العدد 441-442 -

السنة الثامنة و الثلاثون، شوال – ذو القعدة 1444هـ الموافق أيار – حزيران 2023م

المرأة وحمل الدعوة

نسيبة إبراهيم – ولاية الأردن

منذ أن أول نزول الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الغار، برز دور المرأة واضحًا وفاعلًا؛ حيث رجع صلى الله عليه وسلم إلى زوجه الوفية، المخلصة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وقصَّ عليها ما رآه في الغار، وما حدث بينه وبين جبريل عليه السلام، فأخذت تشدُّ من أزره وتثبته على الحق، وتفتح له أبواب الخير، وتبشِّره بالخير، وتهدِّئ من روعه وقالت له: «والله لا يخزيك الله أبدًا؛ لأنك تصل الرحم، وتكرم الضيف، وتساعد الكَلَّ، وتُعين على نوائب الدهر» فحوَّلت خوفه ورهبته إلى سكينة، وبشَّرته في ثقة أنه على الحق، ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، تستوثق لزوجها مما رأى ليزداد ثقة، وليتأكد أن ما رآه هو خير وبشرى بمستقبل مشرق، فكانت أول من آمن به متحمِّلة بذلك عبء وتبعات الرسالة.

بهذا نبدأ ونوضح أهمية المرأة في حمل الدعوة وحمل تبعاتها، وخاصة عندما تعي أنها فرض على كليهما، الرجل والمرأة، قال تعالى: (وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ٧١).

وقد أولى الإسلام المرأة اهتمامًا كبيرًا ونظر إليها نظرة تكريمٍ واعتزازٍ، فاعتبرها أمًّا وربة بيت وعِرضًا يجب أن يصان، واعتبر أن النساء شقائق الرجال في تحمل مسؤوليات الحياة، وقد كلَّفها الله مع الرجل بمهمة الاستخلاف في الأرض، وتربية الأبناء وتنشئتهم رجالًا، يحملون الأمانة ويقودون الجيوش ويرفعون راية الإسلام. وجعلها على درجة واحدة مع الرجل، في التكريم والإجلال، وفي الثواب والعقاب: الثواب على القيام بالأعمال الصالحة، أو العقاب على ارتكاب المعاصي، فلكلٍّ منهما جزاء ما عمِل.

ويؤكد القرآن على هذا المساق في أكثر من موضع منها في سورة النحل: (مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ٩٧).

وبإلقاء نظرة على حياة حاملة الدعوة في وقتنا الحالي، نجد أنها تحمل على عاتقها التعلم بأخذ الدروس، والحلقات وتعليم غيرها وحضور الفعاليات، وكذلك نجد أنها تقوم بمناهضة فكرية للمجتمع ولمن حولها وينتمون إليها في محيط العمل، أو الأسرة أو الأقارب وقد يكون أفراد من عائلتها، حملوا عليها لسيرها في هذا الطريق، وأشد من ذلك عندما يكون الزوج أو الأب هو الحائل المنيع الذي يقف أمامها ويمنعها من السير في ركب الدعوة؛ إلا أنها تصبر في مواجهة كل ذلك وتحتسب وتنتظر أن يغير الله حالها إلى ما تتمنى.

وتكابد المرأة إذا قضى الله سبحانه أن يُسجن زوجها، ويقضي العديد من السنوات وراء القضبان؛ حيث تبقى وحدها تكابد مرارة الفراق، وتحمُّل المسؤولية من بيت وأولاد وأسرة، لكن كل هذه الصور القاتمة لا تفتُّ في عضدها ولا تثنيها عن مواصلة السير، ولها في أمثال الصحابيات المثل الأعلى.

أم سلمة رضي الله عنها واحدة من القدوات التي تحمَّلت الأذى الشديد في سبيل الدعوة، فقد هاجرت بدينها إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة، وقد كان رسول الله يطلب مشورتها ويأخذ بها، ولا ينسى التاريخ الدور العظيم الذي قامت به أسماء بنت أبي بكر في الهجرة، وأم عمارة في الجهاد، وغيرهن الكثير.

ولن ننسى حاملات الدعوة في أوزبيكستان أو قرغيزستان؛ حيث الظلم والقهر والسجن لعشرات السنين، ولكن مع كل هذا الظلم والقهر نجدها تبقى صابرة ثابتة لا تتراجع أو تتوانى عن المضي قدمًا محتسبة الأجر والثواب من الله، وغايتها إرضاء الله تعالى.

ومع فهمها الصحيح للإسلام بأنه الانصياع لأمر الله في فرضية حمل الدعوة، وفي جميع أمور حياتها كلها صغيرة كانت أم كبيرة، تقاوم بكل شراسة أفكارًا مضلِّلة شوَّهت صورة المرأة المسلمة، ودفعت بها إلى الضلال والانحراف، بادعاء المحافظة على حريتها والمدافعة عن حقوقها، وإيهامها أنهم يسعون وراء سعادتها وحريتها باتفاقيات وقوانين، وهم قد بذلوا الأموال وسخَّروا كل ما يستطيعون من نسويات وجمعيات وبرامج وإعلام… بإشراف علماء السلاطين الذين أمالوا عنق النصوص وألبسوها ثوب الشرع المزيَّف؛ لتلائم ما ترنو إليه نفوسهم الخبيثة بإخراج المرأة من حصنها الحصين بيتها، ومن دفء الأسرة إلى وهم الحقوق المزيفة كأمثال حقوق المرأة والطفل، التي هي في حقيقتها إضاعة وفقدان لهذه الحقوق.

ولكن هيهات هيهات لهم أن ينجحوا في تحقيق أهدافهم الخبيثة، بوجود من يفضح مخططاتهم الماكرة، ويظهر تآمرهم وكيدهم للأمة ومحاولتهم انتزاع عباءتها، التي تسترها وتحميها من عواصف الفساد والرذيلة؛ لكنهم بإذن الله سوف يفشلون وتذهب ريحهم، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢).

 

وها هم حملة الدعوة من الرجال والنساء اليقظين، المتنبهين لقضايا الأمة، الحرَّاس الأشداء حماة الثغور، الذين يصلون ليلهم بنهارهم، ويذودون عن مصالح الأمة ويقفون سدًّا منيعًا أمام أعدائها الذين لن يصلوا إلى مرادهم ويحققوا أهدافهم.

إن على حاملات الدعوة أن يبقَين على العهد ماضي في العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة على منهاج النبوة التي يُعز فيها دين الله، ويُحكم فيها بشرعه… اللهم عجل لنا بإقامتها ورفع رايتها لننعم نحن وأولادنا بعز الإسلام ونصره، ونرجو الله أن نكون من جنودها وشهودها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *