العدد 166 -

السنة الخامسة عشرة ذو القعدة 1421هـ – شباط 2001م

كلمة الوعي: الانتفاضة … والمفاوضات

         هل بقي أحد لا يدرك أن سلطة عرفات استغلت، ولا زالت، دماء المسلمين التي تسفك على أيدي يهود، تستغلها لتسريع عجلة المفاوضات؟ وهل بقي أحد ممن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد لا يرى بناظريه، أو يسمع بأذنيه أن الذي يجري من أخذ ورد مع يهود في دهاليز الموائد هو خيانة وأية خيانة؟ وهل بقي أحد يصفق لما تتشدق به سلطة عرفات في فلسطين من حرص على الحقوق والتزام بالثوابت؟

         يقتل اليهود المسلمين ويسحبون جثثهم في مشهد يدمي كل صاحب حس، ومع ذلك يدعو رئيس السلطة يهود إلى مفاوضات مكثفة في طابا! وتحرق الأشجار وتقصف البيوت، ويتعمد يهود إذلال الناس بالإغلاق والحصار والمراقبة والتفتيش، وانتهاك الحرمات والمقدسات، ومع ذلك يتقابل رموز السلطة مع يهود على موائد عامرة يتجاذبون أطراف الحديث كأنَّ الأمر خلاف هامشي والخلاف لا يفسد للود قضية!

         يسألهم مراسل إحدى الوكالات: إن مفاوضاتهم هذه تصب في مساندة باراك في الانتخابات، فيجيبون بالإيجاب دون حياء أو خجل قائلين له بصراحة: إن السلطة تفضل باراك على شارون. في الوقت الذي يتسابق فيه باراك وشارون على ارتكاب المجازر كفرسيْ رهان في سفك دماء المسلمين وقتلهم.

         ويسأل المراسل: كيف يكون لهذه المفاوضات فائدة وباراك يصرح بأن لا عودة للاجئين لمنازلهم ولا إزالة للمستوطنات ولا سيادة للسلطة على المسجد الأقصى ومنطقته، وكيف تبادر السلطة بلسان رئيسها للدعوة إلى مفاوضات مكثفة على الرغم من هذه التصريحات، وعلى الرغم من استمرار يهود في القتل وسفك الدماء؟ ومع ذلك لا يجد المسئول حرجاً في أن يقول لعل هذه التصريحات انتخابية، ويضيف: إن السلطة لا تحب أن يسجل العالم عليها رفض السلام!

         يصرح مسئولو السلطة أن الحوار في هذه المفاوضات هو حوار طرشان ثم تستمر المفاوضات… ونقرأ أن السلطة تتهم باراك وأعضاء حكومته بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني وتطالب بمحاكمتهم دولياً كمجرمي حرب ثم تستمر المفاوضات… تسفك دماء المسلمين وييتم الأولاد وتثكل النساء ويفجع الآباء وتهدم البيوت وتحرق المزارع وتمارس أبشع ألوان المهانة والذل ضد أهل فلسطين ومع هذا تستمر المفاوضات… هكذا يناورون ويتآمرون، وهم في حقيقة الأمر يضعون الخطوط العريضة التي اتفقوا عليها في كامب دافيد، يضعونها أساساً لمفاوضاتهم، وينتظرون ترويض الناس لقبولها بالحديد والنار، متاجرين بدمائهم للوصول إلى تثبيت كيان يهود المسخ في الأرض المقدسة.

         يا مسلمون، مَنْ قَرُب منكم من فلسطين، ومَنْ بعد عنها، إن عذاب الله وغضبه لا ينزل على الخائن وحده أو الظالم وحده بل كذلك على من يرى الخيانة ويحس بالظلم ثم يسكت دون إنكار، ويهز رأسه دون مبالاة. لقد تنازل من يزعمون أنهم ممثلو فلسطين عن معظم فلسطين التي احتلت سنة 1948 وباعوه ونسوه، وهم اليوم يعملون بجد لبيع معظم القليل القليل الباقي، فهل تتركونهم يكملون الخناق على الأرض المباركة ويمكنون يهود من مسرى الرسول ومهبط الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين؟ اعملوا على وقف هذه المهزلة التي يسمونها مفاوضات مكثفة أو غير مكثفة، ماراتونية في اتجاه واحد أو في اتجاهات متعددة، واعلموا أنكم تتحملون وزر الجريمة إن رأيتم المجرم وسكتم، وتتحملون نتائج الظلم إن لم تأخذوا على يد الظالم (واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة).

         إن الأمر جد وليس بهزل، وإن القوم قد صدئت قلوبهم، وفقدوا التفكير السليم منذ زمن، وهم الآن قد فقدوا الحس والحياء، وفاقد الحياء لا يبالي أية جريمة يصنع، ولا في أي ذنب يقع، والحكام في بلاد المسلمين ليسوا بأطهر ولا أنقى من السلطة ورموزها، فلا تراهنوا عليهم ولا ترجوا منهم خيراً، فإنهم يصرحون ويكررون أنهم يرضون بما يرضى به ممثلو فلسطين بزعمهم، وهم قد آزروا هذه المفاوضات أو ساروا فيها، القريب منهم والبعيد، كما سارت السلطة ورموزها، وخاضوا كالذي خاضوا.

         إن قضية فلسطين قضية إسلامية وليست قضية فلسطينية تخص الفلسطينيين وحدهم ويتكلم بها من يدعي أنه يمثلهم، وهي لا تقبل القسمة على اثنين، شيء لليهود وشيء لأهل فلسطين، بل هي أرض إسلامية فتحها المسلمون بجهادهم وحافظوا عليها بدمائهم، وهذا شأنها وشأن كل أرض تُحتَل من بلاد المسلمين، تُفتدى بالمهج والأرواح حتى يُقضى على كيان يهود المسخ وكل كيان غاصب محتل لأرض المسلمين. وعليه فلا يحق للسلطة ولا لأي نظام قائم في بلاد المسلمين التنازل عن أي شبر منها، وكل ما يتفقون عليه مع يهود باطل باطل وسيبقى وصمة عار وسمة شنار على وجوههم، وهو خزي في الدنيا وفي الآخرة عذاب غليظ.

         إن تصرفات يهود وحقدهم وعداءهم العقدي وتاريخهم مع المسلمين يكشف أن هؤلاء قوم غدر ونكث وخداع، ولا عهد لهم، وأن الحرب ستبقى قائمة معهم ما دام في النفوس إسلام، وقد تأذّن الخالق أن يبعث على اليهود من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، وأن المسلمين لا يمكن أن ينسوا الدماء التي أريقت ببضعة أسطر تسمى اتفاقية.

         إن قضية فلسطين لن يحلها هؤلاء الشرذمة القليلون من الحكام والمتسلطين على رقاب المسلمين الذين باعوا دينهم بدنياهم وكراماتهم بكراسيهم، لن يحلها إلا الإسلام القادم إن شاء الله، وكل الدلائل تشير إلى أن معركة الفصل مع اليهود تقترب، وأن النصر والفرج لم يعد بعيداً. وإن على المسلمين أن لا يظنوا أن ما يدبر لهم من قبل أعدائهم وأدواتهم من الحكام هو نهاية الشوط، بل إن الله سبحانه سيشفي صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم ويضرب اليهود بأيديهم بعد أن يمن الله الكريم على المسلمين بالاستخلاف والتمكين والنصر. وإننا نشعر جميعاً بقرب حصول ذلك إيماناً بالله وثقة بجميل وعده. قال تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *