ثورة الشام وطوفان الأقصى: عسى أن يكونا مفتاح باب التغيير الرباني، بإذن الله تعالى
2024/03/26م
المقالات
2,175 زيارة
الأستاذ عبدو الدَّلّي
أسباب قيام الثورة… بداية النهاية
انطلقت ثورة الشام من محافظة درعا، فأخذت اسم شرارة الثورة ودرعها ومهدها، وكان ذلك الحدث بسبب أمر قد يراه المتتبع للواقع في سوريا حدثًا عاديًّا، وبخاصة أنه لم يكن جديدًا ولا فريدًا… فكثيرٌ من القصص تتسرَّب من أقبية المخابرات وغرف التحقيق تحكي ما هو أبشع من ذلك بكثير؛ إذًا، لماذا كان هذا الحدث سببًا لانفجار ثورة أعيت العالم وقضّت مضاجعه وأربكته حتى صارت محاربته للثورة علنية جهارًا نهارًا.
لا يمكن البحث في أسباب ما حصل مالم نرجع عقودًا إلى الوراء وتحديدًا إلى عام 1970م، فهذا الحدث كان بداية التجهيز لهذا الانفجار؛ حيث استلم المقبور حافظ أسد سوريا في هذا التاريخ. وبما أنه رجل غير مقبول شعبيًا، فلقد جاء بوجه بشوش يقصد من خلاله كسب ودِّ الناس وقبولهم به، فلم تكن القبضة الأمنية سمة من سمات حكمه في سنواته الأولى؛ ولكنها كانت حاضرة في مواقف لا يسمح أن تشوِّش على حكمه وسلطته.
ظلَّ هاجس عدم قبول حافظ أسد كرئيس يقضُّ مضجعه رغم محاولاته التودُّد للناس؛ وذلك بزيارتهم والجلوس معهم والتقرب إليهم؛ ولكن عبثًا حاول، فالأوساط الشعبية بقيت غير راضية به لا من قريب ولا حتى من بعيد، ولعل قصص استقباله بالبيض والبندورة في مناطق كأرمناز وغيرها أكبر دليل على ذلك.
كشَّر النظام عن أنيابه بعد أن وطَّد حكمه، فكانت أولى هذه التكشيرات مجازر الإخوان في جسر الشغور وحلب وحماة… من هنا بدأ الاحتقان الفعلي لغاز الانفجار على هذا النظام، ولقد أدرك النظام ذلك وخاصة بعد أن وسم حكمه بالدم والمجازر، كان حدث الإخوان حدثًا مفصليًا في تاريخ الدولة المستبدة، ومن حينها بدأت القبضة الأمنية تظهر بشكل واضح والاحتقان يتوسع وينتظر الشرارة.
بعد حادثة الإخوان، بدأت عملية بناء للدولة قائمة على أساس الخوف والرعب؛ حتى كانت قصص الرعب موادَّ يتم تداولها بين الناس وذلك ليكبحوا جماح احتقانهم الذي كان ينمو حينًا بعد حين. كان نظام أسد أنموذجًا للنظام القذر المجرم في المنطقة: تعذيب وقتل في السجون، وملاحقات أمنية، وقبضة حديدية، وتضييق في الأقوات وفي الأرزاق وفي كل شيء حتى إن أردت أن تفتح كشكًا فأنت بحاجة لموافقة أمنية، لا قبول لك بأي وظيفة أو أي عمل إلا بموافقة أمنية، ويا ويل من لم يكن مرضيًّا عنه أو كان في تاريخ عائلته نقطة سوداء كما كان يوصف عندهم. وحتى أنا أذكر أني باعتقالات شباب حزب التحرير عام 1999م وكنت حينها في الصف السابع وأنا جالس مع أبناء خالتي نتحدث عن طرق التعذيب التي سيتعرض لها شباب البلد نتيجة عملهم السياسي، وحتى قالها بالحرف أحد أبناء خالتي: «ضرب الكف على الرقبة شغال من أول الدرج». لقد كان عندنا تصور أن الأفرع أقبية، وأن التعذيب والقتل هو طعامهم وشرابهم. نعم، لقد بدأت عملية الاحتقان من اللحظة الأولى لتولي المقبور الحكم، وزاد عليها مجازر الإخوان والقبضة الأمنية والتضييق الأمني، وقد كانت نفحات تحرك تظهر هنا وهناك، كأحداث دير الزور ومناطق القامشلي وسرعان ما يتم إخمادها؛ ولكن حقيقةً كانت هذه أحداثًا تعبر عن واقع الناس واحتقانهم وأنهم ينتظرون الشرارة.
إن ما كان يحدث في سوريا هو ذاته ما كان في المحيط العربي والإسلامي، والسبب أنه لا أحد من هؤلاء الحكام يحكم بناء على رغبة الناس، بل الجميع كان يأتي بموجب انقلابات وبدعم خارجي؛ لذلك لم يكونوا مقبولين أبدًا، ونتيجة عدم قبول الناس بهم كانوا يعملون على تخويف الناس حتى يبقوا على الكرسي، لقد كان التسخين سمة الصفيحة العربية من تونس إلى غيرها. وجاءت الشرارة من تونس والتي لم يكن حدثها بأن يحرق العزيزي نفسه حدثًا عابرًا كما باقي الأحداث أبدًا، فلقد جاء بعد أن امتلأت الغرفة بالغاز، فحصل الانفجار.
وبالعودة لسوريا حاول النظام بعد حدثِ تونس أن يجعل نفسه بمعزل عما حدث، فاشتغلت ماكينته الإعلامية المهترئة على بث أفكار عن عجلة الإصلاح وقانون الفساد، ونحن غير، ومن هذا القبيل من الكلام الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع، كيف يكون ذلك؟؟؟ إنك لا تستطيع أن تغير عقلية دولة بيوم وليلة، ولا تستطيع أن تُهذب سلوكًا إجراميًا بجرة قلم. وبالفعل حصل ما كان يخشاه النظام، فكتب الأطفال: جاييك الدور يا دكتور. وهنا ذهب كل هري النظام عبر ماكينته أدراج الرياح. كيف لا، وقد مُسَّ الأب والقائد والمفُدى فنسوا كل ما تكلموا به، وعادت العقلية الإجرامية، عاطف نجيب يعتقل الأطفال، يقلع أظافرهم، ويشبح بقتلهم قتلًا بشعًا، ويرفض أي وساطة، حتى الساعة الأمور ضمن إطار المسموح والمعروف عند الناس والـمُعتاد عليه، نفر من وجهاء درعا يزورون المجرم فينطق بالمحظور ويتكلم بالممنوع: «أولادكم اُنسوهم، جيبوا غيرهم، ما عندكم قدرة جيبولنا نسوانكم» وهنا كانت الشرارة لثورة أحرقت أسدَ، وميليشياتٍ دعمته، ودولًا آزرته، وشيبت رأس أكبرهم أوباما.
مسار الثورة :
عاد الوفد بما قاله عاطف نجيب، وتمت مخاطبة الناس بالحرف بما قاله، فبدأت تكبيرات الثورة وبدأت المظاهرات وبدأت معها أعظم ثورة، بدأت الثورة من مدينة درعا البلد ومن الجامع العمري فيها والذي كان مكان التجمع والانطلاق. لم تنتظر الثورة وقتًا كبيرًا لتتوسع، فما هي إلا ساعات حتى التحق ريف مدينة درعا بالمدينة، حاول النظام احتواء الأمر ولكن حجم الاحتقان كان أعلى وأكبر. توسَّعت الثورة وانتشرت بشكل كبير كانتشار النار في الهشيم، فالتحقت دمشق وحمص وحماة وإدلب ودير الزور والرقة وريف حلب وبعدها حلب، ولقد كان القاسم بين جميع المناطق واحدًا كما كان بداية الثورة: فمكان الانطلاق كان من مساجد الله، والهتاف كان لله فمن (الله أكبر على أفعال النظام) إلى (هي لله هي لله، لا للسلطة ولا للجاه) إلى عبارة (يا الله مالنا غيرك يا الله)، فارتبطت الثورة منذ بدايتها بالله سبحانه وتعالى، ونادت ربها معينًا وناصرًا لها، وسارت بخطى ثابتة نحو تحقيق الهدف، كل ذلك كان تحت أعين الدول، وكيف يروق لها وقد ارتفعت شعارات نادت بالإسلام حكمًا وبالخلافة نظامًا؟!، كيف ترضى وقد نادى الناس أن بعد دمشق القدس؟! وقد أثبتت تصريحات النظام هذه الحقيقة، فمن قول وليد المعلم يتهم أهل سوريا أنهم يسعون لإقامة خلافة فيها، إلى عبارة أن أوروبا ستكون في خطر، وعبارة أن سوريا آخر قلاع العلمانية ويجب الدفاع عنها، كذلك صرحت روسيا قائلة أنهم يسعون لإعادة الخلافة… هكذا بدأت الثورة، وهكذا كانت مراكز انطلاقها، وهكذا كانت شعاراتها، ثورة عالمية نادت بفكرة عالمية، ثورة أمة بحق، كيف لا وقد تفاعلت الأمة كلها معها من أقصاها إلى أقصاها؟!.
كيف تعاملت الدول مع الثورة، وهل بقيت تراقب وتنظر بصمت؟؟
لم تنتظر الدول دور المراقب طويلًا، بل بدأت بالفعل بمحاولات لاختراق الثورة وإجهاضها، فكيف تنتظر بعد أن سمعت ما سمعت وشاهدت ما شاهدت، فالأمور صارت عندها على كف عفريت كما صرح بذلك أوباما نفسه، والفراغ الذي أوجده نظام أسد سيُسد بنظام جديد غير الذي تريده هذه الدول، والناس بدأت تتوجه ضد هذا النظام وتهاجمه، لذلك كان لا بد من إجهاض هذا التوجه وتحطيمه في أذهان الناس بشتى الوسائل ومهما كانت النتائج. من هذا المنطلق، عمدت أمريكا والتي تعتبر رأس الحربة وصاحبة البيضة والتقشيرة على تشتيت الشارع، فكانت أولى خطواتها الدفع ليكون هناك مؤتمر عام للمعارضة، فكان مؤتمر إسطنبول الأول ثم الثاني، ثم كان الائتلاف بعد ذلك. ثم انتقلت بعدها لتشتيت القوى العسكرية، فكان هناك معتدلين ومتشددين. وحصلت التصنيفات: جيش حر وفصائل إسلامية، كل ذلك لتعمق الخلاف وتشتت الثورة والثوار…
وكيف لا تفعل ذلك وهيمنتها تُهدَّد؟! لقد بذلت الدول أقصى ما تستطيع حتى لا تصل الثورة لمبتغاها، ولم تدَّخر جهدًا ولم توفر أسلوبًا إلا واستخدمته، فاستخدمت أوراق الضامنين، وكان للنظام التركي دور كبير ضمن خطة الإجهاض والتشتيت، فلقد كان حلسًا ملسًا تمسكن حتى دخل وتمكَّن، وكان له دور كبير لما وصلت إليه الثورة اليوم، كما وفعّلت أمريكا ملف أصدقاء الثورة وأدخلت المال السياسي وفعّلت المؤتمرات كما واشترت ذمم الكثير… ومن لم يأتِ بمثل هذه الطرق مارست معه القتل عبر المسيّرات والاغتيالات… كل هذا مارسته الدول تجاه الثورة ولم تبقَ متفرجة، وكانت هذه الجوقة بقيادة المايسترو الأمريكي.
هل نجحت الدول فيما قامت به؟ وأين وصلت الثورة اليوم؟ وما علاقتها بطوفان الأقصى؟؟
استطاعت الدول خلال السنوات الماضية ومن خلال الجهود التي بذلتها التشويش على الناس في الثورة. هي لم تقدر أن توصلهم إلى حالة اليأس ولا أن تقتل الثورة في صدورهم؛ ولكن استطاعت التشويش عليهم، عملت جاهدة من خلال المطبات التي نصبتها: من خذلان الضامن التركي الذي أظهر كم هو متآمر وكم هو متواطئ على إنهاء الثورة، إلى خسارة المناطق، إلى تقديم صورة سيئة عن الإسلام عبر تنظيم الدولة، من أجل أن تجعل الناس تتبرأ من الثورة وتعلن توبتها؛ ولكن ما حصل أن الناس تجاوزت كل ذلك وتخطتهم، فكانت تقول: إن هؤلاء هم من سقط، وأما الثورة فهي لا تزال حاضرة، فالثورة هي لمن صدَق وقدَّم وضحَّى وليست لهؤلاء.
إن كل ما قامت به الدول وإن كان البعض يراه نجاحًا لها ولكنه في حقيقته لا يعدو كونه تشويشًا، وأكبر دليل على ذلك هو النفس الثوري العالي الذي لا يزال حاضرًا ويعبر عنه الناس في مواطن كثيرة ومواقع ومناسبات. وما ردة فعل الناس تجاه التصريحات التركية في شهر آب من عام 2022م إلا أكبر دليل على ذلك، وما عجز الدول عن تمرير ما قررته من خلال الأدوات التي اتخذتها لها في جسم الثورة إلا دليل آخر على محاولة التشويش. كما وأن العودة لفكرة إعادة تعويم النظام ليؤكد أن أعمال أمريكا هي فقط التشويش والتشويش لا أكثر، وبخاصة أن الثورة في عقول السوريين لها بُعدٌ عقديٌ وعمقٌ تاريخيٌ لا يمكن أن تطفئه هكذا أعمال؛ لذلك كانت ثورة أهل الشام بحق حدثًا عظيمًا سيكون على يده تغيير مسار عجلة التاريخ إن شاء الله تعالى. كيف لا، وقد رسمت خطًا في الكفاح يحتذى به، وانتهجت نهجًا في الصبر والثبات قلَّ نظيره، وهذان عنصران أساسيان لمن أراد أن يدخل التاريخ.
طوفان الأقصى القطب الثاني لدخول التاريخ:
دخل طوفان الأقصى شهره السادس، حرب مختلفة تمامًا عن حروب سابقة بدأت من 1948م، ومرورًا بـ (1956 و1967م و1973 و2006)م وصولًا إلى حروب كيان يهود على غزة (2008، 2012، 2014، 2021)م.
حرب، رغم أن قوامها ليس جيشًا نظاميًا؛ إلا أنه حقَّق ما لم تحققه تلك الجيوش النظامية؛ حيث إن كيان يهود لم يعتدْ على مثل هكذا حروب، وأكبر شاهد على ذلك هو الصراع وتضارب الرؤى الحاصل بين رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو ووزير جيشه يوآف غالانت ورئيس أركانه هرتسي هاليفي.
على مر عقود مضت كان العمل جادًّا على فكرة سلخ فلسطين من قائمة قضايا الأمة، وكانت بداية ذلك بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وقد كانت بداية العمل من أجل جعل الأمة تنسى قضية فلسطين هو حصر الصراع وتقزيمه… وقف ياسر عرفات وقال: «أعلن قيام دولة فلسطين» حينها كانت بداية سلسلة من الأعمال الخبيثة لحصر الصراع بين أهل فلسطين وكيان يهود، إعلان خبيث كان خلفه مخطط خبيث لجعل الأمة تنسى قضيتها المصيرية فلسطين. وبعد مخاض عسير وطويل، جاء الطوفان ومراحل التطبيع قد بلغت مبلغًا كبيرًا من قبل حكام الأنظمة الخونة، فقد بدأ الترويج لفكرة التعايش وفكرة القبول بكيان يهود كجزء من الجسد، وظهر ذلك من خلال أعمال من قبل الإمارات وقطر والسعودية ومصر والأردن لجعل كيان يهود جزءًا لا يتجزأُ من الواقع، خطوات سارت على قدم وساق لا يعكر صفوها أي شيء حتى وقعت الواقعة على كيان يهود.
طوفان الأقصى قلب الطاولة، وكشف الأقنعة، وأظهر حقيقة الكيان المسخ.
لم يكن أحد من الحكام المجرمين يتوقع ما حصل، فبعد سنوات وسنوات من التجهيز، وسنوات وسنوات من العمل الدؤوب والتركيز الإعلامي على تثبيت فكرة التعايش ودمج الكيان ضمن المحيط، وعبر حلقات طويلة وبث مباشر من أفخاي أدرعي يقرأ فيها آيات من القرآن ويتوجه بالمعايدة للمسلمين في مناسباتهم،و يقف يوم الجمعة فيخطب، ويقرأ الأحاديث، وغيره من مثله الكثير… وفجأة تنقلب عليه كل الأمور، وكأنك يا أبا زيد ما غزيت، ويتحقق فيهم قول الله سبحانه: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ٣٦) نعم انقلبت أعمالهم جميعها عليهم. وما إن تم إعلان الطوفان حتى عادت الأمة لتتفاعل معه ومع نتائجه، عادت لترفع صوتها من جديد أن قضية فلسطين هي قضيتها المصيرية.
في طوفان الأقصى تكشّف الكثير الكثير وبان للعين ما لم يكن بيّنًا، لقد افتضحت الأنظمة الجبرية، كما لم تفتضح من قبل، فقد رأوا عمالتها للغرب خيانتها للأمة، وتنسيقها مع الكيان من تحت الطاولة عين اليقين، ، وأنها هي التي تحمي كيان يهود، بل إن الكيان بات كالظلِّ لها، ولن يزول حتى تزول هذه الأنظمة قبلها. لقد استطاعت ثلة مؤمنة مجاهدة في سبيل الله بقلة عدة وقلة إمكانيات أن تُنيخ جيشًا له تعداده على مستوى العالم،، فكيف إذا تحركت جيوش؟! لقد ظهرت حقيقة النظام الأردني والمصري وقبلهم النظام التركي فهؤلاء كانوا يدعون للكيان في حربه على غزة، ويمدونه بالأمان، وبأن حدوده محمية، وهم من كانوا يزودونه بأسباب الحياة من مؤونة ومواد أولية لصناعة السلاح، لقد سقطت الأنظمة وصار واقعها معروفًا لكل ذي عينين، ولم يعد يخفى واقعهم على أحد، وما الأصوات التي خرجت من مصر من مخلصين من أبناء الأمة والأصوات التي خرجت من الأردن إلا دلائل على واقع هذين النظامين وزيادة في الحجة عليهم، وما الدور الذي قام به النظام التركي إلا دليل زائد أنه من أكبر المتآمرين على الأمة وعلى قضاياها وأنه متاجر بها ليس أكثر. وكم ظهرت جليَّة حقيقة المؤامرة؛ إذ تضامنت دول العالم الغربي وعلى رأسه أمريكا مع كيان يهود وباركت حملته، وحرَّكت أساطيل لها خوفًا من تغيير مجهول. وما تحريك أمريكا لأساطيلها وجلبها إلى المنطقة إلا أوضح دليل على أنها رأس الحربة في صراعها مع الإسلام… بعد حدث الطوفان صار الصراع مع العالم جهارًا نهارًا لا لبس فيه، وظهرت حقيقة الدول الغربية، وظهرت حقيقة أدواتها من الأنظمة الإقليمية، فلا تغطية بعد اليوم، والصراع بين الأمة وبين هؤلاء صار علنيًّا مكشوفًا.
لقد أثبت الطوفان حقائق كبرى من ضعف الكيان وهشاشته، وأكد كيف أن الأمة تنتصر بإخلاصها وإيمانها وليس بإمكانياتها وقدراتها فحسب، وفضح الطوفان واقع الأنظمة وواقع دول العالم، لذلك صار واجبًا علينا أن نظهر لهم العدواة والبغضاء كما أظهروها لنا وأن لا نخجل من شيء بعد.
بيضة القبان في المعركة
لقد بعث الطوفان برسائل عدة وكشف أمورًا عدة، ولم يعد لأحد عذر في التقصير بعد اليوم. فالواجب بعد أن ظهر من يقف بوجه نصرة أهل غزة أن يجري التحرك لاجتثاثه، فنصرة غزة تكون بإزالة العوائق التي تمنع ذلك، فما فائدة الرتب والعناصر والجند والدبابات والطائرات والسفن والصواريخ إن كانت الغاية منها حماية من يحمي كيان يهود…
لقد صار توجيه السلاح نحو يهود ضروريًا فالأمة هي من دفعت ثمنه من جيوبها، وهي من تطالب اليوم أصحابه أن يتحركوا وأن يقتلعوا من يصنع الظل من الأرض ليزول الظل بعده مباشرة… لقد صارت المعركة اليوم واضحة المعالم، وعلى جيوش الأمة أن تدخل المعادلة، فلا حجة لها بعد اليوم، فلقد انكشف العدو وعُرفت قدرته فلا حاجة للاستطلاع، كما وأن التفويض بالتحرك قد أعطته الأمة فلا حاجة لانتظار الأوامر. وأما تكلفة السلاح فمن دفعها ليوجده فهو مستعد ليدفع مرات ومرات… فالأمة جاهزة للدعم المادي واللوجستي والمعنوي؛ فلا تترددوا وبادروا باتخاذ القرار واحذروا أن تُكتَبوا في التاريخ من المخلَّفين.
خاتمة القول :
إن الصراع اليوم على أشده بين فسطاطين: فسطاط كفر معه أدواته ومعداته وإمكانياته، وفسطاط إيمان معه الله ربُّ الأسباب، ومنزل النصر، وصاحب العزة… فعلى مر التاريخ الإسلامي لم تكن غلبة المسلمين يومًا على عدوهم بكثرة عدة وعتاد، بل كانت بقلة، وكان الظفر لهذه القلة؛ حتى قال عمر رضي الله عنه عندما خاطب سعدًا فقال: «يا سعد، اعلم أن ذنوب الجيش أخوف عليه من عدوه، وأننا ننتصر على عدونا بطاعتنا لله ومعصية عدونا له، فإذا استوينا في المعصية، كانت لعدونا الغلبة بالعدد والعدة». والمعطيات الدالَّة على هذا الأمر كثيرة وهي حاضرة وماثلة أمامنا، ولا داعي لأن نغوص بين صفحات التاريخ لاستجلاب الأدلة عليها. فثورة الشام حاضرة وطوفان الأقصى حاضر ونشاهد الأمثلة على صدق الأمر كل يوم. إن هذا الصراع يستحكم في بلاد الشام أكثر وأكثر، والعالم كله قد ضاق ذرعًا بالنظام الدولي الحالي القائم على استغلال الناس والتضييق عليهم وملاحقتهم في أقواتهم وجعلهم لا يملكون من أمرهم شيئًا… نظام يفتت قيم المجتمع ويبيح الشذوذ ويخط قوانينه كما يتناسب مع الحكام ورجالات المال، ولعل هذا الأمر سيكون تمهيدًا من الله سبحانه لأن تكون الأرضية جاهزة لاستقبال النظام العالمي الجديد تمامًا كما مهد سبحانه لنبيه في يثرب عندما حدث يوم بُعاث وضاق الناس بما فعل الآباء والأجداد، فكانوا جاهزين لأن يستقبلوا النظام الجديد عن رضى وقبول. إن الله سبحانه يُرينا تدخله، وأن أصل المعادلة، وأنه ليس المطلوب منا سوى أن نكون معه حتى يكون معنا، وأن ننصر دينه حتى ينصرنا… إن العالم اليوم على أبواب تغيير كبير وكبير جدًا، والأجواء كلها تشهد بذلك الأمر. ويمكن القول إن حدثي ثورة الشام وطوفان الأقصى هما مفتاحا هذا الأمر، وعلى أيديهما سيصنع التغيير والتاريخ إن شاء الله تعالى. كما وأثبتت الوقائع أن الأمة الإسلامية أمة خير، وأنها أمة نصر، وأنها لا تنتظر أن يأتي إليها النصر بل تثب إليه وثبًا… فعلى من قرأ أن يبادر بالالتحاق بالركب، وأن يكون من الساعين للفوز الكبير في الدنيا والآخرة، وأن لا يتخلف فيكون من الخاسرين النادمين.
2024-03-26