العدد 236 -

العدد 236 – السنة الواحدة والعشرون، رمضان 1427هـ، الموافق تشرين الأول 2006م

الخلافة المرتقبة والتحديات (4)

الخلافة المرتقبة والتحديات (4)

 

ذكرنا في الحلقات السابقة النوع الأوّل من التحديات الخارجية التي تواجه دولة الخلافة المرتقبة وهي الحرب الماديّة، وذكرنا أيضاً طرق التحدّي والتصدّي والثبات في وجهها.

وفي هذه الحلقة سنذكر النوع الثاني من التحدّيات الخارجيّة وهي: (سياسات التشويه والتضليل والحرب الفكرية بكّافة أشكالها.

قبل استعراض هذا النوع من أنواع التحدّي بعد قيام دولة الخلافة، نتذّكر ما يفعله الكفار اليوم من سياساتِ تضليلٍ وتشويهٍ وحربٍ فكريّة عاتية بكافة أشكالها وألوانها؛ وذلك من أجل الحيلولة دون قيام الدولة الإسلامية.

فالحرب التضليليّة التي تستخدمها دول الكفر اليوم للصدّ عن سبيل الله كبيرةٌ وكثيرةُ الألوان والصور، منها تشويه صورة الإسلام وصورة المسلمين العاملين، ومنها الكتابات المتكررة من قبل المغرضين، ومنها أيضاً ما فعلته أميركا ودول الكفر في افتعال الأحداث ولصقها بالمسلمين، ثم الإدّعاء بعد ذلك أن الإسلام هو دين الإرهاب، وأن المسلمين إرهابيون يهدفون لتحطيم المدنيّات، وقتل البشر، وإرجاع الناس للعصور الوسطى.

وقد برز هذا الأمر بشكل جليٍّ في أثناء أحداث أيلول سنة 2001 م، حيث أخذت أميركا بالتحريض الواسع العريض ضدّ الإسلام والمسلمين في كافّة بقاع الأرض، وفي داخل بلادها. وقد قامت بقيادة حربٍ مفتعلةٍ في أفغانستان والعراق تحت هذه الذرائع الكاذبة، ومازالت أميركا تعيث في بلاد أفغانستان والعراق فساداً وخراباً ودماراً، وتنهب خيراتها وتسيطر على جميع ثرواتها تحت المسمّى الكاذب وهو (محاربة الإرهاب).

إن هذه المسألة -كما ذكرنا في الحلقة الماضية- ليست جديدة في تاريخ الإسلام، بل إن الكفر حريصٌ على تشويه صورة الإسلام في أعين الناس، وتضليلهم عن الحقائق، وبالتالي صدّهم عن سبيل الله، وحريص كذلك على اختلاق الأكاذيب والافتراءات وإلصاقها بالإسلام والمسلمين من أجل إفشال جهود الدعوة سواء أكان قبل الدولة أم بعدها، وحريص أيضاً على اختلاق الأكاذيب والافتراءات من أجل تجييش الجيوش لمحاربة الإسلام والمسلمين والسيطرة على بلادهم سياسياً واقتصادياً.

وستبقى هذه المسألة، يستخدمها الكفار في أغراضهم الخبيثة من أجل الصد عن سبيل الله، ومن أجل تقويض أيّ إنجازٍ يحقّقه المسلمون في أرض الواقع.

لذلك فإنه من المحتم أن يلجأ الكفار الغربيّون لهذا الأسلوب البغيض الخسيس الدنيء، لمحاولة تقويض الإنجاز الكبير العظيم الذي حققه المسلمون بإقامة الخلافة الراشدة، ولن يسـتطيعوا إلى ذلك ســبيلاً بإذنه تعــالى، ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [الأنفال 30]، ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) [الأنفال 36].

أما سياسة التشويه والتضليل التي سيلجأ إليها الكفار فستأخذ عدة صورٍ نذكر منها:

1- تشويه صورة الدولة الإسلامية عند الشعوب الإسلامية.

2- تشويه صورة الدولة الإسلامية عند شعوب الغرب. وربط حقيقة الدولة الإسلاميّة وأعمالها وغاياتها مع الأحداث الإجراميّة التي تفتعلها أميركا ودول الكفر وتلصقها بالإسلام والمسلمين.

3- بذل كافة الجهود في إخفاء الحقائق، وتضليل الناس عن غايات الدولة الإسلامية وأهدافها.

4- تشويه صورة الإسلام في أعين الغرب وتضليلهم عن حقيقة الإسلام وغاياته.

5- تشويه صورة التاريخ الإسلامي -وخاصّةً تاريخ الفتح- ومحاولة قلب الحقائق التاريخية.

أما النقطة الأولى وهي: تشويه صورة الدولة الإسلامية عند الشعوب الإسلامية، فإن الغرب سيبذل كافّة جهوده وأساليبه القذرة في الافتراء على الدولة الإسلامية وعلى العاملين فيها، وسيجيّش من أجل هذه الغاية الخسيسة الهابطة كلّ عملائه من حكامٍ وأتباعٍ وفكريّين.

فالدولة الإسلامية -كما يعرف الغرب- إن نجحت في تثبيت أقدامها في بداية قيامها، فلن تنفع معها كلّ الأساليب والطرق في حربها وصدّ الناس عنها، والسبب هو أن الكذب والتضليل سرعان ما تكشفه الحقائق، أي سرعان ما تكشف الدولة الإسلامية بسياساتها وأعمالها ونظرتها للشعوب كلّ هذه الأباطيل والأكاذيب المختلقة. من هذا الباب ستحرص دول الكفر، وستلقي بثقلها لتقويض هذه الدولة في مهدها.

هذه ناحية، أما الناحية الثانية:  فإن الغرب يدرك إدراكاً جيّداً أنّه ليس له القدرة على مواجهة الإسلام، وخاصّةً في عقر داره، وقد جرّب أكثر من مرّة، في فتراتٍ تاريخيّة متعدّدة، حاول فيها غزو بلاد المسلمين لكنه فشل فشلاً ذريعاً، وأخذ يبحث عن وسائل وأساليب أخرى يستطيع من خلالها السيطرة على المسلمين، وليس أدلّ على هذه الحقيقة من الحروب الاستعمارية في أوائل القرن الماضي.

من هذا الباب، ولأجل تحريض المسلمين، وتضليلهم ضد الدولة الإسلامية القائمة، سيلجأ إلى سياسة التضليل والتشويه وقلب الحقائق.

ومن الأساليب التي سيلجأ إليها الكفار بمساعدة عملائهم من الحكام والمفكرين، المسألة القوميّة والعرقية.

فسوف يحاول الكفار جاهدين -كما فعلوا من قبل عندما هدموا الخلافة- الضرب على وتر القوميّة والعصبيّة، وذلك بإثارة فكرة سيطرة بلدٍ على بلد آخر ومقدّراته، ومكتسباته.

فالغرب -باستمرار- يرسّخ في أذهان الناس فكرة الانفصال والتفرقة، ويثير الحروب بين الدول المتجاورة من أجل غاية التفرقة وترسيخ الانفصال بين الدول، وقد استغل هذه المسألة بشكلٍ جيّدٍ في السيطرة على شعوب العالم الإسلامي، واستغلّها استغلالاً جيداً في إثارة الشعوب في العالم الإسلاميّ ضد فكرة ضمّ العراق للكويت سنة 1990م من القرن الماضي.

ومن الأمور التي سيضربُ عليها الغرب الكافر، لإثارة الناس ضمن موضوع إثارة القوميات والنزعات الانفصالية، مسألة سيطرة شعب على شعب آخر، وضمّ ثرواته ومكتسباته المادية تحت سيطرته، وإن الإسلام وفكرة الدولة الإسلامية إنّما تُتخذ ذريعة لهذه الغاية الماديّة.

 وسيحاول الحكام المجرمون إثارة النزعة القومية والإنفصاليّة في صفوف الشعب، وفي صفوف الجيش، والضرب على وتر المكتسبات الخاصّة لدى الدول المجاورة، مثل ثروات البترول أو الرفاهية العالية، أو غير ذلك من أمورٍ تُخاطب بها البطون والشهوات.

ثانياً: محاولة الطعن في مصداقيّة الدولة الإسلامية، وأنها-أي الدولة الإسلاميّة- إنّما تتخذ الإسلام ذريعة لتحقيق أهدافٍ أخرى. وهذه من المسائل التضليليّة عبر التاريخ الإسلامي منذ قيام الدولة الإسلاميّة الأولى وحتى يومنا هذا.

فقد حاول كفار مكة -في بداية قيام المسلمين ببناء أسس الدولة في المدينة المنوّرة- حاولوا قلب الحقائق في أذهان القبائل المجاورة للدولة الإسلامية، فأشاعوا بأن محمّداً وأصحابه يهدفون للسيطرة على طرق التجارة، وعلى مقدّرات الناس، وأنه يستخدم الدعوة الجديدة التي يدعو لها من أجل غايات أخرى.

فالدول الغربية بمساعدة عملائها من الحكام خاصّة، سيطعنون في مصداقيّة دعوة المسلمين العاملين في الدولة الإسلامية، وسيفترون على الشعوب بأن دعوات القائمين في هذه الدولة، مثل ضمّ العالم الإسلامي وتوحيده تحت راية الإسلام، وتطبيق الإسلام على الشعوب المسلمة، وتخليصها من الظلم الذي يعيشه تحت حراب حكامها، سيقولون بأن هذه دعواتٌ كاذبة هدفها فقط إثارة الشعوب للانضواء تحت جناحهم لتوسيع دائرة سيطرتهم، وبالتالي التمكّن من تحقيق الأهداف الحقيقية التي يسعون من أجلها، ومنها السيطرة القومية، والاقتصادية.

والهدف من هذه الأكاذيب والافتراءات هو صدّ الناس عن تأييد الدولة الإسلامية، والسعي للانضواء تحت لوائها، ومحاربة كلّ من يقف في طريق ذلك من الحكام.

ثالثاً: التهْويل من عواقب الحروب، والدمار الذي سيجرّه هؤلاء المتهوّرون على الشعوب المسلمة. وهذا أيضاً من وسائل تشويه صورة المرحلة الجديدة التي تقودها الدولة الإسلامية لإنقاذ العالم الإسلامي من حالة التردي والخنوع والتدهور الكبير.

فالشعوب  -بطبيعتها كما نعلم- تحبّ الحياة، والأموال، والدَعة والسكينة والهدوء وتكره الحروب والدمار والخراب، وتهرب من الشدّة والجوع وغير ذلك من شدائد.

لذلك سيحاول الحكام جاهدين الضربَ على وتر الشدّة والحروب القادمة، والمواجهات الشديدة مع دول الغرب، والحصار السياسيّ والاقتصادي.

هذه أبرز الأمور التي يحاول الغربيون بواسطة عملائهم من الحكام إثارتها في تشويه صورة الإسلام، وتضليل الشعوب المسلمة ضد الدولة الإسلامية المرتقبة.

نسأل الله تعالى أن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن تكون هذه الحرب القذرة سبباً في تفتّح عقول الشعوب المسلمة بدل تضليلها، وسبباً في قربها من الإسلام ودولة الإسلام بدل إبعادها عن دائرة الوحدة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحت شعار الله أكبر والعزة للإسلام والذل والهوان للكفر والكفار.

أبو المعتصم – بيت المقدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *