العدد 215 -

السنة التاسعة عشرة ذو الحجة 1425هـ – كانون الثاني 2005م

تركيا دولة بلا شخصية

تركيا دولة بلا شخصية

الدول كما الأفراد، فكما أن الأفراد يتميزون بشخصياتهم فكذلك الدول، وكما أن هناك أفراد بلا شخصيات، فكذلك الدول فإن بعضاً منها بلا شخصيات، ومن أبرز هذه الدول التي لا شخصية لها الدولة التركية، فإنها دولة مصطنعة لا معنى لها، فليس فيها شيء أصيل، فلغتها متغيرة متبدلة، وثقافتها غامضة مائعة متناقضة، وهواها متأرجح ومتقلب، فهي دولة لا طعم لها، ولا لون، ولا رائحة، منذ أن تخلت عن الإسلام وعن الخلافة الإسلامية.

يحاول رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي الإسلامي النـزعة أن يقنع ناخبيه الإسلاميين بشيء إسلامي يفعله لهم ولو كان شيئاً واحداً، فعمل على تمرير قانون منع الزنا على البرلمان الذي يسيطر عليه حزبه، فاحتج عليه العسكر، واحتجت عليه أوروبا، ودعت أوروبا إلى وقف المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبين تركيا بسبب هذا القانون، ودعت كذلك إلى عدم استئنافها إلا إذا قامت تركيا بإلغاء القانون المذكور.

ومن جهة أخرى دعت حكومة أردوغان أميركا إلى وقف قصف مدينة تلعفر العراقية، وهي مدينة تقطنها أكثرية سكانية من أصل تركي، فهي تهتم فقط بالتركمان وليس بالمسلمين العرب أو الأكراد، وهي بذلك تحاول التركيز على العنصر التركي، إضافة إلى الخلفية الإسلامية والانتماء الأوروبي، وهي تُوَسِّط أميركا لدى الأوروبيين من أجل قبولها في الاتحاد.

فأمعنوا أيها السادة في سلوك هذه الحكومة المتناقض، فهي من جهة تُلح على الأوروبيين لتكون عضواً في الاتحاد الأوروبي الذي تنقسم دوله بشأن الدين، بين من يعتبر العلمانية اللادينية شرطاً لأية دولة تريد الدخول فيه، وتركيا من حيث الشعب التركي هو شعب مسلم متدين لا يقبل العلمانية المفروضة عليه، كما أنه لا وجود للنصارى في تركيا. وهي من جهة أخرى تسعى لاستصدار قانون منع الزنا المحرم شرعاً في الإسلام. وهي من جهة ثالثة لا تدافع عن جميع العناصر الإسلامية في تركيا نفسها فضلاً عن غيرها وتركز فقط في الدفاع عن العنصر التركماني. وأخيراً فهي من جهة رابعة تلتزم في عضويتها لحلف الناتو، وتلتزم بعلاقة خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية، وتعترف بـ(إسرائيل) منذ نشأتها.

فمجموعة هذه المتناقضات وهي: الانتماء الأوروبي، المرجعية الإسلامية في بعض الأحكام، رابطة العرق التركماني، والالتزام بالرباط الأطلسي بزعامة أميركا، وتطبيع العلاقات مع الكيان اليهودي.
فهذه المقومات الخمسة هي التي تشكل الشخصية للدولة التركية، وهذه المقومات متناقضة متعارضة لا تمكن حاملها من السير ولو خطوة واحدة باتجاه النهضة. وإذا استمرت تركيا في هذا الطريق الضبابي فلن تجد نهاية لهذا الطريق، وسيرفضها الجميع. فعلى تركيا أن تحسم أمرها سريعاً؛ لأن مسيرة ثمانين عاماً من التيه والحيرة قد حوَّلت هذه الدولة – ذات الموقع الهام – من أعظم دول العالم، حيث كانت دولة الخلافة الإسلامية الراعية لكل المسلمين في كل أنحاء العالم، إلى دولة هامشية تسير في ذيل الدول الأوروبية.

وهي دولة فاشلة ليس على الصعيد الفكري والسياسي، وإنما فاشلة أيضاً على الصعيد الصناعي والتنموي، فمتوسط دخل الفرد التركي يقل كثيراً عن متوسط دخل أفقر الدول الأوروبية، ومتوسط إنفاق الدول الأوروبية على التعليم مثلاً يزيد ضعفاً عن إنفاق تركيا.
وهكذا، فتركيا اليوم بوصفها دولة، لا هي مسلمة، ولا أوروبية، ولا أطلسية، ولا حتى تركية، وإنما هي دولة هجينة مصطنعة لا قيمة لها ولا وزن، فهي ببساطة دولة بلا شخصية ولا هوية.
وإذا أرادت تركيا أن تعود لعزها ومجدها، فلا طريق أمامها سوى العودة إلى الإسلام الذي أعزَّها وأكرمها قروناً، كانت فيها الخلافة العثمانية دولة عظمى. لقد قال السلطان الخليفة عبد الحميد الثاني في مذكراته: «إن العثمانية لا تعني التركية، بل هي رابطة لجميع الشعوب الإسلامية، وهي أشبه بالعباسية والأموية. حيث هي صفة للحاكم وليس للمحكوم».

فعلى تركيا أن تحسم أمرها، وتعود إلى حضنها الإسلامي الدافئ، فتقطع علاقاتها مع (إسرائيل)، وتنسحب من حلف الناتو، وتسحب طلبها لدخول الاتحاد الأوروبي، وتعود إلى الاهتمام بشعبها بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، فلا فرق بين كردي وتركي، أو بين عربي وكردي، إلا بالتقوى، فإن فعلت ذلك فسوف تسهل عملية إرجاع الخلافة الإسلامية إليها أو إرجاعها إلى دولة الخلافة، والأمران سيّان.

والأتراك لا شك بأنهم عنصر هام من عناصر الأمة الإسلامية، وهو من حيث الأهمية يأتي بعد العنصر العربي في تشكيلة الدولة الإسلامية، فلا ينبغي لهذا العنصر أن يتخلى عن أصوله، كما أن الأمة الإسلامية تفقد أحد جناحيها الرئيسيين إذا فقدت هذا العنصر الهام.
وأخيراً فإن لتركيا مسؤولية هامة في تحمل أعباء إعادة وحدة لحمة الأمة بكافة عناصرها، وذلك بسبب مسؤوليتها عن تفريق شتات الأمة بعد إلغاء الخلافة، وهذا وزر عظيم اقترفته أيادي المجرم أتاتورك ومجموعته بالتواطؤ مع بريطانيا، وهذه المسؤولية التاريخية ينبغي أن تذكر الشعب التركي المسلم الأبي الشجاع بأن عليه أن يُعوض ما ألحقته الحكومات العلمانية التركية المتعاقبة منذ حكومة أتاتورك واينونو وحتى الحكومة الحالية من إجحاف بحق الأمة وتفريط في جنبها. فالأمة الإسلامية أمة واحدة لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فعليها أن تتوحد ثانية في ظل الخلافة الإسلامية لتعود أمة مهابة الجانب تُسند دولة لا يمكن إلا أن تكون دولة عظمى بل ودولة أولى في العالم ألا وهي دولة الخلافة الإسلامية الآتية لا محالة – إن شاء الله-

أبو حمزة الخطيب – بيت المقدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *