العدد 203 -

السنة الثامنة عشرة ذو الحجة 1424هـ – شباط 2004م

وقفة مع علماء السلطة

وقفة مع علماء السلطة

فتوى الطنطاوي حول الطالبات المحجبات في فرنسا، أحدثت هزة في أوساط المسلمين شرقاً وغرباً، وفوجئ بعض الناس بموقف الطنطاوي هذا، ولم يفاجأ به من قرأ فتاواه السابقة حول الربا، والعمليات الاستشهادية، وجهاد الغزاة في العراق، وغيرها.

لقد تصرف العديد من عوام الناس بذهول، ودهشة لفتت الانتباه، وذلك لأنهم بسبب قلة معلوماتهم عن هذا الرجل، ظنوه في موقع أعلى بكثير مما وجدوه فيه، وسُمعت كلمات من هؤلاء البسطاء تنمّ عن طيبةٍ زائدة، مثل التساؤل: هل من المعقول أن الطنطاوي لا يعرف حكم الشرع في هذه المسألة في فرنسا؟ ولماذا وقع في هذا الخطأ القاتل؟ هل هناك أثر لتقدم السنّ على فتاواه؟

أما الفريق الآخر من المتابعين العالمين بعقلية الطنطاوي، والعارفين بدوره الموكل إليه من قبل النظام، وبطواعيته الزائدة، فإنهم لم يفاجأوا بكلامه الحالي، ولا كلامه السابق وجرأته على دين اللَّه سابقاً ولاحقاً.

قال أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين: (فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين لكونهم اتكلوا على فضل اللَّه أن يحرسهم، ورضوا بحكم اللَّه تعالى أن يرزقهم الشهادة، فلما أخلصوا للَّه النية أثّر كلامهم في القلوب القاسية فليّنها وأزال قسوتها. وأما الآن فقد قيّدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا، وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا، ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا. ففساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل، فكيف على الملوك والأكابر؟)[ج2/ص317].

أبو حامد الغزالي قال هذا الكلام وهو المتوفى عام 806هـ، وقال: إن فساد الملوك بفساد العلماء، فماذا كان سيقول لو رأى علماء اليوم؟ إن اللسان ليعجز عن النطق. بما يستحقون من ألقاب؛ لأن جرأتهم على اللَّه أكبر من أن توصف ببضع كلمات. يا ليتهم فتشوا عن باب رزقٍ آخر غير ما هم عليه الآن من لقيمات الأنظمة الجائرة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *