العدد 203 -

السنة الثامنة عشرة ذو الحجة 1424هـ – شباط 2004م

فلسطين… ذلك الجرح الغائر في جسد الأمة

فلسطين… ذلك الجرح الغائر في جسد الأمة

بعد غياب دولة الإسلام، وتلاشي سلطان القرآن، وزوال الحكم بما أنزل اللّه، كثرت جروح الأمة، وسالت منها الدماء، وازدادت تقرحاتها التهاباً مع مرور الزمن لعدم وجود العلاج الشافي، علاج دولة الخلافة.

إن الجرح الفلسطيني هو أشد هذه الجروح إيلاماً في جسد الأمة، وأكثرها اتساعاً، وأعمقها غوراً، فبنو يهود – وهم قتلة الأنبياء – سلطوا على المسلمين في فلسطين من قبل الكفرة المستعمرين، وما انفكوا يسفكون الدماء، ويغتصبون الأرض التي باركها الله، يعيثون فيها فساداً، ويعبثون بحرماتها ومقدساتها، حتى غدا ذبح الناس، وهدم البيوت، وتشريد الآمنين، من الأعمال اليومية الروتينية التي يقوم بها إخوان القردة والخنازير، ضد المسلمين في أرض الإسراء والمعراج. وأصبح تطويق الناس، ومحاصرتهم بالأسيجة والجدران والمستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز الثابتة والطيارة، من الأمور المألوفة التي يتلذذ بنو صهيون في إيقاعها على الناس الأبرياء في طول البلاد وعرضها. وصار ترويع الأهالي ومصادرة أراضيهم وقطع أرزاقهم وتجريف أشجارهم ومزروعاتهم من أبجديات الحياة اليومية للفلسطينيين المغلوبين على أمرهم. يحدث هذا كله في فلسطين، وما يسمى بالمجتمع الدولي لا يحرك ساكناً، ويسوده صمت رهيب، فلا يأبه بما يحدث، وبما يقع من جرائم ومآسي ومظالم وانتهاكات.

على أن رد فعل ما يسمى بالمجتمع الدولي هذا هو أمر طبيعي، لكونه يطغى عليه نظام ظلم عالمي تسيطر عليه أميركا – عدوة الشعوب – ومعها الدول الكبرى الأخرى التي تتخذ من الكفر والهيمنة والجبروت أساساً لسياستها، لذلك، فلا يتوقع من هذا الذي يسمونه بالمجتمع الدولي غير ذلك، والأصل أن لا يعول عليه المسلمون ولو للحظة واحدة، فلا يجوز أن نعقد عليه الآمال، لأنه يخضع لأنظمة الكفر ولإرادات الكفار، والله سبحانه وتعالى يقول: )لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ([آل عمران/28].

أما الذي يحز في النفوس وتنفطر منه القلوب فليس هو المجتمع الدولي وإنما هو موقف حكام البلاد العربية والإسلامية الذين يتواطأون مع الكيان اليهودي ضد أهل فلسطين وضد الشعوب الإسلامية، إنهم يتآمرون جهاراً نهاراً مع اليهود، ومع الأميركان، ومع الإنجليز، لتصفية القضية الفلسطينية. فهؤلاء الحكام الخونة لم يكتفوا بالسهر على حراسة أمن الدولة اليهودية، ومنع المجاهدين من مقاتلة يهود وحسب، بل وقاموا أيضاً بقمع كل حركة جهادية أو سياسية أو فكرية تسعى لاستئصال شأفة الوجود اليهودي من فلسطين. لقد ساهم هؤلاء الحكام العملاء في مساعدة الدولة اليهودية في الوقوف على قدميها، أولاً على أرض فلسطين، وساهموا ثانياً في تقويتها وتمكينها من إحكام قبضتها على أهل فلسطين، الذين أصبحوا في حكم الرهائن والأسرى بأيدي هذه الدولة الدخيلة المصطنعة.

ساهموا بذلك كله من خلال تمرير المؤامرات ومخططات الكفار، لتمكين دولة يهود من العيش والبقاء والتنفس على هذه الأرض المباركة، وبذلك وجدت (إسرائيل) وتمددت وتفرعنت على حساب المسلمين ومن خلال حكام المسلمين من دون أن يرفَّ لهم جفن أو من دون أدنى إحساس بالذنب أو بتحمل المسؤولية.

لم يهزهم صرخات الثكالى والمصابين والمقهورين، ولم يلقوا بالاً لهدير الاستغاثات وأمواج النداءات التي فاضت عن اليتامى والأرامل، فلقد بحّت الحناجر، وتلاشت الأصوات، وانخلعت القلوب من شدة الصراخ والعويل والأنين لهول ما وقع، لكنها لم تلق آذاناً صاغية، ولم تلامس شغاف القلوب التي فقدت كل إحساس. إن هؤلاء الحكام الضالين المضلين يملكون القدرة على النصرة، ولكنهم لا يفعلون لأنهم لا يملكون الإرادة عليها، فهم قد تحولوا إلى رقيق فقدوا حرياتهم منذ أن ولاهم الكافر المستعمر أمور الحكم وشؤون الرعية، لقد أصبح ديدنهم في الحكم التنقل من خيانة إلى خيانة، ومن مؤامرة إلى مؤامرة، فقد وافقوا على جميع المشاريع التصفوية التي عُرضت عليهم، والتزموا بتنفيذ جميع الأوامر المهينة التي صدرت إليهم منذ قيام الدولة اليهودية في العام 1948م وحتى هذه الساعة، وما زالوا يلهثون وراء أميركا وبريطانيا واليهود، ما زالوا ينتظرون ما ستنتجه هذه الدول من مبادرات ومشاريع لتطبيقها، ويخلفهم أبناؤهم فيكملوا مسيرة الانتظار، حتى أصبح حالهم جزءاً من حالة الانتظار، ثم ما هي النتيجة؟! النتيجة أن خمسين عاما ونيفٍ مرت على قيام ما يسمى بـ(إسرائيل) ولم تنفد أياً من هذه المشاريع. وهذا يعني أن هذه المشاريع لم يؤتَ بها للتنفيذ، وإنما أتي بها للمماطلة والتسويف من أجل تقوية الدولة اليهودية وإضعاف الدويلات المجاورة لها. والدليل على ذلك أن (إسرائيل) ما زالت تزداد قوة وثباتاً في مواقفها بينما تزداد الدول العربية والسلطة الفلسطينية هزالاً وتراجعاً عن الثوابت، وعن ما يسمى بالخطوط الحمراء، وما التنازل عن أكثر من ثمانين في المائة من مساحة فلسطين لليهود، والتخلي عن الخيار العسكري في التعامل مع الدولة اليهودية، إلا دليل ساطع على صحة ما ذُكر، بينما وفي الجهة الأخرى نجد أن (إسرائيل) ما زالت تتشبث بكل الأرض الفلسطينية، وما زالت تبني المستوطنات، وما زالت تتمسك بالخيار العسكري، وما زالت تماطل في تنفيذ الاتفاقات. وإزاء هذه المعادلة غير المتكافئة، انقلبت الموازين، ووصلت الحال بالحكومات العربية والسلطة الفلسطينية إلى حد المطالبة بما كان يطالب به اليهود من قبل وهو وقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات بينما يتلكأ اليهود في التنفيذ.

إن هذا الوضع السياسي المزري الذي آلت إليه أمور المسلمين، جعل حكام سبع وخمسين دولة مسجلة في ما يسمى بمنظمة المؤتمر الإسلامي، لا تملك إلا المناشدة والاستجداء، وإن هذا الوضع نفسه جعل الحكومات العربية تتنازل حتى عن مشروعها الخياني الذي قدمه ولي العهد السعودي، والذي يقضي بتقديم اعتراف عربي رسمي مجاني بـ(إسرائيل) من قبل جميع الدول العربية من غير مقابل.

تنازلت هذه الحكومات العربية عن هذا المشروع الخياني، لتتحول إلى مشروع خياني آخر أكثر خيانة منه، وهو ما يسمى بخارطة الطريق التي لا يوجد فيها شيء للعرب والفلسطينيين غير الوعود، وفيها كل شيء مفصل لضمان أمن اليهود.

وآخر ما وصلت إليه مهازل السياسة العربية والفلسطينية تشكيل حكومة فلسطينية جديدة برئاسة أحمد قريع، والمطلوب من هذه الحكومة إكمال ما أخفقت في إكماله حكومة أبي مازن من تآمر على المقاومة، وترتيب ما يسمى بالبيت الفلسطيني للالتفاف على الرأي العام الرافض للمشاريع الأميركية، والمجيء بشعارات جديدة، وأساليب عمل جديدة، تهدف إلى ترويض الناس بتقديم بعض التسهيلات التي يسمونها إنجازات، مقابل ضمان أمن اليهود، ورفع الضغوطات المختلفة التي يتعرضون لها داخلياً وخارجياً.

وفي ظل عدم قدرة السلطة الفلسطينية حتى الآن في ضمان أمن اليهود ضماناً تاماً ومائة بالمائة، نشأ فراغ سياسي داخل المجتمع اليهودي، وظهر عجزٌ على حكومة شارون ناتجٌ عن عدم قدرة هذه الحكومة على تحقيق ما وعدت اليهود بتحقيقه، من جلبٍ للأمن والسلام مع عدم التخلي عن المستوطنات، فانتعشت المعارضة اليهودية وتقدمت بدعم أوروبي واضح، لملء هذا الفراغ فكان أن ظهرت المبادرة السويسرية والتي رعتها بريطانيا وأوروبا من وراء ستار، وتكفلت سويسرا بدعمها مالياً والإعلان عنها في مطلع العام القادم في جنيف.

وبالرغم من أن هذه المبادرة التآمرية قد ضمنت لليهود إلغاء حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، إلا أن شارون هاجمها بشدة، ولم تعترف بها أميركا، زاعمةً أن خطة الطريق هي المبادرة الوحيدة التي قبلتها الأطراف، وفي ذلك إشارة إلى محاولة إبعاد أوروبا عن القضية الفلسطينية، وعن الشرق الأوسط برمته، لتتفرد هي بالمنطقة من دون منافس. وفي ظل انشغال أميركا بورطتها في العراق، وبسبب حمّى الانتخابات الأميركية التي بدأت في أميركا، والمزمع إجراؤها في العام القادم، فإن الجمود السياسي هو سيد الموقف لفترة زمنية ليست بالقصيرة .

وهكذا نجد أن الكفار المستعمرين، والمستوطنين في بلادنا من أمريكيين وأوروبيين ويهود، هم الذين يمسكون بخيوط هذه القضية المهمة من قضايا المسلمين، وهم الذين يتجاذبون بها ويتحكمون بمفاصلها، بينما يتقاعس حكام العرب والمسلمين عن القيام بواجبهم تجاه هذه القضية المحورية، فحكام مصر والسعودية وسورية مشتغلون في مكافحة ما يسمى بالإرهاب، ومنشغلون في تجميل صورهم الكالحة أمام الكونجرس الأميركي، بينما تنشغل السلطة الفلسطينية في البحث عن السبل الكفيلة المؤدية إلى خنق المقاومة، وإرضاء اليهود ما أمكنهم إلى ذلك سبيلا، وتشتغل هذه السلطة في ملهاة تشكيل الحكومة الفلسطينية ” العتيدة “.

إن ارتماء حكام العرب والمسلمين وزعماء الفلسطينيين في أحضان أميركا وتقاعسهم عن نصرة أهل فلسطين، ليس له أي سبب سوى الابتعاد عن الإسلام عقيدة وشريعةً ونظام حياةٍ، ولن ينجح هؤلاء الحكام والزعماء الأذلاء الخونة في تحقيق أية إنجازات تُذكر لصالح الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وما لم تعامل هذه القضية على أنها قضية إسلامية عَقَدية، فلن تملك أية شرذمة مأفونة أن تحل هذه القضية، ولن تحل أبداً إلا إذا حلت قضية المسلمين الأولى وهي قضية إعادة الخلافة، واستئناف الحياة الإسلامية، فدولة الخلافة هي فقط التي ستتمكن من حل القضية الفلسطينية حلاً إسلامياً صحيحاً، يقضي على دولة اليهود، ويستأصلها من الجذور، ويزيلها من الوجود.

وما ذلك على الله بعزيز ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *