العدد 448-449 -

السنة الثامنة والثلاثون، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1445هـ، الموافق كانون الأول 2023 – كانون الثاني 2024

الجيوش في العالم الإسلامي هي جيوشنا، قد سلبت قيادتها منا، وفرضٌ علينا أن نستردَّها

الشيخ الدكتور محمد إبراهيم

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير  – ولاية لبنان

لطالما ضلَّل أعداء الأمة في الغرب المسلمين عن أفكار إسلامية وأحكام شرعية مهمة يكون فيها طريق خلاصهم؛ حتى لا يخرجوا من حال الذل الذي حلَّ بهم ولا من الوهن والانحطاط الذي هم واقعون فيه، وليبقوا في القعر يدورون فيه حول أنفسهم في دائرة مفرغة لا يستطيعون أن يخرجوا منها، ويتخبَّطون فيها خبط عشواء، حتى يبلغ فيهم اليأس منتهاه، فيرضوا بالواقع ويبرِّروا تقاعسهم بعد تجاربهم الفاشلة.

 ومن تلك الأفكار المضللة: الجيوش في العالم الإسلامي هم أعداء، ومن جنس الحكام الطغاة العملاء. والحقيقة، إن هذه الجيوش في العالم الإسلامي هي جيوشنا، جيوش الأمة، قد سُلبت قيادتها منا، وفرضٌ علينا أن نستردَّها، ونقودها فيما يرضي ربها ويحقق الغاية من وجودها، تلك الغاية التي أمرنا الله بها، وهي توفير الأمن الداخلي وجهاد الأعداء في الخارج، ونشر الإسلام.

 هذه الجيوش تتقاضى أموالها ومعاشاتها وسلاحها من أموالنا، هذه الجيوش نشأت من أجل المحافظة على حرماتنا ومقدساتنا وأراضينا وبلادنا، هذه الجيوش في الأساس أنشئت لقتال الأعداء وللحفاظ على الحرمات والمقدسات، ولم تكن في يوم من الأيام جيوشًا لحماية عروش الظالمين؛ لذلك كان الواجب عليهم والفرض من الله أن ينصروا أمتهم، أمة محمد، بل كل المظلومين والمستضعفين ولو كانوا من غير المسلمين، فها هم المسلمون انتفضوا في كل الكرة الأرضية بالمظاهرات والتبرعات والدعاء وطالبوا بتحريك الجيوش، استجابة لنساء وأطفال غزة، واستجابة للمجاهدين في غزة الذين استنصروا الجميع وطلبوا من الجميع أن يقفوا إلى جانبهم، فما هم فاعلون؟!.

 أمة محمد عليه الصلاة والسلام مأمورة بالدعاء؛ ولكنها لا تكتفي بالدعاء، فالدعاء بمفرده حيلة العاجز، كأولئك الذين حدثنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ انقطعت بهم السبل وألجأهم المطر إلى مغارة فانحدرت صخرة ضخمة وأغلقت المنفذ عليهم حاولوا إزاحتها فعجزوا، حينها دعوا الله بصالح أعمالهم فأنجاهم الله وفتح عليهم الصخرة ونجوا، أما من بيَّن الله له حكمًا شرعيًّا فلم يلبث فيه ولم يسعَ إليه واكتفى بالدعاء فهو آثم ولن يرفع عنه البلاء الذي حل به حتى يأخذ بالعلاج الذي أمره الله به؛ ولذلك إذا ما اقتصرنا على الدعاء نأثم، وهل ينجي الدعاء الغريق؟! إذا رأيت إنسانًا يغرق أمامك هل تصلي وتدعو له؟! هل تبكي؟! هل تتظاهر عسى الله أن ينجيه؟! أم ينزل أهل المصلحة والسباحة فينجدون ذلك الغريق؟ وتتحرك الأمة وتنادي أين من ينجد الغريق والغرقى؟!

 فاليوم غزة تقصف بالطائرات، فأين طائرات المسلمين؟! أحدث الطائرات في العالم عند الجيش المصري والجيش الأردني والجيش التركي، فلمن تدَّخرون هذا السلاح، هذا السلاح هذا وقته يا أبطال الإسلام، أمثال طنطاش الضابط التركي الذي قال نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما حيينا أبدًا، فما كان منه وهو يحمل السلاح إلا أن قتل ذلك السفير الروسي وانتقم للمسلمين في سوريا، ومثل البطل في الجيش المصري محمد صلاح الذي نذر نفسه لله وأذل يهود وأثخن فيهم فقتل وجرح العشرات منهم، هؤلاء هم الأبطال، هؤلاء هم الذين يمثلون جيش محمد عليه الصلاة والسلام. وهذا إن دل فإنما يدل على أن هذه الجيوش هي جيوش الأمة لا الحكام، والجهد المطلوب بذله فيها هو بجعل قيادتها بيد الأمة، وأخذها من الحكام.

 الحكام لا أمل فيهم خاصة دول الطوق حول الكيان الغاصب (مصر، سوريا، الأردن، لبنان) وأردوغان الذي كان بعض المسلمين يأملون منه خيرًا بناء على تلك الشعارات الإسلامية التي خُدع بها بعض من أبناء الأمة، انكشف خداعه ونفاقه في حرب غزة. ففي وقت تبادُ فيه غزة، اكتفى بالاستنكار ودعا إلى وقف النار وساوى بين المعتدي والمعتدى عليه، فهذا الوقت هو وقت إرسال السلاح والطائرات، وهو الذي  أرسل الطائرات إلى أوكرانيا، وصرَّح بأنه يجب أن تحرر كامل أوكرانيا، بينما يكتفي بإرسال الماء والأكفان إلى غزة، وتم حجز معظمها في رفح، ولم يسمح حتى الآن بإدخالها، اللهم إلا النذر اليسير منها، لديه الطائرات، فلماذا لم يعامل أهل غزة كما عامل الكفار من النصارى؟ أليس الأولى نصرة المسلمين المستضعفين؟! إذا كان لديه صدق وشيء من الدين فليحرك الجيش، فهذا هو وقت الجهاد.

 يجب أن نسترد قيادة جيوشنا، وأن نرفع راية محمد عليه الصلاة والسلام، وأن تكون قوة لنا لا قوة علينا، قوة تحمي المسلمين في غزة، وفي كل مكان، لا قوة تحمي عروش الحكام الخائنين، ملك الأردن وفرعون مصر وسائر طواغيت المسلمين.

 فالرسالة الأولى هي أنه آن أوان هذه الجيوش، فهذا وقتها لتنتفض على قرارات الحكام الطغاة وتلبي استغاثات رجال ونساء وأطفال غزة، وتلتحم مع المجاهدين ضد يهود أعداء الله.

والرسالة الثانية إلى أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إن عليكم أن تخاطبوا الجيوش بما فرضه الله عليهم من جهاد وعدم طاعة الطغاة، وتقديم طاعة الله على كل طاعة، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

والرسالة الثالثة إلى الأمة أيضًا، لا إلى الحكام الطغاة، وإنما لأمة محمد، للفعاليات في أمة محمد، لأهل القوة في أمة محمد: إن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى علاج القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، دولة لليهود تضم حوالى 78٪ من أراضي فلسطين، ودويلة أشبه بالمحافظة أو البلدية تشمل حوالى 22٪ من مساحة فلسطين، وهي غزة والضفة بالإضافة إلى جزء من المسجد الأقصى وأبوديس، تكون منزوعة السلاح. بمقابل اعتراف كل طواغيت العالم الإسلامي بكيان بني صهيون، بـ(إسرائيل) هذا هو المشروع الأمريكي الذي تعمل أمريكا وعملاؤها من حكام بلاد المسلمين لتنفيذه ويلهثون لتحقيقه – قاتلهم الله أنَّى يؤفكون – في وقت يُقصف فيه أهل غزة ويُقتل الرجال والنساء والأطفال، وتدمر غزة عن بكرة أبيها وتباد، نرى حكام المسلمين يرددون هذا الحل بدولتين. فهذا المشروع الذي ردَّده المؤتمرون الخائنون في مؤتمر مصر منذ أسبوعين، الحل بالدولتين وإيقاف إطلاق النار، وهذا ليس حلًّا يرضي الله بل يسخطه ويرضي أمريكا ويحقق مصالحها وسياستها.

 لا والله، خسئتم، وخسئ كل من نادى به، فلا حلَّ مع يهود إلا بالاستئصال التام لدولتهم والحكم الشرعي هو الجهاد حتى تحرير كامل فلسطين.

 طالما تعوَّدنا عقب كل مواجهة مع هؤلاء الشرذمة والجلب، الذين أتوا من أقاصي الدنيا إلى قلبنا، إلى قلب العام الإسلامي، عقب كل معركة وهزيمة لهم، نرى الطغاة يأخذون الأمر بعد انتهاء المعركة إلى خيانة سياسية جديدة، فهم الذين خانوا المسلمين ومنعوا جهاد الأعداء، نراهم يعملون على تضييع دم الشهداء وتضييع تضحيات المسلمين، نراهم يبعثرون تلك القوة ويضيعون انتصارها بل يجلبون عليها الهزيمة السياسية ويحققون لليهود في المفاوضات ما لم يستطعه هذا العدو في أرض المعركة، وهذا الأمر نحذر منه الجميع وعلى رأسهم أهل غزة ومجاهدوها وسائر أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فلا تسمحوا لهؤلاء أن يسرقوا نصركم وثباتكم وجهادكم.

 إنه لا حل لقضية فلسطين إلا بتحريرها من البحر إلى النهر، فلسطين أرض خراجية ملك للمسلمين ويجب أن تعود للمسلمين ولا مكان فيها لا لصهيوني ولا ليهودي ولا لصليبي، هي لأمة محمد إلى يوم الدين، وهؤلاء اليهود أخبرنا ربنا عن جبنهم وهوانهم  وسبق وخبرناهم فى القتال، واقرؤوا التاريخ واقرؤوا القرآن واقرؤوا سنة النبي العدنان لتعرفوا كيف قاتلنا يهود، وهذه بشرى لأهل غزة ولسائر المسلمين وللمتربصين بأهل القوة أن يسرعوا في الجهاد في سبيل الله، البشرى عودوا للتاريخ: لقد قاتلنا يهود بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة ويهود خيبر، والأربع معارك مع يهود قاتلناهم واغتنمنا سلاحهم وحررنا الأرض منهم وأسرنا رجالهم ونساءهم، وكانوا وما في أيديهم غنيمة للمسلمين، ولا مرة انتصروا علينا، ولا مرة إلا كانوا هم وسلاحهم غنيمة لنا، وبإذن الله كيان يهود وما في أيديهم من السلاح عما قريب سيكون ملكًا لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هذا الأمر رأيناه بأم أعيينا، ثلة من المجاهدين يدخلون عليهم (ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَٰلِبُونَۚ) دخلوا قطعوا الجدار، فماذا حدث؟! عشرات بل مئات القتلى مجندلين من اليهود وآلاف الفارين من أمام ثلة من المجاهدين، ورأينا بأم أعيينا كيف أخرجوهم من الدبابات ورأينا بأم أعيينا كيف سيطروا على السلاح وعلى أقوى القواعد العسكرية وكيف يفرون أفرادًا وجماعات. فهؤلاء، واللهِ ثم واللهِ ثم واللهِ، لا يواجهون جيش محمد ولا يواجهون جيشًا أعلن الجهاد ورفع راية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

يا أمة الإسلام، أنتم خير أمة أخرجت للناس، الخير فيكم، ووعد الله لكم، إذ أخبر الله المسلمين بقتالهم يهود وتحرير بيت المقدس، فعسى أن يكون بيت المقدس هو مقر قيادة الإسلام وعاصمة دولة الإسلام القادمة الموعودة، وعدكم ربكم بفتح روما، ووعدكم ربكم بحكم الأرض، ووعدكم ربكم بالقضاء على يهود، وسيكون عقر دار الإسلام وعاصمة دولة الإسلام في بيت المقدس بإذن الله ، فالوعد ينتظركم يا أهل الله، الوعد ينتظركم والمجد ينتظركم والنصر ينتظركم، ما عليكم إلا أن تكونوا مع الله، وأن تسعوا وتطبقوا أمر الله، تُحكِّموا شرع الله تسقطوا عروش الطغاة وتعلنوا الجهاد نحو بيت المقدس وتلتحموا مع أهلكم في غزة والقدس.

 ونسأل الله العلي القدير أن يكون في أيامنا وزماننا وبأيدينا تحرير المسجد الأقصى، وأن يرزقنا الله عز وجل صلاة فيه عما قريب، خلف أمير المؤمنين… ثبت الله المجاهدين ونصرهم على أعدائهم وآزرهم، وشفى الله مرضاهم وداوى الله جرحاهم وتقبل شهداءهم… يا أهل غزة أنتم الآن تُعلِّمون الأمة: علماءها وشبابها وشيبها وصغارها وكبارها الإيمان العملي وكيفية الثبات والتضحية، ثبتكم الله، آواكم الله، نصركم الله… الحمد لله الذي جعلنا من أمة محمد، أمة الجهاد، من أعظم أحكام الإسلام… وها هو المنادي ينادي في أمة محمد حيَّ على الجهاد… المنادي ينادي فأين الـمُجيب؟! أين جيوش المسلمين تنصر دين ربها لتكوِّن جيش دولة الخلافة الإسلامية التي تقضي على كيان يهود وتضع حدًّا لدول الكفر التي تمدَّهم… والله المستعان، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ…) .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *