العدد 85 -

السنة الثامنة ذو الحجة 1414هـ, أيار 1994م

دَمْعَةُ الذُّلّ

الشاعر: يوسف إبراهيم

بينما تنهمر دموع الذل من أجفان عرفات بين يَدَيْ رابين، وهو يطلب مساعدته في جلسة الحوار في القاهرة، ينهمر رصاصُ الغدر من رشاش باروخ على الساجدين في صلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي الشريف، فما أذلَّ الدموع! وما أرخص الدماء!

بجَفْنِكَ الدمعُ مُرْتاعٌ وخَوّارُ
.

 

وفي جبينكَ وَسْمُ الذُّلِّ والعارُ
.

وقفْتَ كالسائل المنهورِ مُجْتَدِياً،
.

 

عليكَ منْ غاشياتِ الذّلِ أطمارُ
.

لا عزّةُ المجْدِ في عطْفَيْكَ نابضةٌ
.

 

ولا الدَّمُ الحُرُّ في جَنْبَيْك مَوّارُ
.

ولا الكرامةُ ثوْبٌ تَرْتَديهِ وقَدْ
.

 

تَمزَّقَتْ عن قبيحِ الوجهِ أستارُ
.

جَثَوْتَ بين يديْ رابينَ مُبْتَهلاً
.

 

مُسْتسلماً كخروفٍ وَهْوَ جَزّارُ
.

وفي يَديْكَ كُؤوسُ السكْرِ مُتْرَعَةً
.

 

في حانِ صِهْيَوْنَ لا يُرْويكَ خَمّارُ
.

 

***

 

يا ساكِب الدمعِ إنَّ الدار ظامِئةٌ
.

 

ولَنْ تُرَوّى بِسَكْبِ الأَدْمُعِ الدارُ
.

ولَنْ يُعيدَ إلى الأمجادِ عِزّتَها
.

 

إلا دَمٌ بلهيبِ المجدِ فَوّارُ
.

ما أرخصَ الدمعَ في سُوقِ الهَوان، وما
.

 

لِسلْعةِ الدّمْعِ عنْدَ العرض مِقْدارُ
.

تَبكي وترجو من الجَلاّد رَحْمتَهُ،
.

 

والسّوْطُ في كَفّهِ طاغٍ وجَبّارُ
.

هَلْ يرحمُ الذئبُ دمعَ الشاةِ ضارعةً
.

 

وهلْ يلينُ لَهُ نابٌ وأَظفارُ
.

 

***

 

يا بائِعَ الدَمِ والأوطانِ مُرْخَصَةً،
.

 

وللخيانة أسواقٌ وتُجّارُ
.

وتَقْبِضُ الأَجْرَ سُحْتاً ثم تَلْبَسُهُ
.

 

ذُلاًّ، ويُغْريك كُرْسِيٌّ ودولارُ
.

أصْبحْتَ للشَّعبِ نخّاساً تُكَبِّلُهُ
.

 

لا القُدْسُ حُرٌّ ولا أهْلوهُ أَحْرارُ
.

وتَدَّعِي أَنّكَ المَغْوارُ تُنقِذُها
.

 

وأنتَ في حَلْبَةِ التدجيل مغْوارُ
.

وتَلْبَسُ التّاجَ مُختالاً، وأنتَ بهِ
.

 

عارٍ مِنَ العِزِّ، لا مَجْدٌ ولا غارُ
.

تَركْتَها لِذِئابِ الغْدرِ تَنْهَشُها
.

 

وتاركُ الشاةِ مِثْلُ الذئبِ غَدّارُ
.

يجتاحُها، وهيَ في الأَغْلالِ راسِفَةٌ،
.

 

مِنْ بَطْشِ صِهْيَوْنَ زِلزالٌ وإعصارٌ
.

كَمْ رُوِّعَتْ في ظلامِ الليلِ مِنْ أُسَرٍ
.

 

والبيتُ فَوْقَ رؤوس الأهل يَنْهارُ
.

وفي الخَليلِ صَلاةُ الفجرِ مَجزرةٌ
.

 

صُبَّ الرصاصُ على المِحرابِ والنّارُ
.

وساحَةُ الحَرَمِ الغَرقى بمنْ سَجَدوا
.

 

تَضِجُّ، والنازِفُ الدَّفّاقُ أَنْهارُ
.

أَيْنَ الدَّعِيُّ، وأينَ الثأرُ، ماتَ بِهِ
.

 

نَبْضُ الرجولَةِ، في الحاناتِ، والثّارُ
.

وأَيْنَ مَنْ زَعموا أَنَّ الكِفاحَ لَهُمْ
.

 

زادٌ، وهمْ ما توالى الدهرُ ثُوّارُ
.

تَساقَطوا وكأنَّ الأمْسَ مَقْبرةٌ
.
.

 

 لِما دَّعَوْهُ وأحلامٌ وتَذْكارُ
.

لَمْ يَبْقَ في مُنْتداهُمْ غيرُ كأسِ طِلاً
.

 

ومَرْقَصُ العُهْرِ والماخورُ والبارُ
.

 

***

 

يا مُرْخِصَ الدمعِ يرجوا عَطْفَ سَيّدِهِ
.

 

ويَدَّعي أَنّهُ كالليث زَأّرُ
.

أعدتَ للخائنِ الساداتِ سِيرَتَهُ
.

 

ومَنْ بِمصْرَ على آثارِهِ ساروا
.

(مُبا..كٌ) غيْرَ أّنَّ الشؤْمَ طالِعُهُ
.

 

والذُّلُّ بُرْدَتُهُ، والخِزْيُ العارُ
.

وأنتَ صَفْقَتُهُ السُّفْلى تُباعُ إلى
.

 

أَمْريكَةٍ، وَهْوَ عَرّابٌ وسِمْسارُ
.

ضاعتْ فِلَسطينُ والأمجادُ قد نُحِرَتْ
.

 

فيها، وما غيُرنا للمجدِ نَحّارُ
.

دِماؤنا في دِنانِ الخمر يَسْكُبُها
.

 

في ساحةِ القُدْسِ، كالصهباء، فُجّارُ
.

رُؤوسُنا في حِوارِ الذُّلّ نَخْفِضُها،
.

 

وسَوْطُ رابينَ غَلاّبٌ وقهّارُ
.

وحَوْلَ مائدةِ السِّلْمِ الذي زَعَموا
.

 

جَميعُنا في تَعاطي الكأْسِ سُمّارُ
.

حتى كأن شياطين اليهود لنا
.

 

ملائكٌ، تحمِلُ التبشيرَ، أَبْرارُ
.

والمسلمون دويلاتٌ مُمزَّقةٌ
.

 

وفَوْقَ كل سريرٍ صالَ جَبّارُ
.

كأنّهمْ مِنْ غباءٍ راحَ يغمرهُمْ
.

 

بالكِبْرِ والجهلِ، أصنامٌ وأَحجْارُ
.

مُتاجرونَ بأجسادِ الشعوبِ كما
.

 

تُباعُ للذَّبحِ أغنامٌ وأَبْقارُ
.

مُقامرون، فكمْ في عهدهمْ سُلِبَتْ
.

 

من أُمّةِ الفَتْحِ أقطارٌ وأَمصارُ
.

مُمثِلون، لكل مِنْهُمُ رُسِمَتْ
.

 

على الكراسِيِّ ألْعابٌ وأَدْوارُ
.

ومُدْمِنونَ كُؤوس الموبقاتِ، على
.

 

عقولهمْ رانَ تخديرٌ وإسْكارُ
.

سُودَ الوُجوهِ بِلَوْنِ القارِ سِحْنَتُها
.

 

بَغيضَةٌ، راحَ منها يَخْجَلُ القارُ
.

يَجتاحُ أوطانَهمْ من ظُلْمِهِمْ لَهَبٌ
.

 

مُؤَجَّجٌ، مِنْ لَهيبِ الحِقْدِ، سَعّارُ
.

ويرتدون ثيابَ الطُّهْرِ، يَمْلأُها
.

 

رِجْسٌ وعُهْرٌ وآثامٌ وأَوْزارُ
.

ويدّعونَ المَعالي وهْيَ تَلْعنُهُمْ،
.

 

ومَجدُها في رَوابي القُدْسِ مُنْهارُ
.

وأرضُ حطّينَ ظَمأى لا يُظلِّلُها
.

 

سُحْبٌ مِنَ النصر ترويها وأمطارُ
.

ورَوْضةُ الظُّهْرِ في الأَقصى تُدَنّسُها
.

 

من الخنازير أرْجاسٌ وأوْضارُ
.

وفي الجِنانِ الزَّواهي للّصوصِ حِمًى
.

 

وللقرودِ وللحِيّاتِ أَوْكارُ
.

 

***

 

يا راكبينَ مُتونَ الذُّلِّ يَخْفِضُهُمْ
.

 

شَوْطٌ إلى الدَّرَكِ الأَشْقَى ومِضْمارُ
.

أَبطالُ مهزلةِ التاريخِ ليس بِهِمْ
.

 

حِسٌ، وليس لهمْ سَمْعٌ وأبْصارُ
.

لو أنهمْ حَجَرٌ، حاشى فكم رَجَمَتْ
.

 

جُنْدَ العَدُوِّ مِنَ الأطفالِ أحْجارُ
.

خَبا بريقُ الدَّعاوى بعدَما كُشِفَتْ
.

 

للخائنينَ برغْمِ الزَّيْفِ أسرارُ
.

لولاهمُ القُدْسُ ما حَلَّتْ بساحتِهِ
.

 

سُودُ الخُطوبِ، ولا اجتاحَتْهُ أخْطارُ
.

حتى غدا الهِرُّ لَيْثاً فيه ذا لِبَدٍ،
.

 

وأرنبُ الحُجْرِ ذِئْبٌ فيه عَقّارُ
.

لو سارَ مِنْ مازِنٍ جيشٌ تُحاذِرُهُ
.

 

بَنو اللقيطةِ طامي الزَّحْفِ جَرّارُ
.

ما صالَ باروخُ والرشاشُ في يَدِهِ
.

 

كأنّهُ في قَطيعِ الذَّبْحِ جَزّارُ
.

 

***

 

يا أُمَّتي، يا مَنارَ المجدِ، ما سَطَعَتْ
.

 

مَذْ غابَ نَجْمُكِ للأمجادِ أنْوارُ
.

أَنْتِ التي كنتِ للتاريخِ مدرسةً
.

 

بِهَدْيِها موكبُ التاريخِ سَيّارُ
.

وكُنت شَمْساً لهذا الكوْنِ مُشرِقةً،
.

 

بِنورها فَلَكُ الأيّامِ دَوّارُ
.

واختارَكِ اللهُ خَتْماً في رسالتِهِ،
.

 

واللهُ أَوْسَعُ عِلْماً حين يَختارُ
.

نارٌ من الطّوُرِ وَحْيُ اللهِ أَوْقَدَها
.

 

وَبالهُدى سَرْمَدِيّاً أَشْرَقَ الغارُ
.

أَرْسَى مُعَلِّمُها الهادي دَعائِمَها
.

 

وخَلْفَهُ مِنْ جنوديِ الحَقِّ أخْيارُ
.

عَزْمٌ على الدهرِ يَمتدُّ الجهادُ بِهِ
.

 

أَقْوى سِلاحَيْنِ: نورُ الحَقِّ والنّارُ
.

حَمَلْتِها، فَهْي للدنيا ضياءُ هُدىً
.

 

ونَبْضُ رُوحٍ وأسْماعٌ وأَبْصارُ
.

لم يَظْمأ الكوْنُ مِنْ قَحْطٍ ألَمَّ بِهِ
.

 

إلا ورَوّاهُ غَيْثٌ مِنكِ مِدرارُ
.

وإنْ غَفَا بَعْدَ طولِ العَهْدِ مِن كَسَلٍ،
.

 

يَهُزُّهُ مِنْ نِداءِ الحَقِّ تَيّارُ
.

لا تيأسِي فغداً تَزهو مواسِمُنا
.

 

بالخيرِ، والدهرُ إقبالٌ وإدْبارُ
.

حَمْلُ الأَمانةِ عِبءٌ، غيرَ أَنّ بِهِ
.

 

عِزَّ الحياةِ، ونِعْمَ الجَنَّةُ الدّارُ
.

إنَّ الأباطيلَ مهما اشتدَّ ساعِدُها
.

 

هزيلةٌ، تحتَ زَحْفِ الحَقِّ تَنْهارُ
.

ما زالَ لِلَّهِ جُنْدٌ إنْ دَعا نَفَروا،
.

 

مُهاجرونَ ذوو صِدْقٍ، وأَنْصارُ
.

ما زالَ للفتحِ نَبْضٌ في جَوانِحنا
.

 

يَسْرِي، وعَزْمٌ مِنَ الذِّكْرى وإصْرارُ
.

ومل تَزَلْ رايةُ التحريرِ خافِقةً،
.

 

يقودُها في طريقِ النّصرِ أحْرارُ
.

فَجْرُ الخلافَةِ يدعونا إلى غدِهِ،
.

 

والليلُ يُطْوى، فلا حُجْبٌ وأسْتارُ
.

و «اللهُ أكبرُ» صَوْتُ الحقِ منطِلقٌ
.

 

مُجَلْجِلٌ، في نِداءِ الزَّحْفِ هَدّارُ
.

وَيَرْجِعُ الدهرُ غَضّاً في نَضَارتِهِ،
.

 

والنَبعُ مُنْبجسٌ، والروضُ مِعطارُ
.

والأرضُ مُخْضرَّةُ الأرجاءِ زاهِيةٌ،
.

 

ومِلءُ آفاقِنا شُهْبٌ وأَقْمارُ
.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *