العدد 418 -

السنة السادسة والثلاثون، ذو القعدة 1442هـ الموافق حزيران 2021م

رواندا: ماكرون يعترف بمسؤولية فرنسا في الإبادة الجماعية

– قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة إلى رواندا ترمي إلى تكريس مصالحة بين البلدين بعد خلاف استمر أكثر من 25 عامًا على خلفية الدور الذي لعبته فرنسا في إبادة التوتسي العام 1994م، والتي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص من عرقية التوتسي خلال 100 يوم فقط (وبحسب مصادر رواندية رسمية أن العدد تجاوز المليون) وفي 27/5/2021م، وفي خطابه الذي ألقاه عند النصب التذكاري لضحايا تلك الإبادة الجماعية قال ماكرون إنه جاء «للاعتراف بمسؤوليتنا» بشأن المجازر… وإن فرنسا «لم تكن متواطئة» لكنها «فضَّلت الصمت على النظر في الحقيقة»… من جهته، صرح رئيس رواندا بول كاغامي (خلال مؤتمر صحافي مشترك) أن خطاب ماكرون ينمُّ عن «شجاعة هائلة» معتبرًا أن «كلامه كان أهم من اعتذار، كان الحقيقة». ورحبت فرنسا باستبعاد السلطات الرواندية الملاحقات القضائية المتعلقة بالإبادة.

– تأتي زيارة ماكرون بعدما أصدرت لجنة تحقيق فرنسية غير محايدة (وراءها ماكرون) تقريرًا في آذار/مارس، وحاول أن يخفي الدور الإجرامي القذر الذي مارسته فرنسا، قال فيه إن موقفًا استعماريًا أعمى المسؤولين الفرنسيين، وإن الحكومة تتحمل مسؤولية «كبرى وجسيمة» لعدم توقُّع المذبحة، وبرَّأ هذا التقرير فرنسا.

– في شهر نيسان/إبريل، صدر تقرير أعدَّه مكتب محاماة أمريكي بتكليف من الحكومة الرواندية وذكر فيه أن فرنسا «تتحمل مسؤولية كبيرة» عن الإبادة الجماعية بحق إثنية التوتسي، وأكَّد أن فرنسا كانت تعلم بالاستعداد لإبادة جماعية، ومع ذلك استمرت في تقديم «الدعم الراسخ» حتى بعدما «أصبحت نوايا الإبادة الجماعية واضحة». ورفض التقرير فكرة أن باريس كانت «عمياء» عن الإبادة الجماعية، بل كانت «مساعدًا جوهريًا».

– وعن أسباب ارتكاب هذه الإبادة، يذكر أن نحو 85% من الروانديين ينتمون إلى إثنية الهوتو، غير أن أقلية التوتسي هيمنت على البلاد لفترة طويلة. في عام 1959م، أطاح الهوتو بالحكم وفرَّ الكثير من التوتسي إلى دول مجاورة، وشكَّلوا منهم في المنفى جماعة متمرِّدة أُطلق عليها (الجبهة الوطنية الرواندية) التي غزت رواندا عام 1990م، واستمر القتال إلى أن أُبرم اتفاق سلام عام 1993م. وفي 6/4/1994م، أُسقطت طائرة قتل فيها الرئيس الرواندي آنذاك ونظيره البوروندي، وأنحى متشددو الهوتو باللائمة على جماعة الجبهة الوطنية المتمرِّدة، وبدأوا على الفور عمليات إبادة منظمة بحق جماعة التوتسي (بدأت بعد نحو ساعة، وخلال ساعات قليلة انتشرت في عموم البلاد)… واتهمت الجبهة الوطنية الهوتو بإسقاط الطائرة كذريعة لتنفيذ الإبادة الجماعية.

– وعن موقف الأمم المتحدة مما جرى، فقد أجلت الأمم المتحدة المواطنين الغربيين، وخفضت عدد قوات حفظ السلام التابعة لها من 2500 جندي إلى 250 جنديًا فقط، وامتنعت عن استخدام مصطلح «الإبادة الجماعية»، واستعاضت عنه بالقول «انتهاكات للقانون الدولي” واتخذت قرارًا بحظر إرسال الأسلحة إلى رواندا، وقد أدى انسحاب قوات الأمم المتحدة من البلاد خلال المجازر… إلى نقل عملية الإبادة إلى أبعاد خطيرة.

– ويذكر أنه كان للملاذ الآمن الذي وفَّره المسلمون للتوتسي وحمايتهم من الهوتو أبلغ الأثر في تحول الكثيرين للإسلام في ذلك البلد. (انتقل عدد المسلمين في رواندا من أقل من واحد في المئة إلى نحو عشرة في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 11.2 مليون نسمة) وذلك بسبب أن الهوتو المسلمين رفضوا التعاون مع ميليشيا الهوتو التي تطارد التوتسي لقتلهم، بل آوتهم وأمَّنت حياتهم. وفي حين كانت عمليات القتل في كل مكان. وقال الهوتو المسلمون حينئذ إنهم يشعرون بأنهم أكثر ارتباطًا بالدين من العرق، وإنهم كمسلمين، يشعرون بالفخر بالكيفية التي بزغ بها الإسلام من وسط مذابح عام 1994م.

– وفي المقابل، فقد كان هناك امتعاض كبير من الدور الذي لعبته الكنيسة الكاثوليكية، واتهم كثير من القساوسة والراهبات بممارسة القتل بحق الضحايا الذين كانوا قد لجؤوا للاختباء في كنائسهم. يقول جرانر، وهو أحد مؤلفَي كتاب «الدولة الفرنسية والإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا»: «الكنيسة الكاثوليكية لعبت دوراً هامًا، ووفّرت الحماية للمسؤولين عن ارتكاب الإبادة الجماعية» ولهذا السبب، صدر في 20/3/2017م بيان اعتذار من الفاتيكان جاء فيه أن البابا «تضرَّع مجدَّدًا للرب طلبًا للغفران عن خطايا وأخطاء الكنيسة والمنتمين إليها، ومن بينهم أساقفة ورجال دين ونساء دين استسلموا للكراهية والعنف، وخانوا رسالتهم الإنجيلية».

– وعن تعامل فرنسا مع الإبادة، جاء في كتاب «الدولة الفرنسية والإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا» أن فرنسا احتضنت أجانب مسؤولين عن تنفيذ الإبادة الجماعية في رواندا، ومنحت قسمًا منهم الجنسية، وأن تلك الشخصيات «محميّة سياسيًا”، وأن الدولة الفرنسية قدَّمت جميع أشكال الدعم العسكري والسياسي لأولئك الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية، ومنها إرسال المرتزقة والأسلحة بغطاء دبلوماسي وإعلامي، وأشار إلى وجود حاضنة في فرنسا تنبري للدفاع عن وجهات نظر أولئك المجرمين، وأن الإجراءات القضائية تتباطأ عندما يتعلق الأمر برواندا، وأنه لا توجد إرادة سياسية لمحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم وعرضهم على القضاء. وأكَّد الكتاب مسؤولية الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، عن تغييب دور الدولة الفرنسية في الجرائم ضد الإنسانية بأفريقيا، رغم أن باريس دعمت بشكل كامل النظام الذي ارتكب الإبادة الجماعية دون أي قلق بشأن العواقب.

الوعي: إن حكام الغرب هم أصدق من مثَّل المبدأ الرأسمالي استعمارًا وإجرامًا وإفقارًا للشعوب، واحتلالًا ونهبًا للبلاد، ومن يدقق في هذا الاعتذار يجد أنه مغلَّف بالمكر (ماكرون ينفي التواطؤ، ويؤلف لجنة غير محايدة، اتفاق على استبعاد السلطات الرواندية للملاحقات القضائية المتعلقة بالإبادة…) والسؤال هو: هل إذا قتل إنسان إنسانًا آخر يُكتفى من القاتل بالاعتذار، فكيف إذا قتل مليون شخص في رواندا، ومليون ونصف في الجزائر، وكان شريك قتل مع سائر دول الغرب الرأسمالي في قتل عشرات الملايين بحق شعوبهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية… إن العالم يعيش شريعة لا تقاس بها شريعة الغاب، يعيش حضارة لا بد من زوالها، ومطلوب من أهلها أكثر غيرهم أن يتخلَّصوا منها، والأهم: مَن يقف وراءهم من رأسماليين يديرون اللعبة من وراء ستار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *