العدد 226 -

السنة العشرون ذو القعدة 1426هـ – كانون الأول 2005م

هيبة الأمة من هيبة حكامها

هيبة الأمة من هيبة حكامها

مهابة الأمة من مهابة سلطانها، فإذا عزَّ السلطان عزَّت الأمة وإذا هان هانت. وليس لصحة فكر الأمة أو فساده تأثير على قوة السلطان أو ضعفه، فقد يكون فكر الأمة صحيحاً كالإسلام، ولكن سلطان الأمة ضعيف، كسلطان حكام المسلمين في هذه الأيام.

=================================================================

فقوة السلطان أو ضعفه لا يعكس بالضرورة قوة فكر الأمة أو ضعفه، وإنما يعكس في الواقع قوة أو ضعف الحكام أنفسهم. صحيح أن قوة الحكام من قوة الأمة، وضعفهم من ضعفها، ولكن مفهوم القوة أو الضعف هنا ليس المقصود به قوة الفكر أو ضعفه عند الأمة، بل المقصود به قوة التفاف الأمة حول حكامها أو ضعف ذلك الالتفاف، وبمعنى آخر المقصود به قوة إسناد الأمة للحاكم أو ضعف هذا الإسناد.

فإذا استند الحاكم لأمته ونال ثقتها كان قوياً، وإذا استند الحاكم لسند أجنبي ولم تسنده أمته ولم تمنحه ثقتها كان ضعيفاً. وهذا النوع من قوة الإسناد هو الذي يوجد المهابة للسلطان، فبوجود مثل هذه القوة توجد المهابة للأمة وتعز على من يرومها، لأن سلطانها منحته اختياراً وطوعاً لمن اختارته لحكمها، وبانتفاء مثل هذه القوة تزول المهابة عن الأمة لأن سلطانها في هذه الحالة قد سُلب منها فتهون في أعين أعدائها.

وللتمثيل على ذلك ما نراه اليوم من ضعف حكام البلاد العربية والإسلامية وفقدانهم للهيبة، وما نراه في المقابل، من قوة حكام البلاد الغربية وامتلاكهم للهيبة.

والسبب بات واضحاً جلياً، فالشعوب العربية والإسلامية لا تسند حكامها لأنها لم تخترهم، بل فُرضوا عليها فرضاً من الأجنبي، بينما الشعوب الغربية تسند حكامها لأنها هي التي اختارتهم بنفسها. فحكام العرب والمسلمين مغتصبون للسلطة، بينما حكام البلاد الغربية مفوضين بالسلطة، وهذا ما يفسر وجود الهيبة عندهم وفقدانها عندنا. فاكتساب الحكام للهيبة يعني إكساب الهيبة للشعوب، وزوال الهيبة عن الحكام يعني زوالها عن الشعوب، لذلك كانت هيبة الأمة من هيبة حكامها حقيقة مشاهدة ومحسوسة في أرض الواقع.

وإذا فقدت الأمة هيبتها فإنها تصبح فريسة لأعدائها الذين لا يدخرون وسعاً في النيل منها كلما لاحت لهم فرصة، فيتربصون بها الدوائر، ويوقعون بها شتى أنواع المهانات، ويلحقون بها صنوف وألوان العذاب، ولا يكادون يتوقفون عن إيذائها والمس بكرامتها لحظة طالما أنها فقدت حصانتها ووسائل دفاعاتها.

وعلى سبيل المثال فالأمة الإسلامية بجميع شعوبها والتي تسبب حكامها في انتزاع الهيبة من قلوب أعدائها لم يقتصر العدوان عليها من قبل أعدائها الكبار كأميركا وبريطانيا وروسيا والصين والهند وإسرائيل بل وتمادى عليها أيضاً أعداؤها الأقل شأناً، فتايلاند والتي ما زال أهلها حتى الآن يعبدون أصنام بوذا قد تطاولت على جزء من الأمة الإسلامية يقطن في إقليم يدعى فطاني يوجد في جنوب تايلاند، حيث قام جيشها في الأســبوع الماضــي بارتكـاب مجـزرة مريعـة بحق مئة مسلم احتموا بمسجد من مساجد الله ولم يراعوا حرمة للمسجد ولا للذين احتموا به، وما كان البوذيون ليرتكبوا هذه المذبحة الشنيعة لو كانت هناك مهابة للأمة أو لسلطانها أو لحكامها، لكنهم أيقنوا بأن جريمتهم هذه سوف تمر كما مرت غيرها من الجرائم بحق هذه الأمة دون أن ينبس حكامها ببنت شفة، أو يتحرك لهم جفن، لذلك كان طبيعياً أن لا نسمع حتى مجرد استنكار، أو احتجاج، أو إدانة، أو تنديد بالمجزرة من قبل أية حكومة من حكومات العار القائمة في بلاد المسلمين.

فحكام ماليزيا وهي الأقرب لمسلمي قطاني، وينحدر بعض الماليزيين والقطانيين من نفس السلالة، وليس فقط يدينون بنفس العقيدة، حكام ماليزيا هؤلاء شدَّدوا إجراءاتهم على الحدود مع تايلاند لمنع هروب إخوانهم المسلمين إلى الأراضي الماليزية، وأعربوا عن تخوفهم من انتقال الأزمة إليهم. وهم بذلك قد قطعوا الطريق على إخوانهم المستضعفين في قطاني من أن يلجئوا إليهم، أو يستنصروهم في الدين.

وأما حكام إندونيسيا المجاورين لهم، فهم مشغولون بمحاكمة الإسلاميين عندهم كبعاشير، فهم غير معنيين أصلاً بإخوانهم في الجوار، وكأن القضية ليست قضيتهم، وكأن الأمر لا يعنيهم. وكذا باقي الحكام في سائر البلاد الإسلامية، فإنهم لم ينطقوا بكلمة واحدة دفاعاً عن هؤلاء المستضعفين المظلومين، لأنهم بإسقاط هيبة الأمة قد كشفوا ظهرها للأعداء، وأصبحوا لا همَّ لهم إلا تثبيت عروشهم ولو على جماجم شعوبهم ونـزف دمائهم.

فهؤلاء الحكام سواء منهم من يدعي الإسلام زوراً وبهتاناً كحكام السعودية وإيران والسودان، أو من يدعي غير ذلك، كلهم هذا ديدنهم، إن نطقوا أظهروا المؤامرات، وإن فعلوا ارتكبوا الخيانات، وإن سكتوا أقروا بالمؤامرات والخيانات.

فإلى متى يستمر الكفار بارتكاب جرائمهم ضد الشعوب الإسلامية مستغلين سقوط سلاح الهيبة ودرع المهابة من يد الأمة؟!

أما آن للأمة أن تعيد رداءها، وأن تعصف بحكامها، وأن تقارع أعداءها؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *