العدد 467 -

السنة التاسعة والثلاثون، ذو الحجة 1446هـ الموافق حزيران 2025م

الإسلام فكرة وطريقة

الاستاذ: أحمد القصص-لبنان

لقد قرّر الإسلام ما في الإنسان من طاقة حيوية تدفعه إلى الحركة والقيام بالأعمال التي يقوم بها في حياته، إذ بنى على وجودها ما تقتضيه من نظم ومعالجات. فقد قرّر وجود غريزة التدين الفطرية لديه، قال تعالى: (فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ٣٠)وقال عز وجل: (وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ ١٧٢)وقرّر وجود سائر الغرائز والحاجات العضوية فيه، فقال سبحانه: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَ‍َٔابِ١٤) .

هذه الحاجات العضوية والغرائز هي التي تشكل طاقته الحيوية، إذ يندفع طبيعيا إلى إشباعها. فلولا الشعور بالجوع والعطش لما اندفع الإنسان إلى الأكل والشرب، ولولا الشعور بالحاجة إلى الخالق المدبّر لما اندفع إلى التقديس والعبادة، ولولا الرغبة بالبقاء لما اتقى المخاطر والأهوال ولما تداوى من المرض ولما سعى إلى التملك، ولولا النزوع إلى بقاء النوع الإنساني لما أنشأ حياة عائلية ولما عطف على ذريته ووالديه وإخوته… فهذه الطاقة الحيوية الكامنة في الحاجات العضوية والغرائز هي منشأ السلوك الإنساني.

ولمّا كان إشباع الحاجات العضوية والغرائز يقتضي تحديد ضوابط سلوكية تحدد للإنسان الإشباع الصحيح المؤدي إلى سعادته وهناءته، وتُمَيِّزه من الإشباع الخطأ الذي يؤدّي إلى شقائه، أنزل الله تعالى خالق الإنسان وحاجاته وغرائزه الوحي مبينا للناس السلوك الصالح لإشباع هذه الحاجات. فبتبيانه عناصر الإيمان – وعلى رأسها الإيمان به سبحانه خالقًا ومدبّرًا وهاديًا – ومن ثم بتبيانه العبادات التي بها يعبد الإنسان خالقه سبحانه، من صلوات وصيام وحجّ وغيرها نظم إشباع غريزة التدين فيه، ونظم علاقة الإنسان بخالقه. وبتحريمه الزنا وتشريعه الزواج ومتعلقاته من أحكام البنوّة وصلة الأرحام وبر الوالدين وغيرها نظم إشباع غريزة النوع. وبتشريعه وجوه كسب المال وأحكام الملكية وتحريم السرقة وتحريم أكل أموال الناس بالباطل وحق الدفاع عن النفس والمال ولو بالقتل… نظم إشباع غريزة البقاء. وبإباحته الطيبات من الطعام والشراب وتحريمه الخبائث منهما نظم إشباع الحاجات العضوية… وهكذا. وإنّ ما سبق ذكره هو على سبيل المثال لا الحصر، فقد نظم الإسلام إشباع حاجات الإنسان الفطرية كلها دون أن يُغفل حاجة منها، على نحو متوازن بحيث لا تطغى غريزة أو حاجة على أخرى.

ولما كان إشباع كثير من الحاجات الفطرية في الإنسان يتطلب إنشاء علاقات مع غيره من بني البشر لتبادل ما اتفقوا عليه من المنافع ودرء ما يحذرون من الأخطار، كان لا بد للناس من إنشاء المجتمعات. وبالتالي كان تنظيم العلاقات في المجتمع جزءًا أساسيا من تنظيم إشباع الحاجات الفطرية للناس، إذ لولا هذه الحاجات لما وجدت المجتمعات أصلا ما يعني أنّ النظام الذي يرمي إلى تنظيم السلوك البشري لا بد أن يتخطى التوجيهات الفردية إلى مخاطبة الجماعة الإنسانية من حيث هي جماعة، فضلا عن التوجيهات التي يخاطب بها الفرد. كما يعني أيضًا أنّ هذا النظام لا يتأتى تطبيقه بمجرد مبادرة طوعية ممّن يريد من الأفراد التزام توجيهاته والانضباط بضوابطه. إذ تنظيم العلاقات في المجتمع لا يتأتى إلا بتقيد عموم أعضائه به من هنا أهمية أن يُشفع النظام الذي يُفترض به أن ينظم إشباع الحاجات الفطرية في الإنسان بطريقة تبيّن كيفيّة إيجاده في واقع الحياة وكيفية تنفيذه والحفاظ عليه. ومن هنا لم يقتصر الإسلام على الفكرة التي تبين وجه الإشباع الصحيح للغرائز والحاجات العضوية في الإنسان، بل تعدى ذلك إلى تبيان الطريقة التي بها يوجد المبدأ في واقع الحياة ومن خلالها يُنفَّذ في المجتمع ويُنشر في سائر العالم وبها يُصان، لذلك كان الإسلام «فكرة وطريقة».

فالإسلام الذي حرّم الزنى ضِمْنَ تنظيمه لغريزة النوع أردف هذا التحريم بتشريع حدّ الزنا، طريقةً لتنفيذ هذه المعالجة. وهو حين حرّم الخمر والسرقة والردّة وقذف المؤمنين والمؤمنات أردف هذا التحريم بحدود يعاقب بها من ينتهكها. وحين حرّم الاعتداء على النفوس والأبدان أردف ذلك بتشريع أحكام القصاص وكذلك شرع التعزير عقوبة على سائر المخالفات الشرعية. وحين أمر بتطبيق الشرع عمومًا بين الطريقة الشرعية الوحيدة لهذا التطبيق، وهي الدولة التي أمر بإقامتها وبيّن طريقة إقامتها وبيّن نظامها بالتفصيل في الكتاب والسنة. فكانت الأعمال التي قام بها الرسول منذ بعثته إلى قيام الدولة في المدينة مستهدفاً إقامة هذه الدولة هي الطريقة الشرعية الوحيدة والعملية لإقامة هذه الدولة في حال غيابها. ثم كانت الدولة التي أقامها الرسول في المدينة والتي اتسعت في عهده لتشمل جزيرة العرب النموذج العملي المحتذى لتطبيق الإسلام في سائر العصور، من حيث هو معالجات لمشكلات الإنسان وتنظيم غرائزه فكان مدى اقتفاء هذا النموذج معيارا لمدى النجاح في تطبيق هذه النظم والمعالجات والإسلام الذي أمر بحمل دعوته رسالة إلى العالم بين طريقة لحملها، وهي الدعوة والجهاد اللذان تتولاهما الدولة وتجعلهما أساس سياستها الخارجية والإسلام الذي أمر بمحاسبة الحاكم والتغيير عليه إن هو خالف نظام الإسلام أو أساء تطبيقه شَرَعَ طريقة لذلك، وهي وجوب إنشاء أحزاب سياسية على أساس العقيدة الإسلامية تراقب الدولة وحِس المجتمع وثقافته لتقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدعوة والتثقيف والمحاسبة. والإسلام الذي أمر بالدفاع عن رسالته وحمايتها، شرع طريقةً لذلك، جهاد الدفع الذي به يُدفع أعداء الأمّة والمبدأ ولم يميز الإسلام بين أحكام الفكرة وأحكام الطريقة من حيث وجوب التزامها والتقيد بها. فكلها أحكام شرعية أنزلها الله تعالى في كتابه وسنة نبيه ، وتندرج ضمن دلالة قوله تعالى: (ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ) ولا يجوز التفريق بالتالي بين أحكام الفكرة وأحكام الطريقة من حيث وجوب التقيد بها، فكلاهما دين يطاع بهما الله تعالى. قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ٢٠٨). والسلم في هذه الآية هو الإسلام كلّه. إنّ هذا التفصيل بين صنفي الأحكام – أي الفكرة والطريقة – لم يكن موجودًا لدى الفقهاء في معظم العصور، منذ عهد النبوة مرورًا بالقرون التي تلته. فلماذا نعتمد هذا التقسيم في ثقافتنا الإسلامية المعاصرة هذه؟ هذا سؤال وجيه جدًّا. بل حري بكل من يطلع على تقسيمنا هذا أن يطرح هذا السؤال. إذ على الرغم من أنه لا مشاحة في الاصطلاح، إلّا أنّه لا يجوز استحداث التقسيمات والمصطلحات الفكرية والفقهية دونما حاجة عملية، أي من أجل الترف الفكري فقط. وعليه نُجيب على السؤال بأنّ هناك أكثر من داع لهذا التقسيم وفيما يلي تبيان ذلك:

لقد سادت في القرنين الأخيرين لدى كثير من المثقفين المسلمين ومنهم فقهاء فكرة مؤداها أنّ الإسلام وضع أحكامًا تنظم سلوك الإنسان وتعالج مشكلاته، وهي أحكام لا بد من التزامها، وأنه اقترح كيفيات لتطبيق هذه النظم والمعالجات، وأن هذه الكيفيات كانت مناسبة في العصور الأولى للإسلام، وأنّه لا ضرورة لأن نلتزمها في العصر الحاضر، وأنّه يمكننا أن نعتمد طرائق وكيفيات أخرى جديدة أكثر توافقًا مع العصر الحاضر.

ففي أواخر عهود الخلافة العثمانية استجدت آراء لم يعرفها السابقون طيلة العصور الماضية. فقد أجاز بعضهم استبدال عقوبات تعزيرية بالحدود الشرعية، فصدر قانون الجزاء العثماني الذي عطل الحدود وأحلّ مكانها عقوبات تعزيرية، بذريعة أن مقصد الشرع هو منع ارتكاب المحرّمات وأنّ الحدود هي وسيلة إلى ذلك المنع فلا ضير بالتالي في استبدال عقوبة بأخرى، ما دامت الغاية هي ردع المخالف.

وقد تمادى الكتاب والمؤلفون آنذاك في ترديد الكلام على نظرية مقاصد الشريعة، والتي مفادها أنّ الله تعالى جعل للأحكام التي شرعها مقاصد، لأجلها شرعت هذه الأحكام، وأنّ هذه الأحكام تدور مع مقاصدها وجودًا وعدمًا، ورأوا بالتالي أنّ الاهتمام يجب أن ينصب على المقاصد لا على الأحكام ذاتها، الأمر الذي أدى إلى التفريط بالأحكام بذريعة مراعاة المقاصد والحقيقة أن الذين قالوا بهذه النظرية وقعوا في أخطاء عدّة، ثمّ ضاعف المتأخرون والمعاصرون خطأها بعد أن أهملوا الضوابط والحدود التي التزمها أصحاب هذه النظرية الأوائل. أوّل هذه الأخطاء أنهم خلطوا بين العلة الشرعية التي جعلها الشارع الحكيم باعثًا على تشريع الحكم وبين المقصد من الحكم، فالعلة وصفٌ بَنى الشارع الحكيم عليه الحكم وعلقه به بحيث يدور الحكم مع العلة وجودًا وعدمًا فيوجد بوجودها ويرتفع بارتفاعها أما المقاصد فقد توخّى الشارع تحقيقها من الأحكام دونما توقيف الأحكام عليها، أي دون أن يجعل لها تأثيرًا في الأحكام أو تحكما بها، إذ قد يتخلّف المقصد دون أن يعني ذلك إسقاط الحكم، على خلاف العلة الشرعية التي لا وجود للحكم دون وجودها. وثانيها أنهم توهموا أن بإمكانهم معرفة مقاصد الأحكام ولو لم يدلّ عليها دليل شرعي. وثالثها أنهم توهموا أنهم مخوّلون وضع الأحكام التي تحقق المقاصد الشرعية دونما حاجة إلى دليل شرعي، بل حتى لو أدّى بهم الأمر إلى إسقاط الأحكام التي شرعها الشارع تحقيقًا لتلك المقاصد، بذريعة أنّ الواقع المستجد يتطلب تطوير الأحكام وعدم الجمود على المناهج القديمة، وبذريعة المقولة التي روجوها من أنّه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان وزعموا أنّها قاعدة شرعية.

وفي الواقع الحالي الذي نعيشه منذ غياب الدولة الإسلامية وخروج الأمة من دائرة الحياة الإسلامية وتحت ضغط الثقافة الغربية والأنظمة السائدة والهجمة المنظمة على أحكام الإسلام، انهزم الكثير من المثقفين المسلمين بمن فيهم دعاة لاستئناف الحياة الإسلامية أفرادًا وجماعات أمام هذا الضغط، وخضعوا لكثير من الأطروحات التي قُدِّمت بديلًا عن أحكام الإسلام، ولا سيما المتعلقة بأحكام الطريقة. فسادت مقولة أنّ الإسلام لم يشرع نظامًا مفصلا للحكم، وأنه لا ضير بالتالي في أن نعتمد أي نظام وضعي للحكم يكفل الشورى والعدالة، فانفتح الباب بذلك أمام قبول النظام الديمقراطي بأشكاله المتعدّدة، الجمهوري منها والبرلماني والوزاري والملكي الدستوري… كما سادت مقولة أنّ الجهاد اعتمد في الماضي حين اقتضته الأعراف الدولية وضعف وسائل الاتصال، أما اليوم ومع رسوخ فكرة حق الشعوب في تقرير المصير ومع تطور وسائل التواصل والاتصال والإعلام فإنّه ما من مسوّغ لحمل الدعوة الإسلامية من طريق الجهاد، وأن الجهاد بالتالي بات مقبولاً فقط في حالة ردّ العدوان وانتشر بين العاملين لإعادة الدولة الإسلامية القول بأن الإسلام لم يُلزمنا طريقةً محدّدة لإقامة الدولة الإسلامية، وأن الأعمال التي قام بها الرسول توصلا لإقامة الدولة إنما هي أساليب واجتهادات وتجارب بشرية لا تُلزمنا بشيء، دون أن يلحظوا الفرق البين بين الأعمال التي قام بها النبي وجوبًا بأمر من الله تعالى وتلك التي قام بها على وجه الإباحة اختيارًا للأساليب والوسائل المحققة للغرض الشرعي. فراحوا يتوسلون مناهج للتغيير تخالف طريقة الرسول ، فتارة اعتمدوا العمل المسلح من دون ضوابط، وتارة أخرى توسلوا الديمقراطية والمشاركة في السلطة التي تحكم بغير ما أنزل الله، وتارة ثالثة اعتمدوا الأعمال الخيرية وسيلة لاستقطاب الأتباع والمؤيدين… بل لقد توصل البعض إلى القول بأن بالإمكان تطبيق المعالجات الإسلامية دونما حاجة للدولة الإسلامية، فالوعظ والإرشاد كفيلان بترغيب الناس بالتزام العبادات والواجبات والمندوبات وتنفيرهم من المحرَّمات والمكروهات والمعاهد والمدارس والجامعات الإسلامية الخاصة كفيلة بتعليم المسلمين الثقافة الإسلامية وعلوم الإسلام والأوقاف والجمعيات الخيرية وصناديق الزكاة الطوعية كفيلة بسد حاجات الفقراء والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية تطبق أحكام الأموال والاقتصاد في الإسلام وتؤمن المعاملات الإسلامية للمستثمرين المسلمين والمحاكم الشرعية قائمة لضبط المعاملات الاجتماعية الأحوال الشخصية) وفق أحكام الشرع الإسلامي. ويمكن للمسلمين أن يتوافقوا على فقهاء أو هيئات فقهية يحكمونهم عند وقوع المخاصمات ووسائل الإعلام والاتصالات الحديثة من فضائيات وشبكة إنترنت وغيرها كفيلة بحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم.. وغير ذلك من الدعاوى التي تنزع من الإسلام سمة السيادة التي أرادها له الله سبحانه وتعالى حين قال: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ٩) والتي بقوله: «الإسلام يعلو ولا يعلى». كما أن هؤلاء قصدها النبي غفلوا – أو ربما تغافلوا – عن كون الأنظمة التي تطبقها السلطة في المجتمع تتحكّم إلزامًا بعلاقاته فتطبعها بطابعها، وتلعب الدور الأكبر في تشكيل هوية المجتمع وطريقة عيشه. بل إنّ تلك المؤسسات التي يؤسسها هؤلاء الواهمون من خيرية وتعليمية ومالية وإعلامية لا تملك قابلية الوجود والحياة إلا بإذن تلك الأنظمة ووفق القوانين المرعية الوضعية وسياسات الحكّام الذين نُصبوا لرعاية مصالح الدول الكبرى وتعميم ثقافتها وطريقتها في العيش ونسي هؤلاء – أو تناسوا – أنه ما من نظام للحياة والمجتمع يمكن أن يطبق إلّا من خلال السلطان والحكم، وأنه لا يتأتى أن يتعايش نظامان في مجتمع واحد، ولا سيما حين يكون أحدهما الإسلام. ومن هنا كانت أهمية تبيان أنّ الإسلام ليس مجرّد توجيهات روحية وسلوكية وخلقية يلتزمها من شاء الناس طوعًا دونما التفات إلى النظام المهيمن على حياة الناس في المجتمع، بل هو نظام للحياة والمجتمع والدولة، يتضمّن معالجات لمشكلات الإنسان الناشئة من طاقته الحيوية والعلاقات التي تطلبتها تلك الطاقة، كما يتضمّن طريقةً تُبيِّن للذين اعتنقوا هذا النظام كيفية تنفيذه ونشره وصيانته.

خلاصة الكلام، أنّ العقيدة التي أعطت فكرة كلية عن الحياة الدنيا وما قبلها وما بعدها وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها، فحلّت

للإنسان العقدة الكبرى، إضافة إلى الأحكام الشرعية التي نظمت شؤون الإنسان وعالجت مشكلاته من حيث هو إنسان، هي التي عنيناها بمصطلح أحكام الفكرة. أمّا الأحكام التي شرعها الإسلام طريقة لتطبيق هذه المعالجات في واقع الحياة والمجتمع ولنشرها في العالم وللمحافظة عليها والدفاع عنها ، فهي التي عنيناها بمصطلح الطريقة. فأحكام العبادات التي تنظم إشباع الفطرة المتدينة لدى الإنسان، وأحكام النظام الاجتماعي التي تنظم علاقات الأسرة واجتماع الرجل بالمرأة وما ينتج عن هذا الاجتماع من علاقات، وأحكام النظام الاقتصادي التي تبيّن أحكام الملكية وتنظم العلاقات الاقتصادية، وأحكام المطعومات والملبوسات والآداب والأخلاق… هي أحكام الفكرة. أما الدولة الإسلامية وأجهزتها ونظام الحكم فيها والأحكام المنوطة بها كإنشاء المدارس وبيت المال ووسائل الإعلام وإقامة المحاكم وأحكام العقوبات من حدود وقصاص وتعزير، والسياسة الخارجية وأحكام الجهاد… فهذه كلها من أحكام الطريقة وكذلك وجوب إنشاء الأحزاب السياسية وما يناط بها من رقابة على فكر المجتمع وحسته ومحاسبة الحكّام وأعمال الدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تقوم بها الدولة والأحزاب كلها من أحكام الطريقة.

وعند التدقيق في كل من أحكام الفكرة والطريقة نجد أن بينهما فرقًا يميز كلا منهما من الأخرى. فأحكام الفكرة إذ شرعت لتنظيم شؤون الإنسان كان مطلوبًا شرعًا التقيد بها وتنفيذها لذاتها. أما أحكام الطريقة فإنّها إذ شرعت طريقةً لتنفيذ أحكام الفكرة ونشرها والمحافظة عليها، فإنّ القيام بها ليس مطلوبا لذاتها، فلا يجوز القيام بها دون مراعاة تحقيق نتائجها. بل يجب أن يقام بأحكام الطريقة على النحو الذي يؤدّي إلى تحقيق الغاية التي شرعت لأجلها وهي جعل أحكام الفكرة مطبقة في الواقع – وإن كان من الممكن والمتصوّر تخلّف هذه النتائج في بعض الحالات.

 فالدولة الإسلامية ليست مطلبًا لذاتها وليست منتهى ما يجب على المسلمين تحقيقه بل هي طريقة لرعاية شؤون الناس، أي لتطبيق الإسلام في المجتمع وحمله رسالةً إلى العالم. لذلك يجب أن يراعى في إقامتها وتشكيل أجهزتها التي حددها الشرع وفي السياسة التي تنتهجها حُسن تطبيق النظام الإسلامي وحُسنُ حمل الإسلام رسالة إلى .العالم. ومن أجل ضمان حسن سير هذه الدولة والحفاظ على دورها الذي تقوم به أوجب الشرع على المسلمين أن يؤدوا واجب النصح تجاهها، بل أن يبادروا إلى محاسبتها كلّما دعت الحاجة، إذ هي وكيلة عنهم في تطبيق الإسلام وحمل رسالته. ولم يقتصر الشرع على جعل هذه المحاسبة طوعية أو فردية، وإنما أوجب على المسلمين أن ينشئوا حزيًا سياسيًا واحدًا على الأقل، اختصاصه وعمله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى :(وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤) . قال الإمام ابن كثير في تفسيره للآية: )والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمَّة متصدّية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من بحسبه». ويأتي في مقدمة هذا الواجب أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، لما يترتب على استقامة الدولة من خير عميم وما يترتب على انحرافها من شرّ وفساد عريضين، قال رسول الله :«أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».

وعليه فإنّ التكتلات السياسية التي تقوم على أساس العقيدة الإسلامية، لم يأمر الشرع بإقامتها لذاتها، بل هي من أحكام الطريقة التي شرعت لغيرها، سواء في حال وجود الدولة الإسلامية أو في حال غيابها .

أما في حال وجود الحياة الإسلامية في ظل الدولة الإسلامية فإنّ عمل هذه التكتلات يكون مراقبة الحكّام ونصحهم ومحاسبتهم كلّما قصروا أو أساؤوا أو ظلموا ، والقوامة على ثقافة المجتمع وحسته، حرصا على استمرار تشكله بالثقافة الإسلامية ومشاعرها وتحسبًا من تسلّل أي من المؤثرات الثقافية والحضارية الغريبة عن الإسلام إلى العرف العام وبالتالي إلى الرأي العام والعلاقات المجتمعية، إذ بقدر ما يتأثر المجتمع الإسلامي بالأفكار والعواطف غير الإسلامية يختل عيشه الإسلامي ويتزحزح عن الحياة الإسلامية، والتاريخ الإسلامي خير شاهد على هذه القاعدة.

وأما في حال انعدام الحياة الإسلامية كما هو واقع الأمة اليوم – فإنّ المفترض في هذه التكتلات وما تقوم به من أعمال فكرية وسياسية أن تكون الطريقة الشرعية العملية لاستئناف الحياة الإسلامية من طريق إقامة الدولة الإسلامية. لذلك فإنّ ما تنفّذه الكتلة من أحكام الطريقة التي دلّت عليها الأدلة الشرعية، ابتداء من إنشاء هذه الكتلة ومرورًا بتكوين حلقاتها وعملية التثقيف فيها ومخاطبة المجتمع ومصارعة الأفكار غير الإسلامية ومكافحة الحكام سياسيا…. وصولاً إلى طلب النصرة لإقامة الدولة الإسلامية، هذه الأعمال كلّها لا يجوز أن يقام بها لذاتها، بل يجب أن يراعى عند القيام بكل منها تحقيق الأهداف التي شرعت لأجلها، وإلّا كان تنفيذ هذه الأحكام تنفيذًا شكليًّا لا طائل منه، بل مضيعة للوقت. فالكتلة يجب أن تكون كتلة حقيقية لا شكلية، وهذا لا يتأتى إلا بأن تتكوّن بثقافة ومنهج تتبناهما ويلتزمهما كلُّ أعضائها دون استثناء، وبأن يكون لها بنية إدارية تضبط سيرها نحو تحقيق الأهداف وتكوين الحلقات والتثقيف فيها يجب أن يراعى فيهما تحقيق الهدف الذي لأجله

وجدت، وهو تكوين الشخصيات الإسلامية وحملة الدعوة الخلَّص والخطاب الجماهيري يجب أن يراعى فيه تحقيق الهدف الذي شرع من أجله، وهو تغيير العرف العام ومن ثم تشكيله وفق المفاهيم الإسلامية توصلا إلى الرأي العام الإسلامي. والكفاح السياسي يجب أن يراعى فيه تحقيق الهدف الذي من أجله شرع، وهو كشف خطط الهيمنة الاستعمارية وفضح خيانة الحكام ومخالفتهم للشرع وإسقاط شرعيتهم الزائفة وطلب النصرة يجب أن يراعى فيه تحقيق الغاية التي من أجلها شُرع، وهو إيصال الإسلام إلى التطبيق العملي أي إلى سدة الحكم والسلطان.

والجهاد الذي هو من أجَلَّ أحكام الطريقة وأعظمها أيضًا لا يقام به لذاته، بل يراعى في القيام به تحقيق الغايات التي شرع من أجلها، كدفع العدوّ الكافر عن الأرض الإسلامية، أو فتح أرض هي دار كفر من أجل تحويلها إلى دار إسلام، أو كسر شوكة العدو اتقاء لخطره أو تمهيدًا لقهره، أو إرهابه لردعه عن الاعتداء على الأمة ومصالحها… قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ) ، وقال سبحانه: (وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞوَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ)، وقال عزّ وجلّ: (وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ٧٥).

وأحكام العقوبات من حدود وقصاص وغيرها إنما شرعت من أجل ردع المخالفين وسواهم ممن تسوّل لهم أنفسهم اقتراف الجرائم والمنكرات والمخالفات، قال تعالى: (وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٧٩) ، وقال عز وجل: (ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ٢) ، فأمر تعالى بأن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين تحقيقاً للغاية التي من أجلها شرع الحد إذ يكونان عبرة لغيرهما ممن تسوّل لهم أنفسهم ارتكاب الفاحشة.

إلا أن قولنا إنّ الإسلام هو فكرة وطريقة، وإن أحكام الطريقة هي أحكام شرعية ملزمة، لا يعني أنّ الإسلام شرع لكل حكم من أحكام الفكرة حكمًا تفصيليا لتبيان طريقة التنفيذ. وإنما يعني أنّ أحكام الطريقة التي شرعها الإسلام هي أحكام ملزمة لنا كسائر الأحكام الأخرى، أي كأحكام الفكرة، وأنه لا يجوز التفريط بها بذريعة أنها أحكام شرعت لغيرها لا لذاتها، أو بدعوى جواز تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان.

وعليه فإنّه حين يشرع الشرع حكمًا من أحكام الفكرة دون أن يشرع طريقة تفصيلية لتنفيذه، فإنّ المسلمين مخوّلون اختيار «الوسائل» و«الأساليب» الكفيلة بتنفيذ هذا الحكم على الوجه المطلوب. ومن تأتي أهمية التمييز بين «الطريقة» وبين «الوسائل والأساليب». فأحكام الطريقة أوجبها الشرع ودلّت عليها الأدلة الشرعية، فيجب على المسلمين التزامها، ولا خيار لهم في أخذها أو عدم أخذها. أمّا الوسائل والأساليب فهي أشياء وأفعال مباحة دلّ الدليل الشرعي على إباحتها لا على وجوبها، بحيث يختار المسلمون الأوفق منها لتنفيذ أحكام الفكرة والمثال خير وسيلة للإيضاح

لقد فرض الإسلام على مالكي نصاب الزكاة أن يؤدوا زكاة أموالهم، وجعل الدولة طريقة لجمع أموال الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية، قال تعالى: (خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا)بصفته رئيسا للدولة أن يحصل من المسلمين زكوات أموالهم. إلا أنّه لم يبيّن كيفية تفصيلية لجبايتها، فيجوز للدولة أن تعتمد أساليب ووسائل يبيحها الشرع لتنفيذ هذا الحكم الشرعي، ولذلك اختلفت الأساليب والوسائل بين عهد الرسول وعهد من أتى بعده، واستجدت الوسائل والأساليب وتطوّرت مع تبدّل العهود، ولعل ما فعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب له بإنشاء الدواوين كان خطوة نوعية في هذا المجال.

ومن الأمثلة على ذلك أيضًا أنّ الإسلام جعل البيعة طريقة لتنصيب الرئيس العام للمسلمين، وهو الخليفة، وهي طريقة شرعية وحيدة ملزمة للمسلمين والبيعة هي عقد بالتراضي بين المسلمين والشخص المبايع على الحكم، لرعاية شؤون الناس داخليا وخارجيا بالشرع. فلا يجوز لأحد أن يتولى الخلافة بمحض الغلبة أو ولاية العهد أو غير ذلك، فالبيعة التي شرعها الإسلام طريقةً لتنصيب الخليفة تجعل السلطان للأمة إلّا أنّ هذه الطريقة لم تتضمن تفاصيل في كيفية تنفيذها، لذلك اختلف الشكل والأسلوب بين كل من الخلفاء الراشدين، مع إجماع الصحابة على شرعية بيعتهم جميعًا).

 وفي عصرنا هذا يمكن أن تُعتمد أساليب ووسائل متعدّدة لتنفيذ اختيار الخليفة ومبايعته فيمكن أن ينوب عن الأمّة وكلاء منتخبون عبر صناديق الاقتراع، وهم أهل الحل والعقد أو مجلس الأمة، ويمكن أن تباشر الأمة هذا الاختيار بنفسها عبر صناديق الاقتراع، ويمكن أن توزّع العملية بين الأمة ووكلائها بأن يتولى مجلس الأمة حصرالمرشحين ثم تختار الأمّة بالاقتراع المباشر واحدًا من الذين حصرفيهم الترشيح ).

و من الأمثلة على الفرق بين الطريقة وبين الوسائل والأساليب:

 أنّ الكتلة السياسية التي تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية مأمورة بمخاطبة المجتمع ومكافحة الحكام سياسيًا ، وهذه من أحكام الطريقة الملزمة التي تندرج في طريقة إيجاد الحياة الإسلامية، إذ ألزمها الرسول بنص القرآن إلّا أنّ الأدلة الشرعية لم تبيّن كيفية تفصيلية للجهر بالدعوة والكفاح السياسي، فيجوز اختيار الوسائل والأساليب المباحة التي تكفل تنفيذ هذين الواجبين.

فتعددت أساليب مكة، الرسول في بين الوقوف على جبل مخاطبًا الناس، والخروج في مسيرة منظمة في أحياء مكة، ومخاطبة الناس في الأسواق والأندية وعند الكعبة… وفي عصرنا هذا يمكن اعتماد الخطب والمحاضرات والمؤتمرات والفضائيات والإذاعات وشبكة الإنترنت ونشر الكتب والمجلات والنشرات والمسيرات والمهرجانات… إذ كلّها وسائل وأساليب مباحة يمكن توسلها لتنفيذ واجب مخاطبة المجتمع والكفاح السياسي.

خلاصة الكلام أنّ الإسلام هو مبدأ قوامه الفكرة والطريقة. فأما الفكرة فهي العقيدة وكل ما يلحق بها من أفكار وأخبار، وما انبثق منها من الأحكام التي جاءت تنظم سلوك الإنسان من حيث هو إنسان.

وأما الطريقة فهي الأحكام التي جاءت تُبيِّن كيفية تنفيذ هذه المعالجات في واقع الحياة لإنشاء مجتمع يحيا حياة إسلامية، وتبين كيفية نشر المبدأ في سائر العالم لضمّ سائر البشرية إلى المجتمع الإسلامي، وتُبيّن كيفية الحفاظ على المبدأ وصيانته والدفاع عنه.

 وأما الوسائل والأساليب فهي الأشياء والأفعال المباحة التي يجوز للمسلمين اعتمادها كيفيّةً لتنفيذ الأحكام التي لم يبيّن الشرع كيفية محدّدة لتنفيذها، فلا يجب التزام أسلوب معين أو وسيلة معينة، بل يجوز اختيار الأنسب والأيسر والأوفق بينها لتنفيذ الأحكام، شريطة أن لا تكون بديلا عن أحكام الطريقة وأن تكون مما دل الدليل الشرعي على إباحته. قال تعالى: (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٣١) .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *