العدد 291 -

العدد 291 – السنة الخامسة والعشرون، ربيع الآخر 1432 هـ، الموافق آذار 2011م

أيها المسلمون: أعلنوها مع حزب التحرير خلافة راشدة على منهاج النبوة، وحرموا على أنفسكم الاستعانة بالغرب

أيها المسلمون: أعلنوها مع حزب التحرير خلافة راشدة على منهاج النبوة،

وحرموا على أنفسكم الاستعانة بالغرب

 

إن ما يقوم في بلاد المسلمين من ثورات متتالية يشير بكل وضوح إلى إرادة الأمة، كل الأمة، بالتغيير؛ فقد سئمت من حكامها الذين سرقوها وأفقروها وأذلوها، وشردوها، وأحصوا أنفاسها، وساموها سوء العذاب، وعملوا على إبعادها عن دينها، وسلموا قضاياها لأعدائها من دول الغرب الرأسمالية الكافرة المتوحشة الجشعة التي مزقت بلاد المسلمين إلى دويلات هزيلة، ونصبت على كل واحدة منها حاكماً عميلاً لهذا الغرب خائناً لله ولرسوله وللمؤمنين، وشكلت له وسطاً سياسياً وعسكرياً وفكرياً وإعلامياً… لكي يستعين بهم هؤلاء الحكام على تنفيذ سياساتها في رهن إرادة الأمة لإرادتها ونهب ثرواتها، وسنت لهم الدساتير ورسمت لهم طريقة عيش بحسب طريقتها في العيش… فكانت كالنوتي وكانوا كالدمى يبدون وكأنهم مالكون لإرادتهم بينما هم في الحقيقة مسلوبو الإرادة والقرار، تحركهم الأيادي الخفية والمخططات الخبيثة.

إن من يريد التغيير الحقيقي فعليه أن يغير كل ما ذكرناه سابقاً مما أوجده الغرب، ولا يقتصر على تغيير الحكام وبعض الأذناب المرتبطين به.. إنهم الواجهة التي لا يجب أن تخفي من هم خلفهم… فهل يعقل أن يغيَّر الحاكم وبعض معاونيه ويترك النظام والدستور والأتباع الآخرون، وخاصة قادة الجيوش الذين نصبهم الغرب تماماً كما نصب الحكام؛ لأنه يعرف مدى أهميتهم في الحفاظ على استمرار نفوذه في البلاد واستمرار الحكام في الحكم. إن الأمة عندما تغير الحكام وتترك ما سواهم فهذا يعني أن الغرب مازال قابضاً على أمور المسلمين يسيرها بحسب مصلحته، ويعني أن الدساتير والأنظمة الوضعية التي فرضها الغرب على المسلمين مازال يحكم بها، ويعني أن المسلمين قد غفلوا عن الحكم بما أنزل الله… ويعني أن التغيير الذي حدث شكلي وليس حقيقياً بينما المطلوب هو التغيير الذي يرضي الله سبحانه، التغيير الذي يغير شكل الحكم فيجعله خلافة، ويغير الحاكم فيجعله خليفة، ويغير الدستور فيجعله مستمداً من عقيدة المسلمين وشريعتهم فحسب.

إن من يريد التغيير الحقيقي يجب أن يقطع رأس الأفعى ويفصله كلياً عن الجسم ويدفنه، لا أن يكتفي بالذيل… في الحقيقة، إن الحكام هم أذناب ولا يعنون للغرب إلا بمقدار ما يستفيد منهم، فإن أصبحوا يشكلون ضرراً على مصالحه فهو أول من يتخلى عنهم.

ألم يتخلَّ الغرب عن حسني مبارك الذي كان يعتبر أوثق حاكم لهم؟ ألم يرفض الأوروبيون وأولهم فرنسا استقبال بن علي، وهذا القذافي المشؤوم يتهم الغرب بالتخلي عنه، وليس هذا فحسب فإن شياطين الغرب بدوله المختلفة راحت تكشف عن أرصدة الزعماء الخيالية المودعة في بنوكهم، فكشفت أن مبارك وعائلته يملكون ما يقارب الـ70 مليار دولار، وكشفت عن خزنة اكتشفت لبن علي تحوي من العملات الصعبة والذهب ما لا تحويه خزينة البلاد، وكشفت أن القذافي وعائلته يملكون ما يفوق الـ140 مليار دولار… دول الغرب كشفت عن ذلك وكأنها لا تعلم به من قبل، كشفت ذلك ولم تتناول سائر حكام المسلمين الذين لا تقل سرقاتهم وإيداعاتهم في بنوكهم عما ذكرنا.

نعم إن التغيير الحقيقي في بلاد المسلمين لابد أن يشمل أمرين:

1- جعل الإسلام، عقيدة وشريعة، هو الذي يقود المسلمين بإقامة دولة إسلامية يتمتع فيها رعاياها المسلمون وغير المسلمين بكامل حقوقهم التي جعلها لهم الإسلام، وتقيم الجهاد لنشر الإسلام وإدخال الناس في خيره وتخليص الناس من شر الغرب الرأسمالي الكافر.

2- قطع كل تدخل أجنبي في بلاد المسلمين وتحريم الاستعانة بهم.

وإن لهذين الأمرين علاقة جدلية بينهما، فإذا لم يتم تبني الإسلام بفهم صحيح وتطبيق صحيح فإنه سيبقى للكفار سبيل على المسلمين. وتبني الإسلام بفهم صحيح يوجب على المسلمين إقامة الدولة الإسلامية التي هي من أهم الأحكام الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة، والتي لا يعذر مسلم اليوم بجهلها فضلاً عن أن يكون عالماً. والتي لا يفهم الإسلام بمعزل عنها، ولا يطبق بغيابها إلا تطبيقاً جزئياً لا يحقق أهداف الإسلام. وهنا يحق لنا أن نتساءل:  ما الذي أكل لسان العلماء في هذه الفترة التغييرية حتى لم يطرحوا الإسلام بإقامة دولته كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ أهو الخوف من الغرب، علماً أن الغرب اليوم مهزوم في بلاد المسلمين وخاصة بعد أن جرب بأس المسلمين في أفغانستان والعراق، وباء بأفدح الخسائر، وهو قد أخذ القرار بعدم التكرار؟… بل هو انهزام هؤلاء العلماء أمام الغرب؟

إن هذا الغرب المهزوم أمام المسلمين حضارياً وقف مرتبكاً جداً أمام ما يحدث في بلاد المسلمين إذ عاكست كل دراساته وتوقعاته، وقف بادئ ذي بدء، مرتبكاً لا يدري ماذا يفعل، ماذا يصرح، تفاجأ بخروج الحشود المليونية الهادرة وأسقط في يده، وقد استنفر كل ما تبقى لديه لعدم إفلات الأمور من يديه… إن هذا الغرب الماكر راح يستعمل وسائل وأساليب محاولاً أن يبتكر خطة ماكرة لإبقاء أمور المسلمين في يديه، ونذكر من أساليبه ووسائله تهديده بالتدخل العسكري الذي يغطيه بدعوى أنه مطلب دولي تغطيه قرارات الأمم المتحدة، وتهديده بفرض حظر جوي بدعوى حماية المدنيين من القتل، وعرضه تدريب المقاتلين بدعوى مواجهة غارات القذافي في ليبيا، وإحضار حاملات طائراته قبالة الشواطئ بدعوى إجلاء الرعايا. وإعلانه تجميد أموال الرؤساء المخلوعين مع أفراد عائلاتهم ليساوم الثوار عليها ويضغط عليهم فإما يسيروا معه وإما يخترع قوانين تبقيها مجمدة إلى أن يستطيع ذلك، وتسويق وسائل الإعلام الأحداث لمصلحته حتى تبعد أن يكون التغيير حقيقياً، وانتقال رموز كانت تابعة للنظام القديم إلى الثورات ليتبوءوا فيها مراكز قيادية وليستلم بهم الحكم بصورته الجديدة، وقيام المنظمات الإنسانية بعمليات الإغاثة.. والمنظمات الحقوقية بإدانة المجازر… وعلى سبيل المثال نرى المجلس العسكري الأعلى في مصر جعل من نفسه المشرف على عملية التغيير، فما لم يصحُ هذا المجلس على نفسه، ويثوب إلى ربه، وبالتالي ما لم يدرك شباب الثورة وعلماء الأمة هناك بأن لربهم عليهم حق الحكم بما أنزل الله، وحرمة الاستعانة بالأجنبي أو الولاء له أو لأفكاره فلن تتغير الأمور هناك تغيراً جذرياً يرضي الله ورسوله والمؤمنين… وفي تونس ما لم يدرك المسلمون هناك أن التغيير لا يتم بتغيير رئيس الوزراء مع إبقاء الطقم الوزاري على ما هو عليه مع بعض التعديلات الطفيفة فلن تشهد الأمة النور من هناك… وفي ليبيا ما لم ينتبه المسلمون هناك إلى المكيدة التي يكيدها الغرب بجعل القذافي يتمادى في قتل المسلمين، ويغضون الطرف عن إمداده بالمرتزقة عبر تعاقده مع الشركات الأمنية المرتبطة بـ(إسرائيل) تحديداً، كل ذلك بهدف أن يصبح التدخل الأجنبي مستساغاً لدى الشعوب المسلمة الثائرة، ويصبح فرض الحظر الجوي مطلباً شعبياً. نعم إن الغرب الآن يحاول أن يوجد طريقة يكون تدخله فيها مطلباً شعبياً، ويصبح تدريب الثوار على مواجهة طائرات القذافي وتزويدهم بدفاعات جوية كما تطرح أميركا أمراً ألجأت إليه ضرورة المعركة مع القذافي الخبيث… إن الأمة عليها أن تعي إلى ما يرمي إليه أُلْعُبَانُ الغرب الأفاك، وما لم تتخلص من سحره، وما لم تنفك من أسره فستذهب كل التضحيات سدًى. ويمكن للغرب من جديد لفترة طويلة كما يخطط ويريد.

إن الصراع بين الأمة والغرب في عز أواره واستعاره، وإن ما يجري من ثورات يجب أن تعتبر أنها من ضمن هذا الصراع. وعلى المسلمين أن يتنبهوا من كل دعاوى الغرب المضللة، فليس هناك إسلام معتدل وإسلام متطرف، بل إسلام رب العالمين. وليس هناك قيم خلقية ولا إنسانية ولا روحية عند الغرب بل قيم مادية أنانية جشعة تقضي على كل ما يخالفها من القيم وتحارب وتعادي كل ما يهدد مصالحها.

إن على المسلمين أن يعلموا أن الغرب بحضارته قد أفلس وهو إلى زوال، وأنه قد انهزم على أرض الواقع وعليهم بالتالي أن لا يكونوا مهزومين أمامه، وأن لا يراعوه في تصرفاتهم وتصريحاتهم، فهؤلاء بهذا يخدمونه وإن كانوا لا يريدون، ويطيلون عمره ويحققون مخططاته وإن كانوا لذلك يكرهون.

إن على المسلمين، كل المسلمين، أن يزيلوا عنهم السحر الذي مارسه الغرب عليهم بحيث جعلهم يستمرئون تدخله في شؤونهم، ويسيغون لأنفسهم الاستعانة به، وجعلهم يقولون ما يقول لهم ويؤولون كلام الله بما يتفق ومفاهيمه. فالإسلام يحرم ذلك كل التحريم قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء 141] وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) [النساء 144] وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال 73].

إن على المسلمين أن يرفضوا مقولة الغرب لهم إنهم جزء من المنظومة الدولية، وأن عليهم أن يسيروا بحسبها، وعدم مخالفة القانون الدولي، فإن مثل هذه المقولات من الأفكار المهلكة التي رتب فيها الغرب حياة المسلمين على طريقته، وشكل عقليتهم بحسبها…

إن على علماء المسلمين وحركاتهم أن لا ينجروا وراء مثل هذه المقولات؟ فهم يجب أن يكونوا أعرف من غيرهم بضلالها وبمدى خطرها… إن هذا الغرب الرأسمالي الظالم الفاسق عندما يرى مثل هذه الجموع الضخمة التي عقدت العزم على التغيير، تتوجه إلى الله ضارعة إليه، غير آبهة بآلة الحكام العسكرية البطاشة لتأخذه الرجفة مما يرى، ولكنه عندما يرى مثل هذه المواقف الضعيفة منه والاستجداء له، وطلب إمداده بالمعونات الإنسانية العسكرية فإنه يطمع بأن يبقى.

أيها المسلمون

إن الغرب أضعف من أن يتحمل التدخل في أي بلد من بلاد المسلمين، بعدما لاقى ما لاقاه في حروبه العدوانية عليهم في العراق وأفغانستان… وصار يحسب لتدخله ألف حساب، وإنه الآن يبتكر الأسباب التي تجعلكم تطلبون منه الغوث، فهو الذي أمدّ من قبل القذافي بالسلاح، وهو الذي يسكت الآن عن إمداده بالمرتزقة إعلامياً فلا يجعله حدثاً مدوياً، وهو الذي يريد منكم أن تستعينوا به من أجل إنقاذكم، إنقاذكم من ماذا؟ من فتنة هو صنعها؟ وهل يستغاث بالشيطان؟… نعم إن قبول الاستعانة به جريمة لا تغتفر. تستجلب غضب الله سبحانه.

إن الله يأمر المسلمين أن يستعينوا به وحده، فعليهم أن يحزموا أمرهم وينظموا صفوفهم، ويجمعوا ضباطهم وعساكرهم الذين أعلنوا أنهم مع الثورة، ليتقدم هؤلاء ويحسموا المعركة، فإنهم إن كانوا يألمون فإن القذافي ومن معه من المجرمين يألمون أكثر، ثم إن المسملين يرجون من الله ما لا يرجوه القذافي ومجرموه.

أيها المسلمون

إن على المسلمين والعلماء والحركات الإسلامية أن يعقدوا العزم على الاستعانة بالله وحده، وأن يحرموا على أنفسهم ما حرمه الله سبحانه وتعالى عليهم من الاستعانة  بالغرب الرأسمالي الكافر، وإننا نعلن أمام الله ابتغاء لرضوانه، وأمام الأمة الإسلامية أننا نريدها ونسعى لإقامتها ونعلنها خالصة لله وحده: «خلافة راشدة على منهاج النبوة»، فهي وعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال: «ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة». وإنه لشرف لنا أن نكون أول دعاتها، فهي كما ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آذنة بنهاية الحكم الجبري الذي نشهد جميعنا فترة انتهائه، وهذا ما يجعلنا نمضي أكثر وأكثر في هذا السبيل.

نعم إن من يريد أن يقيم الخلافة الراشدة عليه أن يؤمن بالله وحده، ولا يستمد العون إلا منه، وأن لا يخشى إلا الله سبحانه، لا يخشى أميركا، ولا أوروبا، ولا أحداً إلا الله وحده… وإن من يريد النصر فالنصر من الله تعالى، قال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) [الأنفال 10] ولذلك فإننا نطلبه منه سبحانه، ونعلم أنه لا يؤتيه إلا لمن نصره قال تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

أيتها الأمة الكريمة

إنك تريدين النصر، وتفتقدين لمن يقودك، وتأمين القيادة هو أهم عامل من عوامل النصر، وها هو حزب التحرير يمد يده إليك لتبايعيه على القيادة، خاصة وأنه قد تبنى طريقة رسول الله في التغيير، ليقيم فيك الخلافة الراشدة الثانية الموعودة القادمة قريباً بإذن الله، التي سيقيم بها حكم الله في الأرض، وعدل الله بين جميع رعاياها، والجهاد في سبيل الله الذي تفتح به البلاد والعقول والقلوب لإدخال الناس، كل الناس، في دين الله أفواجاً، تماماً كما كانت دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإننا في سبيل ذلك نتوجه إلى أهل النصرة أهل القوة من أبناء المسلمين أمثال سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير وأسعد بن زرارة ليكتمل العمل بهم، وليتجدد الدين بتجدد خلافته، وبهذا نستطيع أن نقول مطمئنين أننا فسرنا بعملنا ودعوتنا قول ربنا سبحانه وتعالى لرسوله الكريم في كتابه الكريم: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *