العدد 444 -

السنة الثامنة والثلاثون، محرم 1445هـ الموفق آب 2023م

استعار الهجمة الغربية على الأمة الإسلامية… لن يمنعها من إقامة دولة الخلافة 

خالد محمد

إنّ الهجمة الشرسة التي تقودها الرأسمالية (أمريكا والغرب) ومن لفّ لفّهم من الشيوعية والهندوسية وباقي الديانات الأخرى على الأمة الإسلامية والمسلمين ليس بالشيء الجديد، من قبل كانت يهود تكيد المكائد والدسائس للرسول صلى الله عليه وسلم ولصحبه الكرام؛ ولكن كل تلك المكائد والدسائس باءت بالفشل… إن الهجمة الشرسة على المسلمين لم تتوقف أصلًا منذ بدايات الدعوة إلى اليوم، ولن تتوقف؛ وذلك لأن الإسلام دين قائم على الإيمان بالله وحده وبما أنزل من شريعة، وعلى الدعوة له، وعلى نشره بالجهاد، وإدخال الناس في دين الله، فمن الطبيعي أن يواجهه أصحاب العقائد الأخرى، ويواجهوا الحق الذي يدعوهم إليه بالباطل والأراجيف والتلفيق…

وبالرغم من كل ذلك فقد امتدَّ التوسع الإسلامي وامتدت بلاد المسلمين من إندونيسيا شرقًا إلى بلاد المغرب غربًا، ومن أسوار فيينا وإسبانيا عمق قارة أوروبا شمالًا إلى أواسط قارة أفريقيا جنوبًا، وبانتشار الدعوة الإسلامية وباحتكاك المسلمين بالديانات والعقائد الأخرى ازداد العداء على الأمة الإسلامية، وتمخَّض هذا العداء على عدة أوجه نذكر منها:

1- دسُّ كثير من الإسرائيليات والأحاديث المكذوبة والموضوعة على الرسول لزعزعة المسلمين في عقيدتهم، ولقد تصدَّى علماء الحديث والفقه رحمهم الله تعالى لهذا الأمر وأبطلوا جميع المكائد تلك، أضف إلى ذلك تمسُّك المسلمين بعقيدتهم التي لاريب فيها والثبات عليها.

2- الهجمات العسكرية التي كانت تُشَنُّ ضد الدولة الإسلامية بين الحين والآخر كلها باءت بالفشل لقوة عقيدتهم وحب التضحية والجهاد في سبيل الله والثبات على الحق. ولقد فهم المسلمون أن هذه الحياة ما هي إلا متاع الغرور، وأنّ الآخرة هي دار القرار؛ ولهذه الأسباب كان المسلمون مرابطين على الثغور، مدافعين عن دولتهم، مجاهدين بأموالهم وأنفسهم.

3- فهمُ الأعداء لقوة المسلمين العسكرية، وأنهم لا يستطيعون التغلب عليهم عسكريًّا فلجؤوا إلى إرسال حركات (جماعات) تبشيرية عن طريق جمعيات سرية من قبرص إلى لبنان عام 625 هجرية ولم تلبث هذه الجمعيات إلا أن تبوء بالفشل نظرًا لقوة وتمسك المسلمين بعقيدتهم كما أسلفنا.

واستمرَّ العداء والتآمر على الدولة الإسلامية بأشكال وأساليب متعددة، قال تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ) حيث قام الغرب الكافر بإنشاء مراكز تعليمية وبنفس الوقت تآمرية للطلبة المسلمين الذين كانوا يدرسون في أوروبا في أوج النهضة الصناعية في القرن السابع عشر الميلادي. وكانت هذه المراكز في برلين وباريس وسالونيك… علنية في تآمرها على الدولة الإسلامية والمسلمين، وأنشئ مركز آخر في إسطنبول وكان سريًّا. وقد استطاعت هذه المراكز بالتأثير على الطلبة المسلمين وأثارت لديهم النعرات القومية (التركية والعربية) واستطاعت إنشاء أحزاب قومية تركية مثل حزب الاتِّحاد والترقِّي وحزب تركيا الفتاة، وإنشاء أحزاب أخرى على أساس القومية العربية في بلاد الشام وغيرها من بلاد المسلمين، واستطاع حزب الاتِّحاد والترقِّي الوصول إلى السلطة أواخر الخلافة العثمانية، وبدخولهم الحرب العالمية الأولى مع الألمان ضد الحلفاء وتآمر المجرم مصطفى كمال وآل سعود وبني هاشم في الأردن استطاع الحلفاء إسقاط الخلافة العثمانية، وبالتالي إسقاط دولة الخلافة التي دام حكمها ما يقارب 1300سنة. 

إن إسقاط الخلافة كان كالزلزال المدمِّر على المسلمين؛ حيث استطاع الحلفاء وعلى رأسهم إنكلترا وفرنسا تقسيم العالم الإسلامي إلى ما يقارب 50 دولة هزيلة بمعاهدة سايكس بيكو وبتآمر المجرم مصطفى كمال، واحتلت بلاد المسلمين بالكامل من قبل ملة الكفر إنكلترا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول الاستعمارية، ودخل الغرب الكافر بلاد المسلمين بمنظومته الفكرية على كافة الأصعدة الثقافية والاجتماعية والسياسية والحضارية لتغيير مفاهيم المسلمين وحرفها عن عقيدتها؛ ولكن هيهات هيهات، فما هي إلا فترة وجيزة حتى استطاع المسلمون في العالم الإسلامي استيعاب الصدمة وبدأت الثورات ضد الاستعمار الجديد، واتخذت هذه الثورات أساليب متعددة، منهم من قاطع الانتخابات التي أجريت في بعض البلدان، ومنهم من حمل السلاح، ومنهم من أخذ بالكفاح السياسي على عاتقه لمقارعته. والسؤال المطروح: هل يتخلى الاستعمار بهذه السهولة عن بلدان العالم الإسلامي تحت الضغط الجماهيري الرهيب ضدّه؟، لقد استطاعت بريطانيا رأس الكفر ومن لفّ لفّها من الدول الاستعمارية بدهائها من شراء ذمم البعض من أبناء المسلمين وتنصيبهم حكَّامًا على البلدان الإسلامية حتى تضمن ولاءهم، وها نحن اليوم نرزح تحت ظلمهم وقهرهم، واستطاعت بذلك الدول الاستعمارية مصَّ خيراتنا وثرواتنا على ما يقارب القرن من الزمان، كما استطاعوا وبمعونة عملائه الحكام الخونة أن يضعوا دساتير وضعية بعيدة عن النهج الإسلامي وعن عقيدتنا، وقسمت الدولة الإسلامية إلى كانتونات (ملكية وجمهورية وسلطنة) كلٌ حسب واقعه، فهل اكتفى الاستعمار بهذا؟ قال تعالى: (وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ).

خلال القرن الماضي استطاعت الدول الاستعمارية أن تُدخل إلى بلداننا وبمساعدة الحكام الخونة مئات من المنظمات والهيئات والجمعيات الأممية على الأساس الغربي، وها هو اليوم جاءنا بسيداو لتعرية المرأة المسلمة العفيفة وبجمعيات حقوق الطفولة لإفساد براءتهم وبجمعيات المثليين… ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي عام 1924م، أدخلت الشيوعية مفاهيمها على بلداننا الإسلامية وغيّرت عقول بعض أبناء المسلمين ثم فشلت، وكذلك أتت أمريكا والغرب بالرأسمالية العفنة وبمساعدة الحكام الخونة ونجحت نجاحًا نسبيًّا، فدخلت أمريكا بقوة على العالم الإسلامي بمنظومتها الفكرية والثقافية والسياسية والإعلامية لتغيير مفاهيم وعقيدة المسلمين، ولم تكتفِ بذلك، فاحتلت أفغانستان ما يقارب 20 سنة وفشلت، واحتلت العراق ولا يزال الفشل مصيرها، وتدخلت في كل صغيرة وكبيرة في حياة المسلمين، وان شاء الله سيكون الفشل مصيرها، ودعموا كيان يهود في فلسطين ما يقارب 70 عامًا ونكّلوا بأهلها ودّمروا الحرث والنسل بعد أن زرعوا هذا الكيان اللقيط في قلب العالم الإسلامي لمنع عودته إلى معترك الحياة.

وكذلك ظهرت أحزاب دينية وقومية في القرن المنصرم للتخلص من هذا الواقع المرير المؤلم ولكنها باءت بالفشل؛ لأنها لا تملك رؤيا واضحة ًومستقبليّة لقيادة الأمة الإسلامية إلى أن ظهر العالم الجليل رحمه الله الشيخ تقي الدين النبهاني أزهري الدراسة فلسطيني المولد، وقام بتأسيس حزب التحرير في أواسط الخمسينات من القرن الماضي. وقد كان هذا العالم يمتلك رؤيا واضحة عن خلاص الأمة من هذا الواقع المرير وألَّف عشرات المؤلفات منها (مقدمة الدستور، نظام الحكم، النظام الاقتصادي، النظام الاجتماعي) وغيرها الكثير من المؤلفات. واستطاع هذا الشيخ النبهاني رحمه الله تشكيل النواة الأولى للجماعة المبرئة للذمة القائمة على العقيدة الإسلامية لخوض غمار الكفاح السياسي ضد الكافر المستعمر والحكام الخونة الجاثمين على صدور أبناء الأمة الإسلامية، وها هو الحزب يتمدّد والآن يعمل في أكثر من 50 بلدًا إسلاميًّا وغير إسلامي لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضّرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» وفي رواية «من خذلهم»… فنسأل الله العلي القدير أن نكون منهم، وأن يكون حزب التحرير هو تلك الطائفة. ورغم التنكيل والتعذيب والتقتيل والسجن لأعضاء الحزب فإنهم صابرون ويعملون من غير أن تأخذهم في الله لومة لائم مع أبناء الأمة لإنهاضها وإقامتها خلافة راشدة على منهاج النبوة.

يا أبناء الأمة الإسلامية، ألم تسمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من خلع يدًا من طاعة الله لقي الله ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» ، ألا يكفيكم الذل والهوان؟! ألا تتَّعظون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أترضون بالميتة الجاهلية؟، أما ترضون أن تكونوا من الطائفة المنصورة وتساندون حزب التحرير لاقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة… اللهم اجعلنا من شهودها وجنودها، اللهم عجل لنا بها يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.                                                                                                                                          (وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *