العدد 450-451-452 -

السنة الثامنة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1445هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2024م

ثورة الشام: (يا أهل الثورة متى يكون اتخاذ القرار الحاسم؟!)

حسن عبد المعطي

عندما انتهت فترة أوباما وجاءت ولاية ترامب، تفاءل البعض بتسارع الحل في سوريا. ومع مجيء بايدن تقاسم القوم التفاؤل والتشاؤم حتى تلاشى كل ذلك بفتوح التطبيع وأعمال الصيانة لنظام الإجرام القابع في دمشق. ومع ظهور التوترات في الساحة الأمريكية اليوم بدأ البعض يتنفس الآمال بتخفيف الوطأة عن أهل سوريا… وهكذا يتابع البعض تقلبات المناخ الأمريكي ويعتادون العيش في الأحلام والأوهام والتطلعات دون نظر عميق في بنية العلاقات بين أمريكا والنظام السوري المجرم.

وبعد هذه المقدمة، لن أطيل الكلام عن وجود علاقة عضوية ومتينة بين نظام الأسد وأمريكا  الدولة بصرف النظر عن الإدارة التي في الحكم، ويكفي أن صار الأمر علنيًّا مكشوفًا حين صرح به رياض نعسان آغا أحد رجالات النظام السابق والملتحق بصفوف المعارضة منذ وقت مبكر.

فالكلام ينبغي توجيهه لأهل الثورة وحاضنتها متى سوف تقول كلمتها للمعارضة التي تأمل بالحل الأمريكي والقرار (2245) وتعلنها للجمهور «أنك طالق بالثلاثة» طلاقًا لا رجعة فيه؟!.

ومتى سوف تتخذ القرار الحاسم في قطع العلاقة والأمل بالدول التي تشغلها أمريكا في خدمة الحل الأمريكي والحفاظ على نظام الإجرام؟!

وحتى يصيب الكلام الهدف ولا يخطئه، فإننا نحدد أكثر فنقول: يأهل الإسلام في ثورة الشام متى ستكون الكلمة الفصل ومتى سيكون القرار الحاسم؟!.

ولنعينكم على الجواب نستعرض من التاريخ قصة معبِّرة فيها حالات ثلاث، لا ينبغي التأخر عن إدراكها حتى لا يفوت الوقت وتضيع الثورة والتضحيات… هذه القصة حصلت مع سريَّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم ماء الرجيع نسوقها بإيجاز:

قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أُحد رهط من عضل والقارة قبيلتين من قبائل العرب، وقالوا: يارسول الله: إن فينا إسلامًا، فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم نفرًا ستة من أصحابه هم: مرثد الغنوي، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت، وطارق بن عبد الله، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنَّة، وأمَّر عليهم مرثد الغنوي.

فخرجوا، حتى إذا كانوا على الرجيع ماء لهذيل بناحية الحجاز، غدر بهم الرهط الذين معهم، واستنصروا عليهم هذيلًا، ففاجؤوهم في رحالهم وهم يحملون بأيديهم السيوف، فأخذ الصحابة أسيافهم ليقاتلوا، فقال لهم المشركون: إنا والله ما نريد قتلكم، ولكننا نريد أن نصيب بكم شيئًا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم.

فأما مرثد الغنوي أمير السرية، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت، فقالوا : واللهِ لا نقبل من مشرك عهدًا ولا عقدًا أبدًا، وقال عاصم بن ثابت شعرًا :

ما علتي وأنا جلد نابل   

           والقوس فيها وتر عنابل

تزل عن صفحتها المعابل        

    الموت حق والحياة باطل

وكل ما حم الإله نازل     

بالمرء،  والمرء  إليه  آئل

إن لم أقاتلكم فأمي هابل

وقاتل مرثد وعاصم وخالد حتى قتلوا. وأما الثلاثة الباقون: زيد بن الدثنَّة وخبيب بن عدي، وعبد الله بن طارق فلانوا، ورقُّوا ورغبوا في الحياة واستسلموا فأسرهم المشركون، ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من الحبل المربوط به، ثم أخذ سيفه، واستأخر عنه القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه. وباعوا خبيبًا وزيدًا لأهل مكة فقتلوهما.

قصة هؤلاء الصحابة الستة تعطينا نماذج ثلاثة لاتخاذ القرار الحاسم في الموقف الواحد.

ويتمثل النموذج الأول في مرثد الغنوي أمير السرية، وصاحبيه عاصم وخالد، الذين واجهوا الموقف المفاجئ بعد التفكير الذي تجلَّت فيه سرعة البديهة، فاتخذوا قرارًا حاسمًا قبل الإقدام على  العمل، ويتضح قرارهم من قولهم: (والله لا نقبل من مشرك عهدًا ولا عقدًا أبدًا) ومن شعر عاصم بن ثابت قال فيه :

             وكل ما حم الإله نازل       

 بالمرء، والمرء إليه آئل      

إن لم أقاتلكم فأمي هابل

فهو قرار حاسم وسريع في قضية مصيرية، يترتب عليها الحياة والموت. فشهروا سيوفهم وقاتلوا حتى استشهدوا رضي الله عنهم.

أما النموذج الثاني فيتمثل في تصرف طارق بن عبد الله الذي استسلم في أول الأمر، فأخذوه أسيرًا وربطوا يديه بالحبال، وفي الطريق غير قراره الأول، وهو الرضا بالأسر ثم البيع في مكة، إلى قرار جديد وهو القتال، كما فعل الأمير وصاحباه، فأخرج يده من الحبال ليستعمل سيفه في قتالهم، فلم يمكنوه، ورجموه حتى قتلوه واستشهد.

وأما النموذج الثالث فيتمثل في خبيب بن عدي وزيد بن الدثنَّة اللذين قبلا بالأسر حتى باعوهما لكفار قريش، فقتلوهما ثأرًا لقتلاهم في بدر، وقد واجها الموت بنفوس شجاعة، وقلوب مطمئنة بقضاء الله.

فهذا زيد بن الدثنَّة يقول ردًا على سؤال وجهه إليه أبو سفيان: (والله ما أحب أن محمدًا صلى الله عليه وسلم الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي) .

وهذا خبيب بن عدي يقول بعد أن صلى ركعتين قبل قتله: (أما واللهِ، لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعًا من القتل لاستكثرت من الصلاة)، وأنشد:

ولست أبالي حين أقتل مسلمًا      على أي جنب كان في الله مصرعي

فهؤلاء الصحابة الستة رضي الله عنهم كانوا يتوقون إلى الشهادة في سبيل الله، ولكن قراراتهم التي اتخذوها في موقف واحد كانت مختلفة، وذلك بناء على تفكيرهم الذي سبق العمل.

ولو خُيِّرنا بعد معرفة قصتهم في اتخاذ القرار الحاسم في موقف مثل موقفهم، لأخذنا القرار الأول الذي اتخذه أميرهم وصاحباه؛ لأنهم كانوا أدق من الباقين في فهم نفسية المشركين الذين لم يرعَوا عهدًا ولا ذمة، ولأنهم أدركوا نية المشركين أسرع من أصحابهم.

وبأخذ العبرة من هذه القصة نُذكِّر أنفسنا وأهل ثورتنا بأن اتخاذ القرار الحاسم الملائم له أهميته في حياة الفرد والجماعة. فالقرار الذي اتخذه حزب التحرير في مناصرة الثورة السورية المباركة من أول يوم، وأن فيها خيرًا ينبغي تنميته ومباركته، وأن فيها اعوجاجًا ينبغي تقويمه وإنكاره… كان له الأثر في حياة الثورة حتى يومنا هذا، فكان لشباب حزب التحرير القول الفصل في الإنكار على دكاكين البيع والسمسرة التي قامت على أكتاف هذه الثورة المباركة من مجلس وطني، وائتلاف، ولجنة مفاوضات… وما اقترفته من موبقات في جنيف وفيينَّا والرياض وأستانة… وكان هذا القول ينبض في قلب الثورة وفي وعي رجالاتها المخلصين عند كل محطة خزي وانكسار وتطبيع، ينبض بصدق القائل وتثيبت المخلصين العاملين.

وكان لهم القرار الفصل في رفض المال السياسي والدعم المسموم لفصائل الثورة والتحذير منه والإنكار على من قبل به وانخرط في مشاريع الداعمين المتآمرين… وكان هذا القرار حصنًا لمن استجاب من الأحرار الأخيار فعصمه الله من تلك الموبقات، واعتصم بحبل الله وهو يحاول تجميع القوى المخلصة لقلب الطاولة على رؤوس المتآمرين والمتخاذلين الجبناء.

وكان لهم القول الفصل في رفض الهدن والمصالحات وفي تجميد الجبهات وفي كل محطات الاقتتال بين الفصائل التي أضعفت الثورة وأزهقت الدم الحرام، وكان الانكار على من تقبَّلها وسار فيها من مرضى النفوس والمتسلِّطين على رقاب الشرفاء… وكان لهذا القول الأثر على الأحرار الذين صبروا ولم يصيبوا دمًا حرامًا رغم ما تعرضوا له من مظالم وقتل واعتقال…

ولايزال للقول الفصل وللقرارات الحاسمة صدى يتسع في صدر الثورة ووعيها حتى تأخذ به جماهير الثورة فتعود لهم الراية والقيادة ويسيروا بالثورة نحو هدفها في إسقاط هذا النظام العميل المجرم، وقطع دابر أمريكا وأحلافها، وإقامة نظام الإسلام خلافة على منهاج النبوة..

واللهَ نسأل أن يعجِّل ذلك، وييسِّره لأهل اليسرى، ويجعل العاقبة للمتقين… والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *