الإلحاد «الجديد»… ظاهرة مجتمعيَّة أم (خطة خفيَّة)؟
2023/08/13م
المقالات
956 زيارة
نصر فياض/أبو إبراهيم
قلقيلية/ الأرض المباركة فلسطين
لقد قامت أمريكا ومعها دول الغرب الأوروبي الرأسمالية ضمن حملتها للقضاء على الإسلام والحيلولة دون وصوله للحكم بشن حرب أفكار على المسلمين بعد الفشل الذريع في الحروب المادية الصلبة التي خاضتها ضد المسلمين، وكان أحد فصول هذه المواجهة مع المسلمين هو العمل على تشجيع الإلحاد، والدفع به إلى أن يصبح ظاهرة منتشرة في بلاد المسلمين، وسخرت أمريكا بوصفها رأس الحربة للغرب الكافر في هذه المواجهة وسائل متعددة، فشنَّت الحملات المنظَّمة والممنهجة على الإسلام للتشكيك فيه، وهدمه، وإبعاده عن الحكم والتطبيق؛ فقامت أمريكا بالتركيز على دعم الإلحاد في العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإعلان الحرب على الإسلام فيما أطلقت عليه الحرب على الإرهاب. وهذا الإلحاد الذي عملت على دعمه وتشجيعه، توسعت في مفهومه ليحقق الأهداف الأمريكية، فأصبح يتداول مصطلح الإلحاد الجديد، والعمل على جعله ظاهرة مجتمعية بارزة.
ولتسليط الضوء أكثر على مفهوم الإلحاد وما أصبح يروَّج له من مصطلح الإلحاد الجديد نقول وبالله التوفيق:
-
الإلحاد لغة: هو الميل عن القصد، والعدول عن الشيء، ومصدره لحد، واللحد هو جانب القبر. فالإلحاد لغة يراد به كل من مال عن القصد والحقّ.
والإلحاد في اصطلاح علم الأديان والفرق: هو مذهبٌ فكري ينفي وجود خالق للكون، واشتقت التسمية من اللغة الإغريقية (أثيوس atheos) وتعني بدون إله، وإلى ذات المعنى ذهبت موسوعة ويكيبيديا في تعريفها للإلحاد. فالإلحاد كمصطلح يعني (إنكار الدين، وأصل هذا الإنكار هو إنكار وجود الإله).
أما المعنى الحديث للإلحاد (الإلحاد الجديد)، فقد تم التوسع فيه ليعني التنصل من الدين ومن قيوده، وتركه، كما يقولون، لصالح تبني فكرٍ إنساني يضمن حقوق الرجل والمرأة، ويكفل التعددية والاختلاف، ويدعم الأفراد واستقلالية أفكارهم، وهذا المعنى يتواءم مع العلمانية التي تقدِّس العلم وتهمل الدين وتفصله عن الحياة فهي غير مكترثة بالاعتراف به أو إنكاره.
فالإلحاد المادي الذي نشأ نتيجة التحول الفكري عند الغرب بعد عصر التنوير كان يسمى الإلحاد المادي (الحديث)، فإطلاق وصف الحديث عليه كان لأن أوروبا لم تكن تعرف هذه الأفكار الإلحادية قبل ذلك، وكان الإيمان بالدين هو الغالب على المجتمع.
فالإلحاد الذي نشأ وأطلق عليه الإلحاد المادي الحديث هو القائمٌ على إنكار وجود الله أصلًا، وقد زعم أهله أنّهم وصلوا إليه عن طريق العلم والبحث المحسوس، وعن طريق التجربة والدراسة، وهذا الإلحاد هو الذي أسس للفكر الاشتراكي ومنه الشيوعي.
أما إطلاق الباحثين والعلماء في الغرب لمصطلح الإلحاد الجديد أو الحديث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فكان نتيجة التوسع في المفهوم ليشمل أنواع مختلفة وأشكال متنوعة من الإلحاد توسع فيها الباحثون والعلماء الغربيون وهم يدرسون ظاهرة الإلحاد في الغرب، وازدياد أعداد الملحدين، مستغلين ذلك لشن حملة مدروسة ومنظمة ضمن الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإسلام والتي أطلق عليها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (الحرب على الإرهاب) وذلك من أجل نقل ما يعيشه الغرب من ابتعاد عن الدين وازدراء له وحتى محاربته من البعض، إلى المسلمين من أجل الابتعاد عن الدين ومحاولة عدم تأثيره في المجتمع والحيلولة دون وصوله إلى الحكم، فظهر مصطلح الإلحاد الجديد أو الحديث، ويُرجع بعض الباحثين مصطلح الإلحاد الجديد للصحفي اللاديني غاري وولف في ٢٠٠٦م بأنه هو الذي صاغ المصطلح ليصف الأفكار التي يتبناها بعض ملحدي القرن الحادي والعشرين. ومن أهمّ مبادئه: عدم التسامح مع «الخرافات والأديان واللاعقلانية»، لتأثيرها السيِّئ في شتّى مناحي الحياة. وأشهر من يمثّله ريتشارد داوكنز Richard Dawkins، ودانييل دينيت Daniel Dennett، وسام هاريس SamHarris، وكريستوفر هيتشنز Christopher Hitchens، ويطلق عليهم عادةً الفرسان الأربعة.
فبحسب هذا المصطلح، أصبح للإلحاد عندهم أنواع وأشكال كثيرة ومتنوعة ومتداخلة حسب دراسة البواعث والدوافع والزوايا التي تناولها الباحثون أو العلماء الغربيون في دراستهم للإلحاد، فقد أورد أحد الكتَّاب قسمًا مما تناوله الباحثون والعلماء في هذا الجانب من أنواع وأشكال الإلحاد، فكتب: (الملحد: هو المنكر للدين ولوجود الإله… اللاديني: وهو الاسم الذي يفضله كثير من الملاحدة، مع أن لفظ (اللاديني) يعني من لا يؤمن بدين، وليس بالضرورة أن يكون منكرًا للإله… ضد الدينAntitheist: هو الملحد الذي يتخذ موقفًا عدائيًا من الإله والدين والمتدينين… الربوبيDiest: هو الذي يؤمن بأن الإله قد خلق الكون، ولكنه ينكر أن يكون قد تواصل مع البشر عن طريق الديانات… اللاأدريAgnostic: هو الذي يؤمن بأن قضايا الألوهية والغيب لا يمكن إثباتها وإقامة الحجة عليها كما لا يمكن نفيها، باعتبارها فوق قدرة العقل على الإدراك… المتشككSkeptic: هو الذي يرى أن براهين الألوهية لا تكفي لإقناعه، وفي نفس الوقت لا يمكن تجاهلها… العلمانيSecularist: العلمانية هي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم المادي والعقل ومراعاة المصلحة بعيدًا عن الدين، وهو اصطلاح سياسي لا علاقة له بعقيدة الفرد الدينية…)
(أشكال الإلحاد: تختلف أشكال الإلحاد وألوانه بحسب الدراسات والبحوث التي تناولته، وهنا سأنقل بعض ما اطلعت عليه وأسردها دون ترتيب، والملاحظ أن بعضها يشمل البعض وطبيعي أن تتداخل كثير منها لاشتراكها في دوافعها وبواعث ظهورها: ١- الإلحاد الفلسفي… ٢- الإلحاد العلمي… ٣- الفكر الإلحادي القوي… ٤- الفكر الإلحادي الضعيف… ٥- الإلحاد المطلق… ٦- الإلحاد الجزئي… ٧- اللاقدرية والعدمية… ٨- الإلحاد العابر… ٩- الإلحاد الباحث عن اليقين… ١٠- الإلحاد الانتقامي… ١١- الإلحاد التمردي… ١٢-الشيوعيون… ١٣- الهاربون من الدين… ١٤-الشكَّاكون…) انتهى الاقتباس من المقال.
فممَّا سبق، نجد أن الإلحاد لم يعد يعني إنكار الدين وإنكار وجود إله، بل أصبح له مجموعة من الصور والأشكال التي يُعمل على دعمها. فالإلحاد الجديد الذي تعمل أمريكا على نشره اليوم هو رأسمالي وليبرالي ومحاكٍ للغرب. ويتميز بجرأة وعلانية في نشره، وفيه تحدٍّ لافتٌ للدين والقيم، ويركز على إسقاط النصوص والتاريخ والرموز المقدسة، وهو يتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي ساحة أساسية للنشر، ويغلف بطابع إنساني وعالمي وبالمحافظة على الحقوق وبأنه الضامن للتقدم.
فأصبح الحديث عن ظاهرة الإلحاد يجري بوصفها ظاهرة عالمية، وأصبح يتم رصدها ووضع إحصاءات لها في معظم دول العالم، ويتم تضخيم أعداد الملحدين في بلاد المسلمين بشكل مقصود، مع أن إحصاءات أخرى جعلت نصيب المسلمين هو الأقل عالميًّا، وتكاد تكون الأعداد شبه معدومة بالنظر لأعداد المسلمين، حيث اعتبر الشرق الأوسط المنطقة الأكثر إيمانًا حسب إحدى الدراسات التي بيَّنت أن اكثر من 84% من سكان العالم هم من أتباع الأديان السماوية، أو من المؤمنين باعتقاد أو بشيء ما، أما الباقي فلا يؤمنون بشيء على الإطلاق، كما صنفوا هم أنفسهم في حملة قامت بأكثر من 2500 إحصاء في 230 دولة ومنطقة جغرافية بالعالم طوال عام 2010م، ومنها اتضح أن سكان الشرق الأوسط هم أكثر الشعوب إيمانًا، حسبما نقل موقع «العربية نت».
الحملة قام بها «منتدى بيو فوروم للدين والحياة العامة»، وهو مركز دراسات وأبحاث أمريكي متخصص بالأديان والمعتقدات، ومن نتيجتها أكد أن الإلحاد أصبح «الديانة» الثالثة بالعدد في العالم بعد المسيحية والإسلام، وأن الدين الحنيف هو الأكثر قابلية للانتشار. وبحسب دراسات أوردتها بي بي سي البريطانية يتَّضح أن الإلحاد هو ظاهرة في دول معينة، وأنها ظاهرة تعاني منها المجتمعات الغربية عمومًا، وهي التي تفصل الدين عن الحياة ولا تقيم وزنًا للدين. وأما المسلمون، فلا يشكل الإلحاد ظاهرة بارزة عندهم. فقد أوردت الـ (بي بي سي) البريطانية ما يبين ذلك فذكرت: (… وفقًا لدراسات أخرى، فإن معدلات الإلحاد هي الأعلى في أوروبا وشرق آسيا: 40% في فرنسا، و39% في بريطانيا، و34% في السويد، و29% في النرويج، و15% في ألمانيا، و25% في هولندا، و12% في النمسا… أجابوا أنهم لا يؤمنون بوجود أرواح أو آلهة أو قوة خارقة، وجاءت النسب أعلى لمن عبروا عن إيمانهم بوجود روح أو قوة ما. وهؤلاء يطلق عليهم لادينيين أو لاأدريين. بلغت النسب في شرق آسيا 61% في الصين، و47% في كوريا الجنوبية، بينما تعد اليابان حالة معقدة إذ يتبنى الفرد الواحد أكثر من معتقد في وقت واحد. في أميركا الشمالية: 12% في الولايات المتحدة يعتبرون أنفسهم ملحدين، و17% لا أدريين، و37% يؤمنون بوجود روح ما ولكنهم لا دينيين. و28% في كندا.) بي بي سي.
في حين إن الناظر إلى الإلحاد في بلاد المسلمين يجد أنه حالات شاذة، وهو لا يشكل نسبة ذات وزن في المجتمعات في بلاد المسلمين، وما يراد من التهويل والتضخيم في شأنه مخطط له لأهداف سياسية. ففي عام 2014م، عمَّمت وسائل إعلام سعودية دراسة أجرتها مؤسسة (وين غالوب الدولية للأبحاث) كشفت فيها أن 5% من السعوديين إلى 9% قالوا أنهم كانوا ملحدين. وهي إحصائية مبالغ فيها، فقد نشر مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية تقريرًا أوضح أرقامًا من مؤشر الإلحاد في كل دول العالم أعده مركز (ريد سي) التابع لمعهد (جلوبال) تبين أرقامًا غير ما ذهبت له مؤسسة (وين غالوب الدولية للأبحاث )، ففي السعودية ذكرت أن هناك 170 ملحدًا، وفي مصر 866 ملحدًا، وفي المغرب 225 ملحدًا، وفي تونس 320 ملحدًا، وفي العراق 242ملحدًا، وفي سوريا 56ملحدًا، وفي ليبيا 34 ملحدًا… وهذه الإحصاءات تبين أن الإلحاد في البلاد الإسلامية هي حالات فردية.
ومن الجدير بالذكر، فقد قامت دار الإفتاء المصرية وفقًا لموقع (ديلي نيوز )المصري بتقسيم الملحدين إلى ثلاث مجموعات:
أولًا: الذين لا يعترضون على الإسلام كدين؛ ولكن يرفضون (أسلمة السياسة) وينادون بدولة علمانية.
ثانيًا: الذين يرفضون الإسلام كدين تمامًا .
ثالثا: الذين يتحولون من الإسلام إلى دين آخر.
وفي ذات السياق، نأخذ مثالًا على ذلك العراق وأعداد الملحدين فيه، فقد جاء في مقال بعنوان: (ما هو عدد اللادينين والملحدين في العراق؟) إحصاءات متناقضة. فممَّا جاء فيه: (…يصل عدد البالغين في العراق بعمر 18 سنة فأكثر إلى حوالى 18 مليون شخص. وتختلف التقديرات هنا وهناك عن عدد الملحدين منهم. فمن قائل إن عددهم بلغ الصفر باعتبار أن العراق هو سابع أكثر دولة متدينة بالعالم (88% نسبة التدين وفقًا لإحصاء أممي) إلى من يقول إنهم لا يتجاوزون 242 شخصًا (بتقديرات الأزهر!!) إلى قائل إنهم بحدود 400 إلى 500 ألف بتقدير لباحثة هولندية مهتمة بالموضوع نشرت أرقامها قبل حوالى سنتين. وقد تداولت جميع المواقع العراقية تقريبًا في بداية الشهر الثامن الماضي إحصاء لمدون أمريكي اسمه جوان كول Juan Cole ينقل عن (مروان صالحي) تحت عنوان «Death of God in Iraq» أو «موت الرب في العراق» يقدر به عدد الملحدين بـ 32% من العراقيين، أي ما يعادل 6 مليون شخص! ومع أن هذا الرقم مبالغ به جدًّا، وبصورة أقرب للفكاهة؛ ولكننا شهدنا عددًا من المقالات والمنشورات التي شككت بالأرقام باعتبار أن الاستبيان ربما تم في كردستان، ولا يعكس كل الواقع العراقي، وبأن من ورائه مجهولين ولا يمكن التثبت من حقيقتهم ودوافعهم، ولم يكلف أحد نفسه البحث عن الاستبيان الأصلي نفسه ومراجعة أرقامه. ولا يمكن أن نضيف كل من لهم شكوك في وجود خالق أو عدمه إلى قائمة الملحدين واللادينيين بأي حال.
لذلك نرى أن الدراسات والإحصاءات في هذا المجال قليلة بل نادرة وغير دقيقة، ويتقصد الغرب التضخيم فيها، ونجد أن بعض هذه الإحصاءات يعتمد على أعداد المواقع الإلكترونية الإلحادية، وأعداد المتابعين لها، وهي لا تشكل إحصاءات دقيقة أو ذات مصداقية لاعتبارات عديدة موضوعية يعرفها الخبراء والمتابعون في هذا المجال.
وعليه نستطيع القول إن الغرب يعمل على تشجيع الإلحاد وإبرازه كظاهرة عبر دعمه وتغيير القوانين لصالحه من عدم تجريم الإلحاد أو ازدراء الأديان، واستحداث بعض القوانين التي تشجع الإلحاد، والعمل على تطبيقها من مثل قانون حماية الطفل واتفاقية سيداو، وأيضًا نشر الإلحاد وتشجيعه عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وهي تعد بالمئات باللغة العربية والإنجليزية حسب دراسة للبي بي سي 2015م. وهذا يعطي الإلحاد والملاحدة حجمًا أكبر مما هو عليه الأمر في الواقع، وهو ما يعتبر ترويج لأطروحاتهم الساقطة، وهذا ما فعلته السعودية في شهر مارس/آذار من استضافة الملحد أدونيس (علي أحمد سعيد) وهو سوري من الطائفة العلوية، ويعدُّ المروِّج الأول لمذهب الحداثة في البلاد العربية، وقد هاجم التاريخ الإسلامي والدين والأخلاق في رسالته الجامعية التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه في جامعة (القديس يوسف) في لبنان، وهي بعنوان: (الثابت والمتحول) ودعا بصراحة إلى محاربة الله عز وجل. فقد تم استقباله بحفاوة، وقام بإلقاء المحاضرات في مدن (الرياض والطائف وجدة)، ويأتي هذا ضمن السياسة المرسومة (الأمريكية والغربية) لدعم الإلحاد وهدم الإسلام والقضاء عليه، ويظهر ذلك بشكل جلي من دعوة أدونيس للإلحاد ومحاربة الإسلام، فمن أقواله: (يجب أن يتحول الإسلام إلى دين فردي لا دين جماعي أو دين دولة، دون ذلك يستحيل التقدم) (الإسلام اليوم لا عقل فيه، الإسلام بلا ثقافة، والإلحاد خطوة أساسية في التحول الاجتماعي والثقافي والإنساني).
الاستراتيجية الأمريكية للقضاء على الإسلام باسم (إصلاح الإسلام) ونشر الإلحاد.
تقوم الاستراتيجية الأمريكية على أهداف عديدة نذكر منها:
١- إصلاح الإسلام يستهدف تغيير نصوص القرآن، وتغيير الخطاب الديني عبر الدعوة لتجديد الخطاب الديني.
٢- التشكيك وهزّ الثقة بأحكام الإسلام والسنة النبوية، والفقه الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، والشخصيات من الصحابة، والقادة العظماء، والعلماء، ونشر الخلاف المفضي للتشكيك في الدين، وهدمه في النفوس بإزالة القدسية عنه والتجرؤ عليه.
٣- ضرب المشروع الإسلامي السياسي والترويج لفشله، وعزوُّ الفشل للإسلام نفسه وعدم قدرته على الحكم.
٤- الدعوة للعلمانية والإلحاد الجديد، ونشر ما تسميه القيم الإنسانية المشتركة، ومن ذلك الدعوة للديانة الإبراهيمية، ومن ذلك أيضًا الدعوة لاعتبار الأمم المتحدة دينًا جديدًا .
ولتنفيذ هذه الاستراتيجية عملت أمريكا على تغيير المناهج التعليمية، وتوجيه وسائل الإعلام، وإبراز شخصيات تحمل هذه الأفكار الهدَّامة، والترويج لهذه الدعوات، ونشر المقالات والكتب، والتركيز بشكل خاص على الفضاء الإلكتروني عبر الحسابات والمجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات في اليوتيوب؛ وهنا نستطيع القول إن روابط ومجموعات الملحدين في بلادنا هي متصلة بشبكات دولية، وتتلقى الدعم من الغرب.
إن من أخطر ما استخدمه الغرب في هذا المجال هم عملاء الغرب (المنافقون) ممن يحمل الشهادات العلمية في الدين، وأصحاب المناصب والكتَّاب، ومن يطلق عليهم المفكرون، فإن دورهم خطير وعملهم خبيث وماكر، فهم يهاجمون الإسلام بقصد التشكيك فيه، وهزّ الثقة بأصوله وأحكامه، وكل ما يتصل به من ثقافة وشخصيات، فنجدهم يشكِّكون في كل ما يتصل بالإسلام، وتحطيم نماذج القدوة من صحابة وعلماء وقادة في نفوس المسلمين، وتشويه الهوية والتاريخ الإسلامي، وتمييع ثوابت الشريعة في العقيدة والأحكام والفقه الإسلامي، والتشكيك فيها، والطعن في السنة النبوية وفي الأئمة الذين جمعوها، ويروِّجون في الوقت نفسه لاستخدام العقل وترك النص الشرعي واعتماد أفكار علمانية يطلق عليها إنسانية وعالمية زورًا وبهتانًا.
وهذا ما كشفته مؤسسة راند التابعة للحكومة الأمريكية في تقريرها لعام (2003-2004)م: «خلق قدوة وأمثلة من المجددين (من مسلمي راند)… وتربيتهم وتقديمهم كوجه للإسلام العصري… ومسلمي راند الذين توجد إمكانية لسجنهم (بسبب كفرهم وارتدادهم وخيانتهم) لا بد أن نجعلهم كقائدين مشجعين لحقوق المواطنين، ونشر وتوزيع عملهم ودعمهم حكوميًّا، وتشجيعهم على الكتابة إلى جموع القرَّاء والشباب، وتقديم وجهة نظرهم في أجندة التعليم الإسلامي، وإعطائهم منابر عامة، وجعل آرائهم وحكمهم في المسائل الأساسية في ترجمة أصول الدين متاحة للجميع في منافسة آراء وحكم المسلمين الحقيقيين الذين لديهم مواقع إنترنت وبيوت نشر ومدارس ومعاهد ووسائل أخرى لنشر وجهة نظرهم».
وفي السياق ذاته جاء في موقع trt بتاريخ ٥/9/٢٠٢٢م الخبر التالي: (في مطلع الشهر الجاري أعرب مجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية (CAIR)، أكبر منظمة إسلامية للدعوة والحقوق المدنية في البلاد، عن «قلقه» بشأن برنامج المنح التي تقدمها وزارة الخارجية الأمريكية لتشجيع الحركات الإلحادية في المناطق ذات الأغلبية المسلمة في آسيا والشرق الأوسط.
ووفقًا لمكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل (DRL)، ستُستخدم الأموال لإنشاء وتقوية «شبكات من المدافعين عن المجتمعات المتنوعة من الملحدين والإنسانيين وغير الممارسين وغير المنتسبين من جميع الطوائف الدينية في البلدان المستهدفة».
في هذا الصدد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عبر مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل (DRL) عن مسابقة تنافسية مفتوحة للمنظمات المهتمة بتقديم طلبات للمشاريع التي تدعم الحرية الدينية على الصعيد العالمي، ستُمنح فيها منح تبلغ قيمتها 500 ألف دولار لمنظمات تلتزم ممارسة ونشر الإلحاد والإنسانية، وبالتحديد في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في آسيا والشرق الأوسط.
وتهدف المنحة إلى تعزيز تمتُّع الجميع بالحرية الدينية، بما في ذلك حرية الاعتراض على المعتقد الديني وعدم ممارسة التزام دين ما، في 2-3 دول تُختار لاحتضان هذه الأنشطة. كذلك سيكون المتقدمون مسؤولين عن ضمان تنفيذ أنشطة البرنامج والمنتجات وفقًا لشرط التأسيس في دستور الولايات المتحدة.).
الخاتمة
إن زخم الدعوة إلى الإلحاد مستمر ضمن الحرب الأيدلوجية على الإسلام ،فيما يسمى حرب الأفكار، والصراع بين الأنظمة الحاكمة والإسلام الحركي، والدعوة للعلمانية والثقافة الغربية. فبالرغم من محاولات الغرب في نشر الإلحاد، وتوسيعه بين المسلمين، ومحاولة التشكيك، ونشر مسائل الخلاف، وهدم القيم والأسس والقدوات من أجل الابتعاد عن الإسلام وهدمه، فإن الإلحاد بقي حالات شاذة في المجتمعات الإسلامية كما أظهرت الإحصائيات والدراسات المختلفة، في حين أن ظاهرة الإلحاد متأصلة في المجتمعات الغربية نتيجة الدعوة لفصل الدين عن الحياة، وعدم الاهتمام بالدين، بل المناداة بفصله، وتقديس العلم، والنظريات العلمية، وجعلها المرجعية وليس الدين.
فقد كان لهذه الظاهرة عندهم آثار كارثية، من أهمها الخروج عن الفطرة، فكانت دعوات الشذوذ والإباحية، والنوع الاجتماعي (الجندر)، وكان العذاب النفسي، وضنك العيش، وغیاب تفسیر واعٍ للحیاة والوجود، وانفلات الغرائز، والجري وراء الشهوات… ما سبَّب بهدم الأسرة، وتفكك المجتمع، واستفحال المشاكل والأزمات؛ فزاد الانتحار والضياع.
إن محاولات الغرب نَقْلَ ما يعيشه إلى مجتمع المسلمين، والعمل على ترك المسلمين الإسلام والتخلي عنه… هذا غير ممكن بل هو مستحيل على المستوى الجماعي عند المسلمين، فعقيدة الإسلام متى لامست القلوب عن عقل وبينة، فإنه لا توجد قوة في الأرض تستطيع أن ترد المسلمين عن دينهم، وما محاكم التفتيش في الأندلس عنا ببعيد، وكذلك ثبات المسلمين في الاتحاد السوفياتي بالرغم من الاضطهاد والقتل، وما يحدث في الصين وبورما من أعمال مروعة لم يجعل المسلمين يرتدون عن دينهم، فالرهان على المسلمين أن يغيِّروا دينهم أو يتركوه هو رهان خاسر. وحتى الرهان بأن المسلمين سيتركون العمل من أجل تطبيق الإسلام وإيصال الإسلام إلى الحكم بسبب فشل الإسلاميين ( المعتدلين) – كما يحب الغرب تسميتهم – في تجربتهم في الحكم، أو الممارسات الخاطئة من بعض الجماعات فهذا وهم. فالمسلمون يدركون أن الإسلام بريء من كل الممارسات التي تعتبر انحرافًا عنه وعن أحكامه وعن كل من يخالف منهجه وشريعته، ولا يرجعون ذلك إلى دينهم، بل هم يدركون مكر أعدائهم، ولديهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه B، ويتمسكون بهما ولن يضلُّوا أبدًا.
والمسلمون ينبذون كل مرتد، وكل من يعمل من عملاء الغرب، أيًّا كان موقعه أو مسماه، على التشكيك بدينهم، أو يعمل على هدمه أو المساس بأي شيء ينتقص من أحكامه، أو تاريخ المسلمين، أو أسس الإسلام، أو القدوات الحسنة من الصحابة أو العلماء والقادة العظماء، وهم بذلك يغيظون الكفار وأعوانهم، ويردون كيدهم إلى نحورهم.
والمسلمون يعلمون أن الإسلام هو الحجة، ولا شيء حجة عليه؛ لذلك يتمسكون بدينهم، ويعملون على إقامة حكم الإسلام في الأرض، وتطبيق أنظمته في دولة الخلافة، فالمسلمون حكموا الأرض أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، وكانوا الدولة الأولى في العالم على مدى قرون، وهم موعودون بالنصر والتمكين وعودة الخلافة على منهاج النبوة الثانية التي ستفتح الأرض جميعها، ويظهر الإسلام على الدين كله، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣) [التوبة: 32-33].
2023-08-13