العدد 444 -

السنة الثامنة والثلاثون، محرم 1445هـ الموفق آب 2023م

النصرة والبيعة والهجرة… نبراس هدى يضيء لنا الدرب إلى دار الإسلام

لقد كانت الهجرة هي المحصلة النهائية لمرحلة الدعوة في مكة؛ حيث كانت كل أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة تهدف إلى الوصول إلى الهجرة… والانتقال بهذا الحدث من دار الكفر إلى دار الإسلام بإقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة؛ من هنا كانت الهجرة نقلة مفصلية، وكان ما بعدها مختلفًا عما قبلها، وكانت نقلة نوعية من دعوة يقوم بها تكتل يقوده الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة مستضعفة من الصحابة لاقوا في سبيل الثبات على إيمانهم بها أشد أنواع الابتلاء إلى دعوة تقوم بها دولة يقودها الرسول صلى الله عليه وسلم ليحقق بها كل أهداف الإسلام من عبادة الله بالحكم به وتطبيقه، وتعبيد الناس بنشره بالدعوة والجهاد وإدخال الناس فيه. لقد كانت الهجرة هي من أهم العناوين التي حققها الرسول صلى الله عليه وسلم. ولعل أول من عرف قدرها هوالخليفة الراشد الثاني سيدنا عمر بن الخطاب؛ وذلك حين أرخ تاريخ المسلمين بدءًا من حدوثها، وذلك لأنها كانت تعني ما تعنيه!!!.

وعلى كل من أراد من المسلمين أن يقف اليوم على ذكرى الهجرة أن يذكر ما تعنيه من إقامة الإسلام، خاصة وأن الإسلام لم يعد قائمًا كدولة ونظام حكم وحياة إسلامية قائمة في كل تفاصيلها على تطبيق أحكام الإسلام، وعلى الجهاد في سبيل الله ودعوة الناس للدخول فيه، وإقامة الصراع الدولي على أساس الصراع بين الحق والباطل، بين الإسلام والكفر… من هنا كانت الهجرة تحمل معاني كبيرة، وإذا أردنا أن نقوم بحقها فحقها كبير علينا.

إن من يدرك واقع الرسالة الإسلامية والتي جعلها الله سبحانه وتعالى عالمية ورسالة خاتم يدرك أن وجود الدولة الإسلامية  في حياة المسلمين هي جزء جوهري من الإسلام، وذلك معلوم من الدين بالضرورة، وأن الخليفة هو الجهة التي أناط الله سبحانه وتعالى بها تطبيق الإسلام ونشره، وكل من يفهم الإسلام الفهم الصحيح لا بد من أن يدرك أن الهجرة لا تعني إلا إقامة الدولة الإسلامية… وهذا ما فهمه ورقة بن نوفل الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة بعدما سمع منه ما جرى له في غار حراء، حين قال له: «هذا هو الناموس الذي أنزله الله على موسى، ياليتني أكون فيها جَذَعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك»، قال صلى الله عليه وسلم: «أو مُخْرِجِيَّ هم؟!». قال ورقة: «نعم لم يأتِ رجل قطُّ بمثل ما جئتَ به إلّا عُودِيَ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مُؤَزَّرًا».

لقد كانت أحداث الدعوة في مكة وصد الكفار عنها كلها تصب في منع انتشارها والقضاء عليها في مهدها لئلا تحقق مبتغاها في تحطيم الأصنام والقضاء على عبادتها وبالتالي تحطيم العلاقات الاجتماعية وطريقة الحياة التي يحيون عليها، ولعل في قول الأعرابي عندما سمع بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم: «هذا أمر تكرهه الملوك» أصدق تعبير وأوجزه في وصف الدعوة في مكة. والجدير ذكره أن أكثر ما كان يخاف زعماء الكفر يومها هو هذا الحدث؛ لذلك ما إن علموا بالنصرة والبيعة حتى أسرعوا إلى محاولة إجهاضها والعمل على التخلص من الرسول ودعوته نهائيًّا؛ لذلك اجتمعوا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن يتفرق دمه في القبائل، فشاء الله أن يكون فيما أرادوه من شر قتل الرسول صلى الله عليه وسلم مولد ذلك الحدث العظيم: إقامة دولة الإسلام؛ من هنا كانت الهجرة هي الطريق إليه. وهل كانت الهجرة إلا بعد ما كانت النصرة؟! وهل كانت الهجرة إلا بعدما كانت البيعة؟! والسؤال الذي يطرح الآن: لماذا تقبل القبائل أن تشترك في قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس من أهلها؟… لقد قبلت ذلك لأنها علمت كما علم زعماء مكة أن هذه الدعوة هي دعوة توحيد تقضي على الوثنية وعلى الشرك بكل صوره في مكة وخارجها، وأنها لا تقبل المشاركة ولا ترضى بالآخر معها، فهي تقوم على التوحيد وحسب. فيا مسلمين، لقد فهم زعماء الكفر في الجاهية ما تعنيه الهجرة أكثر مما فهمه علماء المسلمين اليوم، بل أكثر من ذلك، فإن الغرب وحكام المسلمين الضرار يفهمون ذلك أفضل منهم!!!. 

وإنا لنتساءل: لماذا يغفل علماء المسلمين عن الحقائق التي تعنيها الهجرة؟ لماذا لا تحركهم هذه الذكرى نحو إحيائها فعلًا في حياتهم؟ وفي الحقيقة فإن مثل هذا التساؤل نتوجه به إليهم لأنه يقع على عاتقهم هم أن يفهموا حقيقة الهجرة، أولًا، ومن ثم عليهم أن يفهموها للمسلمين ويدفعوهم لإقامتها معهم؛ ولكن ذلك لم يحدث ومن غير المتوقع أن يحدث منهم ذلك لأنهم تخرجوا من معاهد شرعية تعلم الدين منقوصًا… فيا أيها العلماء، هذا ما تعنيه النصرة، وإنكم لتضيعون معناها حين لا تذكرون للمسلمين ما تعني، وإنكم أنتم المسؤولون عن ذلك، فالهجرة ليس لها إلا معنًى واحدٌا هو هذا المعنى…

إن الهجرة بهذا المعنى يجب إحياؤها من خلال العمل لها. والعمل لها لا يكون إلا بالعمل لإقامة الخلافة الراشدة، والعمل لإقامة الخلافة الراشدة يتطلب وجوبًا العمل له من خلال جماعة لأن هذا الفرض من فروض الكفاية التي لا يمكن أن يقام الفرض إلا به… وهذا يتطلب البحث في الجماعات التي تسعى لإقامة هذا الفرض. أما البحث في الجماعات العاملة للتغيير وإقامة الخلافة فإنا نقول مع الأسف أنه لا يوجد إلا حزب التحرير… ولماذا لا يوجد إلا هذه الجماعة، فلأن الدعوة  والعمل لإقامة حكم الله بإقامة الخلافة هي، على من يريد القيام به، من الصعوبة ومن الخطورة بمكان، وسيواجه الغرب الكافر ومعه أذنابه من الحكام، هذه الدعوة بأقسى ما يكون؛ لذلك لا يتحمل هذه الصعوبات والتهديد إلا من كان فهمه للإسلام صحيحًا وإيمانه وإرادته أقوى مما يواجهه، ولعله أن يكون بيد واحدة أمينة هو الأهدى والأضمن حتى لا يضعف بالخلاف واختلاف الرأي. وبناء على هذا الكلام كان الموضوع التالي متعلقًا بهذه الجماعة التي أكرمها الله بهدايتها لهذا الفرض… وإنا لنحمد الله سبحانه وتعالى على هدايته لهذه الجماعة وحمايتها وتثبيتها، وإنا لنستهديه ونستعينه، إنه القادر على كل شيء، والغالب على أمره.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *