العدد 300 -

العدد 300 – السنة السادسة والعشرون، محرم 1433هـ، الموافق كانون الأول 2011م

جائزة نوبل للسلام: توكل كرمان في الميزان

جائزة نوبل للسلام: توكل كرمان في الميزان

 

موسى عبد الشكور

في السابع من تشرين أول/أكتوبر 2011م تم الإعلان عن منح جائزة نوبل للسلام للسيدة توكل كرمان وزميلتها. وفي لقاء لها مع قناة بي بي سي الفضائية عقب الإعلان، قالت إنها حصلت على الجائزة لأنها ناضلت ضد الاستبداد والفساد، ولأنها تدعو إلى الديمقراطية والدولة المدنية والمواطنة المتساوية بين الرجل والمرأة، وقالت إنها تدعو أيضاً لحوار الحضارات وقبول الآخر، وإلى نبذ العنف وإلى السلام.

وفي لقاء آخر لها مع قناة الجزيرة في برنامج بلا حدود، أكدت القيادية في التجمع اليمني للإصلاح -الإخوان المسلمين- على كل تلك الأفكار المطروحة، وعلى حقوق المرأة في المجتمعات العربية، وعلى الحرب ضد الإرهاب.

كذلك وعلى أثر الجائزة، بعثت توكل كرمان تهنئة أخوية إلى باراك أوباما الرئيس الأميركي، وأيضاً إلى هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية رداً على تهنئتهما لها حيث قالت في رسالتها: «سعادة الرئيس باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية، سعادة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون المحترمة: «تحية أخوية ملؤها الحب والسلام» وقالت: «لقد مثلت تهنئتكم أيضاً تعبيراً عن التزام أميركا وشعبها العظيم برعاية ودعم تلك القيم والمبادئ، وبشكل خاص اعترافاً بالشباب اليمني الذي يقود مسيرة التغيير الديمقراطي في اليمن من خلال ثورته التي أذهلت العالم بسلميتها ولا تزال تقدم المزيد من الإدهاش والإعجاب» وقالت: «إنني لفخورة بشراكتنا في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية وحقوق المرأة خلال الفترة الماضية، وأعتز أنني عملت خلالها في شراكة إيجابية مثابرة وجادة من أجل تلك المبادئ والحقوق الإنسانية باعتبارها قيمة إنسانية عالمية، ويسعدني القول إنني سأحرص على استمرار وتطوير تلك الشراكة في الحاضر والمستقبل بما يكفل تحقيق تلك المبادئ» وقالت أيضاً: «إني لأدعو الولايات المتحدة الأميركية التي طالما وجدتها نصيرة للمظلومين وراعية للحقوق الديمقراطية في العالم» وذهبت توكل كرمان المحتشمة بالحجاب الإسلامي إلى أبعد من ذلك حيث قالت في لقاء نشر على أحد مواقع الإنترنت بأنها لا تمانع أن يصل إلى مقعد الرئاسة مواطن من يهود اليمن التزاماً بحق المواطنة المتساوية، علماً أن جائزة نوبل للسلام لا تعطى في الغالب إلا لمن يناضلون لتكون كلمة الغرب هي العليا في مجتمعاتهم.

إن كرمان هذه تتكلم عن أميركا وتمدحها وكأنها لا تعرف أميركا وأفعالها في العراق وأفغانستان وفلسطين واليمن والباكستان… فهل تؤيد وتوافق على ما يفعله أوباما وكلينتون المحترمين بنظرها؟! وإنه لأمر مستغرب أن يصدر من مسلم أو مسلمة المناداة بالديمقراطية الكافرة المناقضة لشرع الله. فالديمقراطية التي سوقها الغرب الكافر إلى بلاد المسلمين هي نظام حياة، وهي نظام كفر، ولا علاقة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، فهي تناقض الإسلام تناقضاً كلياً في الكليات والجزئيات، وفي المصدر الذي جاءت منه والعقيدة التي انبثقت عنها والأساس التي قامت عليه وفي الأفكار والأنظمة التي أتت بها؛ لذلك فإنه يحرم على المسلمين أخذها أو تطبيقها، أو الدعوة لها تحريماً جازماً. فالديمقراطية نظام حكم وضعه البشر من أجل التخلص من ظلم الحكام وتحكمهم بالناس باسم الدين، فهو نظام مصدره البشر، ولا علاقة له بوحي أو دين. والديمقراطية نظامها علماني يقوم على فصل الدين عن الدولة، ناهيك عن محاربته للإسلام قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)

وإنه لأمر مستغرب كذلك أن يصدر من مسلم أو مسلمة الأخوة مع الكفار، فإن ما قالته كرمان عن أخوتها لأوباما وكلينتون كلام خطير جداً، فالتآخي لا يمكن أن يتم بين شخصين يؤمن كل منهما بعقيدة مخالفة للأخرى، فلا يجوز أن يقال إن أخي فلان النصراني أو أخي فلان اليهودي، فاليهود والنصارى ليسوا إخوة للمسلمين. يقول القرطبي في آية (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) أي في الدين والحرمة، لا في النسب، ولهذا قيل إن أخوة الدين أثبت؛ فأخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب. وكذلك فمن مقتضيات الأخوة الموالاة بين المؤمنين وعدم موالاة الكفار. قال تعالى: ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) فالقول بأخوة كرمان لكل من أوباما وكلينتون هي مثل القول بأخوة الرسول لكل من أبي جهل وأبي لهب.

أما دعوتها للمساواة بين الرجل والمرأة،فلا شك أن مقصودها هو المساواة على الطريقة الغربية وبحسب الأنظمة الغربية؛ ذلك أن للإسلام نظرته ونظامه المتكامل لكل من الرجل والمرأة حددته الأحكام الشرعية التي راعت اختلاف واقعهما، فجعلت معظم الأحكام الشرعية مشتركة بينهما، وخصت الرجل ببعض الأحكام وخصت المرأة ببعض الأحكام. والغرب يرى في تطبيق أحكام الإسلام على المرأة هضماً لحقوقها ويريد أن يسوق أحكامه إلينا عبر المنظمات الدولية، يريد أن يكون له أتباع منا يدعون لها… هذه هي المساواة التي تطرحها كرمان هذه.

ثم كيف تقبل كرمان هذه بأن يحكم اليمن يهودي وصل إلى الحكم في اليمن المدني الديمقراطي كما تقول؟ فإنه من المؤكد أنه لم يكن في ذهنها الحكم بالإسلام، بل إنها تنطق بلسان أخويها أوباما وكلينتون، تنطق بمفاهيم الدولة المدنية، ولا نعرف أين هي المرجعية الإسلامية (المرفوضة أصلاً) التي ينافقون بها لتمريرها على المسلمين، فالمقصود بمصطلح (الدولة المدنية) الذي يحمل نفس معنى الدولة العلمانية اللادينية، وتعبير (ذات مرجعية إسلامية) خداع المسلمين. وهذا الخداع لا يمكن أن يمرّ على المسلمين بنظر الغرب إلا أن يكون عن طريق (المسلمين المعتدلين) الذين ينادون بالإسلام خالياً من مضامينه، أمثال توكل كرمان. فالغرب قد منحها هذه الجائزة لأنها تحمل مثل هذه المفاهيم وليس غير.

إن ما تعتبره كرمان من أن جائزة نوبل نصر كبير يشير كذلك إلى ما تحمله من مفاهيم بعيدة عن أمتها ودينها. فمن أوسلو عاصمة المفاوضات السرية الخيانية بين منظمة التحرير وكيان يهود، والمشاركة في الحرب على الإسلام باسم محاربة الإرهاب، والمتصدرة للإساءة للرسول ﷺ أخذت كرمان جائزتها… وقبولها للهدية هو فعلاً نصر كبير للمفاهيم الغربية المناقضة للمفاهيم الإسلامية وليست نصراً للإسلام… وإن هذه الهدية سياسية وليست شخصية، وهي بما تخفيه من سياسات مرسومة ضد الإسلام لا يجوز قبولها. ففي طياتها مخطط عبور الأفكار الغربية الكافرة على بلد مهم من بلاد المسلمين، وفي طياتها إفساد للمرأة المسلمة العفيفة في اليمن ذات الطبيعة النقية… ومثل هذه الجائزة ملغومة ومسمومة ولا تخفى الأهداف الخبيثة التي تقف وراءها على أحد. فكيف تقبل كرمان هذه مثل هذه الجائزة من قاتل لأخيها المسلم في غارات جوية بطائرة بلا طيار في اليمن، أو في العراق أو في أفغانستان؟! ونتمنى أن لا تذهب كرمان لاستلام الجائزة، بل أن توجه خطاباً مدوياً تفضح فيه نفاق الغرب ومكره وعداءه، ونتمنى أن لا تكون ممن بهديتهم يفرحون لتكون مثالاً في رفض الغلول السياسية. ولتعلم كرمان أن رفضها للهدية، ومن أوسلو، سيكون موقف كل المسلمين، ورفضها يعني فيما يعنيه رفضاً للغرب وأفكاره وسياساته في بلاد المسلمين.

لقد أصبح من المعلوم الشائع أن جائزة نوبل للسلام منذ صدورها الأول عام 1901م لا تعكس سوى رؤية مانحيها المحاربين للإسلام، ورؤية مانحيها نابعة من فصل الدين عن الحياة والإقرار بالديمقراطية المحرمة شرعاً. فطوال 77 عاماً لم تمنح تلك الجائزة لمسلم، وكان أول حاصل عليها أنور السادات العام 1978م مناصفة مع (أخيه) مناحيم بيغن رئيس وزراء كيان يهود بعد قيامه بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد الخيانية. ومنحت من بعده لياسر عرفات عام 1994م مشاركة مع كل من (أخويه) إسحاق رابين وشمعون بيريز بعد انطلاق المفاوضات مع يهود بمدريد في العام 1990م، وبعد المفاوضات السرية في أوسلو عام 1991م والتي وقعت في واشنطن عام 1993م والتي أضاعت ما تبقى من فلسطين مقابل قبول الحصول على 22% من مساحة فلسطين مفرقة. ومحمد البرادعي منح الجائزة عام 2005م لدوره المشؤوم في الحرب على العراق… ويمكننا القول إن جائزة نوبل للسلام عندما تمنح لأحد ما في بلاد المسلمين لا تعني سوى الدخول إلى دائرة من باعوا وفرطوا بمبادئهم وقضايا أمتهم لصالح الغرب الكافر. والمانحون للجائزة لهم معاييرهم ومفاهيمهم المناقضة للمسلمين تمام التناقض.

لقد كسرت نساء اليمن المسلمات الطاهرات اللاتي يشاركن الرجال في العمل السياسي واللاتي يظهرن بمظهر إسلامي، ويتجلى ظهورهن بإصرار سياسي قوي على التغيير، كسرت مقولة الغرب بأن الحجاب كبت للمرأة وظلم لها، وحرمان لها من العمل السياسي، وبأنه مظهر للتخلف… بل أثبتت أن المرأة المسلمة عنصر فعال في المجتمع، وتملك الحق والقدرة على التعبير عن الأوضاع العامة أكثر بكثير من نساء الغرب اللاهثات وراء المتع الجسدية، وهذا الحق كرسه الإسلام لها. وعليه فإن حضور المرأة السياسي في اليمن، ونرى مثله في سائر بلاد المسلمين التي تشهد الثورات ضد الحكام، وفي الحقيقة ضد الغرب الذي يقف وراء هؤلاء الحكام ووراء الدساتير المدنية التي يحكم بها المسلمون، إن هذا الحضور وجه ضربة كبرى لمفاهيم الغرب الخاطئة عن المرأة في الإسلام، ويبقى أن تفطن هذه المرأة إلى وجوب القيام بما تقوم به على الطريقة الإسلامية وبحسب الأحكام الشرعية؛ وعليه فإن عليهن منع كرمان من تسلم الجائزة حتى لا يكنَّ شريكات لها في جريمة استلامها.

إننا ننصح كرمان أن لا تقبل جائزتها من الغرب، وأن لا تصغي للفتاوى العصرية من علماء السلاطين أو العلماء (المعتدلين) الذين باركوا لها حصولها على هذه الجائزة بقولهم إنها جائزة لنا جميعاً، إننا ننصحها بحذف وجوه قادة الغرب بهذه الجائزة، فهي ليست وسام شرف، بل شرف لها أن تحول عملها لنصرة دينها، والانضمام إلى العمل لإقامة الدين حقيقة بإقامة الخلافة الراشدة، وتوحيد بلاد المسلمين، والقضاء على نفوذ بلاد الغرب في بلادنا، وقطع يد تدخله… فهذه أمور يستحق العاملون لها  جائزة الإكرام من الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة.

إن جائزة نوبل لا تعني المسلمين في شيء، وهي متعلقة برضى الغرب الرأسمالي الكافر، فهل يخطر ببال مسلم أن هذا الغرب يمكن أن يفكر بمنح الجائزة لمسلم مخلص يدعو إلى تحكيم الإسلام؟! كلا وألف كلا، فكفى الغرب ضحكاً على الذقون، واستخفافاً بعقول المسلمين، فهو إنما يخدع صنائعه. وثورات المسلمين المشتعلة في بعض بلاد المسلمين، والمرشحة للامتداد إلى سائرها إنما هي ثورات على مثل هذه المفاهيم، وإنها لبداية يشوبها كثير من الدخن، ولكنها ستنتهي بثورات نظيفة تقوم على أفكار ومفاهيم الإسلام الصحيحة إن شاء الله تعالى. وعلى الله قصد السبيل. قال تعالى: ( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *