العدد 290 -

العدد 290 – السنة الخامسة والعشرون – ربيع الأول 1432هـ، الموافق شباط 2011م

مصر وبوصلة التغيير

مصر وبوصلة التغيير

أراد مبارك وحزبه التهام مصر بشكل مقزز وبشره منقطع النظير، فثار الشعب على هذه العصابة بعد أن عيل صبره وبعد أن أدرك خراب البلاد أمر حتمي ما لم يقف بالمرصاد للحثالة الحاكمة في أرض الكنانة، مقتبسًا خريطة الطريق التي رسمها الشعب التونسي بدماء أبنائه والتي قلب من خلالها المعادلة السياسية القائمة هناك منذ عقود. وهكذا انطلقت مسيرة التغيير في 25 يناير 2011 من ميدان التحرير في القاهرة منادية بإسقاط النظام الحاكم في مصر لتصبح في وقت وجيز حديث الساعة عالية. وليس هذا مستغرب فمصر تمثل فيه الميزان في منطقة الشرق الأوسط وهي صلة الوصل بين أفريقيا وآسيا وهي أقصر وأهم معبر يربط دول الشمال بالجنوب كما تعتبر مصر قبلة العرب وزعيمتهم، ولديها ثقل إسلامي لا يضاهيه أي قطر في العالم بما لها من مكانة فريدة في التاريخ الإسلامي حيث كانت مصنعا للعلماء ونقطة ارتكاز لتحرير فلسطين من الصليبيين ولرد جيوش التتار عن بلاد المسلمين. ولذلك كانت مصر على الدوام محل تتطلع الأمة لقيادتها، فيما تصارعت الدول الكبرى فيما بينها للسيطرة عليها، سواء من قبل فرنسا وبريطانيا سابقا أو بريطانيا وأمريكا لاحقا إلى جانب محاولات الاتحاد السوفييتي لاحتوائها.

لقد اظهر المشاركون في ثورة الشعب من شبان وشيب عزيمة وجرأة لافتتين إضافة إلى وعي على حاجة مصر لتغيير النظام لا الرئيس فقط، وكذلك تمكنوا بجدارة من التمييز بين سدنة النظام من أجهزة أمن وشرطة وبين الجيش الذي يعتبر حامي الشعب والوطن ومفتاح أي تغيير حقيقي في البلاد كما لم تزعزع همتهم حتى الآن دعوات الانضمام من قبل مفكرين مشبوهين وتجار إعلام وبطش شرطة سرية وعلنية وبفضل هذا أخذت تتساقط الأقنعة عن وجوه سماسرة الفكر والسياسة والإعلام الذين صموا آذاننا على مدار عقود لتنظير تافه وبثرثرات أسموها فكرًا وتخصصًا ومهنية، في وقت كان الشعب وما زال أحوج ما يكون إلى من يقوده لوضع حد لمآسي مصر المتراكمة. وفيما يتضح أن ثمة محاولات جدية لاحتواء هذه الثورة أو الالتفاف عليها بعد أن فشلت محاولات إخمادها فإن مصر باتت تقف على مفترق طرق ثلاثة.

(1) إيقاف الثورة وقبول ما يُمن النظام به على الشعب من خلال عملية تجميلية سطحية لوجه نظام حكم بشع، وبالتالي السقوط في مستنقع العجز والواقعية البائسة التي أوصلت مصرنا الغالية إلى الحضيض.

(2) الدخول تحت مظلة صفقة باتت تجري في العلن بين النظام وبين تلك الأحزاب المعارضة الماجنة التي تريد امتطاء ظهور الجماهير لتحقيق مآرب دنيئة لإشراك حركة الإخوان في هذه العملية لتجميل النظام السياسي، ولنقله من تبعية مقيتة مفضوحة تحت حكم العسكر إلى النموذج التركي الذي يؤمن مصالح الغرب وبنفس رغبة الجماهير سيحرفها عن مسيرة انجاز تغيير النظام من أساسه.

(3) الغوص عميقًا في عملية التغيير من خلال اعتماد هوية مصر الإسلامية ومن خلال احتضان العناصر المتنفذة والمخلصة من المؤسسة العسكرية، ليصطف الجيش والشعب معًا لصد محاولات وحرف وجهتها من قبل المنحرفين والمغرضين والعملاء. وبالتالي تتحرر مصر من نظام الطاغية ومن التبعية للغرب لتبدأ مسيرة استقلال الشرق الأوسط فستعيد مصر دورها الرائد في الأمة، فتعيد الأمة إلى الإسلام في سياق مشروع الدولة الواحدة للأمة الواحدة في خلافة راشدة على منهاج النبوة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *