العدد 226 -

السنة العشرون ذو القعدة 1426هـ – كانون الأول 2005م

العمل لتغيير الواقع الفاسد

العمل لتغيير الواقع الفاسد

إن الأمة الإسلامية تعيش اليوم واقعاً مؤلماً، تكالبت فيه الدول الاستعمارية عليها فنهبت ثرواتها وخيراتها، ومزقتها شر ممزَق، لقد تداعت في هذا الوقت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينـزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم, وليقذفن الله في قلوبكم الوهن, فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» (رواه أبو داوود في سننه).

وإن هذا الواقع السيئ بحاجة إلى التغيير وتغييره ينبغي أن يكون من أبناء الأمة الإسلامية نفسها فهم قادرون على ذلك بإذن الله. وحتى أتمكن من توضيح كيفية العمل للتغيير أود أن أتوصل إلى ذلك بإذن الله بتوضيح مفهوم العمل وشروطه في الإسلام.

=================================================================

عمل عملاً: أي فعل فعلاً عن قصد, والعمل: المجهود الذي يبذله الإنسان لتحقيق غاية وقصد معين.

وهناك عدة خطوات يكون اتباعها عند القيام بالعمل حتى يكون هذا العمل صحيحاً سليماً وأوضحها لك بما يلي:

أولاً: أن يدرك الإنسان صلته بالله سبحانه عند القيام بالعمل فيقيس أعماله تبعاً لمقياس المسلم في الحياة وهو الحلال والحرام ، فيقدم على ما يرضي الله سبحانه ويبتعد عما يغضبه. فمثلاً لو أراد إنسان مسلم أن يشبع غريزة النوع عليه أن يدرك صلته بالله سبحانه وتعالى عند إشباعها, فإن أدرك صلته بالله أشبعها بالزواج، أما إن لم يدرك صلته بالله سبحانه وتعالى فإنه يشبعها بطريق غير شرعي. فإدراك الصلة بالله سبحانه وتعالى عند القيام بالعمل يجعل هذا العمل مبنياً على الإيمان, ويجعل صاحبه سائراً في الجو الإيماني عند القيام به.

وقد أمر الله سبحانه المسلمين بعمل الخير والابتعاد عن عمل الشر، فقد قال عز وجل: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) [الجاثية 15] وقال أيضاً: ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) [النجم 31].

ثانياً: أن ينتقل الإنسان من الإحساس إلى التفكير فالعمل, ومن الخطر الانتقال من الإحساس إلى العمل مباشرة؛ لأن ذلك يؤدي إلى الوقوع في الخطأ.

فلو أراد إنسان أن يغير واقع مستنقع مليء بالبعوض الذي يسبب الأمراض, وانتقل هذا الإنسان من الإحساس إلى العمل مباشرة لأدى ذلك إلى اتباعه طريقة غير صحيحة لا تؤدي إلى نتيجة كأن يرش البعوض من فترة لأخرى, أما إذا انتقل من الإحساس إلى التفكير فالعمل فإنه في هذه الحالة يتبع الطريقة الصحيحة وهي تجفيف المستنقع.

فالانتقال من الإحساس إلى التفكير إلى العمل ضروري لتغيير الواقع القبيح واستبداله بالواقع الحسن.

ثالثاً: أن يكون عمل الإنسان من أجل غاية معينة وأن يقصد هدفاً معيناً عند قيامه بالعمل وإلا كان عمله عبثاً بلا فائدة.

هذه هي الشروط التي ينبغي اتباعها عند القيام بأي عمل, وعندما نعمل لتغيير هذا الواقع الفاسد نجد أن الأمة الإسلامية في هذا الوقت مصابة بالأوجاع والمآسي ولعلك تشعر مدى الواقع السيئ الذي نعيشه. فإذا أردنا أن نغير هذا الواقع السيئ علينا أن ننتقل من الإحساس به إلى التفكير. ما الذي يصلح حال الأمة؟ وما الذي يغير واقعها؟

فلو فكرنا جيداً لوجدنا أن عودة الأمة إلى دينها، ونبذها للأفكار الغربية المسمومة، وقضاءها على حكم الكفر، وتطبيقها لمبدئها الإسلامي، هو الذي يصلح حالها.

فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما  كتاب الله وسنة نبيه» (رواه مالك في الموطأ). فسبب انحطاطنا هذا هو تركنا لكتاب الله وإهمالنا لسنة رسوله عليه الصلاة والسلام .وقال اله عز وجل: ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) [هود 113]. فركوننا إلى الظالمين وتطبيقنا لأحكام الكفر هو الذي آل بنا إلى هذه الحال.

 ومن الخطر كما ذكرت سابقاً أن ننتقل من الإحساس بهذا الواقع إلى العمل مباشرة؛ لأن هذا يجعل الواقع مصدر تفكير نستنبط حلولنا منه بدل أن نجعله موضع تفكير نقتلعه من جذوره ونغيره تغييراً جذرياً. فالإكثار من المساجد وتربية الأخلاق وغيرهما  أعمال مطلوبة شرعاً، ولكن لا أثر لها في تغيير حالنا تغييراً جذرياً اليوم.

وكذلك علينا أن ندرك صلتنا بالله سبحانه وتعالى عند القيام بالعمل لتغيير الواقع فنجد بأن الله سبحانه قد فرض علينا العمل لإقامة دولة الإسلام وتحكيم الشرع في الحياة فقد قال الله سبحانه: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) [المائدة 49]. وقال عليه الصلاة والسلام: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (رواه مسلم). كما نهى الله سبحانه المؤمنين أن يجعلوا للكافرين عليهم سبيلاً فقد قال عز وجل: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ) [النساء 141]؛ لذلك نقبل على حمل الدعوة والعمل لإقامة دولة الإسلام استجابة لأمر الله وطلباً لمرضاته موقنين بأن النصر من عند الله سبحانه وتعالى.

وغايتنا وقصدنا من هذا العمل هو إقامة دولة الإسلام، وايجاد القائد المسلم الذي يقودنا للجهاد؛ لننال بذلك رضوان الله.

ألا ترى أيها المسلم كم هو مخطئ من لا يعتبر حمل الدعوة وتحرير عقول الناس من المفاهيم والأفكار الغربية هو العمل المطلوب شرعاً اليوم, ويقول عنه بأنه كلام وحديث فحســب, وأنه لن يغير شيئاً, مع أن الله سبحانه وتعالى يقول: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [فصلت 33].

فحمل الدعوة هو عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والطريقة التي اتبعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة لإقامة دولة الإسلام قد اقتصر عليه الصلاة والسلام فيها على تثقيف الناس بالإسلام ومصارعة أفكار الجاهلية الفاسدة وكشف بطلانها وزيفها, وقد مكنه الله سبحانه من إقامة الدولة في المدينة المنورة بعد أن تأمنت له قاعدة شعبية في المدينة واستعد زعماؤها لنصرة هذا الدين.

فحمل الدعوة الإسلامية ليس عملاً مطلوباً شرعاً فحسب، بل هو من أهم الأعمال وأنجحها بإذن الله. والذي إذا قيّض الله له النجاح يكون تغيير هذه الحال على أساس مبدئي أي بإقامة الخلافة الراشدة.

فاللهم وفقنا للأعمال الصالحة وأبعدنا عن الأعمال الفاسدة واجعلنا من الحاملين للدعوة المغيرين لهذا الواقع الفاسد المقيمين للدولة الإسلامية المتبعين لطريفة رسولك الكريم, إنك سميع مجيب.

إحدى الأخوات – فلسطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *