العدد 164 -

السنة الخامسة عشرة رمضان 1421هـ – كانون الأول 2000م

التهييج الإعلامي المبرمج

   بكبسة زر يهيِّجون الشارع العربي، وبكبسة زر يطفئون لهيب الغليان، هكذا وبإمعانٍ في استصغار العقول، رغم التغيرات الإيجابية في مستوى الوعي السياسي ورغم انتشار وسائل نقل الصورة والكلمة التي ألغت الفوارق والمسافات.

   لاحظ الناس الاستغلال المبرمج لصورة الشهيد محمد الدرة في بعض الفضائيات العربية الذي كان كفيلاً بتهييج الشارع لمدة محدودة من الزمن، ثم عاد الشارع إلى هدوئه المريب، خاصة وأن الأجهزة الأمنية في كثير من البلدان هي التي أخرجت الطلبة من مدارسهم وجامعاتهم للتظاهر، وحينما وصلت التظاهرات إلى مقربة من السفارات الخطرة (الأميركية أو اليهودية) قامت بقمعهم بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع !

   هل تحتاج أمتنا إلى صورة الدم الأحمر حتى تصاب بالهياج وكأنه لا يحركها إلا منظر الدماء ؟ لقد عاملوا هذه الأمة الكريمة كما يتعامل المصارع الإسباني مع ثوره الذي يستفزه اللون الأحمر فيزداد اهتياجاً. لقد تكررت الصورة نفسها قبل عامين بالتمام والكمال حينما قامت الطائرات التابعة للعدو الأميركي والبريطاني بقصف العراق قبل رمضان بأربعة أيام، فاهتاج الشارع أربعة أيام ثم خمدت الشعلة، واستمر القصف الأميركي للعراق بشكل يومي حتى الآن واستمر الحصار واستمر موت الأطفال، وموت المصابين بآثار اليورانيوم المخصب الذي قُصف به الجيش العراقي، ونسي الناس وناموا على مصائب مسلمي العراق حتى هذه اللحظة.

   هناك بلدان تنافست في عدد الأشخاص الذين خرجوا في المسيرة أو التظاهرة المحتجة على جرائم اليهود، فمن الدول من استطاع إخراج مليون، ومنها من أخرج مليونين من المتظاهرين، لكن أين هؤلاء الآن ؟ وهل تغير شيء من القمع اليهودي ؟ بالعكس، حينما خرجت التظاهرات في شوارع العالم العربي والإسلامي كان العدو اليهودي يطلق الرصاص من البنادق، أما الآن فهو يقصف بالطائرات والدبابات والبوارج البحرية ويغتال الناشطين من الجو، فأين التظاهرات المبرمجة ؟

   هل شعرت الأمة أن حقها وصلها بمجرد أن عقد مؤتمر خطابي عربي ولحقه مؤتمر خطابي إسلامي، فنامت على الحلم العربي والإسلامي الذي داعب العواطف والمشاعر، ما يؤشر على فترة رقاد أخرى، ريثما تستجد ظروف أخرى وتُستغل دماء أخرى، فتعود المسيرات المبرمجة والمسيطر عليها بكل دقة وتخطيط لاستغلال المشاعر الصادقة الكامنة في نفوس أبناء الأمة الصادقين في عواطفهم ومشاعرهم، بدل أن تكون هذه الطاقات دافعاً لتحريك الجيوش لاقتلاع كيان يهود ! فإلى متى تسكت الأمة على استغلال مشاعرها في غير وجهها ؟ q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *