العدد 441-442 -

السنة الثامنة و الثلاثون، شوال – ذو القعدة 1444هـ الموافق أيار – حزيران 2023م

مع القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

 (وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ  ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٩)

جاء في تفسير (في ظلال القرآن) لسيد قطب (رحمه الله):

«وهذه قاعدة تشريعية عملية لصيانة المجتمع المؤمن من الخصام والتفكك، تحت النزوات والاندفاعات. تأتي تعقيبًا على تبيُّن خبر الفاسق ، وعدم العجلة والاندفاع وراء الحمية والحماسة قبل التثبت والاستيقان. وسواء كان نزول هذه الآية بسبب حادث معين كما ذكرت الروايات، أم كان تشريعًا لتلافي مثل هذه الحالة، فهو يمثل قاعدة عامة محكمة لصيانة الجماعة الإسلامية من التفكك والتفرق. ثم لإقرار الحق والعدل والصلاح، والارتكان في هذا كله إلى تقوى الله ورجاء رحمته. والقرآن قد واجه – أو هو يفترض – إمكان وقوع القتال بين طائفتين من المؤمنين. ويستبقي لكلتا الطائفتين وصف الإيمان مع اقتتالهما، ومع احتمال أن إحداهما قد تكون باغية على الأخرى، بل مع احتمال أن تكون كلتاهما باغية في جانب من الجوانب.

وهو يكلف الذين آمنوا – من غير الطائفتين المتقاتلتين طبعًا – أن يقوموا بالإصلاح بين المتقاتلين. فإن بغت إحداهما فلم تقبل الرجوع إلى الحق – ومثله أن تبغيا معًا برفض الصلح أو رفض قبول حكم الله في المسائل المتنازع عليها – فعلى المؤمنين أن يقاتلوا البغاة إذًا، وأن يظلوا يقاتلونهم حتى يرجعوا إلى أمر الله. وأمر الله هو وضع الخصومة بين المؤمنين، وقبول حكم الله فيما اختلفوا فيه، وأدى إلى الخصام والقتال. فإذا تم قبول البغاة لحكم الله، قام المؤمنون بالإصلاح القائم على العدل الدقيق طاعةً لله وطلبًا لرضاه (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ)».

۞ وجاء في تفسير( تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن) لابن سعدي:

«هذا متضمن لنهي المؤمنين عن  أن يبغي بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضًا، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين، فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير بالإصلاح بينهم والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك، فإن صلحتا فبها ونعمت، وإن (بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ) أي: ترجع إلى ما حدَّ الله ورسوله من فعل الخير وترك الشر الذي من أعظمه الاقتتال.  وقوله: (فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ) هذا أمر بالصلح، وبالعدل في الصلح، فإن الصلح قد يوجد ولكن لا يكون بالعدل، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين، فهذا ليس هو الصلح المأمور به، فيجب أن لا يراعى أحدهما، لقرابة أو وطن أو غير ذلك من المقاصد والأغراض التي توجب العدول عن العدل (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ) أي: العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات التي تَولَّوها، حتى إنه قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله وعياله، في أدائه حقوقهم، وفي الحديث الصحيح: «المقسطون عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما وُلُّوا »

۞ وجاء في (التفسير الوسيط للقرآن الكريم) لسيد طنطاوي:

والتعبير بـ(إن) للإِشعار بأنه لا يصح أن يقع قتال بين المؤمنين، فإن وقع على سبيل الندرة، فعلى المسلمين أن يعملوا بكل وسيلة على إزالته… وقوله: (فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ) والبغي: التعدي وتجاوز الحد والامتناع عن قبول الصلح المؤدي إلى الصواب، أي: فإن بغت إحدى الطائفتين على الأخرى، وتجاوزت حدود العدل والحق، فقاتلوا – أيها المؤمنون – الفئة الباغية، حتى تفيء وترجع إلى حكم الله تعالى وأمره، وحتى تقبل الصلح الذى أمرناكم بأن تقيموه بينهم… وقيَّد سبحانه الإِصلاح بالعدل. ثم أكَّد ذلك بالأمر بالقسط حتى يلتزم الذين يقومون بالصلح بينهما العدالة التي لا يشوبها أى حيف أو جور على إحدى الطائفتين».

۞ وجاء في (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير:

يقول تعالى آمرًا بالإصلاح بين المسلمين الباغين بعضهم على بعض :(وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ) فسماهم مؤمنين مع الاقتتال. وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يُخرج من الإيمان بالمعصية وإن عظمت… وقوله:(فَإِنۢ بَغَتۡإِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِ) أي: حتى ترجع إلى أمر الله وتسمع للحق وتطيعه، كما ثبت في الصحيح عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انصر أخاك ظالـمًا أو مظلومًا» قلت: يا رسول الله، هذا نصرته مظلومًا، فكيف أنصره ظالـمًا؟ قال: «تمنعه من الظلم، فذاك نصرك إياه»… وقوله: (فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ) أي: اعدلوا بينهم فيما كان أصاب بعضهم لبعض بالقسط، وهو العدل. (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ) قال ابن أبي حاتم: حدثنا… حدثنا، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن، بما أقسطوا في الدنيا».

  ۞ وجاء في (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) لابن عطية:

والطائفة: الجماعة، وقد تقع على الواحد، واحتج لذلك بقوله تعالى: (۞وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ ١٢٢)… فهذه الآية الحكم فيها في الأفراد وفي الجماعات واحد… وقوله: (بَغَتۡ) معناه : طلبت العلو بغير الحق، ومدافعة الفئة الباغية متوجه في كل حال. وأما التهيؤ لقتالها فمع الولاة، وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أمشركون أهل صفين والجمل؟ قال: لا، من الشرك فرُّوا. قيل أفمنافقون؟ قال :لا؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغَوا علينا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم حكم الله في الفئة الباغية أن لا يجهز على جريح،  ولا يطلب هارب، ولا يقتل لهم أسير. و(تَفِيٓءَ) معناه: ترجع .والإقساط :الحكم بالعدل.

 

 

۞ قال الشافعي (رحمه الله) أي قال الله تبارك وتعالى: «فذكر الله عز وجل اقتتال الطائفتين، والطائفتان الممتنعتان، الجماعتان كل واحدة تمتنع أشد الامتناع أو أضعف إذا لزمها اسم الامتناع، وسماهم الله تعالى المؤمنين، وأمر بالإصلاح بينهم، فحقَّ على كل واحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح. وبذلك قلتُ: لا يبيت أهل البغي قبل دعائهم؛ لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله عز وجل قبل القتال، وأمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية وهي مسماة الإيمان حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها؛ لأن الله عز وجل إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *