العدد 446 -

السنة الثامنة و الثلاثون، ربيع الأول 1445هـ الموافق تشرين الأول 2023م

في ذكرى مولد رسولنا الأكرم:هذه الهجمة السافرة على الإسلام وتلك الإساءات المتكررة للرسول صلى الله عليه وسلم، وراءها دول الغرب، وليس أفراد… والهدف منها تشويه الإسلام وسيرة الرسول ومنع إقامة دولة الخلافة الراشدة.

في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السنة، أول ما يخطر في بال المسلمين تلك الهجمة العالمية الشرسة السافرة على الإسلام، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى القرآن الكريم، وعلى صحابته الميامين، وعلى شريعته وتعاليمه وعلى كل شيء فيه… فما مبعث تلك الهجمة التي يخطَّط لها في الغرف المغلقة من دوائر الاستخبارات العالمية؟ ولماذ تأخذ هذا الزخم، ويجنَّد لها الأتباع العملاء من مفكرين وسياسيين وإعلاميين؟ حتى إن المسلمين ليلمسون أن وراء هذه الهجمة الشرسة خشية كبيرة من الغرب أن الإسلام يشكل خطرًا مصيريًّا عليه… وإنه لكذلك، فإن أمريكا ومعها الغرب الأوروبي الرأسمالي الكافر، يستشعرون خطر الإسلام كدين مبدئي فيه عقيدة سياسية ووجهة نظر في الحياة وشريعة منافسة لشريعته وقابلة للتطبيق وقادرة على إخراج الناس من كل ما أوقعتهم به الرأسمالية من مآزق وأزمات… من هنا، فإن ما يشهده المسلمون من هجوم على دينهم إنما مبعثه صراع حضاري، صراع على القيم، صراع على قيادة العالم فكريًّا، ومخطئ من يظن أن من يقف وراء حملة إحراق القرآن، أو الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هم أفراد مأفونون، غلبت عليهم شِقوتهم، بل يقف وراءها دوائر استخبارات ومراكز أبحاث وتخطيط… ويمكن القول بكل اطمئنان إن ذلك يدخل في صلب الصراع الدولي المحتدم  اليوم على مركز الدولة الأولى في العالم، وإن الإسلام يخوض فيه هذا الصراع من الآن، من قبل أن تقوم دولته، وإن هذا الهجوم عليه هو من مقدمات إقامة دولة الخلافة الراشدة بإذن الله.

إن أمريكا هي أول من تبنَّت اعتبار الإسلام أنه المنافس الحضاري الوحيد لها ولزعامتها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وسبب هذا التبني هو خلو العالم من أي فكر منافس لفكرها، وأن الإسلام فيه هذه الميزة، وإن أهله يتطلَّعون بكل قوة لأن يعيدوه سيرته الأولى، وأنهم في حالة صعود بينما هي ومن لفَّ لفّها من أصحاب الفكر الرأسمالي في حالة هبوط حضاري وتوقع انهيار… وتَعتبر أمريكا نفسها في هذه الهجمة المجرمة أنها تدخل في حرب وقائية مع الإسلام، أي تعمل على منع قيام دولة الخلافة… وعلى المسلمين اليوم، أن يعوا هذا الواقع ويعلموا حقيقة هذه الهجمة، ويعملوا على مواجهتها بمزيد إصرار على إيصال الإسلام إلى واقع الحياة، وأن لا يتعاملوا معها على أنها مجرد هجمة فردية محصورة… على المسلمين اليوم، أن يعلموا أن دينهم هو دين حكم وشريعة، ودعوة وجهاد، وأن الله سبحانه قد أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون… على المسلمين اليوم، أن يدركوا أن احتلال أمريكا لبلاد المسلمين وشن حربها العالمية على الإسلام تحت مسمى «الحرب على الإرهاب»، وتهجمهم على القرآن الكريم، والإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتشكيكهم بالسنة النبوية  وبعلماء المسلمين الذين دوَّنوها، وبعثهم للفتن الماضية من جديد… إنما يراد منه التهوين من شأن الإسلام لإخراجه من حلبة الصراع الدولي ومنعه من الوصول إلى الحكم… على المسلمين اليوم، أن يتعاملوا مع ذكرى المولد من هذا المنطلق، من هذه النظرة. وإلا فإن الغرب هو واعٍ على دينهم أكثر منهم!!.

إن من يدقق في هذه الهجمة يرى أنها تهدف إلى القضاء على الأسس التي يقوم عليها الإسلام وتغييره: تغيير عقيدته القائمة على أن الله سبحانه هو الخالق المدبر، وأنه خلق الناس، كل الناس، ليعبدوه، وأن عبادته تقتضي طاعته في كل أمور حياتهم، وهذه تقتضي إقامة الحكم بما أنزل الله لتطبيقه ورعاية شؤون الحياة فيه، ونشره بالدعوة والجهاد لإدخال الناس فيه… وتغيير القرآن، وذلك عن طريق حذف كثير من نصوصه التي تدعو إلى الحكم والجهاد وتهاجم يهود وتتكلم في تنظيم علاقات الناس ببعضهم… وما إحراقه التي يقوم بها بعض الموتورين إلا إشارة إلى مدى الخطر الذي يرونه في تعاليم القرآن، وما حماية الدول الغربية لهؤلاء تحت حجة حرية إبداء الرأي واعتقال من يحاول منع حرقه إلا من باب تنفيذ أجندتها الخبيثة الخفية وتورُّط تلك الدول مع مواطنيها فيما يقومون به… وأما الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الكفار الغربيين يرَون مدى إيمان وتعلق المسلمين برسولهم، وأنه قائد لهم في حياتهم، وأن تعاليمه حية فيهم، وأن أحاديثه تشكل نبراسًا لهم، وأنها مع القرآن تشكل منهاج حياة لهم؛ لذلك هم يسيئون إليه وإلى الصحابة الذين كانوا أمناء على نقل أحاديثه بكل دقة، ويسيئون إلى العلماء الذين جمعوا أحاديثه وضبطوها وأخرجوا لنا علم الجرح والتعديل الذي يعتبر من أدق العلوم العالمية في عملية النقل… كل ذلك من أجل تغيير الإسلام من جذوره… ثم هم لم يكتفوا بذلك بل ذهبوا مباشرة إلى تشويه الحكم بما أنزل الله بإيجاد خلافة مزعومة حتى ينكفئ المسلمون عن المطالبة بها، وحتى يجعلوا العالم ينظر إلى الإسلام نظرة سلبية، ثم هم ذهبوا أبعد من ذلك إذ راحوا يبعثون الفتن المذهبية والعرقية والقومية بين المسلمين ليفرقوا المسلمين وينصبوا العداوة والبغضاء بينهم لمنع وحدتهم… ثم هم أحيَوا فكرة الأقليات من جديد، ولكنهم هذه المرة أدخلوا فيها أقليات هي إسلامية إلى جانب أخرى غير إسلامية… هذه من مظاهر الصراع التي يكيد الغرب فيها للإسلام، وواضح فيها أن الصراع الحضاري السياسي فيها هو الصراع البارز… وهنا لا بد من ذكر أن ما يقوم به الغرب من هذا الكيد إنما يقوم به كدول ويسخر له كل أجهزته الاستخبارية والإعلامية من أجل أن يحقق أهدافه فيها، وأهم من يستعين بهم في هذا الصراع هم حكام المسلمين العملاء له الذين لا يحرِّكون ساكنًا تجاه ما يحدث، ولا يتَّخذون أي إجراءات عقابية ضد ا الدول التي تدعم هذا التوجُّه، بل يسمحون فقط بالممارسات التنفيسية للمسلمين، التي لا تفعل فعلها، مع أن هذا لا يمكن وضع حد له إلا من قبل الدول وباتخاذ إجراءات قد تصل إلى إعلان الحرب على هذه الدول؛ إذ إنها تمسُّ أقدس أقداسهم، ولنا في تصرف السلطان عبدالحميد الثاني رحمه الله مثلًا طيِّبًا في منع مسرحية تتناول الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت تعرض في فرنسا، ويريدون أن تجوب دول أوروبا الأخرى. وتحت تهديده الجادِّ توقفوا وانصاعوا… وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا الأسلوب الخبيث هو سياسة دول الغرب النصراني، وأنه مستمر بالاعتماد على الكذب والافتراء.

أما عن الموقف الرسمي الغربي من الهجوم على الإسلام والقرآن والإساءة إلى الرسول والتهجم على الحجاب فهي مواقف كثيرة غير مخفية نذكر بعضها كأمثلة لا نريد بها الحصر:

– في صيف 2007م، التقى الرئيس الأميركي وقتها جورج بوش في المكتب البيضاوي عشرة من المذيعين الأمريكيين المحافظين والمعروفين بهجومهم على الإسلام. هذا وقد شارك في اللقاء مايكل ميدفيد، الذي سبق وأن صرح بأن «العنف وإراقة الدماء والرعب والبؤس والسلوك المثير للاشمئزاز الشائع في العالم الإسلامي مبني على بعض المشكلات في الإسلام نفسه» واصفًا إياه بالدين «البدائي»، وكان نيل بورتز من أبرز المشاركين في هذا اللقاء، وهو مذيع مشهور بعدائه للإسلام والمسلمين، شنَّ بعد هذا الاجتماع بأيام، في برنامج إذاعي يقدمه، هجومًا مسيئًا جدًّا للمسلمين، واصفًا إياهم بالـ«الصراصير»؛ لأنهم يصومون في نهار رمضان، ويأكلون في الليل، وكان قد وصف الإسلام قبلها بأنه «فيروس مميت، ينتشر في جميع أنحاء أوروبا والعالم الغربي»، مضيفًا: «سوف ننتظر طويلًا جدًا حتى نطوّر لقاحًا لنكافحه به».

– تهجُّم الرئيس الفرنسي ماكرون المستمر على الإسلام، ووصفه له بأنه دين مأزوم، وتهجم وزير داخليته ووصفه لـ(السنة) بالإرهاب، وكذلك شنَّ ماكرون كذلك هجومًا شديدًا على الحجاب وسبقه إلى ذلك الرئيس الفاسد ساركوزي حين كان وزيرًا للداخلية، وبالتالي إصدار قوانين تجرِّم من يرتديه.

– أعلنت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في 16/6/2007م سلمان رشدي صاحب كتاب آيات شيطانية المسيء بشدة للإسلام فارسًا -حظي بلقب سير- في إطار منحها سنويًا أوسمة لمجموعة من الشخصيات تقديرًا لإنجازاتها.

– في صيف 2010م، قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتكريم الرسام الدانماركي كيرت فيسترغارد صاحب الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بتسليمه جائزة حرية الصحافة في ختام ندوة دولية حول وسائل الإعلام في برلين، قائلة: إن مهمة فيسترغارد هي الرسم، مشددة على أن «أوروبا هي المكان الذي يسمح فيه لرسام كاريكاتير برسم شيء كهذا».

– نشرت ملكة الدانمارك مارغريت الثانية عام 2005م كتاب مذكرات حمل اسم «مارغريت»، وكتبته الصحافية إنيليس بيستروب قالت فيه إنه من الضروري «أخذ التحدي الذي يشكله الإسلام على محمل الجد، على الصعيد المحلي والعالمي».

– في محاضرة له في جامعة ريجينسبورغ الألمانية في 12 سبتمبر/أيلول 2006م، أورد البابا بنديكت السادس عشر نصًّا منسوبًا لإمبراطور بيزنطي يقول فيه لمحاوره المسلم «فقط أرني ما أتى به محمد وجاء جديدًا، عندها ستجد فقط ما هو شرير ولا إنساني، كأمره نشر الدين الذي نادى به بالسيف» أورده في سياق يفهم توافق البابا معه.

ومما يذكر أن هذه التهجمات الرسمية وغير الرسمية في الغرب على الإسلام، لم يواجهها أي رد رسمي من قبل الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين الفاقدين للشهامة المفرطين بالدين والحقوق، بل كانت تمضي وكأنهم غير معنيين بها. 

والآن كيف يجب أن ينظر المسلمون إلى هذه الهجمة اللئيمة المقصودة؟

على المسلمين، وعلى مدى انتشارهم، وبكل فئاتهم، بدءًا من مثقفيهم وواعيهم وعلمائهم بخاصة:

– أن يتعاملوا بكل مسؤولية أمام ربهم ودينهم وأمتهم مع هذا الموقف السياسي المبدئي وينظروا إلى ما وراءه، ويتنبهوا إلى أن هذه الحملة المسعورة على الإسلام وعلى مشروعهم لإقامة دولة الخلافة إنما تقف وراءه وتتبناه وتضع الدراسات وتخطط له، وتعقد له المؤتمرات إنما هي دول الغرب وعلى رأسها أمريكا، ذات الباع الطويل في محاربة الإسلام والكيد له كبريطانيا وفرنسا وألمانيا… وليس مجرد أفراد أو منظمات دولية أو منظمات غير حكومية؛ إذ إن هذه لا تعدو كونها أدوات بيد سفارات الدول الغربية.

– أن يتنبهوا إلى أن حقيقة الصراع بين الغرب والإسلام هو صراع مبدئي حضاري، لا تواجهه تمام المواجهة إلا دولة إسلامية هي دولة الخلافة.

– أن يتنبهوا إلى أن ما يبعثه الغرب من فتن مذهبية وعرقية وقومية ووطنية إنما هو لإضعاف الإسلام والمسلمين، وبعث فكرة الأقليات على اعتبار أن (السنة) هم الطائفة الأساسية وأن غيرها من طوائف المسلمين هم من الأقليات يريدون بذلك أن يجعلوا جبهة المسلمين الداخلية متصدعة يستحيل عليها الوحدة… هذا فضلًا عن اللعب على وتيرة الأقليات من غير المسلمين، والتي ستتبناها وفق القوانين الدولية وتتدخل لحمايتها، كما فعلت ذلك من قبل، في أواخر أيام الدولة الإسلامية زمن العثمانيين، فيما عرف بالمسألة الشرقية والمسألة البلقانية، والتي ادعت دول أوروبا حينها حماية الأقليات المسيحية في الشرق، والأقليات المسيحية في بلاد البلقان في الغرب.

– أن يتنبهو إلى أن الغرب يعمل على تكريس أنهم أمم مفككة وشعوب مختلفة ومتصارعة، مع أنه يعلم أن المسلمين لا ينظرون إلى أنفسهم إلا أنهم أمة واحدة، ربها واحد، إيمانها واحد، شريعة حياتها واحدة، مشاعرها واحدة، همومها واحدة وأهدافها في الحياة وفي الآخرة واحدة، ودائمًا ما تجمعهم المواقف الواحدة فيما يواجههم من مشاكل… وهذا الأمر قد أعجز الغرب أن يزيله أو يغيره رغم كل محاولاته التي لم تفتر منذ سقوط دولة الإسلام منذ مئة عام تقريبًا.

والآن كيف يجب أن يصدَّ المسلمون هذه الهجمة الشرسة ويردوها على أصحابها؟

– قبل كل شيء على المسلمين أن ينطلقوا من منطلق أنهم أقوياء ما داموا متمسكين بدينهم، ضعفاء مذلولون ما تخلَّوا أو تنازلوا عنه منه، وأن يتمثَّلوا بقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله».

– إن هذه الهجمة الشرسة على الإسلام لا يمكن أن تواجهها وتقف في وجهها إلا دول. وحيث إن حكام المسلمين هم صنائع الغرب وأدواته فهم معه في هذه الحملة الشرسة على الإسلام، وأوضح دليل مشاركتهم إياه في حربه على الإسلام تحت شعار الحرب على الإرهاب؛ فإذًا لا يعوَّل على هؤلاء الحكام الساقطين في المواجهة، بل هم مع الطرف الآخر، بل أول ما تبدأ عملية التغيير بتغييرهم.

– إنه لا يقوم بالمواجهة الحقيقية لهذه الهجمة الشرسة، ويقضي عليها إلا دولة الخلافة الإسلامية… التي لا تقوم بذلك فحسب، بل تقوم بأكبر من ذلك بكثير، وهو فتح باب الجهاد والدعوة لهم حتى يهتدوا ويدخلوا في دين الله أفواجًا… فانظروا إلى الفارق بيننا وبينهم هم يريدون لنا الضلال والغواية، ونحن نريد لهم الإيمان والهداية…

– أن يسعى المسلمون لإقامة دولة الخلافة التي جعلها الله جزءًا من الإسلام بها تطبق أحكامه، وبها تحفظ بيضة المسلمين، وبها تنشر هدايته حتى يعم الأرض ويكون الدين كله لله وحده، وبها تتم نعمة الإسلام ويكمل الدين، وبها يوضع حد لكل من يريد بالإسلام والمسلمين شرًّا.

ولعل أبلغ رد على هذه الحملة الشرسة على الإسلام أن نتخذ القرآن الكريم نبراسًا لنا، ونتخذ رسولنا الكريم الذي يسيئون إليه إسوة وقائدًا لنا في هذه المواجهة، ونتخذ سيرته طريقة سير لنا… وأن تكون للمسلمين جماعة من المسلمين أو حزب يعمل على إقامة دولة الخلافة الراشدة على طريقته صلى الله عليه وسلم في إقامة دولة الإسلام الأولى… وعلى الله قصد السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *