العدد 233 -

الـوعــي ــ العدد 233 ــ السـنة العشرون ــ جمادى الآخرة 1427هــ ــ تموز 2006م

مع القرآن الكريم: الآثار الدنيوية للحكم بما أنزل الله

مع القرآن الكريم:

الآثار الدنيوية للحكم بما أنزل الله

العز  والشرف

 

دوام النصر والفتح بقاء للعز والشرف، وكما لا ينال ذلك النصر إلا بنصر دين الله، فلا يطال هذا الشرف إلا بالاعتزاز بالانتساب لكتاب الله الذي به تشرف الأمة، وبه يعلو ذكرها. قال تعالى: ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) [الأنبياء 10]. قال ابن عباس (رضي الله عنهما) فيه شرفكم. فهذه الأمة لا تستمد الشرف والعزة إلا من استمساكها بأحكام الإسلام، كما قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله، أذلنا الله» أخرجه الحاكم. فعمر (رضي الله عنه) يكشف بكلماته تلك عن حقيقة سجلها التاريخ وشهدت بها الأيام، إنها حقيقة الارتباط بين حال الأمة عزاً وذلاً، مع موقفها من الشريعة إقبالاً أو إدباراً، فما عزت في يوم بغير دين الله، ولا ذلت في يوم إلا بالانحراف عنه، والله تعالى يقول: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ) [فاطر 10] يعني من طلب العزة فليتعزز بطاعة الله عز وجل كما يقول ابن كثير. فالعزة عند الله مصدرها، فمن أرادها فليطلبها من مصدرها ممتثلاً، ولينشدها هناك، فسيجدها كما وجدها المؤمنون الذين قال الله فيهم: ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [المنافقون 8] وهذه العزة كما كانت للمؤمنين من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي لمن يتبعهم على السبيل. يقول سيد قطب، رحمه الله، في ظلاله: «إن العزة ليست عتاداً صالحاً يستكبر على الحق ويتشامخ بالباطل، وليست طغياناً فاجراً يضرب في عتو وتجبر وإصرار… كلا، إنما العزة استعلاء على شهوة النفس، واستعلاء على القيد والذل، واستعلاء على الخضوع الخانع لغير الله، ثم هي خضوع لله وخشوع، وخشية لله وتقوى، ومراقبة لله في السراء والضراء».

إن الاعتزاز بالقرآن يتعدى التشريف إلى التكليف. وأهل الإيمان ليسوا بالخيار بين الاعتزاز بكتاب الله أو الاعتزاز بغيره، بل هم مسؤولون عن أخذهم هذا الكتاب بقوة، ورفعهم رايته بعزة، والله تعالى يقول لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ @ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) [الزخرف 43] أي خذ بالقرآن المنزل فإنه الحق الهادي إلى الصراط الذي فيه الشرف لك ولقومك، وسوف تسألون عن هذا القرآن، وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له كما يقول ابن كثير.

إن أمتنا اليوم تفتقد العزة إلى القدر الذي فقدته من دينها، ولن يعود لها هذا إلا بذاك… فيوم تعود العود الحميد إلى شريعته، فيومها ويومها فقط، تعود العزة إلى الأمة، وتعود الأمة إلى العزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *