العدد 207 -

السنة الثامنة عشرة ربيع الثاني 1425هـ – حزيران 2004م

من يطفئ نيران غضب الأمة التي أُدميت بقتل رجالها؟!

من يطفئ نيران غضب الأمة التي أُدميت بقتل رجالها؟!

            ما يثير غضب الأمة، ويؤجج النيران في صدور أبنائها، ويثير مشاعر الغيظ في قلوب الغيورين على مصالحها، ليس هو سقوط خيرة أبنائها شهداء غيلة وغدراً على أيدي أعدائها، وإنما هو عدم الاقتصاص لهؤلاء الشهداء من عدوهم، وعدم الانتصار لهم، وعدم وجود دولة تتبنى قضيتهم، وتدافع عن دمائهم، وتذود عن حرماتهم.

ـــــــــــ

  لقد صدق الحق سبحانه عندما قال – وقوله الحق-: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ 14 وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِم) .

  فالله سبحانه بيَّن في هذه الآية الكريمة –وبيانه هو الحق والعدل- أن الصدور لا تُشفى، وأن غيظ القلوب لا يزول، إلا بقتال الأعداء، وقتلهم بأيدي المؤمنين، وإلحاق الخزي بهم، والانتصار عليهم.

  ولقد أُدميت هذه الأمة الكريمة في هذه الأيام بقتل أشرافها ورموزها، وأغيظت بعدم الثأر لقتلاها، وعدم الانتقام لهم.

  واغتيال الرنتيسي في فلسطين، وقتل أبي الوليد الغامدي في الشيشان،  وقتل الألوف من مجاهدي هذه الأمة ومناضليها، هو قتل لرموز الأمة، وهو استهداف لمعاني العزة والكرامة والجهاد فيها. ولا فرق بين أن يكون المناضلون والمجاهدون في فلسطين، أم أفغانستان، في أوزبيكستان، أم في الشيشان. فالكل مستهدف، والكل مطلوب، والكل إرهابي أو أصولي متطرف. هذه هي نظرة أميركا الآن للمخلصين من أبناء هذه الأمة العريقة.

  والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى تظل حكومات البلدان الإسلامية صامتة عاجزة خانعة؟ بل إلى متى تستمر هذه الحكومات في التدليس على شعوبها، وإيهامهم بأنها تدافع عن رموز الأمة وأشرافها مع أنها من الواضح أنها تتآمر ضدهم مع أعداء الأمة؟

  إنه إذا كان الأفراد والشعوب يكتفون بإطلاق صيحات الغضب شاجبين، مستنكرين، منددين بهذه الاغتيالات الجبانة، فإنه ليس مقبولاً من الحكومات البتة فعل ذلك. لأن الحكومات ليست عزلاء كالشعوب، وهي تملك الفعل إلى جانب الكلمة، ولا مبرر أن تكتفي بالكلمة وتدع الفعل، وهي تملك أن تفعل أشياء كثيرة، مؤثرة، وفاعلة، غير إطلاق تصريحات الشجب، والتنديد، والاستنكار، فهي تستطيع مثلاً أن تقوم بتحريك الجيوش، وقطع العلاقات، ووقف الاتصالات، وطرد السفراء، وإلغاء المفاوضات، وإلغاء العقود، وتصفية المشاريع وما شابهها. ومثل هذه الأفعال يكون مؤثراً، ومنتجاً، وفاعلاً، فعلى الحكومات إن كانت صادقة، وإن أرادت مثلاً أن ترد على اغتيال أحمد ياسين، والرنتيسي، والغامدي، وعلى جميع الذين سقطوا وهم يدافعون عن دين الأمة، وشرفها وكرامتها، عليها إن أرادت، أن تفعل، وأن تتحرك، بفعل وحركة يشكلان رداً مكافئاً لحجم هذه الكوكبة من الشهداء الذين رووا بدمائهم الزكية ثرى البلاد الإسلامية المغتصبة.

  على أن الحكومات إن صدقت –ولا نظن بصدقيتها- أن تقطع مثلاً علاقاتها الدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية، مع أميركا و(إسرائيل) وحلفائها، وعليها إن أخلصت لشعوبها –ولا نظنها تفعل- أن تعمل على كنس الوجود الأميركي واليهودي، من بلاد المسلمين، كنساً شاملاً بجميع نواحيه العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، عليها أن لا تسمح لأميركا وحلفائها بوجود قواعد أو قوات على أراضي المسلمين، وأن لا تقبل بوجود تسهيلات أو امتيازات لها في البلاد الإسلامية، وأن لا تتعامل مع الشركات والاستثمارات الأميركية، وأن لا تنظر في مبادرات أميركا ومشاريعها، وبالمحصلة عليها أن تجعل من القطيعة مع أميركا تامة ومن المقاطعة معها شاملة.

  وبهذا فقط يمكن أن نبتر الأيادي الأميركية القذرة بتراً تاماً، فلا تعود للعبث بمقدرات الأمة يوماً من الأيام.

  أما أن تستنكر هذه الحكومات جرائم أميركا وإسرائيل اليوم، وتتفاوض معها غداَ فهذا هو النفاق بذاته، وهذه هي الخيانة بعينها.

  لقد آن الأوان للأمة أن تصرخ في وجه حكامها، وأن تأخذ على أيديهم، وأن تأطرهم على الحق أطراً، وتأصرهم عليه أصراً، وتحملهم على التوقف عن الثرثرة والكلام، وتجعلهم يقومون بالأفعال التي تعيد للأمة هيبتها وكرامتها، وحضورها بين الأمم، وعزتها لتعود أمة عزيزة شامخة، أمة العدل والخير بين الأمم.

  لقد ملَّت الشعوب الإسلامية من خطاب حكوماتها، وخطاب الشعارات الزائفة المخادعة، وخطاب التبريرات الساقطة، المتهالكة، التي امتهنها رجال السياسة الذين مردوا على التبعية، والنفاق، والخنوع، ردحاً طويلاً من الزمن.

  نعم، لقد انكشف هذا الخطاب الأجوف لجماهير الأمة، فبان عواره، وظهر تعفنه، وأزكمت رائحته الأنوف، وما عاد صالحاً للتغطية على عيوب هؤلاء المرتزقة سياسياً، والتستر على أولئك المستوزرين دبلوماسياً، الذين اتخذوا من الشعارات العاجزة قدوة لهم، من مثل “الرضا بالأمر الواقع” وَ “خذ وطالب” وما شاكلها.

  فغضب الأمة على هذه الاغتيالات لن يطفئه إلا دولة تقارع أميركا، وتسحق إسرائيل، وتزيل الوسط السياسي الفاسد، وتفرض نفسها على العالم عزيزة، منيعة، قوية، مهابة الجانب.

  وغضب الأمة لن يطفئه إلا دولة تطبق الإسلام على الناس وتجاهد في سبيل الله وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتقيم العدل، وتحكم بالسوية، وتجعل من الكتاب والسنة أساساً للدستور ولا أساس غيره.

  وغضب الأمة لن يطفئه أيضاً إلا إزالة هؤلاء الحكام الرويبضات الذين يتحكمون في رقاب الناس بإسناد أميركا وحلفائها، فينطقون باسمها بالتافه من القول، ويصنعون في الشعوب ما يريده منهم الأسياد القابعون في واشنطن ولندن وتل أبيب.

  وأخيراً فإن غضب الأمة لن يطفئه إلا مبايعة خليفة واحد يحكم المسلمين جميعاً في شتى بقاع الأرض، يوحدهم في دولة واحدة تقيم فيهم شرع الله وترفع العنت عنهم وتجلب لهم العزة والكرامة والانتصارات .

أحمد الخطيب – القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *