العدد 160 -

السنة الرابعة عشرة _جمادى أولى1421هــ _ آب2000م

كتاب: تيسـير الوصـول إلى الأصـول

        صدرت عن دار الأمة ـ بيروت، الطبعة الثالثة من كتاب (تيسير الوصول إلى الأصول ـ دراسات في أصول الفقه) لمؤلفه (عطاء بن خليل)؛ والكتاب في (310) صفحات من القطع المتوسط، وهو مقسم إلى مقدمة وخمسة أبواب.

          يقول مؤلفه في تمهيده، مبيناً سبب إعداد هذا الكتاب (شاء الله أن أدرس وأدرّس فصولاً من أصول الفقه مدة ليست بالقصيرة ولقد دفعني ذلك لأن أطلع على العديد من كتب الأصول قديمها وحديثها فتبين لي أن الكثير من موضوعاتها صعبة الفهم عسيرة الهضم فولد هذا لدي رغبة قوية في أن أحاول أن أجعل هذا العلم سهلاً لمن كان له أهلاً فكان هذا الكتاب الذي سميته (تيسير الوصول إلى الأصول).

          ويقول في مقدمة الطبعة الجديدة (لقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب تيسير الوصول إلى الأصول قبل عقد من السنين تبين لي خلالها أن بعض موضوعات الكتاب لا زالت صعبة الفهم عسيرة الهضم وأنها بحاجة إلى معلومات تضاف وأمثلة تزاد وكذلك إلى مزيد شرح وتوضيح فكانت هذه الطبعة التي أرجو الله أن أكون بها قد اقتربت من تحقيق التيسير الذي أردت).

          وواضح من هذا القول أن دافع المؤلف لإعداد هذا الكتاب هو أن يجعله سهلاً لمن كان له أهلاً.

          يتحدث الكتاب في المقدمة عن علم الأصول وتعريفه وأهميته وأنه يحوي ثلاثة موضوعات مهمة: الحكم ومتعلقاته، الدليل ومتعلقاته، الاجتهاد ومتعلقاته. ويفصل ذلك في أبواب خمسة.

          يبحث في الباب الأول (الحكم ومتعلقاته) وذلك في أربعة فصول: الأول عن الحاكم أي الذي يملك إصدار الحكم على الأفعال والأشياء، والثاني عن خطاب التكليف، والثالث عن خطاب الوضع، وفي الفصل الرابع يتحدث عن القواعد الكلية.

          ويبين في هذا الباب موضوعاً مهماً لاستنباط الأحكام وهو موضوع القرائن التي تبين نوع الطلب إن كان جازماً أو غير جازم أو على التخيير، فيفصل القرائن التي تفيد الجزم ويضرب أمثلة على كل منها وهكذا يفعل مع بقية أنواع القرائن، المفيدة للترجيح دون الجزم وكذلك تلك المفيدة للتخيير والإباحة على وجهها، وبالتالي يسهل إدراك كون الحكم الشرعي طلب فعل جازماً أو طلب ترك جازماً أي فرضاً أو حراماً، أو كونه طلب فعل غير جازم مع الترجيح أو طلب ترك غير جازم أي مندوباً أو مكروهاً، أو كونه طلب فعل مفيداً للإباحة.

          ويتميز هذا الباب كذلك بإزالة الغموض حول موضوع القواعد الكلية وبجعله قريباً للأفهام، فيبين أن الحكم الشرعي إذا نسب إلى لفظ خاص، يكون حكماً خاصاً مثل شهادة خزيمة تعدل شهادتين فهو منسوب إلى لفظ خاص (خزيمة)، وإذا نسب إلى لفظ عام، يكون حكماً عاماً مثل الميتة حرام فقد نسب إلى لفظ عام (الميتة) وبذلك يكون تحريم الميتة حكماً عاماً، وإذا نسب إلى لفظ كلي مجازي يكون حكماً كلياً كقولنا (الوسيلة إلى الحرام حرام) فقد نسب التحريم إلى لفظ كلي (الوسيلة إلى الحرام) وليس للفظ (الوسيلة)، ولذلك كان (الوسيلة إلى الحرام حرام) حكماً كلياً. وهذا الحكم الشرعي الكلي هو ما اصطلح عليه بالقاعدة الكلية. ويبين الكتاب ما هو اللفظ الكلي الحقيقي وما هو اللفظ الكلي المجازي الذي تبنى عليه القاعدة الكلية.

 

          ويبحث في الباب الثاني (الدليل ومتعلقاته) ويجعله في فصلين، يبحث في الأول الأدلة المعتبرة شرعاً وفي الفصل الثاني الأدلة غير المعتبرة شرعاً أي ما ظن أنه دليل وليس بدليل.

          وفي حين أن الكتاب يوجز في الفصل الثاني موضوع الأدلة، إلا أنه يفصل في الفصل الأول موضوع الأدلة المعتبرة شرعاً، التي ثبتت حجيتها بالقطع أي أن الوحي قد جاء بها قطعاً. فيتحدث عن الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس، بشيء من التفصيل، ويجلو كثيراً من الغموض والصعوبة عن أنواع العلة في القياس وبخاصة العلة القياسية، فيضرب عليها الأمثلة ويوضحها بشكل يجعلها قريبة من الأفهام.

          يقول الكتاب عن العلة القياسية (إذا كان في النص علة دلالة وكانت هناك علاقة مؤثرة بين العلة دلالة وحكم الأصل فإن هذه العلاقة يمكن استعمالها في قياس علة جديدة على العلة دلالة الموجودة في النص وهذه العلة الجديدة تسمى علة قياسية) ثم يشرح هذا جيداً في أمثلة ثلاثة: (الغضب علة دلالة)، التشويش هو العلاقة المؤثرة بين العلة دلالة والحكم)، (والجوع يشترك مع الغضب في العلاقة المؤثرة ـ التشويش ـ) فيكون الجوع علة قياسية على الغضب. وهكذا بالنسبة للخارج من السجن والقادم من البادية وكذلك بالنسبة لمن يكسر شيئاً عنده لصاحبه ومن يغير هذا الشيء إلى شيء آخر.

          وأما في الباب الثالث فتقع أبحاث اللغة، والمؤلف يتناول في هذا الباب أكثر مما تتناوله كتب الأصول عادة، وذلك لما يراه من أهمية للغة في الأصول وكذلك لابتعاد مناهج التدريس في البلاد الإسلامية عن ما يلزم للأصول من أبحاث فقه اللغة. ولذلك اهتم ببيان كيفية تعبير العرب عن المسميات من حيث الحقيقة والمجاز والاشتقاق والتعريب. ثم أكثر من الشرح والأمثلة لدلالات الألفاظ وأزال الالتباس الممكن حدوثه بين دلالة المطابقة في المنطوق ودلالة التضمن، وكذلك بالنسبة لدلالة المفهوم وبخاصة دلالة التنبيه والإيماء، ومفهوم الاسم الجامد والمشتق غير الوصف والعلم وما في معناه كاللقب والكنية ثم مفهوم الوصف غير المفهم.

          وفي الباب الرابع تناول أقسام الكتاب والسنة واستوفاها بالقدر المناسب إلا أنه أعطى اهتماماً أكثر بالأمر والنهي لأن هذا الموضوع أساس لاستنباط الأحكام فإن لم يدرك الأمر والنهي في النص فإنه يتعذر الوصول إلى الحكم الشرعي سواءٌ أكان تكليفاً أم وضعاً. وعليه فقد عرض الأمر والنهي عرضاً مفصلاً فتناول أساليب العرب المفيدة للطلب سواءٌ أكانت أمراً أم نهياً، فذكر الصيغ المفردة في اللغة المفيدة للأمر والنهي، ثم الجمل المركبة في المنطوق والجمل المركبة في المفهوم المفيدة للطلب.

          وقد ذكر الكتاب من هذه الصيغ والأساليب وتفريعاتها ما يناهز الخمسين للأمر والنهي، ضارباً أمثلة عن كلٍّ ومبيناً كيف يفهم الطلب إن كان للفعل أو لتركه ثم يبحث عن القرينة المصاحبة للطلب لبيان الحكم الشرعي.

          ويبحث في الفصل الثاني العام والخاص ويستوفي الموضوع وبخاصة استعمال العموم في التغليب للمذكر ليشمل المؤنث أو للعاقل ليشمل غير العاقل، ثم عند تخصيص الصيغة بالمؤنث أو غير العاقل.

          وفي الفصل الثالث يبحث المطلق والمقيد ويبذل الوسع في تفصيله وتوضيحه مبيناً التقييد الكلي والجزئي ثم التقييد المتصل والمنفصل وتقييد الكتاب بالكتاب والكتاب بالسنة والسنة بالسنة، والتقييد بالصفة والشرط والغاية.

          ثم يبحث في الفصل الرابع المجمل والمبين، ويبين سبعة أنواع للإجمال وكذلك كيفية بيان المجمل بالقول او الفعل أو بالقول والفعل معاً.

 

          ويختم أقسام الكتاب والسنة بالناسخ والمنسوخ في الفصل الخامس، مبيناً معنى النسخ وكيف ومتى يكون وأنواعه وتفصيلاته.

          وفي الباب الخامس والأخير يبحث الكتاب (الاجتهاد ومتعلقاته) فيتناول في الفصل الأول البحث في الاجتهاد وضرورته وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق ولا يفعل إلا وحياً وليس اجتهاداً، ويزيل الالتباس في ما يظن أنه اجتهاد للرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الحوادث.

          وفي الفصل الثاني يبحث (التقليد) وكيف يكون ومتى يكون ثم يوضح موضوع عدم جواز التقليد في المسألة الواحدة لأكثر من مجتهد واحد مبيناً معنى المسألة ومحدداً لها.

          أما في الفصل الثالث فيتناول بالبحث موضوع الجمع بين الأدلة ويضرب أمثلة على كيفية الجمع إذا اشتبه تناقض فعل للرسول صلى الله عليه وسلم مع فعل آخر له، أو اشتبه تناقض القول مع الفعل، أو القول مع القول، أو اختلاف بيان المجمل بالقول والفعل، وأخيراً من حيث المحكم والمتشابه.

          وبعد ذلك يبحث في الترجيح ويقسمه إلى قسمين، الأول: الترجيح بين الدليلين من حيث السند والمتن في حالة تعارض الدليلين وتساويهما في القوة والعموم، وفي حالة التعارض مع عدم التساوي في القوة والعموم. والثاني: الترجيح بين دلالات الألفاظ في الدليل نفسه وهو ما يسمى بإزالة الخلل الحاصل في الفهم المراد من مدلول اللفظ عند تردده بين أكثر من معنى. وعلى الرغم من صعوبة موضوع إزالة الخلل هذا، فإن المؤلف يعرض طريقة أكثر سهولة ويسراً في فهم المراد عند تردد اللفظ بين أكثر من مدلول.

          وطريقته في ذلك أن يدرس اللفظ في أوضاع ثلاثة:

 1ـ      من حيث أصل الوضع على النحو التالي:

          أ ـ في النص الشرعي

          الأولوية في المعنى للحقيقة الشرعية ثم العرفية ثم اللغوية، هذا إذا كان النقل غالباً في معناه أي أن المعنى الشرعي والعرفي يسبق المعنى اللغوي كلفظ الصلاة.

          ب ـ فإن لم يكن النقل غالباً في معناه، فإن مدلول اللفظ الشرعي والعرفي واللغوي يكون متساوياً أي أن المدلول مشترك كلفظ (نجس).

          جـ ـ في النص غير الشرعي تكون الأولوية للمعنى الذي وضعه أهل اللغة أي الحقيقة اللغوية ثم بعد ذلك الحقيقة العرفية والشرعية.

 2ـ      من حيث وحدة المدلول، فإن الأولوية في هذه الحالة تكون للمعنى المنفرد ثم الاشتراك.

 3ـ      من حيث المعنى الصريح فإن الأولوية تكون للمعنى الصريح ثم للكناية. ثم يخلص من ذلك إلى أن اللفظ إذا تردد بين أكثر من معنى، فإنه يتبع في فهم المراد ما يلي:

          1ـ الحقيقة أولى من المجاز.

          2ـ الحقيقة اللغوية أولى من النقل في النص غير الشرعي.

          3ـ الحقيقة الشرعية أولى من العرفية فاللغوية إذا كان النقل غالباً في معناه.

          4ـ الحقيقة الشرعية والعرفية واللغوية متساوية أي مشتركة إذا كان النقل غير غالب في معناه، والترجيح يحتاج إلى قرينة.

          5 ـ الحقيقة المخصصة بمعنى واحد أولى من المجاز والإضمار.

          6ـ الحقيقة المخصصة والمجاز والإضمار أولى من الاشتراك والنقل غير الغالب في معناه.

          7ـ النقل غير الغالب في معناه مساوٍ للاشتراك، والترجيح يحتاج إلى قرينة.

          8 ـ المجاز مساوٍ للإضمار، والترجيح يحتاج إلى قرينة.

          9ـ المعنى الصريح أولى من الكناية.

          ثم يضرب أمثلة توضح هذه الأمور.

          وهكذا يختتم الكتاب موضوعاته حول هذا العلم المهم (أصول الفقه) جامعاً في أسلوبه بين عمق البحث وسهولة العرض، ما جعل موضوعاته سهلة المنال ميسورة الفهم والإدراك.

          يقول مؤلفه في مقدمة طبعته الجديدة (… ولقد ساعدني في ذلك ما طالعته من أبحاث في اللغة والأصول خطها علامة هذا القرن الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله وخطها كذلك إخوانه من العلماء الذين سبقوه مما ممكنني من إخراج هذه الطبعة على النحو الذي ذكرت) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *