العدد 215 -

السنة التاسعة عشرة ذو الحجة 1425هـ – كانون الثاني 2005م

تأملات في بيان علماء الحجاز الأخير

تأملات في بيان علماء الحجاز الأخير

يا علماء بلاد الحجاز أنتم والأقربون أولى بالمعروف

بادئ ذي بدء، علينا أن نشكر بعض علماء بلاد الحجاز على تذكرِهم، بعد أكثر من عام ونصف، الحالةَ العراقية، ولا نقول كما جاء في بيانهم: «الحالة الاستثنائية التي يمر بها العراق»؛ لأن الحالة الاستثنائية التي تَمرُّ بها الأمة ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب.
بعد سكوتٍ لعام ونصف أثار العلماء هذه القضية، ووجّهوا بيانَهم لأهل العراق فقط، لا للأمة وحكامها، ومنهم حكام بلاد الحجاز للأسف. ونحن، استجابة لدعوتهم إلى “تبادلِ الرأي والمشورة والنصيحة” التي هي من حق المسلم على أخيه، يحق لنا أن نقدم بدورنا النصيحةَ للناصحين أنفسِهم، – ورحم الله من أهدى إلينا عيوبنا -، وأن نتبادلَ الآراءَ معهم؛ لعلنا نُنبههُم إلى أمر إن غفلوا عنه تنبهوا إليه، وأدركوا الواجب الذي عليهم القيام به، فكان خيراً لهم، وإلا فليحذروا الله بقوله الذي يزلزل أركان التقيِ الورعِ الصادق كلِّها: ﴿وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران 28].

أيها العلماء الأفاضل:

إن الحالةَ الاستثنائية مرّ ويمر بها المسلمون جميعاً في العالم الإسلامي كله، وهي غير مقتصرة على بلدٍ هنا أو بلد هناك. فبعد تدخل الكفار في أحوال المسلمين، حتى قبيل هدم كيانهم، مروراً بهدم الدولة العثمانية، وتقسيمِها، وزرعِ كيانِِ غريب بين جنبيها، واحتلالِهم معظم أراضيها مباشرةً، وتنصيبِ حكامٍِ على مُزَقِها، يحكمونها بغير ما أنـزل الله، بعد أن اختفى الكافر المستعمر ظاهرياً فقط عن إدارة شؤون البلاد، والأمة تحيا وضعاً استثنائياً غير طبيعي.

إن المسلمين عاشوا، ولا زالوا يعيشون، وسيبقون يعيشون هذه الحالة الاستثنائية الحرجة، ما لم ينهضوا ويُظهروا دينهم على الدين كله. فوجودُ هذه الكيانات الهزيلة هو بحد ذاته تجسيد للحالة الاستثنائية، فلا يجوز لهؤلاء العلماء أن يجعلوها الحالة الطبيعية التي يُفتون الناس من خلالها، كواقع لا يُتَقَدَّمُ عليه ولا يُتَأخر، وكأنه حتم مقضي. وهذا أخطر ما في البيان، فهو ينظر للحالة العراقية وكأنها شأن عراقي فقط، ولا حق لمسلمي العراق عليهم، أي على العلماء، أو على الأمة، أن ينصروهم في الدين. فتأولوا هذا التناصر والتظافر بمجرد التناصح والإرشاد، وتقديم المساعدات والدعاء والدواء. فلم يذكروا أن وجوب الجهاد ينتقل في حال عجز أهل البلد الذي احتله الكفار إلى الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، إلى أن يتمّ بالفعل، وعلى أرض الواقع، طرد ودحر الكفار من البلد الإسلامي الذي غزوه.

أيها الإخوة الكرام

لا شك أن البيان من ناحية نظرية يحوي على بعض العبارات الجميلة، ولكنها لا تخلو من دخن مميت. فهي تدعو إلى الجهاد وهذا حسن، ولكنّ دخنَها أنها قصرته على أهل العراق فقط، وكأن قوة العراقيين كافية لدحر المحتلين أذلة صاغرين، كما كانت دعوة البيان. وتدعو إلى الالتزام الشرعي وهذا حسن، ولكنّ الدخنَ كان في بحثهم عن تبرير لهذا الالتزام بقولهم: «كما أن القوانين الأرضية تضمنت الاعتراف بحق الشعوب في مقاومتهم» وغاب عن بالهم أن من غزا العراق غزاه وهو مسلح بقرارات دولية أي بالشرائع الأرضية الطاغوتية. فالمسلم لا يحتاج مبرراً للقيام بالالتزام الشرعي ولو خالف الدنيا بأسرها، فالعبارة لم تسق على سبيل الحجاج حتى نخرجها عن محاولة التبرير. ودعوا أهل العراق إلى إخراج المحتلين أذلة صاغرين، كما فعلوا مع بريطانيا التي خرجت من الباب لتدخل من الشباك لتكريس حدود سايكس – وبيكو، ولو أنهم ذكّروا بإخراج المسلمين للتتار والصليبين لكان أولى بهم وأحسن؛ لأن المسلمَ عينُه على العالم الإسلامي كلِّه، وينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي يراه فيه موحداً. وهذا التشبيه يؤكد أن الجماعة يتعاملون مع الكيانات القائمة في العالم الإسلامي باعتبارها أمراً عادياً طبيعياً ليس استثنائياً.

ويدل على هذا ما جاء في النقطة الثالثة من بيانهم حيث قالوا: «ولا شك أن جهاد المحتلين واجب على ذوي القدرة، وهو من جهاد الدفع، وبابه دفع الصائل، ولا يشترط له ما يشترط لجهاد المبادأة والطلب، ولا يلزمُ له وجودُ قيادة عامة، وإنما يعمل في ذلك بقدر المستطاع، كما قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن 16].

وهؤلاء المحتلون هم -ولا شك- من المحاربين المعتدين الذين اتفقت الشرائع على قتالهم حتى يخرجوا أذلة صاغرين بإذن الله، كما أن القوانين الأرضية تضمنت الاعتراف بحق الشعوب في مقاومتهم… فالمقاومة إذاً حق مشروع، بل واجب شرعي يُلزم الشعب العراقي الدفاع عن نفسه، وعرضه، وأرضه، ونفطه، وحاضره، ومستقبله، ضد التحالف الاستعماري كما قاوم الاستعمار البريطاني من قبل».

فلم يذكر علماؤنا الأجلاء أنهم إن لم يستطيعوا -وهم كذلك- انتقل الوجوب إلى من يلونهم، ثم الذين يلونهم، حتى يتمّ دحر الكفار المحتلين، وقصروا الاستطاعة على أهل العراق، وهم يعلمون أنهم لوحدهم لا يستطيعون.. وكأنّ واقع فلسطين عنهم بعيد، فعندما ينيطون الاستطاعة بأهل البلد فقط وهم محتلون، فهذا عين ما تريده أميركا وحكام المسلمين؛ كأن شعارهم: «نذبح الشرفاء المخلصين بسرعة ثمّ نمضي إلى مبتغانا» ولعل هذا من الأسباب التي جعلت السلطات السعودية لا تبالي بالبيان، ولا بأحد من موقعيه بخلاف موقفها من الشيخ بن زعير ثبته الله.

يبدو أن عدم الجديةِ والصدقِ لحمل تَبِعات القيام بالواجب الشرعي على وجهه الصحيح جعل من تلك العبارات لا فاعلية لها، ولا أثر حتى على صعيد حكام بلاد الحجاز.

إن البيان، وإن اقتصر في خطابه على مطالبة المسلمين في العراق بالجهاد والمقاومة.. إلا أنه خرج منه ما يعتبر خروجاً عن الخطوط الحمراء، فقد تحدث عن وجوب الجهاد الذي اعتبر إرهاباً، وتحدث عن مقاومة الاحتلال وعدم التعاون مع قواه، وتحدث عن وجوب نصرة أهل العراق.. ولكن خالف البيان النجعة في بيان كيفية تحقيق هذه النصرة على الواقع، ففقد مصداقيته، وألمح إلى أن حكومة علاوي تابعة للمحتل أي عميلة في حين أن هذه الحكومة اعترف بها حكامُ بلاد الحجاز. فردّ فعل الحكومة على البيان تبين أن الأثر له معدوم، وكأنّ البيان، وإن خالف طرح ولي الأمر بزعمهم – وهذا غير معهود أن يمرّ مر الكرام في تلك الديار – هو زوبعة في فنجان. فما في البيان من أمور حسنة، نشكر أصحاب البيان على التلميح لها، لم توضح كيفية العلاج الشرعي الصحيح والصادق والمنتج لتحقيقها، وواجب مسلمي أهل العراق ومن يلونهم من المسلمين المحيطين بالعراق القيام به لاستئصال التواجد الكافر من بلاد المسلمين.

هذا يدعونا لنصح أصحاب البيان ودعوتهم إلى التفريق بين التوصية بكذا وكذا ومجرد البيان، وبين حمل التكاليف الشرعية على وجهها الشرعي الصحيح، وهو محك الرجال، والدلالة على صدق الالتزام، حتى لا يكون حال علمائنا كقوله تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾[ الصف]. وتذكيرهم أن ذمّة المسلمين كلهم – في العراق وغيره – لا تبرأ ما بقي الكفار محتلين شبراً واحداً من بلاد الإسلام.

النقطة العاشرة من بيانهم تدل على ما سبق ذكره، فقد قالوا: «ونوصي إخواننا المسلمين في العالم بالوقوف إلى جانب إخوانهم في العراق بالدعاء الصادق والتعاطف والتراحم والنصرة قدر الإمكان، كما أوصى النبي … ونوصيهم بإعانة إخوانهم بالرأي السديد والنظر الرشيد المتزن البعيد عن التسرع والاستعجال… ونوصيهم بمؤازرة الشعب العراقي في محنته الأليمة، وأن تسارع الجمعيات والمؤسسات الخيرية إلى السعي في سد حاجة العراقيين للغذاء والدواء واللباس وضروريات الحياة.

نسأل الله أن يحفظ شعوب الإسلام في العراق وفلسطين وفي كل مكان، وأن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً».

فهؤلاء العلماء يوصون الآخرين بما يدركون أنه ليس العلاج الشرعي الصحيح. فهل جعل الله ورسولُه الدعاء والدواء بديلاً عن تحريك الجيش الإسلامي لتحرير البلاد التي تلينا من الكفار الغزاة؟!

وهل طلب الإسلام أن نوصي الآخرين، ونخرج أنفسنا من الوصية، وكأن الأمر ليس إلا إبداء رأي، وكأن الأمر لا يعنينا، وكأننا غير مكلفين مثل غيرنا؟!

وهل غاب عن بال العلماء أن المؤسسات الخيرية أصبحت مؤسسات تدعم الإرهاب!! وأن حكام بلادهم يطيعون الكفار في إغلاقها؟! أم أن الأمر هو التنسيق مع الكفار لعمل جمعيات ومؤسسات معينة مرضيٌ عنها، تخدم في النهاية الرؤية الأميركية لما يسمى إعمار العراق. ويبدو أنه قد غاب عنهم عند دعوة الجمعيات والمؤسسات الخيرية “إلى السعي في سد حاجة العراقيين للغذاء والدواء واللباس وضروريات الحياة” أن إيصال هذه الأمور رغماً عن الحكام يحتاج أيضا للجهاد. وإن كان الإيصال بالتنسيق مع الحكام، فواقع الحكام معروف ومكشوف، وهم في خندق الكفار على طول الخط، أي لا يؤدي التعاون معهم إلى إخراج أسياد الحكام من العراق أذلة صاغرين!!

وعلى هذا فإن العبارات الحسنة التي تضمنها البيان لا قيمة لها، فهي لا تتعدى كونَها غشاءً جميلا، يختفي وراءه الانهزام والتضليل. الانهزام، تمثل في قصر المقاومة على الشعب العراقي. والتضليل في عدم كشف من ساعد الأميركيين وقوات التحالف من الحكام، إذ لم يشر إليهم البيان بحرف واحد.

ويدل على ذلك أيضا ما جاء في النقطة الرابعة والخامسة من البيان، إذ قالوا في النقطة الرابعة: «ولا يجوز لمسلم أن يؤذي أحداً من رجال المقاومة، ولا أن يدل عليهم، فضلاً عن أن يؤذي أحداً من أهلهم وأبنائهم، بل تجب نصرتهم وحمايتهم». وقالوا في النقطة الخامسة: «يحرم على كل مسلم أن يقدم أي دعم أو مساندة للعمليات العسكرية من قبل جنود الاحتلال؛ لأن ذلك إعانة على الإثم والعدوان». فواقع العراق الآن أنه بلد إسلامي دهمه الكفار، فلماذا الاكتفاء بتوجيه نداء الجهاد والمقاومة إليهم وكأنّ من يلونهم من المسلمين لا يعنيهم الأمر؟ ثمّ لماذا الاقتصار على تحريم مساندة الأفراد للعمليات العسكرية من قبل جنود الاحتلال من العراقيين فقط؟ وعدم الإشارة إلى المساعدات التي قدمتها الدول المحيطة بالعراق والتي منها السعودية؟ والخطر الذي في الفقرة هو التلميح أن مساندة الاحتلال في غير العمليات العسكرية يسعى لها قدر الإمكان، وكأنه إعانة على البر والتقوى!! فالبيان أنكر مساعدة الكفار الأميركيين عسكرياً، ولكنه لم ينكر على حكام بلاده ما وقعوا به مما أنكره البيان نفسه من مساعدة ومعاونة الكفار عسكرياً.. ودعا إلى الجهاد، ولكنه لم يدع حكام بلاده إليه، وقد أوجب الشرع الحنيف عليهم ذلك دون أدنى شك؛ لأن الإسلام لا يعترف بالحدود التي أقامها الكافر المستعمر بين المسلمين.
وتدل النقطة الثانية على إخلاد العلماء للأمر الواقع، والرضى به واعترافهم بصعوبة تغييره مما أوقعهم في تناقض حقيقي وهم لا يشعرون. فالعلماء الأجلاء كان مصدر حكمهم على الواقع الواقع نفسه، وليس النصوص الشرعية التي على الأمة أن تغيره ليكون كما أمر الله، ليظهر الإسلام على الدين كلّه..

يستشف ذلك من قولهم في النقطة الثانية: «ثم إن من شروط النجاح فهم الظرف والمرحلة والواقع الذي يعيشه الإنسان فهماً جيداً. فإن أي طموح أو تطلع لا يعتد بالرؤية الواقعية، ولا يقرأ الخارطة بكل تداخلاتها وتناقضاتها وألوانها، فإنه يؤدي به إلى الفشل، وإذا كان الله تعالى قال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال 60] فإن أعظم القوة هي قوة العقل والنظر والرؤية الاستراتيجية…

وأكثر الإشكالات تأتي من جهة إختلاف الرؤية للواقع، وعدم تمثله بشكل صحيح، أو من النظر إليه من زاوية واحدة، أو من التعويل على صناعة المستقبل دون اعتداد بالحاضر، أو إدراك لصعوباته.

وهذا شأن يعز إدراكه على الكثيرين، ويحتاج إلى رؤية جماعية ذات معايشة وفهم ودراية ودربة وتعقل وتجربة».

هؤلاء العلماء لا يصدرون أحكامهم باستنباطها من المصادر التشريعية المعتبرة، بل من الواقع، وقد دلت النقطة الثانية التي جاء فيها «التعويل على صناعة المستقبل دون اعتداد بالحاضر» على هذا ومن «نبض الناس ومشاعرهم» كما جاء في النقطة التاسعة ومن «تحري مردود الأعمال التي تقع، ومدى تأثيرها على الشعوب من المسلمين وغيرهم» كما جاء في النقطة السابعة. ومن كان هذا حاله لا يمكن أن يصل إلى القول الحق؛ لأن العالم الحق هو الذي يعلم أحكام الله ويعتد بها، ولا يعتد بالواقع ليصدر الحكم بناء عليه، بل يفهم الواقع لينـزل عليه الحكم الشرعي الخاص به. فالواقع محكوم عليه بالشرع وليس حاكما على الشرع، وهو الذي يعمل ليجعل الأهواء والمشاعر ونبض الناس وفق هدى الله لا العكس، ولا يبالي بنظرة الكفار إلى تطبيق أحكام الله ما دامت أحكاما لله سواء رضوا أم سخطوا.

وأخطر ما في بيانهم على الإطلاق تعاطيهم مع الوضع العراقي من خلال المفردات التي يروج لها الاحتلال وأذنابه، ويدل على ذلك النقطة الثامنة والتاسعة والشطر الثاني من النقطة الخامسة بوضوح شديد، فوقعوا بذلك في فخ المبررات الأميركية وأذنابها للإبقاء على قواتها محتلة لبلد إسلامي، وكأنّ المبررات المختلقة لها وجود في الواقع، فغاب عن أصحاب النظرة الاستراتيجية إخفاق الكافر في إثارة الفتنة الطائفية والدينية، ووعي مسلمي العراق على ألاعيبهم، وإفشال المخلصين من أهل العراق كله بلا استثناء لهذا المخطط الذي يحاول الكافر فرضه على الأرض بقوة الحديد والنار، والتشريعات الدستورية، والتعيينات الحكومية، والواقع الذي أوجده الكفار في شمال العراق، منذ ما قبل عهد صدام، واقع هش مدعوم من القوى الكبيرة الكافرة وهو بدونها يصبح أثرا بعد عين، ولو حصر أصحاب النظرة الاستراتيجية – وقد اعتبرت عندهم من الإعداد الذي يرهب الأعداء لما خطّوا النقطتين الثامنة والتاسعة – المشكلة العراقية بوجود الاحتلال وعملائه فقط، واقتصروا على دعوة الجهاد، لحصلوا على واقع إسلامي موحد انهارت به كافة مخططات الكفار، بشرط أن يكون الصراع صراع الأمة، بقواها المخلصة، ضد الكفار وأذنابهم ممن يسمون أولياء أمور. والحقيقية أن النظرة الاستراتيجية للعالم الإسلامي كله تبين أن رغبة ومطلب المسلمين الحقيقية هي الوحدة الحقيقية للمسلمين جميعاً، أما أصحاب البيان فقد كرسوا واقع التجزئة واعتبروه حتماً مقضياً، بل وقدموا النصائح التي جعلت من المشكلة المختلقة -أميركياً- مشكلة لها واقع في الواقع.

قالوا في النقطة الخامسة: «أما ما يتعلق بمصالح البلد وأهله -من توفير الكهرباء والماء والصحة والخدمات وضبط المرور واستمرار الأعمال والدراسة وديمومة المصالح العامة ومنع السرقة ونحوها- فلا بد من السعي في توفيرها بحسب الإمكان».

ومما قالوا في النقطة الثامنة: «إن المحافظة على وحدة العراق مطلب حيوي وضروري».

«وليست هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق بالفرصة الذهبية التي يطمع كل طرف أن يوظفها لصالحه، والأولوية في هذه المرحلة هي لترسيخ وحدة البلد، والمصالحة الداخلية، وتجنب أسباب الفتنة والاحتراب، وكف بعض الطوائف عن بعض، فهذه مصلحة مشتركة».

ومما جاء في النقطة التاسعة: «إذا استطاع أهل الإسلام عامة، والمنتسبون إلى الدعوة خاصة، أن يتجهوا إلى الإصلاح والبناء والإعمار المادي والمعنوي والأعمال الإنسانية والتربوية والعلمية والمناشط الحيوية، وكانوا قريبين من نبض الناس ومشاعرهم، متصفين بالحلم والصبر وسعة الصدر، وتركوا خلافاتهم جانباً -إذا استطاعوا ذلك- فسيكون لهم في بناء البلد وإعماره وقيادة مؤسساته تأثير كبير. والبلد الآن في مرحلة تشكل وتكون، والأسبقية مؤثرة، خصوصاً إذا صحبها إتقان لفنون الإدارة والتدريب العملي والعمل الجماعي المؤسسي».

لاحظوا أيها الإخوة الكرام قولهم البلد الآن في مرحلة تشكل وتكون، وهو عين الطرح الأميركي تحت شعار بناء العراق الجديد وإعماره ولم يقل البيان أن البلد الآن في حالة جهاد وتحرر.. وهو واقع العراق من منظور استراتيجي شرعي، ففي فلسطين: جرّب العملاء شعار التعمير قبل التحرير فكان مآل التعمير إلى التدمير.

البيان – أيها الإخوة الكرام- شكل دعوة الضعيف لأن يقاوم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، والنتيجة أن يفني الكفار المجاهدين الذين دعا البيان لإخراجهم أذلة صاغرين!! في الوقت الذي يتبنى به أطروحات حكومة علاوي العميلة وسياسة الأمر الواقع. وهذا هو التناقض الذي وقع به أصحاب البيان وهم لا يشعرون، إذ كيف سيخرج الضعيف الدولة الكبرى ذليلة صاغرة، وقد قصر جهادها على الضعفاء المحتلين، ولم يستنهض البيان الأمة الإسلامية بكاملها لتكون المواجهة على مستوى الهجمة العالمية الشرسة على الإسلام، فكيف سيخرج إذاً الأميركيين وأحلافهم أذلة صاغرين؟!

أيها العلماء الأفاضل:

يجب عليكم أن تستسلموا لله، وأن تنصحوا لله ولرسوله ولكتابه، قبل أن تنصحوا لأئمة المسلمين وعامتهم، حتى لا تخرج نصيحتكم عما يريده الإسلام؛ فتخسروا في الدنيا والآخرة، وأن لا تكتفوا بذكر الأمر الحسن الشرعي فقط، بل تبينوا ما الواجب عليكم لترجمته إلى واقع الحياة عملياً، وأن لا تكتفوا بذكر جزء من الشرع دون أن تكملوا البيان ليتناول الشرع كله ولو انفردت السالفة، وإلا، فإن الأولى بكم أن تتمثّلوا قول الحبيب المصطفى : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» (رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، وأحمد، ومالك).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *