العدد 290 -

العدد 290 – السنة الخامسة والعشرون – ربيع الأول 1432هـ، الموافق شباط 2011م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم:

]أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248)[

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه

عطاء بن خليل أبو الرشته

أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

يبين الله سبحانه في هذه الآيات ما يلي:

  1. يضرب الله مثلا آخر متعلقاً بالقتال في سبيل الله، ففي الآية السابقة كان عن قوم تركوا ديارهم هرباً من لقاء عدوهم حفاظاً على حياتهم، فلما وصلوا مكاناً ظنوه آمناً نزلوا فيه، فأتاهم الموت من حيث لم يحتسبوا ليكون في ذلك عبرة للمقاتل في سبيل الله، فلا يخشى ملاقاة العدو لأن أجله بيد الله لا يقدمه أو يؤخره قعود عن القتال أو فرار، فيكون اندفاع المؤمن في القتال قوياً يفوق ما عليه عدوه ]وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ[ النساء/آية 104.

وفي هذه الآية يذكر الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين قصة قوم موسى -عليه السلام- بعد وفاته حيث أمروا بالقتال فتذرعوا بأن ليس لهم ملك يقاتلون تحت لوائه، وطلبوا من نبيهم أن يرسل الله ملكاً يًقاتلون معه وكأنهم أرادوا قائداً متمرساً في فنون القتال عظيم الجسد. فقال لهم نبيهم فلعلكم لا تقاتلون لو أرسل لكم ملك وفرض عليكم القتال، وكأن نبيهم كان يتوقع أنهم لن يلتزموا كما هو شأنهم، لكنهم أجابوا مؤكدين امتثالهم ومعللين ذلك بأن ديارهم قد احتلت وأُخرجوا منها، وأُبعدوا عن أزواجهم وأبنائهم، وهذا يجعلهم جادين في القتال في سبيل الله إن أرسل الله لهم ملكاً وكُتِبَ عليهم القتال، إلا أنهم عند فرض القتال عليهم عادوا إلى سيرتهم الأولى فلم يمتثل منهم إلا القليل وكانوا من الظالمين لعصيانهم أمر الله.

وليس في الآية ما يدلّ على أن هؤلاء القوم هم أولئك المذكورون في الآية السابقة ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ[ وإن كانت القصتان في موضوع القتال وعدم التخلف عنه بأية حجة.

فالآية الأولى في أولئك الذين فروا من ملاقاة عدوهم حفاظاً على حياتهم فخسروا الدنيا بانتصار عدوهم عليهم، وفي الوقت نفسه لقوا الموت ينتظرهم في مأمنهم،وكانت تلك للاعتبار بأن الأجل إذا جاء لا يؤخره فرار مما يجعل المؤمن يندفع بقوة لملاقاة عدوه.

وهذه الآية في أولئك الذين يبحثون عن الأعذار كي لا يقاتلوا، فهم لا يفرون خوفاً من الموت ولكنهم ينتحلون الأعذار لتأخير القتال.

  1. والدليل على ذلك ما ذكره الله سبحانه في الآية التالية لما أعلمهم نبيهم أن الله سبحانه قد أرسل لهم طالوت ملكاً عادوا يقولون إنهم أحق بالملك منه، وإنَّه ليس غنياً، ومع ذلك فقد أخبرهم نبيهم أن الله سبحانه هو الذي اصطفاه لهذه المهمة وزوده بما يؤهله لذلك: قوة في العلم والجسم ولكنهم لم يقتنعوا.

  2. بل طلبوا آيةً على صدق كونه ملكاً عليهم، فأخبرهم نبيهم أن الآية على ذلك أن يرد الله عليكم (التابوت) العظيم لديكم والذي كان قد فقد منكم فيعود لكم بكلّ ما فيه من آثار لرسوليِ الله موسى وهارون – عليهما السلام – وتأتي به الملائكة بإذن ربها.

وهكذا لما حُصِروا فيما يطلبون وسدت عليهم سبل البحث عن معاذير استجابوا لنبيهم وساروا مع ملكهم للقتال في سبيل الله.

] أَلَمْ تَرَ[ كما ذكرناها من قبل.

]الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ[ وجوههم وأشرافهم وهو اسم للجماعة لا واحد له من لفظه، وقد استعمل في لغة العرب للدلالة على الأشراف ووجوه القوم لأن هيبتهم تملأ الصدور عادة غير عامة الناس.

]مِن بَعْدِ مُوسَىٰ[ أي من بعد وفاة موسى – عليه السلام -.

]ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[ جواب الطلب مجزوم للدلالة على تأكيدهم القتال إذا بُعث لهم ملك.

]قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا[ أي لعلكم لا تقاتلون إن كتب عليكم القتال، وفيه دلالة على أن نبيهم كان يتوقع منهم عدم الامتثال وعدم القتال.

]وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا[ أي طردنا من ديارنا، ومنعنا رؤية أهلنا وأطفالنا الذين لم يتمكنوا من الخروج.

]طَالُوتَ[ اسم أعجمي معرب، وهو ممنوع من الصرف للعجمة.

]قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ[ قد استنكروا أن يكون ملكاً عليهم واستدلوا على ذلك بأنه ليس من بيت الملوك وكذلك ليس غنياً. فأجابهم الله سبحانه أبلغ جواب فهو:

أولاً: هو الذي اصطفاه الله عليكم.

ثانياً: زاده الله بسطة في العلم لتمكينه من إحكام سياسة أموركم.

ثالثاً: زاده بسطة في الجسم، فهو مؤهل لقتال عدوكم بشدة وقيادتكم بحكمة وقوة.

وأولاً وآخراً فالأمر لله يضعه حيث يشاء فهو الذي يؤتي الملك لمن يريد.

]إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ وهنا يلاحظ أمران:

أ. إنًّ الله سبحانه لم يذكر في مؤهلات الملك (الغنى) الذي ذكروه، فهو أمر ثانوي والأولوية ليست له في مؤهلات الحكم، بل الكفاية فيما يوكل له من عمل حتى لو كان فقيراً، فيقدم على غير المؤهل للعمل وإنْ كثر ماله.

ب. إنَّ الله قدم العلم على الجسم لأهميته في القيادة إلى شاطئ الفوز والنجاة.

]إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ[.

لم ترد نصوص صحيحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حول هذا التابوت، والذي يفهم من سياق الآية واللغة أن ]التَّابُوتُ[ صندوق كان معظماً لديهم يبعث وجوده السكينة في نفوسهم فلا يخشون عدوهم عند القتال، وفي هذا الصندوق محفوظ لهم بقية من آثار موسى وهارون – عليهما السلام -.

وإنَّ هذا الصندوق كان مفقودا فجعل الله عودته إليهم دليلاً على صدق طالوت في كونه ملكاً أرسله الله عليهم.

وقد تمت آية الله فأحضرت الملائكة (التابوت) إليهم، فآمنوا وصدقوا أن طالوت ملك عليهم، وساروا معه لقتال عدوهم.

ولم تبين الآيات وكذلك لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية إحضار الملائكة للتابوت، ولا كيف حملوه ونقلوه ولا من أين، لذلك نقف عند ما ورد في النص ولا نتجاوزه إلى روايات غير مسندة في مثل هذه الحالات.

]التَّابُوتُ[ الصندوق، وهو من (التوب) أي الرجوع لأن الصندوق يرجع إليه ما يخرج منه، وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاجه مما أودع فيه. ووزنه على (فعلوت) وأصله  (توبوت) فقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها.

و(تابوت) لغة قريش، وهي التي كتب بها القرآن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأنصار تلفظها (تابوه) وهي التي سأل زيد بن ثابت عثمان بن عفان صلى الله عليه وسلم حول جواز كتابتها في المصحف بالهاء، فأعلمه عثمان صلى الله عليه وسلم بأن تبقى كتابتها كما هي مكتوبة في الصحف بلغة قريش. ووزنها حسب لغة الأنصار – كما قال الزمخشري – فاعول ويقول: “إن (فاعولاً) قليل الاستعمال، والأشهر لغة قريش على وزن فعلوت من التوب وهو الرجوع”صلى الله عليه وسلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *