العدد 164 -

السنة الخامسة عشرة رمضان 1421هـ – كانون الأول 2000م

كلمة الوعي: رمضان والمسارعة لإعلاء كلمة الله

         يحل شهر رمضان المبارك هذه السنة على الأمة الإسلامية وهي تشعر بالقهر والظلم أكثر من أي وقت مضى، وتشعر في الوقت نفسه أنه لا يخلصها من سوء ما هي فيه إلا الله فالكل قد تكالب عليها ونهش من لحمها، لقد حلّ بها ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأتي يوم على أمته تداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها.

         إن شعور الأمة بالضيق والتألم من واقعها هذا هو دليل خير وحياة فيها إذ إن الحي هو الذي يحس ويتألم فالأمة بعد أن كانت تحب الحياة وتكره الموت أصبحت بفضل الله تحب الموت والاستشهاد في سبيل الله ولكنها رأت أنها مكفوفة اليد، ممنوعة من التصرف وابتدأت تدرك أن وراء مصائبها الغرب ومعه اليهود الذين رسموا لها أن تحيا بذلة وتعيش بقلة وإن حكام المسلمين هم اليد التي تبطش بكل من يريد أن يكف يد الغرب عن السيطرة على بلاد المسلمين أو أن يقف في وجه اليهود الذين غرسهم الغرب في هذه المنطقة غرساً خبيثاً ليكونوا خط دفاع أولاً له ضد عودة الإسلام إلى واقع الحياة، وعودة الدولة الإسلامية لأن تكون الدولة الأولى في العالم، وعودة المسلمين لأن يكونوا قادة العالم وهداة البشرية. ولكن شاء الله غير ما شاءوا إذ بدأت الأمة تصحو وهي مرشحة لأن تنتفض على حكامها، خلف قيادة مؤمنة تنقلها من عيش الضنك إلى العيش في رحاب الإسلام سيدة عزيزة بعز الإسلام.

         نعم، يحل شهر رمضان على الأمة الإسلامية وقد بدأت تدب فيها الحياة، وبدأت تتلمس وسائل الخلاص مما هي فيه. فكيف يجب أن يتعامل معه المسلمون اليوم؟

         لقد تعامل المسلمون الأوائل مع هذا الشهر الكريم بما يليق به من القيام بالطاعات والتسابق إلى الخيرات، وحققوا فيه انتصارات كبيرة منها غزوة بدر الكبرى وفتح مكة، وانتصارهم في عين جالوت، كذلك كان فيه انكسار الروم في تبوك حين ولوا مدبرين من الرعب، كذلك تم في هذا الشهر المبارك فتح الأندلس على يد طارق بن زياد… لقد كان رمضان شهر الرحمة وشهر الملحمة عند أوائلنا.

         وبما أن شهر رمضان المبارك هو شهر له أجواؤه الإيمانية حيث تزكو فيه النفوس وتقرب من الطاعات، وهو شهر التقوى، وهو شهر القيام، وهو شهر الاستغفار في الأسحار، وهو شهر التراويح، وشهر الاعتكاف، وشهر الدعاء، وفيه ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم هي ليلة القدر التي جعلها الله خيراً من ألف شهر… فمن الطبيعي أن يدفع ذلك الجو الإيماني والدفق الروحي المسلمين الذين صفت روحهم وعمرت نفوسهم إلى الشعور بقوة انتمائهم إلى هذا الدين الحنيف والتسابق إلى فعل الخيرات فيه وترك المنكرات، فقد روى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً وقد حضر رمضان: «أتاكم شهر رمضان شهر البركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حُرِم فيه رحمة الله عز وجل».

         ففي هذا الشهر الكريم الذي تسلسل فيه الشياطين وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار حريّ بالمسلمين اليوم أن يتلمسوا طاعة ربهم ويتعرضوا لنفحات الرحمة فيه ويتحروا العمل الذي يرضي خالقهم ويقربهم منه. فالله سبحانه قريب ممن يستجيب له، وحبه لعباده مشروط بطاعتهم له واتباعهم لشرعه قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).

         وبما أن شهر رمضان هو شهر الرحمات، وشهر الخيرات، وشهر البركات، وشهر المواساة، وشهر الزكاة وشهر الانتصار على الذات… ولما كان المسلم مطلوباً منه أن يسيّر أعماله بأوامر الله ونواهيه، ويوجّه حياته بالإسلام فعليه أن يشدّ همته في رمضان، ويعقد عزيمته على أن يصوم ويقوم إيماناً واحتساباً ويقرأ القرآن متدبراً، ويتصدق «فأفضل الصدقة صدقة رمضان» كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود ما يكون في رمضان، ويستغفر ربه تائباً ويدعوه راهباً راغباً… ولكنْ ليعلم المسلم، وهو في هذه الحال من التقوى أن لأمته عليه حق الاهتمام بها، وحق العمل لتغيير هذه الأوضاع الفاسدة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم إماماً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً في عهد الله، عاملاً في خلق الله بالإثم والعدوان ولم يغيّر عليه بقول أو عمل كان على الله أن يدخله مدخله». وحق أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه: «مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيب لكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم».

         إن المسلم عندما يعيش في رحاب هذا الشهر الكريم، وتأخذه أجواؤه الإيمانية، فإننا نرى أن معاني رمضان يستدعي بعضُها بعضاً وتصبح وكأنها جميعها تصب في جانب واحد يبقى طاغياً على ما عداه. والأمة الإسلامية اليوم تشدها أوضاع واحدة وتشغل بالها وتؤلمها، فلا بد من أن تعتمل هذه الأوضاع في نفوس المسلمين وتدفعهم لأن يوجهوا كل طاعتهم باتجاه ما يحققها عملاً وقولاً. ولا بد من أن تكون موجودة في فكرهم وشعورهم، حين سجودهم، وحين دعائهم، وحين استغفارهم، وحين أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وحين تذاكرهم بمعاني القرآن الذي يقرأونه…

         وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن المسلمين في هذه الأجواء الطيبة، عليهم أن لا يكثروا الكلام في الوضع السيئ الذي يعيشون فيه، بل بالعلاج لهذا الوضع السيئ، وعليهم أن يتذكروا في مثل هذه الأجواء الإيمانية أن أحب عمل يقرب إلى الله هو العمل لإظهار دينه وإعلاء كلمته، ولا يكون ذلك إلا بإقامة الخلافة الراشدة التي تكون على منهاج النبوة التي أظل زمانها كما يدل ويشير الواقع وهنيئاً لمن بنى في صرحها حجراً. ولا يمكن الوصول إلى إحقاق الحق وإظهار الدين بالدعاء وحده، وإن كنا أحوج ما نكون إلى التضرع والاستغاثة، ولا بالتمني والرجاء وإن كان رجاء الخير خيراً، بل بالعمل الجاد والتأسي بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم التي تفرض على أهل القوة والمنعة من المسلمين المخلصين التجاوب مع الثلة المؤمنة من أبناء هذه الأمة، مع الطائفة التي ترجو أن يظهر الله على يديها هذا الدين، والتي توجب عليهم أن يفتشوا عنها لينصروها نصرةً لهذا الدين.

         نسأل الله أن يلهمنا ويلهم الأمة وأهل القوة والمنعة من أبنائها السداد في العمل، وأن يعيننا على حسن الصيام والقيام والدعاء والاستغفار… وأن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم وأن يجعله شاهداً لنا، وأن يجعل جائزتنا فيه نصراً من الله وفتحاً قريباً، وما ذلك على الله بعزيز .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *