العدد 164 -

السنة الخامسة عشرة رمضان 1421هـ – كانون الأول 2000م

كلمة أخيرة: إعلام السلطة الفلسطينية وخطابها

          كل من يسمع أو يشاهد إعلام سلطة الحكم الذاتي يدرك أنه مأساوي جداً ويثير الشفقة والاشمئزاز في الوقت نفسه، فكل ما حولنا يتغير بسرعة تغير تكنولوجيا نقل الصوت والصورة واختصار المسافات والأوقات، إلا الإعلام السلطوي الذي لا يزال يعيش كما كانت حاله وقت انطلاقة العمل الفدائي قبل 35 عاماً. فكل شيء تغير في مجال الإعلام إلا العقلية التي تدير وتوجه الإعلام السلطوي.

          منذ افتتاح إذاعة صوت فلسطين من القاهرة ثم من عمان ودمشق وبيروت فيما بعد والمستمعون يسمعون أنشودة تقول «فرشتي ولحافي حاملهم على اكتافي». وها هي قناة فلسطين الفضائية تعيد إلى الذاكرة الأناشيد نفسها التي رددوها في أيلول الأسود عام 1970 وفي تل الزعتر 1976 وفي حصار بيروت 1982، وكأنهم يريدون من خلال الأغاني توعية الرأي العام وبث الحماس العاطفي في نفوس بعض الشباب. وحصل خلال حصار بيروت وقصفها من الجو والبحر والبر أن رُحِّلت إذاعة صوت فلسطين في حافلة وُضعت في منطقة الحمراء في بيروت، وكان يشرف على إدارتها وزير حالي من وزراء السلطة، وقابله أحد الناس قرب الحافلة التي تحمل الإذاعة وقال له: الناس بحاجة إلى بث روح التضحية والاستشهاد والصمود والشوق إلى الجنة وليس أغنية «فرشتي ولحافي حاملهم على اكتافي» فلم يجب إلا ببضعة كلمات أسخف من الأغنية.

          إن من يدقق في خطاب السلطة وإعلامها يدرك أنهم يتعاملون مع يهود بأنامل رقيقة لا يريدون جرحهم بكلمة أو موقف، بل لا يريدون «كسر خاطرهم». إن من يشاهد الفضائية الفلسطينية يرى أن ثلاثة أرباع وقتها يضيع في بث أغانٍ ومسيرات، وتركز على نقل صورة الشهداء وسيارات الإسعاف تسرع للمستشفيات، وصور بعض المشوَّهين ومنظر الدماء على ثياب المسعفين والأطباء، وكأن المطلوب تخويف أهل فلسطين وبث الرعب في نفوسهم، أو استدرار عطف بعض العرب وبعض دول العالم بإظهار الضحية تسبح في الدماء. كل هذا لم يرهب اليهود ولم يغير من المعادلة شيئاً، حتى إنهم ليلة قُصفت غزة بالطائرات أجروْا مقابلات مع أطفال في الملاجئ والرعب على وجوههم وسألوهم: هل أنت خائف ؟ فأجابوا: نعم.  في المقابل لاحظ الناس إعلام المقاومة في لبنان (وهو إعلام حزب وليس إعلام دولة) كيف كان يركز على صور أشلاء جنود وحدة إيجوز، أو غيرها من الذين يسمونهم جنود النخبة أو الكوماندوس المدربة تدريباً مميزاً، تلك الصورة هي التي أرعبت اليهود وحركت أمهاتهم للتظاهر والمطالبة بسحب أبنائهن من مستقنع لبنان.  إن الصورة التي تبرزك مستضعفاً مقتولاً أو مجروحاً تزيد في طغيان عدوك وجرأته عليك، وهذا هو حال يهود الآن، بينما الصورة التي تبرز قتلاه وجرحاه ترعبه هو.  وهذا ما لم يقم به إعلام السلطة الفاشل المتواطئ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *