النظام العالمي هو ضد الإسلام والمسلمين، ومسار التنمية الباكستاني يكمن في العودة إلى الإسلام وإقامة دولة الخلافة
2023/08/13م
المقالات
1,136 زيارة
المهندس معز من باكستان
تتصارع الدوائر الاستراتيجية والسياسية الباكستانية مع انهيار الاقتصاد وتداعياته على الدولة والمجتمع، وهناك شبه إجماع على أن باكستان بحاجة إلى تجربة شيء جديد ومختلف، إلا أن هناك ندرة في الأفكار الجديدة، ولكن أجواء الأزمة والذعر المحيطة بها أفسح المجال أمام النخبة الباكستانية ذات الطابع الغربي لتقديم أجندتها، وهي قناعة بأن باكستان بحاجة إلى محاكاة تجربة التنمية الغربية وتبنّي مسار التنمية على النحو المنصوص عليه من قبل صانعي السياسة والأكاديميين الغربيين، وتعتقد هذه النخبة الغربية أن باكستان لم تقطع شوطًا كافيًا في مسار الإصلاح الذي تطالب به المؤسسات الدولية، سواء بتحرير الاقتصاد أم بإعادة تصوّر البناء الاجتماعي لباكستان وإعادة تحديد دورها الدولي وعلاقاتها الدولية.
إن أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في هذا المسار الجديد وجدول أجندة الإصلاح يتعلق بالفائزين والخاسرين في التنافس بين الهند وباكستان حيث انتصرت الهند وخسرت باكستان، وبالتالي فإن هذه الخسارة يجب أن تحفز باكستان على إعادة النظر والتفكير في سياساتها ومسارها التنموي. إنّ الدعوة الواضحة لهذا الفصيل النخبوي هي بأن تخضع باكستان للوقائع الجديدة، وتتخلى عن موقفها الأيديولوجي بشأن كشمير، وتعيد النظر في علاقتها بأفغانستان، وتتخلى عن طموحها في التنافس مع الهند وتشرع في تشييد علاقة تعاون معها مبنية على التجارة والترابط الاقتصادي، وتقوّي تحالفها مع الولايات المتحدة… ويرى الفصيل أنه يجب على باكستان إعادة تعريف نفسها وتجعل من نفسها «ذات صلة» بالمجتمع الدولي وخاصة الدول الغربية القوية لتحصل بالتالي على قبول على المستوى الدولي، مما سيسمح بعد ذلك بتدفق المكاسب الاقتصادية لباكستان؛ وهذا يتطلب التراجع عن معاداة أمريكا والتخلي عن هويتنا الإسلامية وتبنّي الحداثة القانونية والتقدم الاجتماعي… وبالتالي تغيير البنية الاجتماعية والقيمية للمجتمع. باختصار، فإن ما يعيق باكستان في نظرهم هو هويتها وأيديولوجيتها وثقافتها التي لا تتوافق مع النظام الدولي والعالم الحديث الذي صاغته القوى الغربية.
غالبًا ما يتم طرح فكرة إعادة تشكيل المجتمع والدولة وهويتها بشكل جذري في المناقشات بشكل مبسّط وعرضي، وفي كثير من الأحيان لا يفهم مؤيدو الفكرة كيف تتشكّل المجتمعات والدول حقًا وكيف تعمل الهويات الوطنية، فعملية إعادة تصور مجتمع ودولة لا تنفصل أبدًا عن الميول والقناعات الأيديولوجية للقائم بإعادة التشكيل. مقولة إن باكستان قد خسرت لصالح الهند وهذا ينبغي أن يحفّز المجتمع للعمل على فعل شيء مختلف، من ناحية ينم عن تحيز وقناعة بأن باكستان والهند واقعتان في منافسة دائمة، وهذا يعني أن كلا البلدين يعتبران حجم احتياطيات النقد الأجنبي وعدد المليارديرات والشركات الكبرى وعدد وقوة الجيوش والنفوذ الجيوسياسي… معطيات لقياس تقدمهما، ويُقاس تقدّم باكستان مقابل تقدم الهند، وليس مقابل تقدم اليابان أو ألمانيا أو بولندا… ومن المفارقات أن الدعوة إلى نبذ عدائنا التاريخي تجاه الهند يصاحبه التمسك بالتنافس التاريخي مع الهند وتوجيهه نحو غايات اقتصادية مختلفة، بينما ليس من السهل التخلص من التاريخ. هذا ينقلنا إلى مستوى آخر من الطرح، وهو سوء فهم كيفية بناء المجتمعات والأمم وتنظيمها، وهو قلب المشكلة.
يتم تعريف الهويات الوطنية من خلال التجارب السياسية العضوية المتجذرة في المعتقدات الثقافية والأفكار التأسيسية التي تربط الناس ببعضهم البعض، وقد أُسس كيان باكستان حول فكرة أن مسلمي شبه القارة الهندية سيفقدون هويتهم الثقافية والحضارية في شبه القارة المتحدة، وأن كونفدرالية علمانية مع حماية دستورية للمسلمين مع الدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات تُدار بشكل مشترك من قبل المسلمين والهندوس لا يتوافق مع التطلعات السياسية للمسلمين الذين يسعون لبناء مجتمع قائم على أحكام مستنبطة من القرآن والسنة. بالتالي، فإن المحرك السياسي وراء إنشاء باكستان لم يكن مدفوعًا باعتبارات اقتصادية، ولكن كان لديه دافع أكثر جوهرية، وهو هويتنا كشعب ومجتمع.
ركّزت فكرة المطالبة بتقسيم شبه القارة الهندية إلى الدول ذات الأغلبية المسلمة والدول ذات الأغلبية الهندوسية على الهوية الدينية ومعتقدات السكان الهنود، المسلمون هم المؤمنون بالتوحيد، والهندوس هم المشركون، وبالتالي لا يمكن للمسلمين أن يخضعوا لسلطة الهندوس، وهذه هي الفكرة نفسها التي ألهمت وحفّزت مسلمي كشمير الذين تحدّوا وكافحوا الحكم الهندوسي لأكثر من سبعة عقود. إن كشمير المحتلة هي واحدة من أكثر المناطق عسكرة في العالم، وهي ليست شهادة على نجاح الدولة الهندية، بل دليل على أن المجتمعات والدول لا يتم إعادة تشكيلها على أساس الوقائع الجديدة والشعور بالهزيمة، بل تُبنى المجتمعات والدول وتُعاد هيكلتها على أساس المعتقدات الأيديولوجية والطموحات الحضارية لمن عندهم تصور للعالم الذي يريدون إيجاده ويسعون جاهدين لجعله حقيقة واقعة مهما كان الثمن.
إن صعود الهند ليس بجهودها، فلأكثر من أربعة عقود، كانت الهند على هامش النظام الدولي، وحافظت على بعدها عن منافسة القوى العظمى التي تشكّل الساحة الدولية، ومن خلال ادّعاء الحياد استبعدت الهند نفسها عن النظام الدولي الذي أنشأته أمريكا ونظامها من الحوافز والمثبطات الجيوسياسية. يرتبط صعود الهند بالمخاوف الأمريكية بشأن النمو الاقتصادي الهائل في الصين الذي قرع أجراس الإنذار في السياسة الخارجية الأمريكية ومؤسسات الدفاع، وكان الانفتاح على الصين، الذي تصوره (هنري كيسنجر) لتقسيم المعسكر الشيوعي واحتواء الاتحاد السوفياتي، يعود لعقلية صانعي السياسة الأمريكيين. لقد سهّلت أمريكا الاندماج الصيني في النظام الدولي لاستباق التحالف الشيوعي بين الصين والاتحاد السوفياتي، من خلال تحويل الصين إلى مصنع للعالم الغربي، واستخدامها كسوق ضخم للطموحات العالمية وللشركات الأمريكية متعددة الجنسيات. الآن وبعد أن أصبحت الصين قوة اقتصادية وتستخدم قوتها الاقتصادية لبناء قدراتها الدفاعية وتأكيد نفسها كقوة سلمية في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي؛ تخشى أمريكا من صعود الصين الجيوسياسي وتعمل على بناء الهند واليابان كقوة موازية للصين. بالتالي فليس من المستغرب أن تكون كلٌّ من الهند واليابان جزءًا من تحالف رباعي بنته أمريكا، والذي يضم أيضًا أستراليا. بدأت أمريكا في دمج الهند في النظام الدولي تحت قيادة (مانموهان سينغ) كحافز لإقناع الهند بقبول الأجندة الجيوسياسية الأمريكية، تمامًا مثلما كانت باكستان تغرق بالمساعدات والقروض الأمريكية في عصر (أيوب خان) لإيقاع باكستان في براثن المعسكر الأمريكي. في ظل حكم مودي، أبدت الهند استعدادها لتقديم العطاءات الأمريكية، وأن تكون أداة في رقعة الشطرنج الأمريكية ضد الصين، ومثلما تم استخدام الصين كأداة لتحقيق الأجندة الجيوسياسية الأمريكية ضد الاتحاد السوفياتي، حلّت الهند الآن محل الصين كأداة جيوسياسية ضد الصين نفسها لتحقيق الأهداف الجيوسياسية الأمريكية، وهذه هي حقيقة نهوض الهند، ولا يرجع ذلك إلى مرونة النظام السياسي في الهند، ولا بسبب براعة النخبة السياسية والحاكمة، أو قوة مؤسساتها التعليمية، بل إنّ صعود الهند هو ريع جيوسياسي، وحافز ومكافأة على استعداد الهند لتنفيذ السياسة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
لقد تم تمكين صعود الهند بشكل مباشر من قبل المؤسسة العسكرية الباكستانية. الخطأ الاستراتيجي المتمثل في الوقوف إلى جانب أمريكا في حربها على «الإرهاب» وإعادة هيكلة الجيش، وإعادة تنظيم العقيدة والقدرات العسكرية والأمنية لباكستان وتركيزها بعيدًا عن الهند نحو تطوير قدرات مكافحة «الإرهاب» وبدء محادثات السلام واعتماد أجندة التطبيع مع الهند، والتخلي عن كشمير، وقمع البنية التحتية الجهادية المتمركزة في الهند، ووقف إطلاق النار على خط السيطرة، كل ما سبق أدّى إلى خلق مساحة للهند للابتعاد عن تركيزها الاستراتيجي على باكستان إلى الأجندة الأمريكية الأوسع للمنطقة؛ لذلك كان «انتصار» الهند اليوم هو بسبب القرارات الكارثية التي اتخذها حكام باكستان لاتِّباع الإملاءات الأمريكية في جنوب آسيا وفي أفغانستان. لقد فازت الهند لأننا ساعدناها في طريقها إلى «النصر»؛ لكن بدلًا من الاحتفال بهذا الانتصار من خلال الاستسلام للواقع، الخيار الأكثر حكمة هو التوقف عن مساعدة الهند والبدء فعليًا في التنافس معها في العالم الحقيقي.
يكمن جوهر المشاكل الاقتصادية والسياسية والعسكرية في باكستان في التنمية المعيبة ونموذج التقدم الذي تتبنّاه النخبة الحاكمة في باكستان. فمنذ نشأتها، عانت باكستان من ارتباط تطورها وتكاملها مع النظام الدولي الذي بنته أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، سواء أكان ذلك بتنافس باكستان مع الهند، أم هيكلة اقتصادها، أم تطوير قدراتها العسكرية وتحقيق طموحاتها الإقليمية، فإن حكام باكستان لم يتخيلوا أبدًا أنهم يستطيعون دفع باكستان إلى الأمام في أي من هذه المجالات دون مساعدة من أمريكا أو من القوى الأوروبية. لقد تم تصميم نظام الري والسدود في باكستان والسياسة الزراعية بأكملها من قبل الأمريكيين مقابل قيام باكستان بتوفير قواعد المراقبة لأمريكا ضد الاتحاد السوفياتي، وساعدت باكستان أمريكا في خوض الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي مقابل الدعم الاقتصادي والموارد المالية التي ساعدت باكستان على بناء قدراتها العسكرية ضد الهند. وعندما أعلنت الهند الحياد وكانت جزءًا من حركة عدم الانحياز ورفضت الاندماج في النظام الدولي الأمريكي، ألقت أمريكا نظرها في الاتجاه الآخر؛ حيث قامت باكستان ببناء برنامج أسلحتها النووية ردًا على برنامج الهند النووي، وقد اعتبرت أمريكا برنامج الأسلحة النووية الباكستاني بمثابة عصا لترغم الهند على الاستسلام، واختارت باكستان عدم معارضة الأولى.
وعندما شنّت أمريكا حربها على الإسلام بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، قبلت باكستان الضمانات الأمريكية بعدم معاداة الهند، وأعادت تشكيل عقيدتها العسكرية وتوجيهها تجاه مكافحة «الإرهاب»؛ مما أدى إلى إحداث تغييرات في الكتاب الأخضر للجيش الباكستاني ونحي اعتبار الهند التهديد الأول لباكستان. قبلت باكستان الضغط الأمريكي على كشمير، ورفضت تحدي الهند عسكريًا عندما ضمّ مودي كشمير المحتلة في أغسطس من عام 2019م، وتم قبول ضغط فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية لتفكيك البنية التحتية الجهادية المتمركزة في الهند. تم تصميم سياسة الطاقة الباكستانية من قبل البنك الدولي؛ مما أدى إلى تراكم ديون دائرية ضخمة في قطاع الطاقة، فشرعت باكستان بتفعيل برامج إصلاح متكررة من صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة الاقتصاد الباكستاني وفقًا للإملاءات الغربية فقط، لينتهي بها الأمر في أزمة أخرى تتطلب المزيد من الدعم من أمريكا ومؤسساتها متعددة الأطراف. حتى اليوم، فإن الإجماع الحاصل بين النخبة الحاكمة في باكستان والمثقفين الغربيين هو أن باكستان ليس لديها خيار سوى القبول ببرنامج إصلاح صندوق النقد الدولي لمواصلة مسارها التنموي، وحتى عندما شرعت باكستان في مسار التنمية الذي كان من المفترض أن يكون مستقلًا عن أمريكا، فقد ذهبت إلى الصين لجذب الاستثمارات في البنية التحتية والنقل، وهي استثمارات أثبتت أنها وصفات مرهقة تزيد من عبء الاقتصاد الباكستاني الضعيف؛ مما دفع باكستان إلى حافة الإفلاس.
إن فشل النخبة الحاكمة في باكستان في تخيل مسار مستقل لتقدم باكستان وتنميتها يكمن جزئيًا في الماضي الاستعماري لباكستان، فقد ورثت باكستانُ الدولةَ والمؤسساتِ الاستعمارية الحاكمة التي خلفها البريطانيون بعد عهد الحكم البريطاني، بعد أن أوجد البريطانيون جوًّا سياسيًّا وفكريًّا ربط تطور شبه القارة الهندية وتقدمها بمحاكاة التجربة السياسية والفكرية للغرب، وقد بنت أمريكا على هذا الإرث الاستعماري وحاصرت باكستان في فخ الانصياع لنظامها الدولي.
إنه من المؤكد أنه لا يوجد شيء في جعبة النظام العالمي والبنية التحتية المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية الدولية التي تحكم العالم اليوم من حيث توزيع السلطة داخل هذا النظام؛ وهذا النظام تسيطر عليه أمريكا وحدها مستبعدة كل القوى الأخرى. لقد أنشأت أمريكا مؤسسةَ النقد الدولية في (بريتون وودز) لفرض الدولار الأمريكي على التجارة الدولية. وأزمة ميزان المدفوعات في باكستان هي النتيجة المباشرة لمشاركة باكستان في هذا النظام، واختارت باكستان وكل العالم الإسلامي – عن طيب خاطر – إجراء التجارة الدولية بالدولار، وتم إعداد صندوق النقد الدولي ليكون بمثابة الملاذ الأخير للبلدان التي تعاني من نقص في الدولارات، ومن المثير للاهتمام أن باكستان وأمريكا على حد سواء على شفا التخلف عن السداد، وبينما تُجبر باكستان على قبول الشروط القاسية لبرنامج صندوق النقد الدولي مقابل الدولارات التي أوصلت بالفعل إلى طريق مسدود في الاقتصاد وتسببت في تضخم في المأساة الاقتصادية ومعاناة الشعب. تنتظر أمريكا قرارًا من (الكونجرس) لرفع سقف ديونها؛ لأن أمريكا تتمتع بمكانة فريدة من نوعها لإصدار الدولارات من خلال بنكها المركزي (الاحتياطي الفيدرالي). وبينما يتعين على باكستان والعالم الإسلامي كسب الدولارات لتكون قادرة على المشاركة في التجارة الدولية، فإن أمريكا تطبعها أو تصدرها حسب حاجتها من خلال النظام المالي المعقد الذي أنشأته، وتأسس البنك الدولي للسيطرة على مسار التنمية في البلدان التي يتم فيها توفير تمويل المشاريع للبلدان المتلقية من خلال المساعدات والقروض للمشاريع التي تتوافق مع المصالح الغربية ومصالح الشركات الغربية متعددة الجنسيات، وقضية منجم (ريكو ديق) للنحاس والذهب سيئة السمعة، حيث فرضت محكمة التحكيم الدولية التابعة للبنك الدولي على باكستان غرامةً قدرها 11 مليار دولار لمنح عقد التعدين لشركة (باريك جولد) هي مجرد مثال واحد على التصاميم المهيمنة والاستعمارية لهذه المؤسسات الدولية؛ ومن خلال التهديد بالحذف من نظام (سوفت)، ومنع الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية، وممرات الشحن الدولية، والخدمات، وما إلى ذلك، تفرض أمريكا عقوباتٍ على الدول التي لا تتبع سياستها، وبالتالي إخضاعها للأجندة الأمريكية.
وهكذا، فإن النظام الدولي خاضع كليًا للسيطرة الأمريكية، وأمريكا هي التي تختار الرابحين والخاسرين في هذا النظام، وقد سمحت أمريكا لليابان وألمانيا بالاستفادة من هذا النظام بشرط أن يتم نزع سلاحهما بعد هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية. الآن من خلال التهديد بالحرب في مضيق تايوان والحرب الأوكرانية الروسية في أوروبا الوسطى، أجبرت أمريكا كلًّا من اليابان وألمانيا على زيادة ميزانياتهما الدفاعية واعتماد موقف أكثر عدائية تجاه الصين وروسيا خدمة للأهداف الجيوسياسية الأمريكية. لقد كانت الصين ذات مرة في الجانب المفضل لهذا النظام الدولي وهي الآن على الجانب المتلقي، وكانت الهند ذات يوم منبوذة من قبل النظام لكنها تتمتع الآن ببركاته، والنخب الحاكمة في باكستان مستعدة لجعل باكستان دولة عميلة تدور في فلك النفوذ الأمريكي مقابل نفس القدر من الامتيازات الممنوحة للهند من قبل النظام الدولي، وفي الواقع، لقد ردوا هذه القضية مرارًا وتكرارًا إلى أمريكا لمثل هذه المعاملة، وعرضوا قوتهم ومواردهم في خدمة المصالح الجيوسياسية الأمريكية، وهذا ينمُّ عن سذاجة في الدوائر الاستراتيجية الباكستانية. على الرغم من الفكرة القائلة بأن الدولة العميلة لا تخرج أبدًا عن أجندة الدولة التي تدين لها بالفضل، فقد أعمى التلقين الغربي النخب الحاكمة في باكستان عن حقيقة أن أمريكا لن تسمح أبدًا لدولة مسلمة باكتساب القوة والسلطة في هذا النظام بسبب العداء الأيديولوجي العميق الذي تحمله ضد الإسلام وخوفها من القوة الحضارية للفكر الإسلامي؛ ولغاية ما قبل مائة عام وقبل الحرب العالمية الأولى، كانت بلاد المسلمين تحكمها دولة الخلافة التي كانت لاعبًا قويًا على الساحة الدولية حتى منتصف القرن الثامن عشر، وعلاوة على ذلك، فإن مشروع الاستعمار الغربي الذي بدأ في القرن الخامس عشر، كان قادرًا على السيطرة على الكثير من أجزاء العالم (بما في ذلك أفريقيا والقارة الأمريكية)، إلا أن البلاد الإسلامية والحضارة الإسلامية وقفت كأشرس عقبة أمام الاستعمار الغربي. وأخيرًا، وتحت الاستعمار الأوروبي ثم الأمريكي، كانت أول تجربة لعموم أوروبا أو عموم الغرب، حيث تضافرت فكرة الحضارة الغربية الموحّدة كمشروع سياسي، الحروب الصليبية المسيحية ضد دولة الخلافة. وهكذا فإن الوحدة التكوينية والمحددة للحضارة الغربية التي بدأت في تشكيل نفسها والنظر إلى نفسها، كانت ضد المسلمين ودولة الخلافة، واستمر هذا العداء العاطفي المتجذر بعمق في التقاليد السياسية المسيحية، وفي كونه جزءًا من الحضارة الغربية حتى بعد تبنّي الأيديولوجية العلمانية في القرنين السابع عشر والثامن عشر من قبل مختلف الدول الغربية؛ وينظر الغرب حتى اليوم إلى العالم الإسلامي من منظور الصدام الحضاري بين الإسلام والغرب، وإصراره على حماية الكفر ضد المقدسات الإسلامية باسم حرية التعبير، والدفع الغربي الأخير لإجبار العالم الإسلامي على قبول فعل الشذوذ الجنسي الحقير، لهو دليل على هذا الصدام الحضاري.
إن السبيل الوحيد للمضي قُدُمًا لباكستان والعالم الإسلامي هو الخروج من هذا النظام الدولي الذي تسيطر عليه أمريكا ورسم طريقها الخاص والمستقل للتقدم والتنمية على أساس الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية. إنّ رفض العالم الإسلامي الخضوع للهيمنة الأمريكية في العراق وأفغانستان له جذور تاريخية عميقة، فقد حكمت الأمة الإسلامية العالم في ظل دولة الخلافة، وسيطرت على الساحة الدولية عندما طبق الإسلام في بلاد المسلمين وعندما حملت رسالة الإسلام من خلال الجهاد إلى بقية العالم؛ وقد رفضت الأمة المسلمة الاستسلام للواقع على مدار قرون من الزمن، وقد استولت على الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية في وقت واحد، ودمرت الإمبراطورية الرومانية بغزو القسطنطينية، وحررت فلسطين من السيطرة المسيحية بعد خسارتها أمام العالم المسيحي لمدة 90 عامًا، وقاتلت الاستعمار الأوروبي، وهي منخرطة في صراع شرس من أجل الحصول عليها. إن التخلص من الهيمنة الأمريكية يكمن في إعادة الإسلام إلى الحكم والسلطان، إن أمة مسلمة موحدة، تضم باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والبلاد الإسلامية في الشرق الأقصى وأفريقيا تحت سلطة خليفة واحدة ستكون غنية بالموارد، وستكون دولة قوية تستعيد من خلالها مكانتها العالمية باعتبارها خير أمة أخرجت للناس. قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥبِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣).
2023-08-13