العدد 349 -

السنة الثلاثون صفر 1437هـ – كانون الأول 2015م

أهل سوريا المسلمون هم الذين يقررون مستقبلهم لا المتآمرون عليهم في مؤتمر فيينَّا، وإن مستقبلهم في «دولة الخلافة الإسلامية»

بسم الله الرحمن الرحيم

أهل سوريا المسلمون هم الذين يقررون مستقبلهم

لا المتآمرون عليهم في مؤتمر فيينَّا،

وإن مستقبلهم في «دولة الخلافة الإسلامية»

لقد قامت الثورة في سوريا منذ ما يقرب من خمس سنوات، وجرى عليها تآمر دولي مجرم لئيم قادته وتقوده أميركا، وأعلنت بعض الدول موقفاً عدائياً صريحاً من الثورة، فأمدت النظام السوري بالرجال والمال والسلاح والخبراء، ودعمت موقفه الدموي من مثل إيران وروسيا، وهناك دول إقليمية تسعى لأن يكون لها يد في الحل لمصلحة أسيادهم في العمالة كتركيا وقطر والسعودية… ومن مهازل السياسة الدولية الإجرامية أن هذه الدول اجتمعت في جنيف من قبل، وتجتمع في فيينا اليوم من أجل أن تقرر نيابة عن الشعب السوري المسلم مستقبله ومصيره، ومن غير أن يقرر بنفسه أي بند من بنود الحل، بل كل المطلوب منه هو أن يكون شاهداً على ما تقرره هذه الدول عنه. ولعل أقرب مثال على ما نقول هو ما حصل في اجتماع (فيينا1) من حيث تغييب كل أثر لصوت المسلمين، وفي اجتماع (فيينا2) حيث قامت عملية وسخة جداً تهدف إلى شق صفوف المقاتلين من خلال الدعوة إلى تحديد من هو الإرهابي، ومن هو ليس الإرهابي… وهذا يفضح كيف تتدخل الدول الكبرى في صناعة الأنظمة العميلة، والأدوات والأساليب التي تستعملها لخدمتها في هذه الصناعة، ويفضح عمالة النظام السوري لأميركا، ويفضح كيف أن السفاح بشار إنما كان ينفذ أجندة سيدته أميركا في القمع؛ إذ لا يسمح للعملاء في مثل هذه الأوضاع أن يتصرفوا كما يريدون، ولأن مواجهة هذه الثورة تتطلب تجميع أدوات وأساليب المواجهة من تحضير الإعلام الدولي والإقليمي والمحلي، وتوزيع أدوار العملاء الآخرين المنتشرين في العالم والمنطقة، وتسخير المنظمات الدولية والإقليمية، وهذه خارج قدرة نظام الأسد على تحريكها بنفسه، ويفضح كيف أن أنظمة المسلمين تصنَّع تصنيعاً بعيداً عن شعوبها… وما يحدث اليوم من مؤامرة التسوية أكبر شاهد على ما نقول،؛ حيث يقرر الغرب وعلى رأسه أميركا، ومعه أذنابه من حكام المسلمين مصير أهل سوريا ومستقبلهم وشكل نظام حكمهم من غير أن يكون لهم أدنى رأي فيه!

 إن المسلمين، في كل بلادهم، مفروض عليهم أن يُحكموا بدساتير وأنظمة حياة علمانية، ومفروض عليهم أن يخضعوا لحكام عملاء للغرب أعداء لتوجهات الأمة، ومفروض عليهم أن يخضعوا لجيش يدين بالولاء للنظام والحاكم، ويضرب أي توجه ضدهما، ومفروض عليهم أن يتعاملوا مع وسط سياسي واقتصادي وإعلامي وثقافي شكَّله الغرب لهم… هذا هو واقع الاستعمار الغربي المفروض على المسلمين جميعاً، وهذا هو واقع نظام الحكم السياسي في كل بلاد المسلمين؛ لذلك لن يسمح الغرب للمسلمين أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم لا في سوريا ولا في غيرها.

ففي سوريا، لما لم تستطع أميركا أن تقضي على الثورة عن طريق عميلها، وأصبح عميلها مهدداً بالسقوط، وصارت محشورة في تأمين البديل، ووجدت نفسها أمام إرادة شعبية عارمة تطالب بإقامة الخلافة، وبناء على هذا الواقع راحت تلعب لعبتها في تصنيع حكم علماني، وفي الوقت نفسه ضرب وإسقاط المطالبة بالخلافة. فالخلافة هي الموت بالنسبة إليهم، فقد صرح مسؤولو الغرب وسياسيوه ومفكروه أنهم لا ولن يسمحوا بإقامتها في أي بلد من بلاد المسلمين. وهذا أمر بات مفضوحاً، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن دول الغرب هم أبعد ما يكونون عن إرادة الشعزب في اختيار مستقبلهم؛ من هنا فإن الغرب وعلى رأسه أميركا يمنع إرادة المسلمين في إقامة الخلافة في سوريا، بل ويمارسون عليها كل إجرامهم ومكرهم لمنعها.

وحتى الدول الإقليمية من غير استثناء هي ضد إقامة دولة الخلافة ولأكثر من سبب؛ ومن هذه الأسباب أن هؤلاء الحكام هم عملاء للغرب ويجب أن يسيروا على سياسة أسيادهم، وهم علمانيون يرون أن الإسلام ليس فيه نظام حكم، وينظرون إلى المسلمين على أنهم طلاب حكم منافسون لهم، ويرون أن دولة الخلافة ستقضي على حكمهم لأنها دولة أمة واحدة، ولأن وجود هؤلاء الحكام يشرذم الأمة، ولأن الإسلام أمر بقتل من يشق عصا المسلمين، ولأن هؤلاء الحكام يحكمون بغير ما انزل الله، ولا تشذ السعودية ولا إيران ولا تركيا ولا أي دولة أو أي حاكم من حكام المسلمين عن ذلك، بل هؤلاء أوجدهم الغرب، وأخذ منهم المواثيق لمنع عودة الإسلام إلى الحكم؛ لذلك هم في كل بلد يحكمونه يحاربون الإسلام السياسي فيه، ويلاحقون العاملين على التغيير ويتهمونهم بما يتهمهم به الغرب بالإرهاب والتطرف؛ لذلك هم يسيرون على طريقة أسيادهم في الحرب على الإسلام.

وفي مقابل محاربة الغرب لعودة الإسلام إلى مسرح الحياة، نراه يستعمل أساليبه الخادعة والتي لم تعد تنطلي على المسلمين، والتي يحاول أن يظهر فيها كذباً وزوراً أنه يحترم إرادة الشعوب وإرادة أهل سوريا في اختيار نظامهم العلماني المدني الديمقراطي التعددي.؛ ولكن لعبته هذه باتت واضحة مفضوحة. فما صدر حتى الآن من مواقف وتصريحات من مؤتمر جنيف إلى مؤتمر فيينا تشير كلها إلى هذا المنحى.

– فبالنسبة إلى النظام السياسي، فقد تم الاتفاق في مؤتمر جنيف على حكم مدني علماني تعددي. فهل كان هذا اختيار الناس أم اختيار كل من أميركا وروسيا اللتين كانتا راعيتيه. لقد تم الإعلان عن هذا البند في الوقت نفسه الذي كان يعلن فيه أن الثورة هي لله، وأن قائدها هو رسول الله. ثم في مؤتمر فيينا وقبله وبعده أعلن عن علمانية الثورة. وهذا ليس موقف دول الغرب الكافر فحسب، بل هو موقف حكام المسلمين كلهم بمن فيهم حكام السعودية وإيران وتركيا… الذين يدَّعون نفاقاً الحكم بالإسلام، والإسلام من حكمهم براء… فأين أُخذ رأي المسلمين في ذلك؟!. لقد جعلوا من الحكم الديمقراطي المدني العلماني التعددي في سوريا مطلباً دولياً، ويعملون على فرضه بعكس إرادة المسلمين.

 كذلك الحال بالنسبة إلى هيئة الحكم الانتقالية، فقد قرر مؤتمر جنيف أنها ستكون مشكَّلة من أعضاء في حكومة الأسد وأعضاء من المعارضة العلمانية الذين تم ويتم اختيارهم في الكواليس بحسب ولائهم للنظام العلماني لأميركا، وكلا هذين الفريقين من المعارضة لا يمثلون الناس. فالفريق الأول يمثل الأسد. أما الفريق الثاني فيمثل أميركا وليس له أي تأييد شعبي… وكل هذا يشير بشكل واضح أنه لم ولن يترك للمسلمين أي خيار. بل سيتركون لهم أن يذهبوا إلى انتخابات مُعلَّبة تسير بحسب دستور علماني مفروض عليهم، يختارون هم لإقراره لهم مجموعة من القانونيين العلمانيين، ومن ثم يطلبون من الناس أن يختاروا حكاماً اختاروهم لهم مسبقاً، وبعد كل هذه العملية القذرة سيصيحون أن هذه انتخابات ديمقراطية.

 هكذا تسوق دول الغرب الذئاب الشعوب كغنم… وهذا ما تدعو اليه ديمقراطيتهم الزائفة الكاذبة الظالمة الخاطئة. أما بالنسبة إلى بقاء الأسد أو عدم بقائه فهذا ليس لب المشكلة فقد تخلت أميركا وروسيا عن كثير من الحكام متى أصبح وجودهم يضرها ولا ينفعها. وما تداول موضوع بقائه أو ذهابه إلا من باب مساومة تجار السياسة الفجار على الرئيس البديل، ولكي يقبل المسلمون بأي بديل جديد إذا أرادوا أن يتخلصوا من السفاح بشار… ولا يخفى ما بخبَّأ في الأدراج من شخصيات ستلعب دوراً قيادياً انتقالياً من مثل فاروق الشرع ومناف طلاس وغيرهما.

– أما بالنسبة للنظام الأمني، فتسعى كل من أميركا وروسيا إلى الإبقاء على النظام الأمني مع تغيير سطحي يمس القشرة ولا ينفذ إلى اللب بحيث يتم التخلص من بعض الأسماء المحروقة ليحل محلهم من كانوا تحت أيديهم من النظام الأمني نفسه، من مدرسة الإجرام نفسها. ومهمتهم هي الحفاظ على النظام الجديد، وعلى قمع الناس الذين يرفضون الحل الأميركي، إنها ستكون المهمة نفسها التي كانت للجهاز الأمني السابق. وهذا البند أقروه في اجتماعاتهم ويعملون على فرضه بالمكر والخديعة، وبعيداً عن إرادة الناس.

– أما بالنسبة للجيش، فإن تشكيله سيكون على نفس طريقة تشكيل هيئة الحكم الانتقالية. إذ يطرحون أن تكون قياداته مؤلفة من قيادات عسكرية لم تتلطخ أيديهم بالدماء، من ضباط ما زالوا مع النظام، ومن الضباط الذين انشقوا ولكن لم يتورطوا في القتال، وهم سيختارونهم بعيداً عن المسلمين ليؤَمِّنوا أن لا يكون في الجيش أي ضابط يكون ضد النظام الجديد. أما الجنود فلا شيء يخيف منهم طالما أن مهمتهم تقتصر على تلقي الأوامر وتنفيذها. أما الفصائل المقاتلة فإنهم يخططون لأن تنخرط المعتدلة منها بالجيش الوطني الجديد، والتي لا توافق فهذه ستقاتل تحت مسمى محاربة الإرهاب، وهذا سيحول الصراع في سوريا إلى حرب داخلية باسم الحرب على الإرهاب… وهذا يعني أنه لن تضرب لا أميركا ولا روسيا تنظيم البغدادي قبل تهيئة المسرح لهذا المسلسل الدموي الجديد…

– أما المعارضة السياسية فهي ستتشكل كذلك من طرفين رئيسيين: معارضة الائتلاف التابعة بمجملها لأميركا، والتي تشكلت بعيداً عن إرادة الناس، ومعارضة هيئة التنسق الوطنية التابعة للنظام السوري التابع لأميركا. فمن هؤلاء سيتشكل المؤتمر الوطني أو الهيئة الوطنية التأسيسية التي سيكون لها دوران خطيران هما: إقرار الدستور الجديد، وسيضاف إليهم بعض القانونيين المتخصصين. والثاني أنهم منهم ستتشكل الحكومة الأولى، ومنهم سيتالف المجلس النيابي الجديد. وبهذا تمسك أميركا بالحكم الجديد… وبهذا لا يترك للمسلمين أي خيار، ومع هذا سيقال عن الحكم الجديد بأنه حكم ديمقراطي لأن الناس،في أي انتخابات معلبة مقبلة أو استفتاء، سيقولون (نعم) نفسها التي يقولونها من قبل زمن الأسد الوالد والولد…

وهكذا أيها المسلمون، نرى أن الغرب، وعلى رأسه أميركا، ومعها روسيا وإيران والدول الأخرى التي لم تمدكم بالسلاح اللازم لكم لكي تتخلصوا من السفاح، بل انصاعت لأوامر أميركا في عدم تسليحكم، هم من يقررون عنكم، فهل نسكت عنهم في إبعادنا عن ديننا وإبعاد ديننا عن الحكم؟! أم نقف ضدهم ونعلن أنها لله وحده، وأنها لن تكون إلا لله. وأن خاتمتها ستكون مسكاً، خلافة راشدة ثانية، تعيد سيرة الخلافة الراشدة الأولى، سيرة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وبهذا تتحقق لنا بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ستكون خلافة راشدة على منهاج النبوة، يرضى عنها ساكن السماء والأرض. قال تعالى:

(وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ).

وعلى الله قصد السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *