافقين في صدهم عن هذا السبيل، وخاض مع الخائضين. وإن الخاسر من أتبع نفسه هواها، ووقف متفرجاً ينتظر على من تدور الدائرة.
فاللهم اجعلنا من العاملين المخلصين لإعزاز هذا الدين، واجعلنا اللهم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعجل اللهم لنا بنصرِك وفَرَجك، وقيامِ دولة الإسلام التي فيها حكمك، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير، وبإجابة دعائنا قريباً جدير، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2001-02-11