العدد 300 -

العدد 300 – السنة السادسة والعشرون، محرم 1433هـ، الموافق كانون الأول 2011م

بين الثورات والدعوة بأقصى طاقة وأقصى سرعة: إقامة الخلافة الإسلامية الراشدة الموعودة

بين الثورات والدعوة بأقصى طاقة وأقصى سرعة:

إقامة الخلافة الإسلامية الراشدة الموعودة

 

موسى عبد الشكور

لقد قلبت هذه الثورات كل المعادلات والمقاييس التي رسخها الاستعمار الغربي وعملاؤه ردحاً من الزمن حتى ظن أنها أصبحت عند الناس ثوابت لا تتغير، وأصابهم الركون الجبان لها. إلا أن الله سبحانه أراد أن تحدث من غير ميعاد منهم، وبشكل مفاجئ، فوقف العالم مبهوراً كيف أن المسلمين يمتلكون إرادة التغيير، ويبذلون دماءهم الزكية رغم كل إجرام الأنظمة، ويواجهون بصدورهم العارية قصف المدافع والطيران، مقررين إنهاء حالة الإحباط والخوف، وإنهاء حالة الحكم الجبري مع كل ما يحويه من أتباع رخيصين كانوا يزينون باطله ويعينونه عليه وحتى يشاركونه فيه… وتسلم أمورهم بأيديهم. فتهاوت هذه الأنظمة، فكان بعضها كبيت العنكبوت الذي سرعان ما تهاوى، وبعضها كجحر الجرذ الذي يحتاج لبعض الوقت.

وهنا لا بد من وقفة مع النفس تجاه ما دفع المسلمين في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا من أثمان باهظة في سبيل إنهاء هذه الحالة المستعصية والتساؤل: ماذا قدم كل منا لأمته في هذه الظروف؟ وكيف تفاعل مع الثورات حتى تبقى مستمرة على طريق عودة الإسلام لمعترك الحياة وتحقيق وعد الله بإقامة الخلافة الراشدة، وماذا يجب أن نقدم لها… خاصة وأن تباشيرها قد بدت تلوح، ومن أظهر هذه التباشير إنهاء الحكم الجبري.

في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي يقتل فيها المسلمون بأرخص الأثمان وتهان كراماتهم وتنهب ثرواتهم يتطلع المسلمون بشوق إلى تلك الفترة المضيئة من تاريخهم ويتساءلون: هل يقبل عمر ابن الخطاب t أن يضيع الأقصى وأن يحتل العراق؟ وهل يرضى أن تستباح دماء المسلمين في بلاد الأفغان وكوسوفا وكشمير والفلبين وتركستان الشرقية والشيشان؟… وهل يسكت عن المذابح التي يقترفها مجرم الشام ومجرم اليمن وما يزالان…

وإنه مادام الحال كذلك، ونصرة المسلمين فرض، والولاء عندهم هو لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين، ووعد الله بالنصر حق، فلا بد والحال هذه من تحقيق شروطه، والبحث في الأولويات التي يجب القيام بها، وإحسان العمل بأن يكون موافقاً للشرع من حيث الصواب، خالصاً لله من حيث النية. ولسيدنا عمر بن الخطاب t قول جميل في هذا: «اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً».

وإنه ما دام الحل واضحاً وهو إقامة حكم الخلافة الراشدة كحل جذري، فإنه يقتضي الإسراع به. عن ابن عمر  قال: قال رسول الله ﷺ: »من استطاع منكم أن لا ينام نوماً، ولا يصبح صبحاً إلى وعليه إمام فليفعل« جامع الأحاديث، وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم وفهمه عبد الرحمن بن عوف حين تعلق الأمر بنصب خليفة حيث قال: »والله لم أغتمض بكثير نوم منذ ثلاث«. نعم إن الأمر عندما يكون متعلقاً بإقامة الخلافة فإن المطلوب العمل بأقصى سرعة وأقصى استطاعة خاصة وأن عدّاد السيئات على كل المسلمين الذين لا يعملون يسجل عليهم السيئات ولا يوقفه إلا إقامتها. فإذا كان هكذا هو  الحال زمن أمتنا في عهدها الأول، فكيف يجب أن يتعامل المسلمون اليوم مع هذا الحكم الشرعي البالغ الأهمية؟ وإذا كان كل حكم شرعي يجب تنفيذه في وقته وبكيفيته الشرعية، فكيف يهذا الحكم الشرعي الذي حدد وقته بثلاثة أيام فقط منذ وقت خلوها؟…

وعند الرجوع إلى سيرة الرسول ﷺ وصحابته لاقتفاء أثرهم في العمل الحثيث، والإسراع في إنجاز الأعمال المنتجة نرى أنهم اصطحبوا الدعوة وتحملوا مسؤولية نشر الإسلام والمحافظة عليه في حلهم وترحالهم، في عسرهم ويسرهم، في شبابهم وشيبتهم، ما أورثهم جدية في حياتهم، فكان الواحد منهم كالشامة في جبين الأمة، وله اليد الطولى في الخير.

إن ما فهمه الصحابة من تقديم تنصيب الخليفة في السقيفة على فرض الجهاد ودفن الرسول ﷺ، وإن ما فعله سيدنا عمر t قبل وفاته من حيث إمهال الناس ثلاثة أيام فقط ليختاروا الخليفة بعده وإلا القتل، ليدل بشكل لا لبس فيه على وجوب السرعة في إقامة هذا الفرض. فالسرعة مأخوذة من نفس الحكم.

إن المسلمين اليوم هم أحوج الناس إلى التغيير وبأقصى سرعة لرفع الظلم والقتل والإفقار والإذلال عنهم، فضلاً عما يحمله هذا الفرض من إعلاء لكلمة الله في بلاد المسلمين، بل في العالم أجمع… وإنه إذا كانت الرغبة في التغيير عند الشعوب الأخرى لا تعدو كونها سعياً لتحقيق المصالح المادية الفردية والجماعية وحب السيادة لذاتها، ولكنها بالنسبة للمسلمين هي سعي لتطبيق الإسلام ونشره بالجهاد، فيجب العمل الدؤوب لإحياء البشرية بإخراجها من شقاء الكفر وتعاسته؛ لذا يجب أن يكون العمل للتغيير لدى المسلمين بإقامة الخلافة الراشدة قضية مصيرية، بل هي قضية القضايا، عليها تتوقف حياة المسلمين جميعهم بل والناس أجمعين.

فهذا ابن أم مكتوم الصحابي الجليل جاء إلى الرسول ﷺ وهو يسعى من أجل الآخرة وهو أعمى (السعي فوق المشي وأقل من الجري) فهذا تعبير عن علو همته وجهده الحثيث… وهذا عمير ابن الحمام يقول في معركة بدر وقد سمع رسول الله ﷺ يقول: «وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إلّا أَدْخَلَهُ اللّهُ الْجَنّةَ« فلما سمع عمير ذلك من الرسول ﷺ قال: «بَخْ بَخْ، أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ« وكان بيده تمرات يأكل منها فألقاها وقال: «لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِى هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ« فألقاها وقاتل فقتل.

ثم جاء بعدهم رجال ورجال حملوا لواء الدعوة والجهاد والخير، جيلاً بعد جيل، يقتدي لاحقهم بخطى من سبقهم من السلف الصالح. فهذا صلاح الدين الأيوبي آلمه أن يكون المسجد الأقصى في يد الصليبيين حتى روي أنه لم يبتسم بسبب ذلك. ونقل ابن شداد في سيرته عند ذكر واقعة عكا: «وهو، أي السلطان صلاح الدين، كاللؤلؤة الثكلى، يجول بفرسه من طلب إلى طلب، ويحث الناس على الجهاد… وينادي بالإسلام وعيناه تذرفان بالدموع، وكلما نظر إلى عكا وما حل بها من البلاء، وما يجري على ساكنيها من المصاب العظيم اشتد في الزحف والحث على القتال، ولم يطعم في ذلك اليوم طعاماً البتة، وإنما شرب أقداح مشروب كان يشير بها…»

ويقول الإمام ابن عقيل الحنبلي شيخ ابن الجوزي: «أنا لا أحل لنفسي أن تضيع لحظة من عمري، فأنا إما أكتب، وإما أقرأ، وإما أطالع، وإما أدرس، وإما أصلي، وإما أذكر أو أتذاكر، حتى إذا تعبت فأرقد على جنبي وأسرح بخيالي في مسائلي…»

مثل هذه النماذج الفريدة يجب أن تؤثر في حياتنا، وفي تخطيطنا لأهدافنا، بل وفي تربيتنا لأولادنا، لينشأ جيل مؤمن مسؤول عن دعوة هذا العالم ويقوم بحق «لا إله إلا لله    محمد رسول الله« لإنقاذ العالم كله بها بهمة تناسب عظم هذا الدين، وعظم ما يقع على المسلمين من مهمات جليلة، فالإسلام ليس ثوباً جميلاً نلبسه، ولا عمامة بيضاء نتقلدها، بل أمر عظيم نستمسك به قال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُون) وهذا يتطلب من المسلم اليوم أن يعمل لنصرة الإسلام، وأن يبذل نفسه ووقته وجهده وماله وكل إمكاناته في سبيل ذلك.

إن السرعة في إنجاز الأعمال مع إتقان أعمال الدعوة هو المطلوب، وهو المنجي لنا في الدنيا والآخرة. قال تعالى:  (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وقال رسول الله ﷺ : «التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، إِلاَّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ» البيهقي. فالفهم الدقيق للإسلام يدفع المسلم أن يكون بعمل دائم دائب يبذل كل مستطاع لنوال رضوان الله سبحانه وتعالى. متأسياً بالرسول ﷺ في قوله تعالى له: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) أي اذا انتهيت من طاعة فابدأ بغيرها.

وإذا تطلب العمل لإقامة الخلافة العمل مع جماعة، فيجب الإسراع بالانضمام إلى هذه الجماعة التي تعمل بإخلاص لنصرة هذا الدين. وعلى كل مسلم العمل على إيجاد بصمة تديم له الثواب والذكر إلى يوم القيامة، وتؤتي نتاجاً مباركاً في تحقيق أهداف الإسلام العليا ومستقبل الأمة الإسلامية، وتحيي ما مات من آمالها.

إن المسلم هو الأجدر بصنع تاريخه. وصناعة تاريخ الأمم هي من مهمات أتباع الأنبياء، وهؤلاء ما أكثرهم في تاريخ المسلمين، فهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان من التابعين وتابعيهم ومن لحقهم في الدرب من أمثال نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي وقطز وأورخان ومحمد الفاتح وعبد الحميد… درب ما زالت تنتظر من يعمرها ممن ينطبق عليهم اهتمامهم بحديث رسول الله ﷺ: «إن الله عز وجل يحب معالي الأمور ، ويكره سفسافها» الطبراني وأي أمر أجل وأعلى من العمل لإقامة الحكم بما أنزل الله.

لقد عمل الكفار ليل نهار لهدم دولة الإسلام وهزيمة المسلمين دون كلل ولا ملل وذلك لتحقيق باطلهم وأطماعم، ولا يزالون على وتيرة أكبر لحرف المسلمين عن دينهم، يصدق فيهم قوله تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) فهل يجوز للمسلم وهو على الحق، والمؤيد من الله سبحانه، أن يتثاقل، أو أن لا يبادر إلى إقامة أشرف الفروض وهو إقامة الدين؟

وليعلم المسلمون أن الصراع بين المسلمين والكفار، وبالذات الغربيون منهم، على أشده، وكلما اشتد الصراع واحتدم نصع الحق واهترأ الباطل وبان سبيل المجرمين، وصار وعد الله سبحانه بالنصر والتمكين أقرب… وليعلم المسلمون أن النصر اليوم أصبح مسألة وقت فيجب أن يغذوا السير في عملية التغيير ليقربوا مسافة النصر ويطووا بعده، فالغرب قد فقد مخزونه الفكري ونصيبه من الخداع، ولم يبق له إلا القليل حتى تزهق روحه، ولم يبق للخلافة إلا القليل فليختصرها المسلمون بجدية العمل لهذا الفرض العظيم الذي به يحق الحق ويبطل الباطل.

إن تضحيات المسلمين اليوم، في ثورتها على حكامها، هي خطوة مهمة بين خطوات إعادة الأمة الإسلامية إلى مثل ماضيها التليد، وما يحدث من ثورات من إنهاء مرحلة الحكم الجبري، ودحر الاستعمار الغربي الكافر وإنهاء سيطرته على العالم. إنما هو معلم يفتح الباب لولوج مرحلة الخلافة الراشدة الثانية بإذن الله تعالى.

وأخيراً نقول إنه يجب على المسلمين أن يحزموا أمرهم أنهم أمة واحدة من دون الناس، وأنهم شهداء عليهم، وأن صراعهم مع الكفار يجب أن يكون صراعاً حضارياً لا يتوقف، وأن عليهم أن يلتزموا بالأحكام الشرعية التي تحقق للمسلمين، بعد هذا الحكم الجبري القاسي جداً، إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي جعل الله سبحانه وتعالى إقامتها يقع في رأس سلم الفروض، ويتبوأ رأس الأولويات، وأن هذا الفرض العظيم يجب القيام به دون تأخير بل بأقصى سرعة، ولنا في رسول الله أسوة حسنة قال تعالى: (قلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *