العدد 438-439-440 -

السنة السابعة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1444هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2023م

رمضان شهر التقوى والنهضة( مترجم)

شعبان معلم

الممثل الإعلامي لـ.حزب التحرير في كينيا

لقد أنعم الله على أمة محمد ببركات لا حصر لها، وكان أهمها شهر رمضان المبارك. فخلال هذا الشهر، تملأ رحمة الله وبركاته الأفق ويسعى المسلمون لتركيز أفكارهم وطاقتهم الجسدية على الروحانيات بدلاً من المادية. إن الخصائص المهمة للرحمة ونكران الذات نادرة اليوم. هذا نتيجة للمادية الهائجة التي استحوذت على حياتنا وأجبرتنا على الاستسلام لرغبات أجسادنا، وأغرقتنا في حالة من الحرمان الروحي. من المؤسف أنه في مجتمع ما بعد الحداثة نميل إلى التغاضي عن حقيقة أن أفعالنا لها عواقب وأن الحريات التي نتمتع بها تتزامن مع مسؤوليات تجاه الآخرين.

إن المسلمين هم بالفعل خير أمة أخرجها الله للبشرية كما يقول الله سبحانه: (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ). وإن الصيام خلال شهر رمضان يجلب مستوى من الانتماء المجتمعي والوحدة والمساواة أمام الله سبحانه وتعالى. الصيام يعم المجتمع، وبالتالي تقوى روح المسلمين وترابطهم من خلال ممارسة الفرض نفسه في الوقت نفسه وبالطريقة ذاتها. لقد ربط الله سبحانه وتعالى الصيام فقط بهدف بلوغ التقوى. يقول سبحانه وتعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣)! اليوم، النظام الذي يحكم حياتنا يخلو من التقوى. للأسف، هذه الفرصة العظيمة للكثير من المسلمين في شهر التقوى ألا يضيعوا وقتهم في الحديث دون جدوى. إن الإعلام الليبرالي العلماني يحرمنا من التقوى من خلال عرض أفلام غير لائقة وضارة على منازلنا. والمسلمات محاصرات في المطبخ وإعداد الإفطار! بل إن رمضان بعد رمضان سيمر بالمسلمين دون أن يترك أثرًا في تصحيح أخطائهم ونواقصهم تجاه ربهم.

لدينا من يسمون بقادة المسلمين الذين يصفون الصوم بأنه امتناع عن الأكل والشرب؛ لكنهم لا يمتنعون عن التكليف بارتكاب المجازر في بلادهم! لقد حصروا الصوم في الإفطار! هؤلاء الحكام العملاء لم يربطوا بين التقوى والمجتمع. فمن الآداب التي يجب أن نتبعها التقوى في جميع مجالات الحياة. فإذا وجدت التقوى في العلاقات المجتمعية سيتحول العالم إلى الرحمة، لأن معاناة كل إنسان وتخلفه وسوء حظه وبؤسه نتيجة عدم مراعاة التقوى، فإن الإسلام دين خالد ويبقى إلى يوم الدين وتعاليمه أبدية… أولئك الذين يعملون وفقاً لتعاليمه سيكونون دائمًا على طريق التقوى وسيكون بمثابة إرشاد لهم. (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ).

إذا كانت التقوى تحكم مجتمعًا، وإذا كان المجتمع قائمًا على التقوى، وإذا كانت العلاقات المجتمعية قائمة على التقوى، وإذا كان المجتمع يرتدي لباس التقوى، فسيصبح هذا المجتمع راسخًا ومستقلًا. ولكن ما هي التقوى المجتمعية التي يجب على الناس مراعاتها؟

رمضان هو شهر القرآن هدى للناس. قال الله تعالى: (شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ).

نشكر الله على أن القرآن الكريم محفوظ في كل ركن من أركان العالم كما أنزل، وهو بمثابة هداية للصالحين. فكما أُرسل النبي محمد رحمة للعالمين، أُنزل القرآن الكريم بوصفه كتاب هداية للبشرية جمعاء. يغطي هذا الكتاب كل جانب من جوانب السلوك البشري. إنه دليل لكل يوم. فكما أن القرآن محصن من التحريف، فإن شريعته وإرشاداته تنطبق على البشرية جمعاء بغض النظر عن منطقتهم أو قبيلتهم. يقول الله تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧).

عند النظر إلى سلوك الصحابة عندما نزل القرآن، لم يقضوا وقتهم في حفظ الآيات فحسب، بل غيَّروا طريقة تفكيرهم وطريقة تصرفهم، ومع الوقت، غيَّروا الواقع من حولهم من خلال تغيير المجتمع ككل.

في ظل حكم الخلافة، حقَّق المسلمون العدل والازدهار والقوة من خلال التأكد من أن كل حكم مستمدّ من القرآن والسنة. لذلك في ظل الخلافة تم حل الخلافات والحكم عليها من القرآن والسنة وليس بأهواء الناس. على عكس اليوم، حيث نحكم على شؤوننا وفقاً للأمم المتحدة، ويفصل بيننا القضاة العلمانيون. قوانيننا ليست من القرآن والسنة بل من هيئات صنع القوانين مثل الكونجرس والبرلمان! في عهد الخلافة، لم يعتد المسلمون على الرأسمالية كنظام اقتصادي، بل كان النظام الاقتصادي الإسلامي معمولاً به طوال 1300 عام. وكانت السياسة الداخلية والخارجية وفقًا لما أنزله الله سبحانه وتعالى ولذا اعتبرت أراضي المسلمين جميعًا دولة واحدة، بدلًا من اعتبارها دولًا قومية منفصلة كما هو الحال في الديمقراطية.

في الواقع، يجب أن يجلب رمضان الخير لجميع المسلمين، لكن وضع الأمة وخاصة في البلاد الإسلامية مروع. فلا يزال المسلمون في ميانمار وسوريا وفلسطين واليمن يواجهون اضطهاداً طويل الأمد. وبالفعل فإن هذه الآلام ناتجة عن غياب تطبيق القرآن في حياتهم كلها. في لحظة حزن في الأمة الإسلامية بأسرها، يذكرنا رمضان بالتزاماتنا المشتركة في السعي لتحقيق العدالة والسلام والحفاظ على كرامة كل إنسان، بغض النظر عن العقيدة أو الخلفية.

الأجيال السابقة من المسلمين، استمدت من نعمة رمضان لتحقيق النصر على الكفار. فتحت قيادة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم انتصر المسلمون في معركة بدر، على الرغم من حقيقة أن جيش الدولة الإسلامية كان صغيراً في العدد، وبسيط التجهيز، وفوقه في العدد ثلاثة أضعاف خصم قوي وذو خبرة. قال الله تعالى: (وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٢٣).

قامت دولة النبي صلى الله عليه وسلم بفتح مكة التي خضعت لسلطان الإسلام أخيراً، وأنهت طغيانهم على الآخرين ومهدت الطريق أمام التوسع السريع للدولة الإسلامية في جميع أنحاء العالم. وبعد فتح مكة قال الله سبحانه وتعالى: (إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا ٢).

في ظل الخلافة حقق المسلمون انتصارات كبيرة خلال شهر رمضان في حين واجهت أعداء أقوياء. نجح المسلمون في طرد الصليبيين المحتلين من الشام رغم أنهم استقروا في بعض أجزاء منها لأكثر من قرن. وتغلب المسلمون على التتار الهمجيين في عين جالوت، رغم أنهم تسببوا في دمار رهيب بالمسلمين من قبل. لذا يجب أن يكون هذا حافزاً للعمل من أجل استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة.

حقيقة أننا نعيش في مجتمع ليبرالي علماني ينظر إلى الدين على أنه قضية فردية، يجب أن يجعلنا رمضان نفهم أن الإسلام دين شامل للحياة، ومن ثم فإننا مطالبون بتطبيقه بالكامل في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكافة القضايا.

يجب على الأمة الإسلامية أن تفهم أن المعاناة لن تنتهي إلا عند إقامة تاج الفروض الخلافة على منهاج النبوة لنعود الدولة الأولى في العالم.

اللهم امنحنا القوة لنبلغ مقصد الصوم الذي ذكره الله، وهو التقوى، وهي أعلى مرتبة للمسلم يلزمه بأمر الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *