العدد 441-442 -

السنة الثامنة و الثلاثون، شوال – ذو القعدة 1444هـ الموافق أيار – حزيران 2023م

دار الإسلام

   فارس الفارس

عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير

ولاية العراق

 ونحن نسعى لتغير حياة المسلمين لا بد من معرفة واقع دار المسلمين اليوم… هل هي دار إسلام أم دار كفر؟ ونحن هنا لا نتحدث عن سكانها وإنما عن الدار أو البلدِ أو الوطنِ الذي يسكنه مجموعةٌ مِن النّاس وهذا يستدعي فهم النصوص والأدلة بصورة دقيقة ثم ربطها مع الواقع الذي نعيشه وإنزالها عليه لنستطيع أن نصدر الحكم بشكل لا لبس فيه..

بداية نقول أنّ الدّيارَ تنقسم إلى دارين دار إسلامٍ، ودار كفرٍ، حيث ورد ما يؤيد هذا المعنى ما جاء في حديث بُرَيْدة رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أرسل سريّةً أو جيشًا أوصى قائدَها قائلًا: «ثمّ ادعهم إلى الإسلامِ، فإنْ أجابوك، فاقبلْ منهم، وكُفَّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل مِن دارهم إلى دار المهاجرين» رواه مسلم. وأيضًا قال صلى الله عليه وسلم: «لا يَقبلُ اللهُ عز وجل مِن مشركٍ بعدما أسلم عملًا، أو يفارقَ المشركين إلى المسلمين» رواه النّسائي وابنُ ماجة بإسنادٍ حسن- فدلّت هذه النّصوصُ على وجود دارَين دار إسلام ودار كفر…

دار الإسلام هي الدار التي يعيش أهلها تحت ظل الإسلام، سواء أكانت هذه الدار صغيرة أم مترامية الأطراف. وهذا يتحقق  بأمرين:

أن تكون أحكام الإسلام مطبقة على الرعيّة في جميع شؤون الحياة، داخليًّا وخارجيًّا.

أن يكون أمان هذه الدار بأمان المسلمين متمثِّلًا بأجهزة الدولة وعلى رأسها الخليفة.

قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ) فمن مستلزمات تمكين الدين تطبيقه ووجود الأمان للحفاظ عليه. وهما الأمران اللازمان للدار لتكون دار إسلام. هذا بالاضافة إلى الآيات الأخرى التي جاء فيها وجوب الحكم بما أنزل الله، قال تعالى: (وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ)، وقال تعالى: (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ)، وقال تعالى: (وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ). ومن أدلة ذلك أيضًا ما جاء في وثيقة المدينة، فقد ورد في هذه الوثيقة «وإنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإنّ مردّه إلى الله ومحمد صلى الله عليه وسلم…» وهذا لا يدع مجالًا للشك في أن  الحكم في هذه الدار هو للإسلام فقط. وهذا ما فهمه الصحابة الكرام وطبقوه عمليًّا في الفتوحات الإسلامية؛ إذ كان مجرد خضوع البلد وسكانها لحكم الإسلام تصبح جزءًا من دار الإسلام وإن بقي أهلها على دينهم. وفي المقابل إن احتلَّ الكفار بلدًا من دار الإسلام، أصبحت دار كفر، وإن كان أهلها مسلمين.

وبناءً على هذا الوصف الذي قدَّمناه للدار، فإن واقع بلاد المسلمين اليوم يقول إنها دار كفر لأنها لا تحكم بالإسلام ولأن أمانها ليس بيد المسلمين… وهنا قد يقول قائل لماذا لا تكون دار إسلام؟ بناءً على أنّها تطبق بعض أحكام الإسلام، أو أنها تنص في دستورها على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، أو أن الإسلام هو المصدر الرئيس للأحكام … فنقول: إن كل ماسبق لا قيمة له؛ لأن الأصل هو تحكيم الإسلام في جميع شؤون الحياة؛ بحيث تكون العقيدة الإسلامية هي الأساس الوحيد لكلّ ما في الدولة من أفكار ومفاهيم وأنظمة. وبنظرة سريعة على واقع هذه الدول يجد أنها تدعو إلى تطبيق الديمقراطية المبنية على عقيدة فصل الدين عن الحياة.كما إنها تلتزم بقوانين وأنظمة وضعية في سياستها الداخلية والخارجية… وزيادة في إيضاح واقع دار الإسلام المتمثل بالخلافة واختلافها عما هو موجود الآن من أنظمة، لا بد من بيان أوصاف وأسس هذه الدولة والتي منها:

أولًا: السيادة للشرع فقط في كل نواحي الحياة، فلا سيادة للعقل ولا للأكثرية (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِر).

فالحاكم يبايعه الناس ليُنفذ الشرع، فإنْ هو خرج عن الشرع حاسبوه هم حتى يرجع هو إليه، وإن خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع حاسبهم هو حتى يرجعوا هم إليه.

ثانيًا: السلطان للأمة؛ حيث تبايع الأمة الخليفة لينوب عنها في تطبيق الشرع، قال صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ، وإنه لا نبّيَ بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعةِ الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فاٍنَّ الله سائلهم عمّا استرعاهم» رواه مسلم. وهذا السلطان يظل بيد الخليفة ما دام ملتزمًا بالشرع.

ثالثًا: وجود خليفة واحد للمسلمين؛ إذ يحرم على المسلمين أن يكون لهم أكثر من خليفة واحد، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» رواه مسلم. وقد أجمع الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الحكم.

رابعًا: للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية فيما له علاقة برعاية شؤون الرعية. فإذا تعدَّدت الاجتهادات فهو المسؤول أمام الله، وتجاه المسلمين عن تبنِّي حكم شرعي من هذه الاجتهادات، الذي يغلب على ظنّه أنه الصواب لتطبيقه.

خامسًا: جهاز الحكم في دولة الخلافة، وما يميّز دولةَ الخلافة أن لها جهازًا تنفيذيًّا خاصًّا بها، ويتكون هذا الجهاز من: الخليفة، والمعاونين، والولاة، وأمير الجهاد، والقضاة، والجهاز الإداري، ومجلس الشورى…

سادسًا: ليس لدولة الخلافة حدود ثابتة تقف عندها لأنّها مكلّفة شرعًا بوجوب حمل الإسلام إلى الناس كافّة، وتطبيقه عليهم، سواء أسلموا أم لم يسلموا، قال تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا)، وقال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ).

سابعًا: الدولة الإسلامية تلتزم بأحكام الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية، فيحرم عليها التحاكم إلى قوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن. أو انضمامها إلى أحلاف أو معاهدات يكون السلطان فيها للكفار على المسلمين، لقوله تعالى: (وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا).

ثامنًا: اللغة العربية هي اللغة الرسمية للتخاطب محليًّا ودوليًّا، وهي لغة التثقيف والتعليم والإعلام؛ لأنها لغة القرآن والسنة. وأما تعلّم لغات أخرى غير العربية فهو فرض على الكفاية، تقوم به الدولة قدر ما يسدّ حاجتها.

هذه الأسس والمميزات لدولة الخلافة المستنبطة من الأدلة الشرعية يجب أن تكون واضحة لدى المسلمين بشكل عام، وعلى حملة الدعوة بشكل خاص، وهم يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة، قال تعالى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٥٣)ۚ

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *