الظـلم و وعيـد الظـالميـن
2000/08/08م
المقالات
4,994 زيارة
يجمع الله الخلائق يوم القيامة في موقف رهيب مزلزل ليحاسبهم على أعمالهم في الدنيا، فتستولي عليهم هيبتهم من الله، وتغمرهم الرهبة والسكون، وتخشع الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا، وتعنو الوجوه وتذل وتستسلم لله الحي القيوم، وترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم، يأتون وهم يحملون أوزارهم وظلاماتهم على ظهورهم، ويحملون من أوزار الذين يضلونهم بغير علم كما قال تعالى: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون).
في هذا الموقف تحشر الخلائق حفاة عراة كيوم ولدتهم أمهاتهم، يأتون وقد تركوا خلفهم في الدنيا جميع ما أعطاهم الله من مال وقصور وعروش وسلطان وعمارات وسيارات ومصانع، وكل ما كان قد أعطاهم من متع الدنيا، كما قال تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) يأتي الظالمون وليس معهم شفعاؤهم فلا تشفع لهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها، ولا يشفع لهم زعماؤهم الذين كانوا يصفقون لهم وينافقون لهم، أو يصدرون لهم الفتاوى المزيفة ويعينونهم على ظلمهم وضلالهم، فلا وساطة هناك لزعيم أو رئيس، ولا شفاعة لأمير أو وزير، فقد تبرأوا منهم، كما قال تعالى: (إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب @ وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار) فليس للظالمين من يشفع لهم عند الله، قال تعالى: (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع).
لقد حرم الله الظلم وشدد في تحريمه، فقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا»، وقال تعالى: (فويل للذين ظلموا من عذاب أليم) وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة». وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: «يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم»، وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل).
واليوم وبعد أن قضي على الدولة الإسلامية، عم الظلم جميع المسلمين في شتى بقاع العالم، فقد تكالبت عليهم قوى الشر والبغي والعدوان ولم تعد لهم قوة ترفع الظلم عنهم بسبب تفرقهم وبعدهم عن تعاليم الإسلام التي تفرض أن يكون جميع المسلمين أمة واحدة في دولة واحدة وخليفتهم واحد وبلادهم واحدة ليس بينها حدود ولا سدود ولا قيود وأن يكون الحكم بينهم بما أنزل الله معتصمين بحبل الله كما قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، فمنذ أن تفرقوا وسيطر عليهم حكم الطاغوت فقد كثير من أبناء الأمة خاصية عدم التظالم فيما بينهم، فالأمة الإسلامية تعاني من أشكال الظلم وأنواعه المختلفة، فمن ظلم الإنسان لنفسه، إلى ظلم الناس لبعضهم البعض، إلى ظلم الراعي والحاكم للرعية. فيبقى المسلمون آثمين حتى يتم التغيير.
أما ظلم الإنسان لنفسه فأشده الكفر والإشراك بالله، قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم) فالكفر هو أعظم أنواع الظلم إذ ليس بعد الكفر ذنب وكذلك من إذا ذكر بآيات ربه فأعرض عنها، أو افترى على الله كذبا أو كذب بآياته، أو منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه أو كذب بالحق لما جاءه أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، أو قال سأنزل مثل ما أنزل الله، أو كتم شهادة عنده من الله. أو حكم بغير ما أنزل الله قال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، والفاسقون، والظالمون. فالذي لا يحكم بشرع الله ويحكم بأنظمة الكفر وقوانين البشر التي سماها الله الطاغوت وأمرنا أن نكفر بها لهو من أشد الناس ظلما، قال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدا).
ومن ظلم الإنسان لنفسه تركه لما افترضه الله عليه وكذلك من يرتكب المعاصي ويتعدى حدود الله وينتهك حرمات الله، قال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فتقصير الإنسان بالقيام بالفرائض وباقترافه المحرمات يكون قد أوقع نفسه في جهنم فيكون قد ظلم نفسه لأنه أوردها موارد العذاب والهلاك.
أما ظلم الناس لبعضهم البعض فيكون بالتعدي عليهم بالأذى باللسان أو اليد أو أكل الحقوق فأما الاعتداء بالأذى باللسان فيكون بالإفساد وهتك الأعراض والغيبة والنميمة، والقذف والشتم وبكل كلام يؤذي الآخرين أو يخرج عن الحدود الشرعية، وقد سأل معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
ويكون الاعتداء باليد بالقتل والضرب والأذى في الأموال والأنفس والنهب والسلب والسرقة والاغتصاب وأكل حقوق الناس وحرمان المرأة أو غيرها من الإرث أو التعدي في حدود الأراضي وعدم دفع الأجرة أو أثمان المبيعات أو الإنقاص منها أو أي تصرف أو اعتداء على حقوق الناس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع. قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقضي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار».
فهذا مصير الظالمين المعتدين على الناس، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلماً، فحرم مماطلة الغني في دفع الأجرة أو ما عليه من دين أو أي حقوق أخرى. وحرم الظلم في الأراضي بقوله: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين» وقال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال رجل وأن كان شيئاً يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن قضيبا من أراك».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم».
أما ولاة الأمور والحكام فقد أوجب الله أن يكون الحكم حسب شرع الله في جميع شؤون الحياة وقد جعل الله من يحكم بأنظمة الطاغوت ولا يحكم بما أنزل الله أنه كافر أو فاسق أو ظالم كما سبق ذكره. وقد أوجب الله على الحاكم أو الوالي أو الراعي أن يحافظ على رعيته، وأن يهتم بشؤونها حسب تعاليم الإسلام. وأن يقدم للرعية الخير والنصح، وأن يدفع عنها كل ظلم أو ضرر أو عدوان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». فكل واحد من هؤلاء راع لرعيته التي عينها الرسول، وتقصير الراعي في حقوق رعيته يعتبر ظلما يحاسبه الله يوم القيامة ويحشره مع الظالمين. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة». وقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به». فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب كان يخشى أن يسأله ربه عن بغلة إن عثرت في العراق لِمَ لَمْ يمهد لها السبيل. بغلة في العراق وهو في المدينة المنورة. فالإسلام يعتبر بلاد المسلمين كلها بلاداً واحدة مهما امتدت واتسعت أطرافها لا تفرقها لغة ولا عنصرية وليس بينها حدود، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عمر بن الخطاب كان يهتم بالحيوان الأعجم فكيف بالإنسان وقصصه في تفقد أحوال الرعية ورعاية الأطفال والمحتاجين مشهورة.
فعلى الحاكم أن يحافظ على وحدة الأمة ووحدة الدولة ووحدة البلاد ووحدة الخليفة فبهذه الوحدة والاعتصام بكتاب الله كانوا قوة هائلة عظيمة، فصنعوا المعجزات ودانت لهم الأرض ونشروا العدل في أرجائها. فلا تظالموا أيها الأخوة، وتجنبوا الظلم، وقفوا في وجه الظالم وامنعوه عن ظلمه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوما. فقال رجل يا رسول الله انصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم».
وقال صلى الله عليه وسلم: «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب». وقال: «إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ (وكذلك أخْذُ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)»، وقال تعالى: (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين). فتجنبوا الظلم وابتعدوا عن الظالمين.
فإن الله يولي بعض الظالمين بعضاً ويجعلهم أولياء بعض، فلا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ولا تميلوا إليهم ولا توالوهم ولا ترضوا بأعمالهم، وإياكم والنفاق فإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، فلا يظنن هؤلاء الظلمة أن الله غافل عنهم فقد أعد للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا. قال تعالى: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار @ مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء @ وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل، أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال @ وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال @ وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال @ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام). وقد توعد الله الظالمين بالإهلاك بقوله تعالى: (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين).
وهكذا فإننا نجد أن القرآن الكريم حافل بالآيات القرآنية الكريمة التي تشدد على تحريم الظلم وعقوبة الظالمين. كما توعدت الناس الذين يركنون إليهم بالعذاب الأليم. وكذلك جاءت الأحاديث النبوية الشريفة والأحاديث القدسية بتحريم الظلم والأخذ على يد الظالم.
والآن ما السبيل إلى الخلاص من غضب الله وعذابه، وما السبيل إلى الحصول على رضوان الله وغفرانه والنجاة من النار؟
إن السبيل إلى ذلك هي التوبة ورد المظالم إلى أهلها قال صلى الله عليه وسلم: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم». وتكون توبته توبة صادقة نصوحا ويقبل على العمل الصالح بالقيام بالفرائض والابتعاد عن المحرمات وتعظيم شعائر الله وحدوده والتقرب إلى الله فإن الله غفور رحيم.
ولابد من تأدية حقوق الناس إلى أهلها واسترضائهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم رفض أن يصلي على جنازة وعلى صاحبها دين، كما بين أن الشهيد تكفر خطاياه إلا الدين. فيجب رد الظلامات إلى أهلها مشفوعة بالتوبة إلى الله والإقدام على العمل الصالح. قال تعالى: (إلا من ظلم ثم بدل حُسنا بعد سوء فإني غفور رحيم) وقال جل ذكره: (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما). وقال: (وإني لغفار لمن تاب وءَامن وعمل صالحاً ثم اهتدى) . وقال: (إلا من تاب وءَامن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما). فمن هذه الآيات نعلم أن الظالم إذا تاب إلى الله ورد المظالم إلى أهلها وترك الظلم إلى العدل، والشرك إلى الإيمان، والشر إلى الخير، وامتثل أمر الله في كل ما أمر فإن الله بمشيئته سيتغمده برحمته الواسعة وغفرانه العظيم. وبذلك ينجو من مشهد يوم عظيم شديد الكرب رهيب.
(يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد). (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً).
نسأل الله أن يعجل لنا بالحاكم الصالح الذي يحكم بشرع الله فيقضي على الظلم ويردع الظالمين .
مصطفى الجعبري ـ الخليل
2000-08-08