مديرة قسم الأمن والطاقة في مركز نيكسون: حزب التحرير: «المقاتل الرئيسي» في حرب الأفكار
2006/06/30م
المقالات
2,374 زيارة
مديرة قسم الأمن والطاقة في مركز نيكسون:
حزب التحرير: «المقاتل الرئيسي» في حرب الأفكار
قدَّمت زينو باران مديرة قسم الأمن الدولي وبرامج الطاقة في مركز نيسكون هذا الموضوع خلال شهادتها أمام اللجنة المصغَّرة (حول الإرهاب والتهديدات والقدرات)، وهي اللجنة المتفرعة عن لجنة الخدمات العسكرية في الكونغرس الأميركي. وكان المقرر أن تلقيه خلال شهادتها أمام اللجنة في 16/2/2006 لكنها أجلت إلى 14/3/2006 حيث قدمتها أمام اللجنة المذكورة.
وقد خاطبت الكونغرس مذكرة إياه على حد تعبيرها (بأن حزب التحرير يشكل مجموعة من التهديدات للمصالح الأميركية، وهو يساهم في خلق تمايز وانفصال بين الغرب والمسلمين، ويسهم في بث روح العداء لأميركا والسامية)، وتضيف محذرةً الكونغرس من أن هذا الحزب هو (الحزب الوحيد الذي يتحدث عن الأمة والخلافة بمفهوم جامع لكل الأمة، وليس في الدولة أو الدول التي يدعو فيها مثل الجماعات الأخرى)، وأنه قد أحرز (تقدماً جدياً واسع الانتشار وخطيراً باعتباره “المقاتل الرئيسي” في حرب الأفكار).
ومن باب إعرف عدوك، أيها المسلم، وتدبَّر مخططات أعدائك لترد كيدهم في نحرهم، فإن الوعي تنشر بعض ما جاء في شهادة (زينو باران) المذكورة:
1- نشطاء الإسلام / تحدي الأيديولوجيات
بعد انقضاء أربع سنوات منذ بدء “الحرب الدولية على الإرهاب”، ما يزال العديد في الولايات المتحدة لا يعرفون من هم الأعداء، ناهيك عن تنظيماتهم وكيفية الرد على نشاطاتهم. وبالتالي من المستحيل الانتصار في هذا الصراع الطويل بدون فهم تام لطبيعة وتنظيم العدو على الطرف الآخر.
إن المشكلة الأساسية تكمن في الانتشار السريع لأيديولوجية معاكسة تماماً للنظام الرأسمالي الديمقراطي ولمفهوم الغرب للحرية. تستغل هذه الأيديولوجية بعض التعاليم الإسلامية بهدف دفع الأمة الإسلامية إلى إسقاط النظام العالمي الحالي.
إن الغرب آخذ بالانجذاب نحو معركة بين أيديولوجيتين متنافستين في العالم الإسلامي. يستفيد أنصار الأيديولوجية الأولى، الذين يرون أن بإمكان الإسلام التماشي مع الديمقراطية العلمانية مع الحفاظ على الحريات المدنية الأساسية، من دعم أغلبية الشعب الإسلامي ومن التراث الديني والتاريخي الثري للإسلام المعتدل. أما أنصار الأيديولوجية الثانية، فهم ملتزمون بتبديل النظام العالمي الحالي بنظام إسلامي عالمي، أو الخلافة، ومن أجل تحقيق هذا الأمر عليهم أن يشعلوا صراعاً بين الحضارات الذي من خلاله سيضطر جميع المسلمين اختيار الدين من جميع مصادر تحديد الهوية.
لقد تم التركيز خلال الأربع سنوات الماضية على نشاطات المنظمات الإرهابية المعروفة من أمثال القاعدة وحماس وحزب الله والجماعة الإسلامية، بينما تم إهمال أيديولوجياتهم ومفاهيمهم الدينية التي تتحدى الغرب. فالإرهاب ليس سوى وسيلة من الوسائل العديدة التي يستخدمها الإسلاميون. ومن أجل الحفاظ على التركيز خلال هذا الصراع الطويل، لا بد من الانتباه إلى الهدف السياسي الذي يطمح إليه هؤلاء الإرهابيون. أما التركيز فقط على المظاهر العنيفة لهذه الحملة السياسية سيزيد من احتمالية إطالة هذه الحرب ضد التطرف الراديكالي. بالمقابل، يجب أن يتم التركيز بتساوٍ على محاربة أيديولوجية التطرف وهؤلاء الذين يدعمونها. قال وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، في أكتوبر/تشرين أول 2003: إن السؤال: «هل نحن في صدد الفوز أم الهزيمة في الحرب الدولية على الإرهاب؟» يجب أن يطرح كالآتي: «هل نقوم باعتقال وقتل ومنع عدد من الإرهابيين أكبر من العدد الذي تخرجه وتجنده المدارس والشيوخ المتطرفين كل يوم؟» الجواب بالتأكيد لا.
ولكي نفهم بشكل أوضح كيف تمكنت الحركات الإسلامية السياسية أن تحصل على مركز قوي في الوقت الحالي، أود أن أشير إلى حالة مدروسة: وهي حالة حزب التحرير الذي أسسه القاضي الفلسطيني تقي الدين النبهاني عام 1953م… فقد رفض النبهاني جميع الأنظمة السياسية “الحديثة”. فبالنسبة له، تعتبر الرأسمالية نظاماً مستغلاً والديمقراطية علمانية. وقد أكد بأن الطريقة الوحيدة لإعادة بناء المجتمع الإسلامي على نهج الرسول هو عن طريق تحرير المسلمين من أفكار وأنظمة وقوانين الكفر واستبدالها بنظام دولة لا حدود لها ويقودها خليفة جديد.
ورأى النبهاني أن كلاً من الاشتراكية والرأسمالية مكروهتان حيث إنهما فشلتا بالاعتراف بأولوية الإسلام. وتبعاً لمعتقدات مؤسسه، اعتبر حزب التحرير سقوط الشيوعية خطوة إيجابية، ووجد أن العقبة الوحيدة أمام إقامة مجتمع إسلامي هو النظام الرأسمالي الديمقراطي الغربي. وبالرغم من كره حزب التحرير للأنظمة الموجودة في العالم الإسلامي، إلا أنه ليس معجباً بمحاولات الولايات المتحدة “ترويج الديمقراطية” حيث يعتبرها وسيلة غربية تعبر عن حقدهم الدائم تجاه الإسلام. فبالنسبة لحزب التحرير وأتباعه، “الحرب على الإرهاب” هي عبارة عن حرب على الإسلام.
إن حزب التحرير يكرس جهوده ليس للعمل المباشر بل للصراع الأيديولوجي. إن هدفه هو الإطاحة بالحكومات الإسلامية والغربية وإقامة الخلافة. إن حزب التحرير لا ينخرط بالنشاطات الإرهابية. بينما تشجع أيديولوجيته أتباعه للقيام بأعمال إرهابية. إن شبكات حزب التحرير العالمية ترسل مباشرة رسالة إلى المسلمين على أرض الواقع، كما وترسل هذه الرسالة باللغة الأم لكل دولة، وبالتالي استطاع الحزب أن يسيطر على المساحة الأيديولوجية في المجتمعات الإسلامية. لقد اعتبرت الجماعات الإسلامية حتى فترة وجيزة أن فكرة إقامة خلافة جديدة هي مجرد حلم، أما اليوم فإن أعداداً متزايدة من الأشخاص يعتبرونها كهدف جدي بعيد الأمد. وبعد عقود من التركيز على الوجود وعلى وحدة الأمة الإسلامية، بدأ حزب التحرير بإقناع المسلمين بأن هويتهم الأساسية تنبع من دينهم، وليس من عرقهم أو طائفتهم أو جنسيتهم.
وفي محاولته لإعادة إقامة الخلافة، يسعى حزب التحرير باتباع منهج الرسول محمد عندما أقام الدولة الإسلامية الأولى. فوفقاً لتفسير الجماعة، قام الرسول بذلك عبر ثلاث مراحل: أولاً بنشر الأفكار بصبر، ومن ثم بتنظيم أتباعه، ومن ثم تحرك للسيطرة على السلطة. وبنفس الطريقة يخطط حزب التحرير لعملية تدوم على ثلاث مراحل.
باختصار، يشكل حزب التحرير عدة تهديدات للمصالح الأميركية، وخاصة كونه يوفر التبريرات الفكرية والدينية للإرهابيين. ويساهم الحزب في عملية فصل المسلمين عن الغرب وتنميته للمشاعر المناهضة لأميركا وللسامية،. وإذا نجح حزب التحرير يوماً بالسيطرة على دولة معينة، فستكون النتيجة كارثية لتلك الدولة وللمصالح الأميركية بشكل عام.
إن هذه النتيجة ليست بعيدة عن الواقع حيث إن نفوذ الحزب آخذ بالتزايد بسرعة. وبالرغم من أن الحزب قد خاض حرب الأفكار لأكثر من نصف قرن إلا أنه قد أنجز مؤخراً تقدماً كبيراً، مستخدماً الأداة الأكثر حداثة: الشبكة العالمية. بالتأكيد إن إمكانية الوصول إلى المعلومات في الشبكة العالمية تلائم الحزب الذي ينفي شرعية وجود الحدود السياسية، فمن السهل الوصول إلى مواقع الحزب بسهولة من قبل المسلمين في كل مكان، وخاصة أولئك الذين يعيشون في مجتمعات قمعية.
على مدى عقود، كان حزب التحرير “الحزب السياسي الوحيد الذي يطمح إلى توحيد الأمة” على عكس فكرة توحيد المسلمين الذين يتبعون لدولة معينة. ولم يلقَ هدف إيجاد هوية إسلامية لا تعترف بالحدود الوطنية النجاح سوى مؤخراً. ولقد حقق حزب التحرير منذ بدء الحرب على العراق تقدماً كبيراً حيث كان المقاتل الأساسي في “حرب الأفكار”. وساعدت الهجمات على أفغانستان والعراق المتطرفين الإسلاميين إلى تحريك أتباعهم على أساس “أن المسلمين والإسلام يتعرضان لهجوم” وبالتالي من مسؤوليتهم اللجوء إلى الجهاد المسلح. وعندما قال الرئيس بوش إن “هذه الحرب حرب صليبية، وإنها حرب على الإرهاب، وإنها ستستمر لفترة”، بدت هذه الأقوال على مسامع المسلمين وكأن أميركا تشن آخر مرحلة من الحرب على الإسلام التي بدأت منذ العصور الوسطى. وقد تعزز مفهوم أن الولايات المتحدة تود تدمير الحضارة الإسلامية بعد مشاهدة الصور والأشرطة للهجمات الأميركية ضد المساجد ومواقع مقدسة أخرى في العراق.
إن الأزمة الأخيرة التي تلت نشر الرسومات الكاريكاتيرية قدمت فرصة استراتيجية للإسلاميين من أجل الادعاء بأنهم كانوا على حق، بما أن الغرب يشن بالفعل حرباً ضد الإسلام، فكيف من الممكن تفسير صورة للرسول محمد وهو يرتدي قبعة على شكل قنبلة مشتعلة الفتيل؟ إن بيان حزب التحرير الصادر في الرابع من فبراير/ شباط في لندن بعنوان “الدفاع عن شرف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): رسالة إلى المجتمع الإسلامي” يقول: هذا ليس عبارة عن حرية رأي… إن التمثيل المسيء للرسول النبيل بوضع قنبلة على رأسه هو إشارة واضحة مرة أخرى على وجود علاقة بين الإسلام “والإرهاب”…. الإساءة للقرآن في أبو غريب وغوانتانامو، والآن للرسول بإظهاره كإرهابي يؤكدان بوضوح حقيقة هذه الحرب. فلا علاقة لها بالأمن، بل هي هجوم على الإسلام؛ لأنه أصبح الآن يمثل البديل الوحيد للاستعمار في العالم الإسلامي الذي دام لعقود طويلة.”
هذه البيانات العالمية التي تصدر في بريطانيا، وهي حليف أساسي في الحرب ضد التطرف الراديكالي، تمهد لي الطريق للتطرق للنقطة الثانية: بأن أوروبا الغربية أصبحت ساحة المعركة المركزية لحرب الأفكار بين المسلمين المعتدلين والمسلمين المتطرفين.
2- أوروبا/ ساحة المعركة لحرب الأفكار
منذ السبعينات، أصبحت أوروبا أرض التكاثر للمتطرفين. إن الأئمة والنشطاء المتطرفين لا يستطيعون تطوير منظماتهم أو نشر أفكارهم في دولهم؛ بسبب السياسات الحكومية القمعية، وبالتالي انتقلوا إلى أوروبا. وهناك استغلوا الحماية التي يوفرها القانون الأوروبي-وخاصة حرية التعبير والتجمع- وقاموا بتجنيد عدد كبير من الأتباع في المدارس والمساجد. وهكذا، وعلى مدى ثلاثة عقود، غضت أوروبا النظر عما كان يحدث في جالياتها المسلمة.
إن المسلمين يشكلون اليوم حوالى 5% من سكان الاتحاد الأوروبي من أصل 460 مليون نسمة، ويمثلون أسرع مجموعة سكانية في النمو ضمن 25 دولة. ويتم الصراع في حرب الأفكار داخل هذه الأعداد المتزايدة من المسلمين والتي يفوز بها حتى الآن المتطرفون. لقد نجحوا بذلك ليس فقط لأن الحكومات فشلت بمحاربة صعود نشاطات الجماعات المتطرفة، بل كذلك لأن أوروبا فشلت بدمج المواطنين المسلمين في مجتمعاتهم. وتعترف الحكومات الآن بضرورة تطوير نماذج أكثر فاعلية لدمج المهاجرين، إلا أن هذا جاء في وقت أصبح يشعر فيه المسلمون ببعد متزايد عن المجتمعات التي تستضيفهم.
وبسبب الصعوبة التي واجهت أوروبا لدمج المهاجرين المسلمين لم يعد يشعر هؤلاء المسلمون بأي نوع من الانتماء ووجود الهدف، في حين أن الإسلاميين يتمكنون من توفير هذا الشعور لهم.
لطالما عمل صناع السياسة والمحللين الأمنيين في الغرب وأميركا بداخل نظام عاجز عن التعامل مع التطرف الديني. فهم يتعاملون مع مسلمين محافظين لا يتدخلون بالسياسة، ومع مسلمين متطرفين يعتبرون الديمقراطية الليبرالية أمراً محرماً ومصيره الفناء. كما ولطالما وجدت الحكومات نفسها عاجزة عن التحرك ضد المتطرفين الذين يعملون بحرية شبه مطلقة نظراً لتقنيات الأمن والقانون المتأخرة.
وعادةً ما يدور النقاش بأن صلب الموضوع وعلاجه لا يكمن في أوروبا، وبالتالي من غير المجدي التركيز على مستقبل الإسلام في أوروبا؛ لأن ذلك يرتبط بتطور الإسلام في الشرق الأوسط.
وإذا كان لا بد من أن يشمل أي إصلاح إسلامي الشرق الأوسط، فليس باستطاعة أوروبا أن تنتظر أن يأخذ هذا الإصلاح مفعوله تدريجياً، حيث إن هذا الإصلاح يسير ببطء شديد في الشرق الأوسط، وهنالك مشاكل طارئة يفرضها واقع التطرف الشديد لا تترك لأوروبا خياراً سوى تغذية ولادة إسلام أوروبي. إذاً التحدي أمام أوروبا يقع في تطوير ردود فعل للتهديد القادم من التطرف الإسلامي، وتفادي، في الوقت ذاته، اتخاذ رد سريع وقاسٍ يؤدي إلى تراجع العلاقات بين الأديان على المستوى العالمي.
3- توصيات حول السياسة
أ. مواجهة الراديكالية في أوروبا:
ما نحتاج إليه الآن هو منهج يؤدي إلى إظهار أفضليات التنوع الثقافي ويعمل على طريق ذي مسارين يسمح بتكوين إسلام أوروبي حقيقي. في المسار الأول، يتم تحديد حاجة المجتمعات الأوروبية لإعادة النظر في قيمها وقوانينها الأساسية، وكذلك الحاجة للدفاع عنهم بواسطة طرق ثقافية وتعليمية وقضائية وعسكرية والشرطة. أما المسار الثاني، فيركز على الاندماج ببناء ثقافة مبنية على الأسس الأوروبية كالديمقراطية والقانون وحقوق الإنسان. وفي هذا المنهج الجديد، على أوروبا أن تبتعد عن ماضيها الوطني وتسمح لوجود الفروقات الدينية، أو توسع مفهومها عن ماهية أن يكون الشخص أوروبياً. إن شعار المشروع الأوروبي يجب أن يكون كالآتي: “الوحدة في التنويع”.
إن تركيا تعتبر هامة جداً في محاولة التغلب على مشكلة رفض المسلمين للاندماج في المجتمع الأوروبي. ويستحق النظام التركي التنظيمي الوحيد للإسلام أن يتم فحصه للنظر في إمكانية وجود موافقة بينه وبين الإسلام الأوروبي. منذ أكثر من 80 عاماً، تعايش الإسلام التركي مع دولة علمانية، ويعود الفضل الكبير للدائرة الفريدة “رئاسة الأديان”. إن “رئاسة الأديان” هي المسؤولة عن 75 ألف مسجد في تركيا، إضافةً إلى جاليات دينية تركية مشتتة، وتتكفل بنشر تفسير معتدل للإسلام عن طريق برامجها التدريبية للأئمة وبعثاتها الدينية. يجب على جميع الأئمة من “رئاسة الأديان” أن ينهوا تعليمهم الإعدادي وأن ينجحوا بامتحانات ثقافية ولغوية، وبالتالي يحمون الأتراك من مخاطر الوعظ الراديكالي. إنه سيكون من المجدي إذا سمح لوزارة الأديان أن تساهم في إصلاح وتطوير الإسلام الأوروبي بفضل خبرتها المكثفة وخبرتها الدينية الغنية.
على سبيل المثال، يرى الإسلام التركي أنه لا يوجد أي تعارض بين تعاليم الإسلام ومبادئ الديمقراطية. وأعلن هاسي كاراسير، زعيم المنظمة التركية-الهولندية لشمال ميلي غوروش، متصدياً لهؤلاء الذين يدعون إلى الشريعة: “أنا أؤمن بالله كما أؤمن بالعدالة الهولندية، إن الدستور الهولندي هو شريعتي” من المهم للغاية لمستقبل أوروبا أن تصبح مثل هذه الأقوال أساسية في المناهج المسلمة.
ب. الصراع الأوسع
إن محاربة انتشار النشاط الإسلامي سينجح فقط إذا تمكن الغرب من احتواء قلوب وعقول المسلمين.
لقد تمكنت الولايات المتحدة (والغرب بشكل عام) تحقيق نصر خلال الصراع الأيديولوجي الأخير وخلال الحرب الباردة، بعد أن توصلوا إلى استراتيجية مستمرة مبنية على دراسة مفصلة للأيديولوجية الشيوعية وتكتيكاتها. كانت الاستراتيجية عبارة عن الإحاطة بالتهديد العسكري للعدو، وتقديم بديل أيديولوجي أفضل مبني على الحرية السياسية والفردية إضافةً إلى الازدهار الاقتصادي.
لا بد من الاعتراف بقدوم صراع مماثل آخر وأنه يتطلب استراتيجية مستمرة. ولكن، اليوم، الفرق هو أن الفئة المستهدفة على دراية تامة بالبديل الغربي وترفضه بشدة. يؤمن أكثر المسلمين -وليس فقط الإرهابيين- أنهم لن يصبحوا أبداً لاعبين متساوين في النظام الغربي. بل ويؤمنون أن “حرية وديمقراطية” أميركا ليست إلا خدعة لإيقاعهم في الفخ، كي تتمكن هذه الأخيرة من الحفاظ على سيطرتها العالمية.
إن المهمة الأولى للإحاطة بهذا التحدي هي حرمان الإسلاميين من إمكانية تكذيب الولايات المتحدة والغرب. وهذا ليس بالأمر السهل. لقد أصبحت مصداقية وسلطة أميركا وحلفائها الأخلاقية في الحضيض، بعد الحرب على العراق ومعاملة السجناء في أبو غريب وغوانتانامو. في الواقع، ربما ستستغرق عملية إصلاح صورة أميركا عقوداً، وقد تتطلب حملة أيديولوجية تركز على القيم المشتركة للعالمين الغربي والإسلامي.
إن أفضل الحلفاء في هذا الصراع هم المسلمون المعتدلون، ويجب إعطاؤهم مساحة سياسية كي لا يبقى الإسلام أسيراً في أيدي المتطرفين بينما يبقى المسلمون المعتدلون على الهامش. ليس بإمكان الولايات المتحدة ولا الدول الأوروبية أن تخوض معركة أفكار داخل الإسلام، ولكن بإمكانهم أن يدعموا المعتدلين الحقيقيين كي يستطيع هؤلاء، وكما قال الرئيس الإندونيسي الأسبق -عبد الرحمن وحيد- في مقال حديث: “نشر التفسير الصحيح للإسلام، وبالنتيجة إثبات عدم صحة الأيديولوجية المتطرفة”.
ومن أجل تمكين المعتدلين بأن يمسكوا بأنفسهم زمام الإسلام -والذي سيستغرق وقتاً ومالاً- من الضروري العثور على طرق لقمع نشاطات الإسلاميين ومنظمات المقاومة، ولكن دون التضحية بالحريات المدنية. ثم عليهم أن يجدوا طرقاً لحماية مجتمعاتهم ليس من الإرهاب فحسب بل من التحريض غير المباشر كذلك.
فيما يجب أن نستمر بحملتنا العسكرية ضد المتطرفين المسلحين، يجب أن نركز أيضاً على إزالة البنية التحتية الأيديولوجية لأعدائنا، وإلا لن يعم الأمن الشامل في المجتمعات الغربية.
http://www.nixoncenter.org/Baran/Baran-CongressTestimonyFeb06.pdf
2006-06-30