العدد 219 -

السنة التاسعة عشرة ربيع الأول 1426هـ – أيار 2005م

( لا تقنطوا من رحمة الله )

( لا تقنطوا من رحمة الله )

            قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر].

ذكر ابن كثير في تفسيره: «هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة، من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر. ولا يصح حمل هذه على غير توبة؛ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه، قال البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه أن أناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنـزل ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ) [الفرقان 68] ونزل ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ )رواه مسلم. والمراد من الآية الأولى قوله تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) [الفرقان 70] الآية. وأخرج الإمام أحمد عن ثـَـوْبَـان: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) إلى آخر الآية… إن الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً مع التوبة، ولا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت، فإن باب الرحمة والتوبة واسـع. قال الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) [النساء] وقال جـل وعلا في حق المنافقين: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا) [النساء 145-146] قـال جـل جـلاله: ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [المائدة] ثم قال جلت عظمته ( أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [المائدة 74] وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا ) [البروج 10] قال الحَـسَـن البَـصْـري، رحمه الله، انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة… وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله عز وجل (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) إلى آخر الآية. قال: قد دعا لله تعالى: إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح ابن الله، ومن زعم أن عزيراً ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، ويقول الله تعالى لهؤلاء ( أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ثم دعا إلى التوبة من هو أعظم قولاً من هؤلاء، من قـال ( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) [النازعات] وقال ( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ) [القصص 38] قال ابن عباس رضي الله عنه من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد حجّه كتاب الله عز وجل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *