العدد 226 -

السنة العشرون ذو القعدة 1426هـ – كانون الأول 2005م

الحملة الرأسمالية على المرأة المسلمة (1) المرأة في العالم قبل الإسلام

الحملة الرأسمالية على المرأة المسلمة (1)

المرأة في العالم قبل الإسلام

تخضع المرأة المسلمة لحملة شرسة من دول الغرب الرأسمالي الكافر، حيث يريد أن يخرجها من مخدع الطهر، وعفاف العلاقة، إلى جعلها سلعة تجارية، وموضعاً لإشباع الشهوة فقط… إن هذه الحملة بدأت منذ بواكير حملته على الأمة، ولكن وتيرتها زادت في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد 11/9. فكيف ينظر العالم قبل الإسلام، وفي العصر الحديث، إلى المرأة؟ وما الذي تخططه الولايات المتحدة وربيـبتها الأمم المتحدة في هذا الموضوع… هذا ما سنبينه إن شاء الله تعالى.

=================================================================

منذ أن أرسل الله تعالى محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) برسالة الإسلام إلى الناس كافة، بدأ الصراع بين المسلمين والكفار، واستمرّ في مختلف المجالات وعلى جميع الأصعدة، ولم يترك الكفار فرية مغرضة أو كذبة خبيثة إلا ورموا الإسلام بها، ولكن الإسلام بمشيئة الله، وعلى أيدي المسلمين المخلصين الواعين، انتصر وهيمن على معظم الأديان عدة قرون.

 وفي القرن التاسع عشر الميلادي، عندما خيم الضعف الفكري على أذهان المسلمين وبلغ الانحطاط مداه نشطت هجمة الكفر على الإسلام، وكان مصدرها أوروبا الرأسمالية، فاشتعلت نيران الصراع العسكري والسياسي والفكري بين المسلمين والكفار إلى أن هدموا دولة الخلافة عام 1924م، فحقق الرأسماليون انتصارهم السياسي والعسكري على المسلمين، ولكنهم استمروا في صراعهم الفكري، فهاجموا الإسلام في أفكاره وأحكامه: هاجموا فكرة الجهاد، وهاجموا أحكام العقوبات والحدود، وهاجموا أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام “ما سموه اليوم بالأحوال الشخصية” من تعدد الزوجات، والطلاق، والميراث، والأحكام الأخرى المتعلقة بالمرأة من لباس وغيره، ودعوا إلى الاختلاط بين الرجل والمرأة. ولما كان المسلمون في حالة لا يحسدون عليها من ضعف سياسي وانحطاط فكري، فقد انقسموا للردّ على هذه الهجمة إلى ثلاثة أقسام: قسم رفض الهجمة وتسلح بأفكار الإسلام وهم قلّة، وقسم آخر رضي أن يكون الإسلام متهماً، فأخذ يدافع عن الإسلام دفاعاً مغلوطاً، جلّ اهتمامه أن يوفق بين الإسلام والحضارة الرأسمالية. وقسم ثالث اقتنع بما تدعو إليه الحضارة الغربية الفاسدة ودعا إلى أخذها ونبذِ أحكام الإسلام بحجة أنّها غير موائمة للعصر، وأنّ دورها قد انتهى.

 وبعد أن تمكن الغرب الصليـبـي العدو الأول للإسلام من الإجهاز على دولة الخلافة في بداية القرن الماضي، جزّأ بلاد المسلمين إلى دويلات هزيلة، ونصب على كلٍّ منها حاكماً ينتسب لهذه الأمة بالاسم فقط، يطبق عليها أحكام الكفر في جميع مناحي الحياة، حتى وصلت الجرأة بالكفار وعملائهم إلى الطعن في كل جزئية، بل وفي كثير من مسلَّمات هذا الدين.

وبسبب الغزو الثقافي الرأسمالي طرأ على أذهان بعض المسلمين، اضطراب في فهم الأدلة الشرعية وانحراف عنها، فبدل أنّ يقتصروا على أخذ المدنية الغربية بأشكالها المادية، التي يجوز أخذها باعتبارها من الوسائل والأساليب المباحة، بدأوا يأخذون ويدعون إلى الأخذ بحضارة الغرب ومفاهيمه كالديمقراطية، التي تتعارض كل التعارض مع حضارة الإسلام ومفاهيمه، كل ذلك بسبب الانبهار بمدنية الغرب، وبسبب القيادات الفكرية والسياسية التي ربّاها الغرب على عينه، ودسّها بين صفوف المسلمين، وألبسها ثوب العلم الشرعي، بحجة الإصلاح لهذه الأمة المتعثرة المتخلفة، ومما دعوا إليه، إعطاء المرأة المسلمة حقوقها ومساواتها بالرجل، وكأنها في الإسلام بلا حقوق وأقل درجة وشأناً من الرجل.

أرادوها كالمرأة الغربية التي أُخرجت من بيتها وأصبحت جزءاً مادياً نفعياً في حضارتهم، لا يُنظر إليها إلا كسلعة تجارية، أو موضعٍ لإشباع شهوة. فإذا كان هذا شأن المرأة عندهم التي أصبحت بلا أسرة وبلا حقوق تليق بها، فما شأن المرأة المسلمة في ذلك، خاصة وأنّ الإسلام أنزلها المنـزلة اللائقة بها ؟! فهل حقّاً أنّ المرأة المسلمة مظلومة كما يزعمون، وأنّها بلا حقوق، حتى يأتي أعداء الأمة والدين مطالبين بإعطائها حقوقها المسلوبة، لمساواتها بمثيلتها في الغرب كما يدعون ؟! وهل حقاً أنّ المرأة في الغرب تتمتع بأعلى الحقوق ؟! أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها ؟! وأنَّ المطلوب هو تدمير الأسرة المسلمة والذي لا يتأتى إلا بتدمير المرأة المسلمة ركنها الأساس.

 تحت هذه الدعوات البراقة الخبيثة الماكرة يسعى الغرب الكافر عدو الأمة اللدود لتحطيم وهدم الناحية الاجتماعية عند المسلمين بكل ما أوتي من قوة، بعد أن هدم خلافتهم، ومزق بلادهم، وجعلهم في ذيل الأمم.

وها هم المسلمون اليوم يتعرضون، إضافة إلى الحملات العسكرية التي تقودها أميركا، إلى حملات فكرية رأسمالية، ومنها حملة تطالب بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل، ومن ثمّ مساواتها بالمرأة في الغرب. فهل حقّاً لدى المرأة المسلمة قضية لم يحلها الإسلام؟! ولماذا كل هذه الإثارة وهذه الضجة حول المرأة المسلمة بالذات ؟! ولماذا اتخذت هذه القضية شكلاً رسمياً في مؤسسات البلاد الإسلامية، بحيث أصبحت متبناة من قبل الأنظمة الحاكمة، تلهج بها وسائل الإعلام الرسمية صباح مساء، وتُعقد المؤتمرات من أجلها، وتُنفق الأموال عليها.

إنّ التشكيك بالعقيدة الإسلامية وبالأحكام الشرعية المنبثقة عنها أسلوب من أساليب الحرب المعلنة على الإسلام، فالغرب يسعى جاهداً لسلخ هذه الأمة عن دينها فكرياً وعقدياً بعد أن عجز أتباعه المتسربلون بالإسلام من حكام ومصلحين عن ذلك.

وموضوعنا هنا لا يغطي الهجمة الفكرية الغربية الشرسة كلها، وإنما هو مقصور على ما يراد للمرأة المسلمة، وبخاصة دعوتهم الماكرة إلى المساواة بين الرجل والمرأة، وهي دعوة مغرضة تريد إخراج المرأة المسلمة من خدرها الحصين ومخدعها الشريف (البيت) بحجة مساواتها بالرجل، لتكون كالمرأة الغربية سلعة تجارية رخيصة، ينتفعون بها في العمل والجنس، قاصدين النفوذَ إلى الحياة الاجتماعية عند المسلمين لتخريب ما تبقى لديهم من أسرة، وتعزيز انتصارهم الشامل عليهم.

لقد أدرك الغرب يقيناً أنه لا يغالبه في هذه الحياة وهذا الصراع إلا الإسلام والمسلمون، لأنه لا يوجد على الكرة الأرضية أمة تملك من مقومات النهضة ما تملكه الأمة الإٍسلامية من فكر شامل عن كل مناحي الحياة. وأنّ هذه الأمة، بالإسلام، ليست مؤهلة فقط للوقوف في وجه أفكار الرأسمالييين الغربييين فحسب، وإنّما هي مؤهلة لهزيمتهم وقلعهم من جذورهم من كل أركان الأرض، ولهذا نرى ضراوة الصراع وفظاعة الهجمة وشمولها.

وما قضية حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، والمؤتمرات التي عقدت وتعقد من أَجلها، إلا جزء من الحرب الشاملة المعلنة على الإسلام، لا يقصد بها المرأة المسلمة وحدها، بل الإسلام والمسلمون. إلا أنّ أحاسيس النهضة، التي بدأت تدب في أوصال هذه الأمة والعودة السريعة إلى الأفكار الإسلامية الصحيحة تبنياً وحملاً، ستردّ كيدهم إلى نحورهم، وتفسـد عليهم مخططاتهم، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) [الأنفال 36].

المرأة في العالم قبل الإسلام

الإنسان بطبعه كائن مدني، أي مجتمعي، لا يرغب في العيش وحده ولا القيام بجميع أعماله وحده، وإنما يحب أن يعيش في مجتمع أو جماعة. وقد اقتضت سنة الله تعالى أن يكون هؤلاء الأفراد مؤلفين من ذكور وإناث، يميل كل جنس منهم بفطرته إلى الجنس الآخر للمحافظة على بقاء نوعه الإنسان. وقد نشأ عن اجتماع الرجل والمرأة أمور ومشكلات مثل: الأسرة، والرضاعة والحضانة، والوصاية والولاية، والطلاق وحقوق الآباء والأبناء وغير ذلك. ومنذ أن خلق الله الإنسان وأنزله إلى الأرض وأوكل له عمارتها عاشت المجتمعات الإنسانية في أماكن مختلفة على هذه الأرض وأقامت حضارات لها، وعُرفت هذه الحضارات بأسماء الأماكن والبلاد التي وجدت فيها لأنها لم تكن حضارات مبدئية، ففي بلاد الشرق ظهرت حضارة الصين والهند والفرس واليابان والأتراك والعرب (قبل الإسلام)، ونشأت في الغرب حضارات أهمها حضارة اليونان وحضارة الرومان، كما نشأت بين النهرين وفي مصر حضارتان عرفتا بحضارة ما بين النهرين وحضارة وادي النيل.

وتبعاً لاختلاف هذه الحضارات اختلفت نظرة أصحابها إلى المرأة، فتنوعت مكانتها عندهم، وتباينت معاملتهم لها من حضارة إلى حضارة، ومن مجتمع إلى مجتمع، إلا أنّها كانت في الإجمال لا تحظى بالرعاية اللائقة بها ولا تنال من الحقوق إلا النـزر اليسير، ينظر إليها أكثرهم نظرة دونية.

ففي الحضارة اليونانية كانت الفكرة السائدة عن المرأة في المجتمع اليوناني قائمة على الدونية وعلى انحطاط قواها العقلية، وسيطرة انفعالاتها وشهواتها عليها، وقد أطلق عليها أرسطو (العنصر اللاعقلي في النفس البشرية)، فكان يرى وجوب خضوع المرأة للرجل الذي يملك العنصر العقلي. وكانت المرأة تمثل الجانب السلبي في الحياة، وعليها السمع والطاعة للرجل، فهي في مرتبة وسط بين الرجل اليوناني الحُرّ، وبين العبد الرقيق. ولم يكن مسموحاً لها اختيار زوجها حال بلوغها سن الزواج، فأهلها يفرضون عليها الزواج ممن يشاؤون. وكانت تعيش معزولة عن ميدان السياسة والحكم، فما هي بالنسبة للرجل الأثيني إلا رئيسة للخدم وموضعاً للإنجاب، ووسيلةً لتحقيق متعة الرجل وإسعاده.

وفي الحضارة الرومانية كانت المرأة تعتبر ناقصة العقل، لا أهلية لها في التملك أو إمضاء العقد أو عمل الوصية أو أداء الشهادة أو شغل الوظيفة، وقد نصَّ القانون الروماني على ذلك. فالأنوثة عندهم تعني انعدام الأهلية، والوصاية عليها قانونياً في ظل هذه النظرة للأقرب فالأقرب من الأعصاب، ثم لأعضاء العشيرة. وللرجل وحده حق السيطرة والنفوذ والتصرف فيما عنده من نساء، وله أن يبيع النساء اللاتي في حوزته أو تعذيبهن أو قتلهن.

وفي الحضارة الصينية سُميت المرأة (بالمياه المؤلمة التي تغسل المجتمع وتكنسه من السعادة والمال) وقد اعتبرها الرجل شرّا يستبقيه على إرادته، ويتخلص منه بالطريقة التي يرتضيها، فكانت المرأة -وخاصة عند الطبقة الراقية- تعيش في عزلة شبه تامة، لا يحق لها الخروج من المنـزل، كما لا يحق لها أن تستقبل أحداً ولا تخالط أحداً، وكانت هناك مساكن خاصة للنساء، ومساكن خاصة للرجال. وقد حرمت المرأة من ميراثها سواء من زوجها أو من أبيها، وليس لها إلا ما يعطى لها أثناء حياتهما عند زواجها.

وفي الحضارة الهندية كانت المرأة تعتبر لعنة ووباء فتاكاً، وهي أفظع من الجحيم وأنقع من السم وأشد خطراً من الأفاعي. كانت تُرغَم على الزواج المبكر، وكان لها أن تخرج عن طاعة وليها، وتخالف أمره إذا مضى أكثر من ثلاث سنوات على بلوغها ولم يزوجها، ولهذا كان وليها يجتهد في تزويجها وهي ابنة اثنتي عشرة سنة، أو دون ذلك، وقد يزوجها وهي ابنة ثماني سنوات. وكانت في حياة زوجها مملوكة له، هي وما تملكه من أموال، لا ذمة لها ولا عصمة، ولا يحق لها أداء الشهادة. وكان للرجل الحق أن يخسر زوجته في القمار.

 وكان للزوج أن يتزوج إذا ماتت زوجته، أما المرأة فلا يحق لها ذلك بل تبقى أرملة بقية حياتها، وتُمدح إن هي أُحرقت بالنار لتلحق بزوجها المتوفى إظهاراً للوفاءِ وفراراً من الشقاء، وظلت هذه العادة سائدة لعدة قرون إلى أن قضى عليها المسلمون ثم المستعمرون الإنكليز.

وفي الحضارة اليابانية كانوا يعتبرون المرأة متاعاً للرجل، يتصرف فيها كيف يشاء، ويباح له أن يبيع الزوجة أو البنت، وكان من المعمول به أيضا أن يؤجر الرجل المالك للمرأة، المرأة التي لا زوج لها أو للبنت، مدة معينة مع أفراد مخصوصين. وتعتبر البنت قبل الزواج مملوكة لأبيها، وبعد الزواج لزوجها، وبعد وفاة زوجها تكون تحت وصاية أقارب الزوج. وقد بقي معمولا ببعض هذه القوانين حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.

وفي حضارة ما بين النهرين كان الحكام عند الآشوريين والبابليين لا يُمكِّنون الوالدين من تزويج بناتهم، كما لم يكن للبنت أيضا الحقّ في تزويج نفسها، وإنما أعطي هذا الحقّ للكهان، فقد كانت العذارى البالغات يجتمعن سنويا عند الكهان، والكهان يبيعونهن في الأسواق بالمزاد العلني، وعلى ولي المرأة أن يرد ثمنها لزوجها إذا رغب عنها، وكان على البنت أن تذهب مرة واحدة في العمر إلى هيكل ربة الجمال لتهب نفسها لأجنبي يختارها ليقع عليها.

وفي الحضارة الفارسية كان الفرس يعتبرون المرأة مساعدة لأهريمان (أي الشيطان) وأنها تمثل الشر المجسم، وهي حقّ من حقوق الرجل، وله قتلها والحكم عليها بالموت إذا أراد ذلك. وهي عنده سلعة أيضا يتصرف فيها كيف يشاء كما يتصرف بسائر ممتلكاته، ولا يجوز لها أن تتعلم ولا تخرج من البيت، وإنما تحيا فيه وتحجب كباقي الأمتعة الخاصة بصاحب البيت.

وفي الحضارة التركية القديمة (قبل الإسلام) كان الأتراك يعتبرون المرأة خاملة جداً، ولم تكن تستعمل إلا لقضاء شهوة الملوك والأعيان، فكانت النسوة يجتمعن آحاداً وعشرات في بيت أمير أو زعيم فيخلد إلى التلذذ بهن، وفي النهار يذهبن لحراثة الحقول والعمل في المزارع، أما الأم فهي عندهم محترمة ومخدومة.

وفي الحضارة الفرعونية في مصر كان الرجل يتزوج بأخته أو بابنته، وكانت غيرة الرجال على النساء قليلة جداً. والزواج عندهم مبني على التراضي بين الزوجين فقط. وكان للمرأة الحق أن تشترط الطلاق لنفسها، إما منفردة به أو بالمساواة بينها وبين الرجل، وربما تشترط على الزوج أن تكون أملاكه لأولاده منها دون غيرها من الزوجات. وقد مُنعت المرأة من التصرف في المال إلا بإذن الزوج، وكان كل شيء للرجل، ولا يحقّ للمرأة التملك لأنّ الرجل مصدر الثروة وصاحبها الأول. وكانت مكانتها أقلّ من الرجل مهما كان لها من حقّ، بل إنّها إذا جلست على العرش لا يكون لها ذلك إلا إذا انقرض الرجال من الأسرة الحاكمة، وقد برز هذا أثناء حكم اليونان لمصر.

إلا أنّ المرأة المصرية في بعض العصور كانت تتمتع بحقوق مساوية للرجل، فكانت تشارك الرجل في المعابد والعقائد ومؤسسة الحكم، وقد اشتهرت الملكة كليوباترا بذلك في التاريخ.

وعند اليهود الذين حرَّفوا دينهم تجد في التوراة المُحرَّفة أحكاماً غريبة. ومن هذه الأحكام اعتبار المرأة الحائض نجسة، لا يلمسها الرجل ولا تنام في مضجعه، ولا تصلي ولا تدخل المعبد ولا يؤكل من طعام تصنعه، وبسبب ذلك جار عليها الرجال اليهود، وعدّوها رجساً من عمل الشيطان، فظلموها وقهروها وجعلوها مغلوبة على أمرها، وحمَّلوها مسؤولية إغواء الرجل، كما قالوا إنَّ حواء مسؤولة عن إغواء آدم وإخراجه من الجنة بأكله من الشجرة المحرمة، ثم انتقلت مسؤولية الإغواء إلى النساء فيما بعد، وقد ورد في أحد مزاميرهم على لسان المرأة: «ها أنذا بالإثم صُوِّرت وبالخطيئة حُمِّلت من أُمِّي». وكان اليهود لا يُورِّثون المرأة. وكانت حقوقها الزوجية غير مرعية، فالرجل يتزوج عليها ما يشاء من النساء دون مراعاة لعدد، ويطلقها لأتفه الأسباب، وتعتبر متاعاً من أمتعة البيت، ينتفع بها الرجل متى شاء وينبذها متى شاء، وإذا طلقت الزوجة من زوجها وتزوجت غيره فيما بعد ثم طلقت من جديد فلا يحلّ له أن يراجعها، وإن فعل ذلك فأولادها أولاد زنا، ومن مات عن امرأته وجب أن يخلفه أخوه عليها.

أما النصارى فقد قاموا بتحريف ديانتهم. وأخذوا كثيراً من تشريعاتهم  من التوراة المحرَّفة، فهي في حقيقتها من وضع أحبار اليهود وقساوسة النصارى. ولذا فإن الإنجيل لا تجد فيه عن المرأة إلا الشيء القليل، وحتى هذا القليل فإنه خاضع لتفسيرات قساوستهم وقديسيهم. وقد جاء في موعظة للمسيح عليه السلام -حسب قولهم- «قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، وأمّا أنا فأقول لكم إنّ كل من ينظر إلى المرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، وقيل من طلق زوجته فليعطها كتاب الطلاق، وأمّا أنا فأقول لكم من طلق زوجته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني، ومن تزوج مطلقة فإنّه يزني».

وقد تمادى بعض رجالات النصرانية بعد سيدنا عيسى عليه السلام في سوء ظنهم بالمرأة عندما شككوا في إنسانيتها، وتساءلوا حتى في مجامعهم الكنسية إذا ما كان لها روح كروح الرجل، وعما إذا كان يجب أن توضع بين الوحوش أم بين الكائنات المفكرة. وقد صرح بعض القساوسة الكبار في مجمع باكون «بأنّ المرأة لا تتعلق ولا ترتبط بالنوع البشري»، وكما ورد في مجمع عقد في روما سنة 582 م إذ قرر رجاله «بأنّ المرأة كائن لا نفس لها، وأنها لهذا السبب لن ترث الفردوس، ولن تدخل ملكوت السماوات، وأنها رجس من عمل الشيطان، وليس لها أن تتكلم، ولا تضحك، ولا أن تأكل اللحم، بل غاية وقتها أن تقضيه في خدمة الرجل سيدها وفي عبادة ربها».

وفي العصور الوسطى في ظلّ سلطان الكنيسة كانوا ينظرون إلى المرأة بأنها سلعة مملوكة للرجل، له أن يتصرف بها كيف شاء، يملكها أبوها ثم زوجها ثم بنوها، يتصرف بها كل واحد منهم كما يتصرف بحيوانه أو متاعه أو تجارته. وكانت التقاليد السائدة في أوروبا عنيفة متزمتة، تنظر إلى الجنس على أنه قذارة ودنس، لا يعتني به الرجل الطيب النظيف، وكانوا يحتقرون من يهتم به أو حتى من يتحدث عنه، لأنّ هذا لا يليق بمن يريد التطهر والارتفاع عن الدنية، وما المرأة إلا وعاء للأطفال تلدهم وتربيهم ليستمر النوع، وهي شيطانة بصورة إنسان، يتشككون في إنسانيتها ويتمارون في آدميتها، إذ قرر أحد المجامع الكنسية في روما «أنّ المرأة بلا روح لها ولا خلود، ولكن يتحتم عليها العبادة، وتُلزم بالخدمة ويُكَمُّ فمها كالبعير». كما أنه ساد سوء الظن بخُلقها، وقد عرفت في تلك العصور أَقفال العفة الحديدية، التي كانت تُركَّب في أحزمة تلبسها النساء حول خصورهن، ويحتفظ الأزواج بمفاتيحها.

وعند العرب في الجاهلية كانت المرأة أدنى مكانة من الرجل، وكانت النظرة إليها نظرة دونية، وكان الرجل من العرب على الرغم من أنه يركب الخيل ويحمي القبيلة ويحمي الأعراض والذمار إلا إنّ احتقاره للمرأة وصل به إلى أن يئد ابنته، أي يدفنها في التراب وهي حية، إما خوفاً من العار أو من الفقر أو خوفاً من السبي، وقد ندد القرآن الكريم بذلك قال تعالى: ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ @ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) [التكوير 8-9].

  وكان العربي يشعر بالحزن والأسى والغضب إذا بشر بالأنثى كما بين ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ @ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) [النحل 58-59].

ولم يكن للمرأة حق في الإرث سواء أكانت أماً أم أختاً أم زوجة أم بنتاً أو غير ذلك، كما أنّه لم يكن لها حقٌّ في الكسب أو التصرف بما تملك. فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: «كنا في الجاهلية لا نَعُدُّ النساء شيئاً، فلما جاء الإسلام وذكرهنَّ الله، رأينا لهنَّ علينا حقّاً»، (رواه البخاري)، وعن ابن عباس قال: «كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهـم أحـقّ بهــا من أهـلـها، فنــزلت هـذه الآيــة: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا )»، (رواه البخاري)

وفي الحياة الزوجية كانت الزوجة -في الغالب- مضطهدة تخضع للحيف والابتزاز، وكان الرجال يتخذون تعدد الزوجات -الذي لم يكن محصوراً بعدد معين- والطلاق وسيلتين من وسائل الضغط على النساء وابتزاز أموالهن ومُضارتهن. وكانت الشهوة والاستمتاع هما الدافعين للزواج دون قصد إنشاء أسرة. وكان الطلاق على مزاج الرجل لا يراعي فيه أيَّ مصلحة للزوجة. كما كان الإيلاء والظهار أيضاً وسيلتي ضغط وإيذاء للمرأة المتزوجة.

أما النكاح (الزواج عند العرب) فكان يتم بأساليب مشهورة منها:

نكاح الناس: يخطب الرجل إلى الرجل ابنته أو وليته فيصدقها (أي يؤدي مهرها) ثم يتزوجها.

نكاح الاستبضاع: وفيه يقول الرجل لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها حتى يبين حملها، فإذا تبين أصابها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد.

نكاح آخر: يجتمع فيه الرهط دون العَشَرة فيدخلون على المرأة كلّهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومرت عليها ليال أرسلت إليهم، فلا يستطيع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم ما كان من أمركم فقد ولدت، وهذا ابنك يا فلان، تُسمي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدُها، لا يستطيع الرجل أن يمتنع منه.

ونكاح رابع: يجتمع فيه ناس كثيرون فيدخلون على المرأة لا تمتنع عمن جاءها – وهن البغايا- ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً، فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت، جمعوا ودعوا لهم القافة (أي أهل الفِراسة)، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون أنه ولده، فاُّلحق به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك.

كما أنَّ هناك أنواعاً أخرى من النكاح كانت أقل انتشاراً مثل: نكاح الشغار، ونكاح المخادنة، وتبادل الزوجين زوجتيهما بدون طلاق وعقد جديد.

وكانت المرأة في الجاهلية إذا مات عنها زوجها حبست نفسها سنة كاملة لا تلبس الجديد، ولا تغتسل، ولا تتطيب، ولا تعرض نفسها للزواج، ولا يتعرض لها الغير، كما كان ورثة الزوج لا يرون أنفسهم مكلفين بإسكانها وإطعامها مدة الحداد على زوجها.

 وكان العرب في جاهليتهم يغالون في المهور وفي شروط الكفاءة، فلا تتزوج حرة من عبد، ولا امرأة رفيعة النسب بمن هو أقل منها نسباً، ما أدى إلى كثرة الأيامى والعوانس عند العرب.

كانت هذه حال المرأة في الجاهلية على الأغلب الأعم، إلا أنّه وردت روايات كثيرة وصحيحة تبين رفعة مكانة بعض النساء، وما خديجة بنت خويلد وبنات حاتم الطائي، وجليلة بنت مرة، وهند بنت عتبة، والخنساء إلا أمثلة على ذلك، ولكنها أمثلة قليلة جداً إذا قورنت بنساء العرب جميعاً.

[يتبع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *