العدد 222 -

السنة التاسعة عشرة رجب 1426هـ – آب 2005م

مفهوم مضلل الاقتصار على الأركان الخمسة

مفهوم مضلل الاقتصار على الأركان الخمسة

من الشائع بين الناس الاقتصار الحرفي على الأركان الخمسة، واعتبار فاعلها ناجٍٍ من العذاب في الآخرة. ثم إن الكثيرين من الناس يستدلون بالأركان الخمسة على ترك العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإقامة شرع الله في الأرض. لذلك كان لا بد من البيان الشافي لخطأ هذين المفهومين:

أما عن وجوب عدم الاقتصار على الأركان الخمسة فبيانه من وجهين:
الوجه الأول: إن قوله صلى الله عليه وسلم«بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، و حج البيت، وصيام رمضان» من باب عطف الخاص على العامّ، أي إن الشهادتين لفظ عام فيدخل فيها جميع الأعمال الظاهرة والباطنة، من وجوب صلة الرحم، والأمر بالمعروف، وتحريم النميمة، وقتل النفس، وغيرها، ثم أدخل على هذا اللفظ العام الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وتكون هذه من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه.
ومما يدل على صحة هذا جمع الروايات التي جاء فيها تعريف الإسلام: ففي رواية قال صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة» فاقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم هنا على شهادة التوحيد، التي يتفرع عنها كل واجب ومحظور، وعلى الصلاة.
وفي رواية جاء فيها قوله صلى الله عليه وسلم «الإسلام أن تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، و تصوم رمضان» و لم يذكر هنا الحج. وهذا ما يؤكد صحة كلامنا.
أمّا الوجه الثاني: فإن الشريعة اعتبرت فاعل الحرام، و تارك الواجب، مقصر، ومستحق للوم، والتوبيخ، ومعنى هذا الكلام أنه لا بد من ترك المعصية أياً كانت؛ لأن المعصية كما الواجب لا يتجزآن، والأدلة على ذلك كثيرة، منها ما يلي:
أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».
ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع رحم».
ثالثاً: قوله عليه السلام: «من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتـةً جاهلية».
رابعاً: قوله عليه السلام حين مرّ على قبرين، فقال: «إنهما يعذبان، وما يعذبان بكبير، فأما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الثاني فكان يمشي بالنميمة».
أمّا عن زعم البعض عن عدم اشتمال الأركان الخمسة على وجوب العمل لإقامة حكم الله في الأرض، فالرد على هذا من وجهين:
الوجه الأول: إن سياق ذكر الأركان الخمسة هو في فروض الأعيان، ولا يشمل الجهاد، ولا الخلافة؛ لأن الجهاد والخلافة هي من فروض الكفايات، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، واعتبر العلماء أن الخلافة أم الفرائض وأهمها.
ومذهب المحققين عدم المفاضلة بين فروض الأعيان، وفروض الكفايات.
الوجه الثاني: إنه إذا كانت الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، من أبرز شعائر الإسلام، فإن طريقة إيجاد هذه الشعائر عملياً في الحياة العامة هو الدولة الإسلامية؛ لأن دولة الخلافة هي الطريقة الشرعية التي تنفذ بها أحكام الإسلام، وأنظمته في المجتمع. فالدولة الإسلامية تـنقي الأجواء العامة من الكفر، والضلال، والانحراف، والانحلال، وتطبق العقوبات، والتعزيرات، والحدود، على تارك الفروض، وفاعل المحرمات. فالأركان الخمسة تفرض عملياً وجود الدولة الإسلامية؛ لأنّ الدولة هي الضمان الوحيد لصيرورة نظام الإسلام واقعاً في المجتمع والحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *