العدد 448-449 -

السنة الثامنة والثلاثون، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1445هـ، الموافق كانون الأول 2023 – كانون الثاني 2024

الإسلام يرفض الدولة القومية ويوحّد الأمة الإسلامية في دولة خلافة واحدة قوية

مصعب عمير – ولاية باكستان

مقدمة: الوحدة في دولة خلافة واحدة تختلف عن الانقسام في دول قومية متعددة

ينقسم المسلمون اليوم في سبع وخمسين دولة قومية هزيلة، مع انهيار العالم الإسلامي اقتصاديًّا وأمنيًّا. وقد تزايد النقاش بين المسلمين حول توحيد الأمة الإسلامية لتقوية شوكتها وحلّ أزماتها، فتوحّدها يعني أن يكون لها دولة واحدة، أكبر من أي دولة أخرى في العالم، بجيش واحد وخزينة واحدة، ونفوذ لا يعرف الحدود بين ولاياتها… ودولة الخلافة ستضم عددًا كبيرًا من الشباب المسلم والجيوش المسلمة القوية والأراضي الغنية؛ ليتضخم الإنتاج الزراعي، وتتدفق الموارد المعدنية والطاقة الوفيرة والمتنوعة، وتسيطر الخلافة على جميع الطرق التجارية والبحرية الرئيسية في العالم الإسلامي.

الإسلام هو الرابط الذي يمكنه تحقيق نوع فريد وخاص جدًا من الوحدة، فهو الذي يعرّف المسلمين بأنهم أمة واحدة متميزة عن سائر الأمم والشعوب، ويرفض أي تقسيم بينهم على أساس العرق أو اللون أو القبيلة أو القوم أو البلد… ويوجب قيام دولة واحدة للأمة الإسلامية، هي دولة الخلافة، ويعترف بسلطة واحدة فقط على الأمة الإسلامية كلها، هي سلطة الخليفة، ويحرّم الإسلام تقسيم دولة المسلمين وسلطانهم تحت أي تصنيف؛ ولهذا فإن مفهوم الدولة الإسلامية بعيد كلّ البعد عن مفهوم الدولة القومية.

الدولة القومية غريبة عن الإسلام في أصلها وأساسها

لقد نشأ مفهوم الدولة القومية في تاريخ أوروبا المسيحية ومن معتقداتها، أي أنه غريب تمامًا عن الإسلام، فبعد حرب الثلاثين عامًا الدينية بين الدول المسيحية في أوروبا، بدأت الدول بالتفاوض على معاهدات فيما بينها، وتشكّل صلح «وستفاليا» الذي أنهى هذه الحرب في عام 1648م، وكانت تلك بداية ظهور الدولة القومية الحديثة، كمحاولة لإنهاء الصراع.

إنّ الدول في الغرب الرأسمالي قائمة على مفهوم الدولة القومية، وهي التي ينتمي إليها الشعب بحكومته، وداخل حدودها يعرّف كل شعب، ويمكن تعريف الأمة في الفكر الغربي بناءً على واحدة أو أكثر من العوامل، كالجغرافيا والتاريخ والعرق والتراث واللغة.

إن مفهوم الدولة القومية مفهوم فاسد من أساسه، فهو مبني على فهم خاطئ للأمة، فالأمة لا تسلك في الحياة سلوك الأمة إلا إذا كانت تحمل نفس المفاهيم والقناعات والمقاييس ووجهة النظر عن الحياة، أما التاريخ والجغرافيا والعرق واللغة والتراث فيمكنها أن تسهم في تكوين سمات مشتركة عند شعب من الشعوب وليس في صناعة أمة، وبناء وجهة نظر في الحياة واحدة لها، فالطريقة الوحيدة الصحيحة لبناء أمة تقوم على أساس مبدأ مشترك، وبالتالي فإن التعريف الصحيح الوحيد لها يعتمد على أيديولوجيتها المشتركة. علاوة على ذلك، فإن الدولة القومية لم تنهِ الصراع، بل خلقت شكلًا جديدًا له، وهو الصراع بين الدول القومية، وقد أضرمت العالم بأجمعه بالتوترات والتنافسات والصراعات والحروب والحروب العالمية.

مفاسد القومية والدولة القومية

خلافًا لادّعاءات الغرب، فقد أدّت الدولة القومية إلى تأجج الصراعات والحروب، وكانت السبب في حربين عالميتين مهلكتين. يدعم مفهوم الدولة القومية فكرة تفوق قوم على ما سواه من الأقوام، وهيمنة عرق واحد على باقي الأعراق، وهو ما سعت إليه ألمانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا ومعظم المستعمرين الغربيين تاريخيًّا. إن صراع الدول القومية هو أساس الحرب المدمرة بين روسيا وأوكرانيا، فضلًا عن التوترات بين الولايات المتحدة والصين.

لقد أدّت الدولة القومية إلى تعاظم الرغبة في التوسع الاستعماري الإمبراطوري؛ حيث وجدت الدول القومية الناشئة في أوروبا نفسها غير قادرة على التوسع الإقليمي، فلجأت إلى التوسع الاستعماري، مخلِّفة الدمار وراءها، بما في ذلك في العالم الإسلامي. الاستعمار موجود حتى الآن لكن بصورة معاصرة، كاستعمار سياسي واقتصادي أكثر من كونه احتلالًا عسكريًّا مباشرًا. وفي الواقع، ربما كان الاستعمار الجديد اليوم أكثر أشكاله تطرُّفًا وانتشارًا، وعصره أسوأ من العصور السابقة في التاريخ الغربي.

إلى جانب الاستعمار، فقد ألحقت الدولة القومية الضرر بالأمة الإسلامية من خلال تقسيماتها، مع أن المسلمين قد ظنّوا أن الدولة القومية ستمنحهم الاستقلال عن الاستعمار، لكنَّها فكّكتهم وأضعفتهم، فبسبب القومية العربية والتركية ثار العرب وتخلَّوا عن قيادة الأتراك لمسؤولية الحكم، وانفصلت منطقة البلقان عن الخلافة العثمانية، فكان أن سلّط الله الكفار على أمرنا. أما حديثًا، فعلى أساس المصلحة القومية، دعمت باكستان الولايات المتحدة ضد أفغانستان، ودعمت السعودية وسوريا وتركيا والكويت والإمارات العربية المتحدة الغزو الأمريكي للعراق، وعلى أساسها يرفض الحكام الحاليون القتال من أجل تحرير كشمير وفلسطين.

لقد عانت الإنسانية كثيرًا بسبب الدولة القومية، وعلى الإنسانية أن تتدبر المفهوم الفريد الذي يقدمّه الإسلام للأمة والأخوة والوحدة والدولة، والتحرك نحو نصب الإسلام نظامًا عالميًّا جديدًا يقوده المسلمون.

المسلمون أمة واحدة يجمعها الإيمان

المسلمون ليسوا أمة واحدة على أساس الأرض أو القبيلة أو العرق أو الهوية أو اللغة، بل الإسلام بعيد كل البعد عن هذه المفاهيم الغربية للقومية والهوية القومية والعرق القومي والمصالح القومية والدولة القومية، والمسلمون أمة واحدة يجمعها الإسلام.

قال الله ﷻ: (وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ )، وهذه الآية تدلُّ على وجوب اتحاد المسلمين في جماعة واحدة، أي في كيان واحد، وقال ابن كثير في تفسيرها: «أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة»، وقال الله ﷻ: (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ)، و قال القرطبي في تفسيرها: «أي في الدين والحرمة لا في النَّسَبِ، وَلِهَذَا قِيلَ أُخُوَّةُ الدِّينِ أَثْبَتُ مِنْ أُخُوَّةِ النَّسَبِ، فإن أُخُوَّة النَّسَبِ تنْقَطِع بِمُخَالَفَةِ الدِّينِ، وَأُخُوَّة الدِّينِ لَا تنْقَطِع بِمُخَالَفَةِ النَّسَبِ».

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ النَّاسِ» رواه البيهقي في السنن الكبرى، فالأمة الإسلامية هي أمة واحدة، ولا بد أن تتحقق فيها الوحدة الإسلامية، أما الوحدة السياسية فتجسدها إقامة الخلافة، وبالتالي فإن الدولة الإسلامية في المدينة المنورة لم تكن دولة قومية، بل كانت سلطة على أمة واحدة، هم المؤمنون الموحدون، على الرغم من تنوع قبائلهم وأقوامهم، ويشهد التاريخ كيف وحّد الإسلام شعوب ثلاث قارات بالإيمان، فجعلهم أمة واحدة مخلصة للإسلام.

يجب ألّا ينقسم المسلمون على أسس العرقية والقومية…

يرفض الإسلام كافّة أشكال التفرقة والتمييز، على أساس العرق والقبيلة والقوم واللغة… قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في خُطْبَة الوداع: «يَا أَيُّها النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَباكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، ولا أَسْوَدَ على أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى» رواه الإمام أحمد، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:‏ «‏إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ. لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ» ‏ ‏(رواه أبو داود).

لقد خلق الله ﷻ البشر قبائل وشعوبًا متنوعة، حتى تتعارف فيما بينها، وليس للتمايز والتفاضل فيما بينها، وإنما التفاضل بين الناس بالتقوى، وهو أمر لا يعلمه إلا الله،

قال الله ﷻ: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ١٣).

الدعوة إلى أيّة رابطة غير رابطة الإسلام والتآخي فيها إثمٌ عظيم

يرفض الإسلام أي دعوة إلى القبلية أو القومية، فهي دعوة خطيرة تفرق المسلمين وتضعفهم، والموت فداء لها كالموت على الجاهلية الكافرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» رواه مسلم، وقال النووي في شرحه: «وَإِنَّمَا يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ لَا لِنُصْرَةِ الدِّينِ، وَالْعَصَبِيَّةُ إِعَانَةُ قَوْمِهِ عَلَى الظُّلْمِ»؛ لذلك يجب علينا، نحن المسلمين، رفض أي دعوات قبليّة كانت أم قوميّة، والاعتصام بحبل الله ﷻ، فهو سبيل قوتنا.

لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أي تفضيل للأصول القبلية، وروى مسلم «اقْتَتَلَ غُلاَمَانِ، غُلاَمٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَنَادَى الْمُهَاجِرُ أَوِ الْمُهَاجِرُونَ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ‏.‏ وَنَادَى الأَنْصَارِيُّ يَا لَلأَنْصَارِ،‏ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَا هَذَا، دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟!)‏»‏ ‏(مسلم)، قال النووي رحمه الله في (شرح مسلم): «وَأَمَّا تَسْمِيَته صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ كَرَاهَة مِنْهُ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة مِنْ التَّعَاضُد بِالْقَبَائِلِ فِي أُمُور الدُّنْيَا وَمُتَعَلِّقَاتهَا، وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَأْخُذ حُقُوقهَا بِالْعَصَبَاتِ وَالْقَبَائِل، فَجَاءَ الْإِسْلَام بِإِبْطَالِ ذَلِكَ، وَفَصَلَ الْقَضَايَا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة».

إنّ الذي صهر القبائل المتناحرة في جزيرة العرب في بوتقة واحدة لم يكن النسب، بل كان الإسلام العظيم، وقد أنكر النبي عليه الصلاة والسلام العصبية بأشد العبارات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَزَّى عَلَيْكُمْ بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِّ أَبِيهِ وَلَا تُكَنُّوا»‏ رواه أحمد، وقال الملا علي القاري في شرحه: «من تعزى أي انتسب بعزاء الجاهلية بفتح العين أي نسب أهلها وافتخر بآبائه وأجداده».

الإسلام يُحرّم التحزب على أساس العرق أو القبيلة أو الشعب

قال ابن مسعود رضي الله عنه: «مَنْ نَصَرَ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الَّذِى رُدِّيَ، فَهُوَ يُنْزَعُ بِذَنَبِهِ» (سنن أبي داود)، وقَالَ الإمام الْخَطَّابِيُّ في (معالم السنن): «مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْإِثْم وَهَلَكَ كَالْبَعِيرِ إِذَا تَرَدَّى فِي بِئْر فَصَارَ يُنْزَع بِذَنَبِهِ وَلَا يَقْدِر عَلَى الْخَلَاص».

قال الشافعي: «مَنْ أَظْهَرَ الْعَصَبِيَّةَ بِالْكَلَامِ، وَتَأَلَّفَ عَلَيْهَا، وَدَعَا إِلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُشْهِرُ نَفْسَهُ بِقِتَالٍ فِيهَا فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهُ أَتَى مُحَرَّمًا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا عَلِمْتُهُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ) وَبُقُولِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم«وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» (السنن الصغير للبيهقي).

قال بدر الدين العيني الحنفي (المتوفى سنة 855ه) في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري): «(مَا بَال دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة؟) يَعْنِي، لَا تداعوا بالقبائل بل تداعوا بدعوة وَاحِدَة، بِالْإِسْلَامِ، ثمَّ قَالَ، مَا شَأْنهمْ؟ أَي، مَا جرى لَهُم وَمَا الْمُوجب فِي ذَلِك؟ قَوْله، (دَعُوهَا)، أَي، دعوا هَذِه الْمقَالة، أَي، اتركوها، أَو دعوا هَذِه الدَّعْوَى، ثمَّ بيَّن حِكْمَة التّرْك بقوله، (فَإِنَّهَا خبيثة) أَي، فَإِن هَذِه الدعْوَة خبيثة أَي قبيحة مُنكرَة كريهة مؤذية لِأَنَّهَا تثير الْغَضَب على غير الْحق، والتقاتل على الْبَاطِل، وَتُؤَدِّي إِلَى النَّار. كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: «من دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَلَيْسَ منا وليتبوأ مَقْعَده من النَّار»».

يجب على المسلمين أن يكون لهم خليفة واحد

إن الأمة الإسلامية أكثر من كونها أمة واحدة متميزة عن سائر الشعوب، هي كيان واحد تحت سلطان خليفة واحد في دولة واحدة.

قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّهُ لاَ نَبِيٌ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ،قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ» (رواه مسلم). وقَالَ النَّوَوِيّ في شرحه: «وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَةٍ بَعْدَ خَلِيفَةٍ فَبَيْعَةُ الْأَوَّلِ صَحِيحَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَبَيْعَةُ الثَّانِي بَاطِلَةٌ يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَبُهَا. وَسَوَاءٌ عَقَدُوا لِلثَّانِي عَالِمِينَ بِعَقْدِ الأول أو جَاهِلِينَ، وَسَوَاءٌ كَانَا فِي بَلَدَيْنِ أَوْ بَلَدٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا فِي بَلَدِ الْإِمَامِ الْمُنْفَصِلِ وَالْآخَر فِي غَيْره».

عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي خُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ أَمِيرَانِ، فَإِنَّهُ مَهْمَا يَكُنْ ذَلِكَ يَخْتَلِفْ أَمَرُهُمْ وَأَحْكَامُهُمْ، وَتَتَفَرَّقُ جَمَاعَتُهُمْ، وَيَتَنَازَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، هُنَالِكَ تُتْرَكُ السُّنَّةُ، وَتَظْهَرُ الْبِدْعَةُ، وَتَعْظُمُ الْفِتْنَةُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى ذَلِكَ صَلَاحٌ». هكذا كان الخليفة عمر رضي الله عنه خليفة لمسلمي ثلاث قارات، وقد تحقَّق ذلك في عصر الرسائل الخطية وراكبي الجمال المسافرين برًّا وبحرًا فقط، فكيف لا يمكن تحقيق ذلك الآن في عصر المعلومات والسفر الجوي؟

لا يحلّ أن يكون للمسلمين خليفتان في وقت واحد

قَالَ الإمَامُ الشافعي في (الرسالة): «وما أجمَعَ الـمـُسْلِمونَ عليه مِن أن يَكونَ الخَليفةُ واحِدًا، والقاضي واحِدًا والأميرُ واحِدًا، والإمامُ»، وقَالَ الإِمَامُ الـمَاوَرْدِي فِي كِتَابِهِ (الأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ): «وَإِذَا عُقِدَتِ الْإِمَامَةُ لِإِمَامَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ لَمْ تَنْعَقِدْ إمَامَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمَّةِ إمَامَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ»، وقال ابنُ حَزْمٍ (الـمُتَوَفَّى سنة 458هـ) فِي كِتَابِهِ (مراتب الإجماع): «وَاتَّفَقُوا انه لَا يجوز أَن يكون على الْمُسلمين فِي وَقت وَاحِد فِي جَمِيع الدُّنْيَا إمامان لَا متفقان وَلَا مفترقان، وَلَا فِي مكانين وَلَا فِي مَكَان وَاحِد».

هذا هو الحكم الشرعي حال وجود خليفتين يحكمان المسلمين بالإسلام، فماذا عن عشرات الحكام الذين يحكمون بغير الإسلام ويفرّقون المسلمين ويقسّمون بلادهم؟!

تقسيم سلطة المسلمين الواحدة ممنوع منعًا باتًا

إن للمسلمين خليفة واحدًا عليهم، وتفريقهم وتمزيق وحدتهم إثم كبير، فالحفاظ على وحدة السلطة من الأمور الحيوية في الإسلام، إلى حد يجوز من أجلها القتل، فقد قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا» رواه مسلم، وقَالَ النَّوَوِيّ في شرحه: «وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ لِخَلِيفَتَيْنِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ اتَّسَعَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادِ: قَالَ أصحابنا: لا يجوز عقدها لشخصين. قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِاثْنَيْنِ فِي صُقْعٍ وَاحِدٍ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ»، وقال رسول الله ﷺ: «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» رواه مسلم. وقال النووي في شرحه: «فِيهِ الْأَمْرُ بِقِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ أَرَادَ تَفْرِيقَ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ قُوتِلَ، وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ شَرُّهُ إِلَّا بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ».

إنَّ الأصل في هذه الأمة الإسلامية أن تكون جميعها تحت سلطان واحد وهو سلطان الخلافة، ومَنْ حاول تفريقها وتمزيقها إلى كيانات ودويلات فإنَّ الإجراء الشرعي نحوه هو القتل.

الخلاصة: الخلافة هي الطريقة العملية الوحيدة لتوحيد الأمة الإسلامية

     إنّ دين الإسلام العظيم هو وحده الذي يمكنه إنهاء الصراع الدائم الذي خلقته الدولة القومية، فهو يؤسس لرابطة أخوة قوية تقوم على الهدف الحقيقي للإنسانية، وهو عبادة الله ﷻ، ويعالج الانقسام بين الناس على أساس العرق والقبيلة والقوم بدفء الإيمان.

إن الإسلام يقيم سلطة واحدة على الأمة الإسلامية، ويحرّم تقسيمها، إنها الخلافة الراشدة التي ستعود قريبًا إن شاء الله، في الوقت الذي يشاء الله ﷻ أن ينزل نصره لنتوحّد عمليًّا، وستتم إقامتها في بلد مسلم على أساس الإسلام والأخوة الإسلامية، لا على أساس القومية،  وستعمل الخلافة على منهاج النبوة بجدّ لتوحيد جميع مناطق العالم الإسلامي في دولة واحدة قوية، وتدعو جميع المسلمين، من إندونيسيا إلى المغرب، كما يدعوهم الإسلام، إخوة مؤمنين متحابّين، وستعمل الخلافة على إزالة حدود الدول القومية التي فرقت المسلمين وأضعفتهم لفترة طويلة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *