العدد 467 -

السنة التاسعة والثلاثون، ذو الحجة 1446هـ الموافق حزيران 2025م

خطر الفكر النسوي ومؤسساته على الأسرة والمرأة

قد انتشرت فكرة النسوية اليوم في كل أنحاء العالم، بما في ذلك العالم الإسلامي، مع شعارات المساواة بين الجنسين، ومكافحة كره النساء (الميسوجينية)، ورفض النظام الذكوري وعلاقات القوة، وبالتدريج بدأت الناشطات النسويات في العثور على مكان لهن بين النساء المسلمات. وقد استجاب كثير من حكام المسلمين بشكل إيجابي للحركة النسوية وجعلوا أفكارها جزءًا من سياسة الدولة.

ففي الأردن، على سبيل المثال، وافق مجلس النواب في نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2022 على التعديلات الدستورية. وورد في المادة السادسة: «الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين». وكانت المادة الدستورية السابقة تشير ببساطة إلى «المواطنين الأردنيين» دون مزيد من التفاصيل. ويأتي هذا التعديل متوافقا مع الهدف الرسمي للحكومة لتحقيق المساواة بين الجنسين بحلول عام 2030.

كان انتشار الأفكار النسوية في العالم الإسلامي بالنسبة للنسويات والدول الغربية أمرا في غاية الأهمية والإستراتيجية، لأن عدد النساء المسلمات في جميع أنحاء العالم نحو 800 مليون، حيث تعمل بعض المنظمات النسوية في الشرق الأوسط، ومعظمها في آسيا والهند. ولا شك أن انتشار هذه الشبكة النسوية في العالم الإسلامي لا يمكن فصله عن تراجع فهم الأمة للإسلام. فتراجع الفكر الإسلامي بين الأمة يسهم في تزايد سوء معاملة المرأة بدلاً من حماية المرأة والعناية بها، بل إنه يؤدي إلى نشوء ممارسات كره للنساء وممارسات ظلم من الذكور للإناث ، الأمر الذي لا علاقة لها بالإسلام البتّة، وبعض هذه الممارسات مختلط مع العادات والثقافة المحلية التي تُخلط بالتعاليم الإسلامية وتنسب إليها زورا، وهذا ما يجعل المرأة تعاني.

 إلى فترة قريبة كان لا يزال في عدد من البلدان الإسلامية حظر على التحاق النساء بالمدارس والجامعات، كما يُحظر على المرأة العمل في القطاع العام، مثل العمل في التعليم، أو الأسواق، أو العمل في الخدمة المدنية، أو المشاركة في الأنشطة السياسية، وما إلى ذلك. وقد أطّر الحكام الغربيون والأمم المتحدة والنسويات هذه الحقائق لتصوير مدى سوء معاملة الإسلام للمرأة، وأن التعاليم الإسلامية تحتوي على كره النساء، وأن الإسلام يبرر النظام الذكوري، ويجعل الرجل يسيطر على المرأة، بحيث كانت مكانة المرأة غير مساوية لمكانة الرجل.

وقد أدّى هذا التراجع في فهم الإسلام إلى رغبة البعض في الابتعاد عن التعاليم الإسلامية، والشعور بأن الإسلام ليس موطنًا آمنًا للمرأة، وشكل لديهم وجهة نظر بأن الإسلام صنع ثقافة النظام الذكوري، وكره النساء، وعلاقات القوة، والتحيز الجنسي. ففي نهاية المطاف، بدأت المرأة والمجتمع يقبلون الأفكار النسوية حتى المطالبة بالمساواة بين الجنسين كما برمجتها النسويات.

وقد لاقت هذه الثورة النسائية في العالم الإسلامي استجابة من جانب الجماعات النسوية في الغرب، كما تردد صداها في مختلف أنحاء العالم، واستُخدِمت حالات العنف ضد المرأة، كما هو الحال في إيران وأفغانستان وبلاد إسلامية أخرى، لشنّ حملة ضد الإسلام، كما رفعت النسويات أسماء عدد من النساء المسلمات كأيقونات لحركة تحرير المرأة من السياسات القمعية للأنظمة في العالم الإسلامي، وبالتدريج وجدت هذه الحركة النسوية مكانها بين النساء المسلمات.

وتطلق الناشطات النسويات على هذه الحالة اسم «الربيع العربي» للمرأة، وتعدّ المملكة العربية السعودية مثالاً لدولة في الشرق الأوسط فتحت أبوابها لثقافة جديدة أكثر انفتاحاً على المرأة، حيث إنها لم تسمح للنساء بقيادة سياراتهن بعد أن كن ممنوعات منها وحسب، وإنما تستضيف أيضًا حفلات وعروضًا موسيقية وعروضًا واسعة النطاق التي يختلط فيها الرجال والنساء.

وأعلنت المملكة العربية السعودية أيضًا أن النساء لا يُلزَمن بعد الآن ارتداء العباءة، وهي ثوب طويل يغطي الجسم من الرأس إلى القدمين. وفي عام 2021، افتتح شاطئ «بيور بيتش» في جدة على البحر الأحمر، ليصبح أول شاطئ في المملكة العربية السعودية يمكن فيه للنساء ارتداء البكيني.

 

دور الأمم المتحدة والدول الغربية

والعامل الآخر الذي يشجع الفكر النسوي على التقدم في البلدان الإسلامية هو الدعم المطلق من الدول الغربية. وقد عملت الحكومات الغربية كالولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا والمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة على إدخال مفاهيم النسوية إلى قلب العالم الإسلامي من خلال برامج التعاون المختلفة بين البلدان.

وقد أنفقت الأمم المتحدة المبالغ الهائلة من الأموال على البرامج التي تدعم الحركة النسوية. وفي عام 2023، خصصت الأمم المتحدة استثمارات إضافية تصل إلى 360 مليار دولار أميركي سنويا لهذا الغرض، وتعدّ الميزانية ضرورية لبرامج المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في جميع الأهداف العالمية الرئيسية المتوقعة بحلول عام 2030.

وقد حُددت الأهداف العالمية الرئيسة في التقرير بعنوان «التقدم المحرز على صعيد أهداف التنمية المستدامة: لمحة جنسانية لعام 2023»، والذي أعدّه بشكل مشترك كل من هيئة الأمم المتحدة للمرأة وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية.

في مارس/آذار 2024 اختارت الأممُ المتحدة المملكةَ العربية السعودية لرئاسة منتدى حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة، وذكرت وكالة الأنباء السعودية أنه «قررت لجنة وضع المرأة في منظمة الأمم المتحدة بإجماع أعضائها اختيار المملكة العربية السعودية لترؤس الدورة التاسعة والستين للجنة خلال عام 2025م.»

ورغم المعارضة الشديدة من جانب عدد من وكالات إنفاذ حقوق المرأة، أكدت المملكة العربية السعودية رغبتها في العمل مع لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة، ضمن الرؤية الجديدة للمملكة. ونشرت وكالة الأنباء السعودية أنه «يأتي ترؤس المملكة للجنة، تأكيداً على اهتمامها بالتعاون في إطار المجتمع الدولي في كل ما من شأنه تعزيز حقوق المرأة وتمكينها».

وكذلك تنتشر المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن الحقوق النسوية بشكل متزايد في البلدان الإسلامية. وفي تونس أُنشئ مركز المرأة العربية للتدريب والبحث (كوثر) الذي تأسس سنة 1993، ويقوم بالبحوث والتدريب وبناء الشبكات الاجتماعية والدعوة المتعلقة بالأفكار النسوية. وفي لبنان نشأت منظمة كفى (كفى عنف واستغلال)، وفي مصر أنشئت جمعية تطوير وتعزيز المرأة، وفي الأردن نشأت «جمعية النساء العربيات في الأردن» والتي تأسست منذ عام 1970، وفي الإمارات العربية المتحدة أنشئت «مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال»، وهي أول دار إيواء ورعاية إنسانية غير ربحية مصرح بها في دولة الإمارات العربية المتحدة لرعاية النساء والأطفال.

وكذلك كان هناك المبادرة النسائية الإسلامية للروحانية والمساواة (وايز) التي تعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين كقيمة جوهرية في العقيدة الإسلامية، وهذا يعني أن إنكار هذه الحقوق يعد انتهاكا للمبادئ الدينية. تأسست (وايز) في عام 2006 في مدينة نيويورك، بصفة شبكة عالمية قائمة على الدينية وصفة حركة عدالة اجتماعية من قبل 200 من الناشطين والزعماء المسلمين البارزين من 25 منطقة، وقد عملت منظمة (وايز) في مصر. وقامت (وايز) بإدارة حملات للتوعية بالعنف المنزلي في باكستان مع بيداري (Bedari)، وفي أفغانستان عملت (وايز) مع منظمة نور التعليمية وتنمية القدرات (NEDCO)، وهي منظمة غير حكومية لتدريب الأئمة على حقوق المرأة. وفي القارة الأفريقية، وتحديدا في المغرب، نشأت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب (ADFM) التي تعمل على تعزيز حقوق المرأة ومصالحها الإستراتيجية، فضلا عن تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة والعدالة بين الجنسين وحماية البيئة.

وتعمل هذه المنظمات غير الحكومية على غرس الأفكار النسوية بين النساء والمجتمع الأوسع، من خلال نشر الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات والمواقع الإلكترونية المختلفة والندوات والحوارات المفتوحة بشكل مباشر أو عبر التلفزيون ووسائل الإعلام عبر الإنترنت.

ومن المؤكد أن مرجعية الحركة النسائية في العالم الإسلامي هي حقوق الإنسان وفق نظرة الحضارة الغربية، التي تنص على أنه يتمتع كل إنسان، ذكرا كان أو أنثى، بالحق الأساسي في الاختيار والحصول على معاملة متساوية، لا ينبغي إجبار البشر أو ترهيبهم من قبل أي طرف، بما في ذلك الدين، لأن اعتناق الدين جزء من حقوق الإنسان فهو اختياري ليس التزاما.

ومن ثم، فإن النسويات تفعل ما تفخر به، بصفته جهداً لإعادة تفسير أو إعادة بناء التعاليم الإسلامية، والهدف منه هو توفير حقوق الإنسان للمرأة، لأن تلك النسويات في ريبة من أن التعاليم الإسلامية تحتوي على كثير من تحيز جنسي، وبحسب النسويات فإن العلماء الذين أنتجوا أعمالاً وتراثات هائلة للشعب متهمون بأنهم قد أتوا بروح النظام الذكوري الذي يشوه حقوق المرأة، ولهذا السبب تجب إعادة بناء هذه الأعمال من أجل حقوق المرأة. فينبغي بحسب رأيهم إعادة صياغة القوانين، مثل القوانين عن اللباس الإسلامي، والميراث، وحقوق الزوجة وواجباتها، وتعدد الزوجات، ومنع المرأة من أن تصبح رئيسة للدولة، وهذه من أجل مصلحة المرأة. وباستخدام المنهج التأويلي، أكدت النسويات أن التعاليم الدينية ذاتية وليست موضوعية، ولهذا كانت الحقيقة الدينية نسبية، وليست مطلقة عندهم.

الأمم المتحدة: حقوق الإنسان لمجتمع الميم

يحاول الغرب وتحت غطاء حقوق الإنساني إدخال ثقافة مجتمع الميم عين (LGBTI)  بالقوة إلى العالم الإسلامي، والأمم المتحدة هي الصوت الرائد في العالم فيما يتعلق بالتنمية والدعوة لمجتمع الميم. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، وعلى هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعت اثنتا عشرة وكالة تابعة للأمم المتحدة إلى إنهاء العنف والتمييز ضد المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا وثنائية الجنس (LGBTI) وحددت التدابير اللازمة لحمايتهم، ومن بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، فقط 76 دولة لا تقبل حقوق مجتمع الميم. وفي الوقت نفسه، يعتبر زواج المثليين قانونيا في 20 دولة.

وصف تشارلز رادكليف، رئيس قسم القضايا الدولية في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، هذا القرار بأنه انتصار كبير، وقال «إنها تعبير عن التزام وكالات الأمم المتحدة، ودعوة قوية للحكومات في جميع أنحاء العالم إلى بذل المزيد من الجهد للتصدي لعنف الخوف من المثليين ومغايري الهوية الجنسانية والتمييز والانتهاكات ضد مزدوجي الميل الجنسي».

وانتقدت الأمم المتحدة أيضًا البلاد الإسلامية التي تعدّ لا تزال تشوه سمعة المثليين جنسياً، على سبيل المثال، في عام 2019، أدانت الأمم المتحدة حكومة بروناي لفرضها عقوبة الرجم حتى الموت للمثليين. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن «التشريعات التي تمت الموافقة عليها (في بروناي) تنتهك بشكل واضح المبادئ التي تم الإعراب عنها».

وعلى الرغم من أن جميع البلدان الإسلامية تحظر دستوريا أنشطة مجتمع الميم، إلا أن وجودهم متسامح معه في عدد من البلدان الإسلامية. كانت إندونيسيا، على سبيل المثال، لا تزال يرفض الاعتراف بزواج المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا، ولكن مجتمع المثليين يتمتع بالحرية في التنقل، كما يقومون أيضًا بإجراء المناقشات والمشاورات والدعوة بشكل متكرر، كما قامت قوات الأمن عدة مرات بمداهمة حفلات للمثليين، لكن لم تتخذ أي إجراءات قانونية جدية ضد الجناة. وفي مصر، حسب اعتراف جمعية الأحباء غير الحكومية، هناك الآلاف من المثليين، وتعدّ القاهرة المقر الرئيس لأكبر عدد من الأعضاء مقارنة بالمحافظات الأُخر، ويقدر عددهم بنحو 7 آلاف شخص.

مواجهة الخطر 

ليس هناك شك في أن الحركة النسوية وحركة مجتمع الميم تتعارضان مع الشريعة الإسلامية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن كلتيهما تعرّضان حياة الإنسان للخطر. ومن الصحيح تمامًا أن الإسلام أغلق أبوابه أمام الحركة النسوية وحركة مجتمع الميم. وفي الولايات المتحدة وحدها، تتزايد معارضة الآباء ضد حملات مجتمع الميم في المدارس، لأن الكثير من المراهقين الذين استُدرجوا ثم خضعوا لعمليات تغيير الجنس ينتهي بهم الأمر إلى المعاناة من الاكتئاب، إنهم يندمون على الإقناع والاستدراج من قبل البالغين ما أدى إلى تحولهم إلى متحوّلين جنسياً.

لقد نظمت الشريعة الإسلامية الغراء العلاقة بين الرجل والمرأة، بما يحقق الغرض من خلقهما، قال الله سبحانه وتعالى:(وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٢١) (الروم: 21). وقال الله سبحانه وتعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ١) (النساء: 1). 

إن الحركات النسوية وحركات مجتمع الميم في جميع أنحاء العالم تعمل في الواقع على تدمير القيم الإنسانية والروحية والخلقية والإضرار بالنظام الاجتماعي، وخاصة الأسرة. فالحركة النسوية التي تدعي العمل على رفع مكانة المرأة، كانت في الواقع تجعل النساء أكثر اكتئابا، بل إن الكثير من النساء اللاتي يعملن خارج المنزل لأسباب تتعلق بتحقيق الذات يواجهن كثيرا من المشاكل؛ الاعتداء الجنسي والاكتئاب والتفكك الأسري.

أليس الله سبحانه وتعالى قد حذرنا من هذا؟ عندما يتجاوز البشر أوامره ونواهيه فإنهم يقعون فريسة الدمار الذي صنعوه بأنفسهم، قال الله سبحانه وتعالى: (ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ٤١) (الروم: 41).

وفيما يلي عدد من المخاطر التي تهدد المجتمع والمرأة نتيجة حملات النسوية ومجتمع الميم في جميع أنحاء العالم.

– تدمير النظام العائلي

لقد أدت الحركة النسوية ومجتمع الميم إلى إزالة الانسجام العائلي من المجتمع، فكثير من النساء بتن يشعرن بأن مكانتهن من حيث هن زوجات لا ينبغي أن تكون محدودة أو خاضعة لسيطرة أزواجهن. وكذلك كثير من النساء بتن يشعرن بأنهن يتمتعن بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال في إدارة الأسرة، بما في ذلك كسب لقمة العيش. كما أن هناك عددا غير قليل من النساء اللاتي يرفضن الحمل والرضاعة وتعليم الأطفال، لأن هذا هو حق للمرأة فقط، وليس واجبا عليها.

وقد أدى هذا الوضع إلى الكثير من الصراعات في الأسرة. ومن ناحية أخرى، فإن ذلك قد جعل الكثير من النساء يفكرن مرتين قبل الزواج، بسبب قلقهن من عدم تحقيق حقوقهن وواجباتهن، كما يردن وفق التصورات النسوية.

– تراجع معدلات الزواج والولادة

قد شهدت معدلات الزواج في كثير من البلدان تراجعا كبيرًا. في إندونيسيا، كان معدل الزواج شهد تراجعا للغاية في عام 2023، حيث وصل معدل الزواج إلى حوالي 1.57 مليون فقط، بتراجع عن 1.7 مليون في عام 2022. وكان المعدل في عام 2023 هو الأقل منذ عام 1998. وبعيدا من العوامل الاقتصادية، يؤجل الكثير من الرجال والنساء الزواج أو حتى يرفضون الزواج. وبحسب رأيهم فإن الزواج ليس مهما، بل قد يكون عاملا يعيق التعليم والمهنة وتحقيق الذات. ومن المثير للسخرية أن عدد حالات الزنى يتزايد، وكان آلاف من الطلاب الإندونيسيين تقدموا بطلبات إعفاء من الدراسة بسبب الزواج، والسبب الرئيس من ذلك هو وجود العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وحتى الحمل، ثم ناهيك من تأثير الإجهاض وانتقال الأمراض المنقولة جنسياً.

– التوتر والتحرش الجنسي بين النساء العاملات

إن الحركة النسوية التي تشجع كثيرا من النساء على النشاط خارج المنزل، قد أحدثت تهديدات للنساء العاملات. وفقًا لتقرير غالوب لعام 2021، فإن التوتر في مكان العمل يؤثر على النساء أكثر من الرجال، وصلت النسبة إلى 54%. وفي الوقت نفسه، ووفقاً لاستطلاع للرأي أجرته محطة PBS NewsHour والإذاعة الوطنية العامة (NPR) ومؤسسة Marist، فإن ثلث النساء يتعرضن للتحرش الجنسي في مكان العمل. وفي الوقت نفسه، ووفقًا لمسح عبر الإنترنت أجرته منظمة غير ربحية تسمى Stop Street Harassment في يناير/كانون الثاني 2021، تعرضت 81% من النساء للتحرش الجنسي في مكان عملهن.

– انتشار الأمراض المنقولة جنسيا وسرطان الشرج

على الرغم من أن الكثيرين ينكرون ذلك، فإن المثليين لا يستطيعون أن ينكروا بأن انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز نشأ في دائرتهم. في الولايات المتحدة، وجد أن 67% من جميع تشخيصات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز كانت بين المثليين جنسياً ومزدوجي الميل الجنسي والرجال الذين يشاركون في علاقات جنسية من نفس الجنس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المثليين معرضون أيضًا لخطر الإصابة بسرطان الشرج بنسبة تتراوح بين 20 إلى 80 مرة.

من بين الاكتشافات الجديدة المذهلة فيما يتعلق بانتقال مرض جدري القرود هو أنه غالبا ما يوجد لدى الأشخاص الذين يمارسون الجنس المثلي، وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن من بين الحالات الخمسمائة المبلغ عنها، كان 98% من الأشخاص ممن مارسوا علاقات جنسية مثلية، أو مزدوجة الميول الجنسية، أو مع رجال يمارسون الجنس مع رجال آخرين.

الاستجابة للمشكلات

لقد حان الوقت لأن تدرك الأمة مخاطر الحركة النسوية وحركة مجتمع الميم على محمل الجد، من أنها تتناقض بشكل واضح مع تعاليم الإسلام، وتضر بحياة المسلمين والإنسانية جمعاء، وأن كل نظرياتهم وحملاتهم حول حقوق الإنسان، سواء فيما يتعلق بالنسوية أو بقضايا مجتمع الميم، هي مجرد كلام سفيه سام، لا تقدم الخير البتة للنساء، ولا للأسرة، ولا للإنسانية.

ولا توجد أيديولوجية أخرى قادرة على مواجهة فساد هاتين الحركتين سوى الإسلام. الإسلام وحده هو الذي يملك النظرة الصحيحة للحياة، ويأتي بحياة متناغمة للإنسانية، لأن كل شيء فيه مبني على العقيدة الإسلامية التي تتفق مع فطرة الإنسان، وتملأ العقل قناعة، والقلب طمأنينة.

فإن الخطوة التي يجب على الأمة اتخاذها اليوم هي نشر الإسلام نظامًا كاملا شاملا للحياة، ومنها توضيح أن العلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام لا تقوم على أساس النظام الذكوري وكره النساء، بل إن حياة الرجل والمرأة مبنية على الإيمان والتقوى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اِتَّقُوا اللهَ فِـي النِّسَـاءِ» (رواه مسلم).

والإسلام يجعل المرأة عرضا يجب على الرجل والمجتمع والدولة أن يصونوه. وإن الله سبحانه وتعالى قد أمر الأزواج بأن يعاشروا زوجاتهم بالمعروف بقوله:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ) (النساء: 19).

علاوة على ذلك، يجب على المسلمين أن يحاولوا فهم الأحكام الإسلامية بشكل كامل فيما يتعلق بالعلاقات مع النساء؛ سواء كانت الأم، أو الزوجة، أو الأخت، أو الطفلة، أو المرأة بشكل عام، لأن الإسلام جاء بتوجيهات للحياة تكرم المرأة وتحميها، ويجب أيضاً أن يفهموا بأن الرجل والمرأة في الإسلام سيان أمام الله سبحانه وتعالى، وهناك كثير من الأحكام الإسلامية التي لا تميز بين الرجل والمرأة في التكليف، كوجوب الصلاة، والصيام، وطلب العلم، والدعوة، وغير ذلك.

أما الأمور المتعلقة بطبيعة كل منهما من حيث هما رجل وامرأة، فقد شرع الإسلام أحكاماً مختلفة بطريقة فريدة. على سبيل المثال؛ تجب نفقة الأسرة على الرجل، ولا تجب على المرأة، كما نظر الإسلام إلى المرأة بوصفها أمّا وربة بيت، وأوكل إليها بعد الحمل والولادة الرضاعة الطبيعية وتربية الأطفال.

وكذلك يجب على الأمة أن تفهم أن الإسلام ليس بحاجة إلى أي إعادة بناء لتعاليمه، سواء في عقيدته أو شريعته لأنه قد شمل وكمُل. وإن الأوضاع السيئة التي تعيشها المرأة اليوم ليست ناجمة من تطبيق التعاليم الإسلامية، بل هي نتيجة انحرافات لا يقرها الإسلام. أما حرمان المرأة من الحياة العامة مثل الأسواق والجامعات والمدارس وما إلى ذلك فهي وجهة نظر خاطئة لا توافق الإسلام. وفي الواقع، كان للنساء في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وجود منضبط مع الرجال، ولكن بشروط مختلفة عن تلك السائدة في المجتمعات اللبرالية مثل تلك الموجودة في الغرب.

ومن المهم أيضًا أن تعي الأمة كل المؤامرات التي يحيكها الغرب وأدواته، من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المختلفة وكذلك الحكام العملاء، فهم الذين يدمرون فعليا نظام حياة الأمة بسياساتهم التي لا تحمي المرأة، وهم يسعون -ويعاون بعضهم بعضا- على إجراء هندسة اجتماعية لتدمير المسلمين على مستوى الأسرة والفرد، من خلال برامج المساواة بين الجنسين ومنح الحقوق لأشخاص مجتمع الميم.

 والأمر الأهم هو أن تدرك الأمة أن الفساد الذي لحق بهم اليوم، بما في ذلك النساء، هو نتيجة غياب الحياة الإسلامية وتدمير نظام الحياة الإسلامي على يد عملاء الغرب في العالم الإسلامي، فاستمر الفساد تلو الفساد. ولكن للأسف فإن البعض أصبحوا يتبعون خطا الكفار في حياتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَن» (رواه مسلم) .

وكذلك من المهم أن نفتح أعين الناس على أن حملة حقوق الإنسان حول النسوية ومجتمع الميم هي مجرد هراء، لأن النسويات يبقين صامتات بينما يشهدن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الأطفال والنساء في غزة، وأن كليهما كانا أكبر ضحايا الوحشية العسكرية اليهودية، ومع ذلك، فإن النسويات التي تزعم أنها مدافعة عن حقوق المرأة والطفل اختارت الصمت، وهذا هو النفاق الحقيقي الذي يكشف شخصيتها الحقيقية.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يدرك الناس أنهم بحاجة إلى دولة الخلافة التي هي الكيان التنفيذي للحياة الإسلامية، فالأحكام الإسلامية لا يمكن تطبيقها كافة إلا في ظل دولة الخلافة، بما في ذلك أن الخلافة هي التي ستطبق الأحكام التي تحمي المرأة وتتخذ الإجراءات ضد من يرتكب الجرائم بحقها، حتى لو كان أباها أو زوجها أو ابنها.

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على المضي قدما على طريق النضال لإعلاء كلمته، حتى تتحقق الحياة الإسلامية بقيام الخلافة التي ستحمي الناس بحيث يسود الأمن بين جميع الناس بمن فيهم المرأة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا اْلإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ» (رواه مسلم).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *