العدد 448-449 -

السنة الثامنة والثلاثون، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1445هـ، الموافق كانون الأول 2023 – كانون الثاني 2024

عملية (طوفان الأقصى): مشروع قيام دولة (إسرائيل) هو مشروع غربي فاشل منذ أول قيامه وإزالة دولة (إسرائيل) سيكون بإقامة دولة الخلافة التي تقاتل يهود فتقتلهم

 

صباح السبت من السابع من تشرين الأول/أوكتوبر 2023م، شن مجاهدو عز الدين القسام هجومًا على ما يعرف بـ (غلاف غزة)، في عملية عسكرية سمَّوها (طوفان الأقصى)، وكان الهدف منها أخذ أسرى يهود لاستبدالهم بأسرى المسلمين القابعين في السجون (الإسرائيلية) في أسوأ الأوضاع الحياتية؛ ولكن الذي حدث فاق توقعات الجميع بمن فيهم المهاجِمين أنفسهم. فقد فاجأهم جبن اليهود، وخاصة قواتهم العسكرية والأمنية؛ إذ تركوا سلاحهم وهربوا كالحمر المستنفرة التي فرَّت من قسورة، وبدا معها أن لا ساحات قتال قد فتحت، ولا دماء شهداء تذكر قد أهريقت؛ وإنما لجأ، منذ اللحظات الأولى، كل من المدنيين والعسكريين إلى مخابئهم ينتظرون أن تنتهي رشقات آلاف الصواريخ التي بدأ الهجوم بها؛ وهكذا تغيَّر واقع المعركة من معركة تهدف إلى تحرير أسرى إلى معركة تشبه حربًا تهدد وجود كيان يهود بأسره لشدة جبنهم؛ وهذا ما جعل الهلع يسيطر على يهود، ويشعرهم بعدم الاطمئنان والاستقرار في فلسطين، وجعل مقولة نبوءة زوال (إسرائيل) تنبعث في الداخل اليهودي، وبالتالي ينتشر الحديث عن القيام بهجرة عكسية خارج البلاد مستفيدين من جنسياتهم المزدوجة… وهذا إن دل فإنما يدل على أن مشروع قيام دولة (إسرائيل) هو مشروع فاشل منذ أول قيامه، وعلى أن يهود هم أسرع من ينهزمون إذا ما توافرت للمسلمين معارك حقيقية يخوضونها ضدهم، وعلى أن سلاحهم سيكون أسهل ما يمكن وقوعه غنيمة في أيدي المسلمين، وعلى أنهم سيتسابقون إلى ترك فلسطين واللجوء إلى عالم الشتات؛ حيث موطنهم الأصلي… فهم ليسوا أهل قتال، ولا أهلًا لأن تقوم لهم دولة، وإنما الوضع المثالي لهم أن يبقوا مشتَّتين في الأرض كما أراد الله لهم. وهم أينما كانوا، وكيفما كانوا، في دولة أم في الشتات، قوم بهت وأهل سوء، يضيق ويضوج العالم كله بتصرفاتهم.

قضية فلسطين قضية أمة إسلامية بامتياز، وقضية صراعديني مع يهود وحضاري مع الغرب:

لقد أرسلت هذه العملية رسالة إلى العالم تؤكد أن قضية فلسطين هي قضية أمة إسلامية بامتياز، وأنها قضية صراع ديني مع يهود، وصراع حضاري مع الغرب؛ لذلك هي تتقدم على غيرها من القضايا المصيرية عند المسلمين، وأن كل ما تم الحديث عنه من حل الدولة الواحدة أو الدولتين أو صفقة القرن وتطبيع الحكام معها، وغيرها من المؤامرات التي لم تنفك عليها… إنما هي اتفاقات حكام خونة لا اتفاقات شعوب.

إن هذه العملية جعلت القضية الفلسطينية تتصدَّر مشهد السياسة الدولية، وتتقدم  بأهميتها على الحرب الأوكرانية؛ إذ جعلت المصالح الأمريكية والغربية كلها تهتز في المنطقة، وجعلت بايدن يأتي من الأيام الأولى ليطمئن نفوس يهود التي اهتزَّت وليقدم الدعم المفتوح لهم، وجعلت وزير خارجيته يلازم المنطقة متنقلًا بين العملاء من الحكام مذكرًا اليهود بيهوديته ليزيد في اطمئنانهم، ومبرِّرًا لهم جرائمهم التي يرتكبونها بحق العزل من المسلمين بأنه يحق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم فيما يقومون به من جرائم موصوفة يندى لها الجبين حيث يُقتل المدنيون من المسلمين أطفالًا ونساء ورجالًا مستضعفين لم ينقموا منهم إلا أن يقولوا ربنا الله، وتُهدَّم بيوتهم، ويُقضى على كل معالم الحياة في غزة… وضابطًا لسير ما يحدث في المنطقة حتى لا يخرج شيء منها عن السيطرة. وهم لشدة خوفهم من مجهول لا يعرفونه قد استقدموا أقوى سلاحهم إلى المنطقة؛ لأن ما حدث فاق تصورهم وتصور الحكام العملاء في المنطقة، وحتى لا يتطوَّر إلى أمور غير محسوبة… وهذا يشير إلى قوة قضية فلسطين في نفوس المسلمين، والتي تتجمع فيها معاني وحدة الأمة على الله، ووحدة الأمة في عدائها ليهود، ووحدة الأمة في عدائها للغرب الذي زرع هذا الكيان وحمى كل جرائمه، ووحدة الأمة في توجهها نحو العيش في رحاب الإسلام وضمن دولة إسلامية واحدة… إن زرع كيان يهود في فلسطين كان من أجل منع توحد المسلمين، وها هو قد تحوَّل اليوم لأن يكون من أهم عوامل وحدتها… نعم، إن أمريكا ومعها الغرب، ومعهم صنيعتهم (إسرائيل) في ورطة استراتيجة معقدة لا يمكن فصل خيوطها عن بعضها… من هذا الجانب يجب النظر إلى عملية (طوفان الأقصى) وليس من جانب الخسائر البشرية أو المادية، فنحن أمة نؤمن بأن غرس الدنيا يحصد في الآخرة، وأن المسلم عليه أن يعيش دائمًا في حالة صراع مع الكفر، وأن يحتسب الأجر عند المصيبة من الله، وأن قتلانا شهداء في الجنة وقتلاهم في النار، وهذا وجدناه في أهل فلسطين أنفسهم، وفي أهل غزة بالذات؛ حيث أعلن ويعلن الجميع أن العداء مع يهود إنما هو عداء في الله، وأنهم يتحمَّلون المصاب مهما بلغ راضين، وأنهم على الحق المبين، وأن قضيتهم هذه تهون عندها النفوس والدور، وأن رضى الله مقدم على كل شيء… وأكثر من ذلك فإنه لشدة طغيان هذا الشعور لديهم وصدق الموقف عليهم، برز إعجاب كبير لدى الكثيرين في الغرب من مثل هذه المواقف، وفي الوقت نفسه لم يبرز موقف مؤثِّر للمخذلين ولا للطاعنين ولا للمثبطين. 

مجازر اليهود إجرام وإفلاس محمي غربيًا:

إن ما يرتكبه يهود من مجازر بحق العزل من المسلمين، رجالًا ونساءً وأطفالًا، وتهديم بيوتهم وتهديم كل معالم الحياة في غزة، وعلى مرأى وتأييد من دول الغرب التي تدعي الحرية والسلام والدفاع عن حقوق الإنسان والشعوب، يجعل حضارة الغرب في أسفل سافلين… إن موقف أمريكا، ومعها موقف دول الغرب الأوروبي (بتأييد جرائم يهود بتصريحاتهم وزياراتهم وإرسال المساعدات إليهم …) ومعها موقف حكام المسلمين العملاء الخونة (بسكوتهم على هذه الجرائم، وعدم تحريك جيوشهم، ومنعهم لشعوبهم من القتال واجتياز الحدود، وإصرار بعضهم وإعلانه الاستمرار في سياسته التطبيعية مع يهود رغم كل جرائمهم…) كان السقوط بعينه، وكان الإفلاس المعلن، إننا نقول للجميع (حكام الغرب وحكام المسلمين): انظروا إلى هذه الأمة وهي تلمُّ أشلاءها وفكروا وتساءلوا: هل يمكن لهكذا أمة أن تهزم؟! لقد عرضت النفوس في غزة للقتل بأبشع صوره، وأصبح الجميع مشروع قتل (الأب والأم والولد والكبير والصغير والرجل والمرأة) ولم يبقَ أحد منهم خارج هذه المعادلة، وأصبحت البيوت والمستشفيات وكل مرافق العيش مشروع قصف وتدمير على رؤوس ساكنيها واللاجئين إليها… بقصد كسر إرادة أهل غزة ومن ورائهم أهل فلسطين، ومن ورائهم المسلمين كل المسلمين… فهل وجد من هؤلاء من يرفع الراية البيضاء ويستسلم ويرضخ ليهود؟… إن موضوع كسر الإرادة هذا هو مطلب يهود ومطلب دول الغرب الكافر ومطلب حكام المسلمين؛ لذلك هي تسمح به وتسكت عليه؛ ولكن العكس هو الذي ظهر: لقد ظهر أن الأمة هي أمة واحدة في مصابها، وفي توجهها، وفي لحمتها، وفي زيادة نقمتها على يهود ومن أيدهم ووالاهم وهاودهم وأعانهم… وفي زيادة وعيها على دينها واعتباره المخلِّص لها بإقامة دولة إسلامية ترفع فيها راية لا إله إلا الله، وفي زيادة نقمتها على حكامها، وفي زيادة الوعي على أهمية استنفار الجيوش ودعوتها لأن تأخذ دورها في عملية التغيير، وأن تتحول من حامية للأنظمة إلى قاضية عليها، وإلى أن تكون أهل نصرة لدينها…

ويتساءل كل ذي عقل من المسلين وغير المسلمين: هل عند حكام يهود عقول عندما يقومون بمثل هذه المجازر، أم يتصرفون تصرف المجانين الذين فقدوا عقولهم؟ وهل ينقذون بهذه المجازر أنفسَهم من المسلمين أم هم يورِّطون أنفسهم في جعل أنفسهم وأولادهم ضحية هذا الإجرام، ووضعهم في موضع الانتقام منهم في أي وقت قد يفاجئهم، كما فاجأهم (طوفان الأقصى)؟ ألم يروا على مدى هذه العقود من سنوات الاحتلال أن المسلمين لم تلِن لهم قناة، وأنهم يعدُّون أنفسهم ليوم يأخذون فيه الحق، ليوم يكونون فيه ربان سفينة العالم من جديد؟ ألا يعلم يهود اليوم أنهم بهذه المجازر التي يرتكبونها بحق المسلمين سيُقتلون انتقامًا بنفس صورتها هم وأولادهم عندما يمسك المسلمون بالحكم… إن معارك المسلمين الأولى مع يهود (معركة بني قريظة، وبني قينقاع، وبني النضير وخيبر…) ستعود سيرتها الأولى، وسيكشف عن مؤتزركم من جديد، وسيقتل المقاتلون فيكم ولن ترحمكم وصاية أحد… إنها كانت معارك تنتهي بالاستسلام وبدون قتال يذكر والإجلاء وقتل المقاتِلة، وهي ستكون اليوم على مثل ما كانت عليه بالأمس… وذلك لأن طبيعة الجبن عند يهود لا تنفك عنهم، فهم أهل مكر وخداع ومؤامرات وفساد وإفساد، وليسوا أهل قتال. 

حكام المسلمين قرناء سوء للغرب وليهود، ومجازرهم بحق المسلمين لا تختلف عن مجازر يهود:

إن ما نراه اليوم في غزة من إجرام لا يختلف عما قام به حكام سوريا ومعهم حكام روسيا وإيران وتوابعها من قتل لم يوفر صغيرًا ولا كبيرًا من المسلمين، وبكل أنواع التقتيل: بالبراميل المتفجرة، وبارتكاب المذابح، وهتك الأعراض، والقيام باعتقالات وموت تحت التعذيب، ونزوح ولجوء وتشريد مع كل مآسيه… ولا يختلف عما حدث لهم في العراق من إجرام أمريكي فاق التصور بمعونة وتآمر من حكام دول الجوار من تركيا والسعودية وخاصة إيران… ولا يختلف عما حدث في أفغانستان والمجازر التي ارتكبت هناك والتي يشيب لهولها الولدان وبمعونة من دول التحالف والتي منها دول حكامها مسلمون وبالأخص تركيا… ولا يختلف عما يحدث في ميانمار والهند والصين من مجازر وتشريد بحق المسلمين، ووقوف حكام المسلمين مع هذه الدول المجرمة والدفاع عنها في بعض الأحيان…والبعض من هؤلاء الحكام كانوا يُمدُّون أمريكا بالمال في حربها في العراق، وروسيا في حربها في سوريا بالمال والسلاح؛ وخاصة دول الخليج؛ وبالأخص منهم إمارات الشيطان محمد بن زايد وإخوته الأشقياء والذين ينقل أنهم كانوا يشاركون من قبل في الإغارة على المسلمين في غزة وغيرها.

والسؤال الذي يطرح طبيعًيا الآن: لماذا يعادي حكام الغرب ويهود وأمريكا ودول أوروبا وروسيا والهند والصين الشعوب ويرتكبون بحقها المجازر ولا يحاربون حكام هذه الشعوب؟ بل لماذا يقف حكام المسلمين مع حكام هذه الدول ومع (إسرائيل) ضد شعوبهم؟ والجواب الذي لا يخفى على أحد هو أن حكام المسلمين هم أجراء من وراء ستار مهتوك لحكام الغرب، يقفون نفس موقفهم في معاداتهم ومحاربتهم لشعوبهم وليسوا أعداء لهم، أي إنهم ينتمون إلى جبهة واحدة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشعوب الغربية ليست كحكامها، كما هي الشعوب الإسلامية؛ فلا بد من التمييز في التعامل. فعلى سبيل المثال نرى بايدن وسوناك وماكرون وشولتس أيد كل منهم حكام، (إسرائيل) في جرائمها على المدنيين بشكل تشمئز منه النفوس، وتخرج هؤلاء من بشريتهم، بينما نرى شعوبهم على عكسهم؛ إذ قامت المظاهرات الضخمة تستنكر هذا الإجرام غير المعهود، وضجَّت وسائل التواصل الاجتماعي بالمواقف التي تظهر التأييد القوي لأهل غزة وتهاجم رؤساءها و(إسرائيل)، ونحن ندعو هنا إلى وقوف المسلمين ضد هؤلاء الحكام الغربيين عندما يزورون بلاد المسلمين وندعو إلى التظاهر ضدهم وكشف مواقفهم السابقة، وأن زيارتهم واستقبالهم من الحكام مرفوض…

وهنا لا بد من التنبيه إلى أن حكام المنطقة هم تابعون في سياساتهم لدول الغرب، وحكام الغرب لا يأتون بهم إلا بعد أن يعرفوا واقعهم من قبل أن يأتوا به، وأنهم بفكرهم غربيو النزعة، وفي تصرفاتهم لا يتورَّعون عن تنفيذ أي أمر يأمرونهم به، ومهما كان فيه من إجرام بحق شعوبهم وقضاياهم. وبالنسبة للمواقف الدولية يأخذون عليهم المواثيق أن يسيروا بسياسة بلادهم بحسب سياسة أسيادهم، وعلى أساسها يسالمون ويعادن، إقليميًّا ودوليًا، وممنوع عليهم أن يخالفوها، ومنها الموقف من قضية فلسطين، والموقف من الحرب على الإرهاب وغيرها من سائر المواقف الدولية.

هذا هو واقع الحكام وعمالتهم لحكام الغرب وموقفهم من قضايا المسلمين بشكل عام. أما بالنسبة لموقفهم مما يحدث اليوم في غزة، فحدث ولا حرج… أولًا جاءت أحداث غزة لتعرِّيَ مواقف التطبيع التي سارت عليها بعض الدول، أو تلك التي تأخر فيها الإعلان عنها؛ والتي تحدثنا الأخبار عن مشاريع اقتصادية مشتركة بدأ التأسيس لها قبل الإعلان كما يحدث مع السعودية وغيرها؛ لذلك فإن مواقف هؤلاء الحكام وقعت بالحرج، وهي تريد من (إسرائيل) أن تحسم الوضع عسكريًّا بشكل سريع لمصلحتها حتى يستطيعوا الاستمرار بالسير في مخطط الاستسلام للمشروع الأمريكي، مع الحرص على القضاء على القوة العسكرية في غزة ليتم الانتقال بعدها حقيقة إلى حالة السلام الدائم. ولا نعجب قطعًا من مواقف الخسة من حكام الإمارات، فقد ذكرت (عربي21) بتاريخ 09/10/2023م، أي بعد يومين من بدء هجوم (طوفان الأقصى): (أعربت الإمارات عن دعمها لإسرائيل في الحرب التي تشنها على قطاع غزة، في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي أطلقت عملية «طوفان الأقصى» ضد الاحتلال. واتصل وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، بزعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد، وأعرب له عن تضامنه مع إسرائيل في هذا المواجهة. وقال لابيد في تغريدة على حسابه: «شكرته على دعمه لنا”)؛ ولكن بالرغم من كل ما يحدث للمسلمين من قتل وإجرام في كل بقاع العالم، وبالرغم من مشاركة الحكام لهم في كل جرائمهم؛ فإننا نرى أن المسلمين يزدادون ثقة بدينهم، ويزدادون تمسُّكًا به وإصرارًا على اعتباره أنه المخلِّص لهم.

إن الصراع مع يهود، هو جزء من الصراع مع الغرب الذي هو صراع حضاري على الأفكار والمفاهيم والقيم… وأمريكا تريد أن تحقق بالحروب العسكرية وبالقوة والقهر انتصارها على حضارة الإسلام، وهذا خطأ فادح في الحساب؛ لأن الصراع العسكري يختلف واقعه عن الصراع الحضاري. والعالم اليوم على موعد مع سقوط الحضارة الغربية بكل ما تحمله من أضاليل ودعاوى فارغة منالدعوة إلى حقوق الإنسان ونشر السلام وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ومن دعوات كاذبة إلى التنمية المستدامة للدول والشعوب، ومن تكبيل الشعوب والدول بالقروض الربوية الخارجية، بالإضافة إلى إشعال الحروب بين الدول وإدارتها لمصلحتها؛ وهذا ما أفقر الشعوب ومنع التقدم والتنمية في بلادها… إن العالم اليوم على موعد مع عودة الإسلام كحضارة عالمية ينتظرها المسلمون وشعوب العالم لكي تخلصهم وتهديهم سواء السبيل… هذا ما يدركه الغرب ويخاف منه ويعمل على منعه، وهذا هو سبب وقوفه الدائم ضد المسلمين ودينهم في كافة المواقف الدولية… والصراع اليوم على أشده، وما يحدث في غزة اليوم إن هو إلا أحد مظاهره. قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا ٢٨) [الفتح: 28].

الأمة الإسلامية تحتاج إلى طوفان الجيوش الذي يقضي على حكامها:

إن الجيوش هم من أبناء الأمة، ومن أصحاب القوة فيها. وهم من جنسها يتألمون لألمها ويفرحون لفرحها، وهؤلاء يعرف الغرب وعملاؤه من الحكام ما مدى خطورتهم عليهم؛ لذلك يقبضون على هذا السلك بقوة، ويختارون قيادته بشكل مدروس جدًا؛ لكي يضمنوا بقاء الحكم تحت أيديهم ويأمنوا من أي عمل تغييري في البلد؛ ولكن هؤلاء الضباط يوجد من بينهم من يحب الإسلام، وإذا وصل إليه من يذكره بالله وبأوضاع الأمة وحق الله عليه في التغيير فيمكن أن يستجيب… والرسول صلى الله عليه وسلم قد اتصل في مكة بأهل القوة من أمثال هؤلاء وهو يعمل لإقامة الدولة الإسلامية، فصدوه ورد عليه بعضهم بأقبح الردود كما حدث له في الطائف؛ ولكنه صبر على ذلك واستمر به ووصلت محاولاته إلى حوالى الخمس عشرة محاولة، إلى أن استجاب له زعماء من أهل المدينة، وباستجابتهم هذه أقيمت دولة الإسلام الأولى، وتغير وجه التاريخ… واليوم نحن نقوم بمثل ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم من طلب النصرة من أهل القوة من أهل الإيمان، راجين من الله أن يهيئ لنا ما هيأه لرسوله صلى الله عليه وسلم ولرسول رسوله مصعب بن عمير رضي الله عنه، وهذا ما ينتظره المسلمون اليوم من الجيوش بفارغ الصبر لتنفرج أوضاعهم… إنه العمل الوحيد المتبقي لإقامة دولة الإسلام.

وإنا لنسأل أهل القوة من المسلمين: أليس للإسلام حق عليكم في التغيير؟ أترضون أن تحموا الحكام ومصالحهم ونفوذ دول الكفر التي يتبع لها هؤلاء الحكام، ولا تحموا دينكم وأمتكم؟ إنكم كأهل قوة لا خيار لكم: إما أن تنصروا أهل الجور العمالة والنذالة من حكامكم، وإما أن تنصروا دينكم وأهاليكم، وأنتم ترون ما يحدث لهم في كل مكان، وآخرها وليس أخيرها غزة.

إن الأمة عندما تثور على حكامها فلأنكم لم تقوموا أنتم بما أوجبه الله عليكم من العمل مع القائمين على إقامة الدين، وإن الفصائل المسلحة التي تتشكل لمواجهة الحكام ولتقوم بعملية تغييرهم إنما يقومون بما قصرتم به، فأنتم الأصل في التغيير، ولتأخذوا دوركم فالله قد أوجب عليكم أن يكون منكم من ينصر الدين… واليوم انظروا إلى ما يحدث في غزة، فهل يمكن أن يضع حدًّا ليهود غير أهل القوة من الجيوش؟!. وأنتم، من الذي يمنعكم من القيام بذلك، أليس الحكام أنفسهم هم من يمنعونكم ويمنعون الأمة من الجهاد؟ ألا يستخدمونكم لمنع من يريد أن يجاهد يهود من الاقتراب من الحدود؟!. لقد وصل حال الأمة أنها ترى أنكم الوحيدون الذين يمكنهم أن يخلصوها من هذا الكرب العظيم، وهذا فرض الله عليكم، تأثمون إن تركتموه، وأي إثم. وتؤجرون عليه الأجر الكبير إن قمتم به محتسبين الأجر عند الله، وأجره هذا لا يكون إلا لأمثالكم، فأنتم الذين وعد الله بكم بإظهار الدين، ولأمثالكم يهتز عرش الرحمن عند موتكم إظهارًا لقيمتكم عند ربكم. إن لله عليكم حقًّا فلا تضيعوه، ولا تضيعوا الأمة بسكوتكم أو بقعودكم، إن الأمة تنتظر أن يقيِّض الله لها منكم كأمثال سعد بن معاذ وأسعد بن زرارة وأسيد بن الحضير الذي آووا الرسول ودعوته وأقاموا معه دولته.  وإننا نذكركم بما سبق لنا وأن دعوناكم إليه من قبل فنقول:

أيها المخلصون في الجيوش: إنكم جزء من أمَّة حيَّة نابضة بالحياة تتنفس بإسلامها وتتعلق بكل ما فيه، وأنتم ترون ما يحيق بها من سوء وما يلحقها من هيمنة على الموارد ونهب للثروات واستعباد للشعوب، وأنتم جزء من هذا كله يلحقكم ما يحيق بأمتكم، وأنتم جزء من نظام أو حراس نظام يفرط في حقوقهم ويبيعهم وبلادهم بثمن بخس في سوق نخاسة الغرب، فإلى متى صمتكم؟! وإلى متى تقفون موقفًا تسألون عنه أمام ربكم يوم تلقونه وقد خذلتم أمة تتطلع إليكم وتستصرخكم وتأمل في نصرتكم؟! ألا فلتعلموا أن كل ما يجمع في هذه الدنيا وكل ما فيها إلى زوال، وستلقون ربكم بلا أموال ورتب ولا مناصب ولا مميزات، وإن ما يمنحكم النظام منها ومن متاع الدنيا سيكون وبالًا عليكم وستطوقون به يوم القيامة، فليكن همكم همّ أمتكم، ولتكن غايتكم نصرة دينكم؛ بالانحياز للأمة لها ونصرة قضيتها وإقامة الدولة التي تطبِّق دينها فتنهي عقود الذل والمهانة والاستعباد، وتعيد للناس الكرامة المسلوبة من جديد في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة… اللهم عجِّل لنا بها واجعلنا من جنودها وشهودها. قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *