العدد 152 -

السنة الرابعة عشرة _رمضان1420هــ _ كانون الثاني 2000م

فتح خيبر

   عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، بعد النصر السياسي الذي حققه في صلح الحديبية، ونزلت عليه سورة الفتح بين مكة والمدينة، وفيها قوله تعالى: (وأثابهم فتحاً قريباً )، قال الحاكم: فتح خيبر. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية ذي الحجة وبعض المحرم، أي عشرين يوماً أو قريباً من ذلك، ثم خرج إلى خيبر في أوائل سنة سبع للهجرة. وكان يهود خيبر قد حالفوا غطفان في غزوة الأحزاب، فكان لا بد من معاقبتهم، وتوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنجد غطفان حلفاءهم يهود خيبر، فقطع طريق الإمداد من غطفان إلى خيبر، وحاولت غطفان الخروج لمظاهرة اليهود، ولكنهم خافوا محمداً وصحبه على أموالهم وأهاليهم، فرجعوا على أعقابهم، وخلّوا بين محمد وصحبه وبين خيبر.

   ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال: «اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذررن، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرّها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا بسم الله.». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوماً لم يُغر عليهم حتى يُصبح، فإن سمع أذاناً أمسك، وإن لم يسمع أذاناً أغار، فنزل خيبر ليلاً، حتى إذا أصبح لم يسمع أذاناً، سار إليهم، فلما رآه أهل خيبر، قالوا: محمد والجيش معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر، خربت خيبر. إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.

   وبدأ رسول الله وصحبه يفتحون الحصون الأدنى فالأدنى، فكان أول حصن افتتحه حصن ناعم، ثم حصن بني أبي الحقيق، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا، منهن صفية بنت حيي بن أخطب، فاصطفاها صلى الله عليه وسلم  لنفسه، وبنتي عم لها أعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي. وبنى رسول الله  صلى الله عليه  وسلم بصفية بعد استبرائها، وبات أبو أيوب خالد بن زيد يحرس رسول الله   صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح رسول الله ورأى أبا أيوب، سأله ما شأنه؟ فقال أبو أيوب: خفت عليك من هذه المرأة، وأنت قد قتلت أباها وزوجها وقومها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني.

   وقد امتنعت بعض الحصون على الفتح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبا بكر الصديق برايته، فقاتل، ولم يفتح الله عليه، ثم بعث عمر بن الخطاب، ولم يك فتح، ثم قال صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله عليه، فدعا رسول الله علياً، وهو أرمد، فتفل في عينيه، فناوله الراية، ودعا له. فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله فقاتلهم، فسقط ترسه من يده، فتناول عليّ كرم الله وجهه باباً كان عند الحصن، فترّس به عن نفسه حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده. يقول أبو رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلقد رأيتني في نفر سبعة معي، أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه.

   وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أشياء، فعن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يومئذ عن أربع: إتيان الحبالى من السبايا، وعن أكل الحمار الأهلي، وعن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن بيع المغانم حتى تقسم. وعن عبادة بن الصامت، قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين، وتبر الفضة بالوَرِق العين، وقال: ابتاعوا تبر الذهب بالوَرِق العين، وتبر الفضة بالذهب العين. وفي الصحيحين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية.

   روى الحافظ البيهقي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم فغلب على الأرض والزرع والنخل، فصالحوه على أن يجلوا منها، ولهم ما حملت ركابهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء، ويخرجون منها، واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيّبوا شيئاً، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فغيّبوا مسكاً فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، … فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم  ابني أبي الحقيق، واحدهما زوج صفية، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم  نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم، وأراد إجلاءهم منها، ولكنهم استعطفوه صلى الله عليه وسلم وأن يبقوا في أرضهم يقومون عليها، كونهم أعلم بها وأعمر لها، فصالحهم رسول الله على النصف مما يخرج منها من زرع ونخيل، وعلى أن للمسلمين أن يخرجوهم منها متى شاءوا. وكان عبد الله بن رواحة يخرص عليهم كل عام حتى استُشهد يوم مؤتة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقاً من تمر كل عام وعشرين وسقاً من شعير، ما يؤكد أن أرض خيبر كانت مشجّرة، وأن أهلها كانوا يعملون فيها مساقاة، ويزرعون بين الشجر زرعاً ولكن الحكم فيها للأعم الأغلب وهو الشجر. وفي ذلك ردّ على من استدل بأرض خيبر وما جرى عليها على جواز كراء الأرض للزراعة. ثم أجلاهم عمر بن الخطاب في خلافته من الجزيرة كلها، وقسم أرض خيبر بين من شهد خيبراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى المجاهد سهماً والفرس سهمين.

   فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهدت له امرأة سلاّم بن شِكم شاة مشوية مسمومة، فلاك منها رسول الله صلى الله الله عليه وسلم مضغة فلم يُسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، فأكل منها فأساغها، فمات من أكلته التي أكل. ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرأة، فاعترفت بأنها دست السم في الشاة، فسألها رسول الله عن سبب فعلتها قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكاً استرحت منه، وإن كان نبياً فسيُخبر. فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

   وكان من طريف ما حصل أثناء حصار خيبر أن راعياً عند يهودي، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه الرسول إلى الإسلام فأسلم، وكانت معه غنم لليهودي، فلم يغنمها المسلمون، ولكنهم ردّوها إلى اليهودي حتى دخلت الحصن، وقاتل الراعي مع المسلمين، فأصابه حجر فقتله، وما صلّى لله صلاة قط، فأتى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مسجّى في شملته، فالتفت إليه رسول الله ومعه نفر من أصحابه، ثم أعرض عنه، فقالوا: يا رسول الله لِمَ أعرضت عنه؟ قال صلى الله عليه وسلم: إنّ معه الآن زوجتين من الحور العين.

   ثم ما كان من أمر الحجاج بن علاط السُّلمي، وكان حديث عهد بالإسلام، وكان له مال متفرق في مكة، فأتى رسول الله صلى اللهعليه وسلم يستأذنه في أن يقول، من أجل تحصيل ماله، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى مكة، وأخبرهم أن المسلمين هزموا في خيبر، وأن محمداً قد أسر، وسألهم أن يعينوه على جمع ماله، ليقدم به خيبراً فيصيب من جيش محمد المنهزم قبل أن يسبقه التجار، فأعانوه على تحصيل ماله، وأسرّ إلى عم الرسول صلى الله عليه وسلم  العباس بن عبد المطلب بالحقيقة، وهي أن محمداً حقق نصراً مبيناً، وأن محمداً اصطفى ابنة ملكهم زوجة له.

   ثم إن أهل فدك، أصابهم الرعب مما لحق بيهود خيبر، فراجعوا الرسول ليصالحهم على ما صالح عليه يهود خيبر، فصالحهم فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب.

            وكان قدم جعفر بن أبي طالب، على الرسول عليه السلام يوم فتح خيبر، كما ذكر سفيان بن عيينة عن الشعبي، فقبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم  بين عينيه والتزمه وقال: «ما أدري بأيهما أنا أسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *