العدد 396 -

السنة الرابعة والثلاثون – محرم 1441هـ – أيلول 2019م

ذكرى الهجرة النبوية الشريفة… الواجب إحياؤها لا الاحتفاء بها فحسب

ذكرى الهجرة النبوية الشريفة… الواجب إحياؤها لا الاحتفاء بها فحسب

 

قال تعالى: (وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ ٥).

إن هذه الآية الكريمة تشير إلى أن التذكير بأيام الله هو من الشرع للاعتبار، وهو متعلق بتثبيت الدين في النفوس. ومن لطائف هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن أيام الرسل في دعواتهم، من إخراج الناس من الظلمات إلى النور، واحدة، وعندما يعلم الرسول من الوحي ما مرَّ به مَن قبله من الرسل، فإنه صلى الله عليه وسلم سيعلم ما سيمر به هو نفسه، تلك الدعوات التي لا يستطيع تحمل أعبائها ويقوم بتكاليفها إلا كل صبَّار شَكور… وعلى المسلمين أن يتذكروا أيام رسولهم الكريم في دعوته لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، والتي منها الهجرة، وما تحمل لهم من معانٍ وتكاليف حتى يكونوا على طريقته صلى الله عليه وسلم في حمل الدعوة والصبر عليها وشكر الله على عونه لهم في تمكينهم من عبادته، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا وأسوتنا في ذلك، وخطاب الله لرسوله هو خطاب لأمته ما لم يرد فيه دليل التخصيص، وهنا يعتبر ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من صميم الدعوة المتعلقة بإقامة الدين، خاصة وأنه لم يقم بالهجرة لوحده بل قام بها مع الذين آمنوا معه، إلا قليلًا ممن استخفَوا بإسلامهم فلم يهاجروا وقتها.   

بيد إن مما ابتلي به عامة علماء المسلمين اليوم، والمسلمون بالتبع، أنهم يقفون أمام مثل هذه الأيام على أنها ذكرى غير ملزمة لهم بتكليف، فتراهم يذكرون أحداثها كقصة، وينبرون في تعريف المسلمين بدقائقها، ويحولونها إلى مناسبة تاريخية واحتفال، وينظرون إليها كماضٍ جميل وليس كمشعل حاضر ومستقبل زاهر لهم في هذا الدين. فلا يشغلون أنفسهم بما هو مطلوب منهم تجاهها، وتراهم إذا انفضَّ الاحتفاء بها كمناسبة يعتبرون أنفسهم أنهم قد أدَّوا حق الله عليهم بالنسبة لها، وإلى موسم آخر.

 إن هذه الذكرى مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإقامة الدين، فقد كانت هي المفصل الذي تحولت فيه دعوة الإسلام إلى مرحلة الدولة؛ والهجرة التي حدثت مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة عرفَّها علماء المسلمين بأنها الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام… ولما كان المسلم مفروضًا عليه أن يعيش في دار الإسلام، كانت الأعمال التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأدت إلى الهجرة، مطلوبًا القيام بها شرعًا على سبيل الوجوب. من هنا كان الوقوف على هذه المناسبة يجب أن يتحقق فيها أن يستخلص منها الأحكام التكليفية التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور، والتي لا يتحمل القيام بها إلا كل صبَّار شكور.

إن اقتصار المسلمين وعلمائهم في هذه الذكرى على الاحتفال بها دون العمل على إحيائها يعني تغافلهم عن القيام بأمر الله تعالى في إقامة هذا الدين، وتخلِّيهم عن هذه القيام بهذه المهمة الجليلة، وفيه صرف عن الهدف الذي جاء الإسلام من أجله، ألا وهو عبادة الله في الأرض، ولا يكون هذا إلا بإقامة الدين، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، وهيَّأ لإقامتها في المدينة، وكانت الهجرة هي الجسر الواصل بينهما… فباقتصار المسلمين، كل عام، على الاحتفال في هذه الذكرى دون العمل لإقامة الدين، فإنهم يقيمون حجة الله عليهم  في كل عام؛ ومن هنا يجب أن تكون ذكرى الهجرة النبوية هي من أعظم ذكريات المسلمين التي توقظهم من سباتهم وغفلتهم عن هذا الفرض العظيم… 

إن هذه الذكرى كان ما بعدها زمن الرسول غير ما قبلها… وهي يجب أن تكون كذلك للمسلمين اليوم… إن هذه الذكرى إذا نظر المسلم لما بعدها من إقامة الدين، ونشره، فهمَ ما الذي كان يعمل له الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، وما الذي كان يحضر له في المدينة، وما الذي كان يريد أن يحققه من عالمية الدعوة ووصول الإسلام إلى كل بقاع الأرض المعمورة؛ حتى يقوم المسلم بحق الله تعالى عليه وتحقيق قوله تعالى: (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦) . وفهمَ ما الذي يجب عليه هو أن يقوم به، وما الذي يجب أن يهيئ له…. إنها ذكرى تذكِّر كل مسلم بمسؤولية إقامة الدين، وتحمله مسؤولية التقصير في ذلك…

إن هذه الذكرى يجب أن تدفع المسلمين إلى الاستذكار بأن الكثرة الكاثرة من أحكام الإسلام معطلة بغياب أهم ثمراتها ألا وهي الدولة الإسلامية، فالجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام منوط بها، وأمره تعالى المسلمين بالحكم بما أنزل الله منوط بها، وفرض نصب خليفة عليهم، وجمع بلاد المسلمين في بلاد واحدة، وإقامة كل أحكام الإسلام مما هو منوط بالدولة الإسلامية من مثل إقامة الحدود و أحكام الملكيات، وأحكام الأراضي، وأحكام النقد والصرف… وحتى الصلاة والزكاة والصيام والحج والمواريث، هناك أحكام منوط بالدولة تطبيقها، وهي إقامة العقوبات على تاركيها… وإنه ليصيبنا العجب ونتساءل كيف يُسيغ علماء المسلمين لأنفسهم فهم الدين بعيدًا عن وجود الدولة في حياة المسلمين. إن وجود الدولة هو من صميم الإسلام وتصرف الرسول صلى الله عليه وسلم  كحاكم وكقائد للمسلمين، وهو في المدينة، لا تنفصل صورته عنه، فهل نُسخت عندهم هذه الصورة؟!!!.

 أما اليوم، فكيف يقبل عامة علماء المسلمين أن يكون الدين هو فقط مجموعة الأحكام الشرعية الفردية المتعلقة بالعبادات والأخلاق والزواج والطلاق والميراث… وهي الأحكام التي سمح الغرب بإبقائها في حياة المسلمين، ومنع الأحكام التي تشكل أنظمة حياة لهم، وتنظم علاقاتهم مع غيرهم مما تقوم به الدولة، إن سكوت علماء المسلمين عن هذا هو قبول ورضوخ منهم لما فرضه الغرب على المسلمين من إقصاء الحكم بالإسلام عن حياة المسلمين. أليس في سكوتهم هذا اعتراف ضمني منهم بذلك؟! أليس هو قبول لفصل الدين عن الحياة الذي يسير عليه الغرب في فهمه للدين؟! نعم إن علماء المسلمين اليوم، عندما يحتفلون بهذه المناسبة على هذا الشكل في كل عام إنما يقيمون الحجة على أنفسهم أمام ربهم في كل عام. فما هكذا يفهم الدين!.

ومن باب التذكير للعلماء، إن الغرب عندما احتل بلادنا وقسمها وأقام فيها دولًا دساتيرها علمانية… جعل فيها مناهج التعليم الشرعية قائمة على الطريقة التي يفهم هو بها الدين، أي دين، وهي أنه يجب أن يفصل عن الحياة، وبالتالي عن الدولة. فهل هكذا يفهم الدين أيها العلماء؟ ألستم بهذا الفهم أنتم المسؤولون قبل غيركم عن تغييب حكم الدولة الإسلامية عن أذهان المسلمين؟.   

والآن نأتي إلى الصورة التي يتم فيها الاحتفال في كل بلاد المسلمين: إننا نرى أن كلمات العلماء المحتفلين لا تعدو عن كونها مواعظ، تبدو وكأنها تخرج من مشكاة واحدة؛ حيث يقول بعضهم إن الهجرة هي هجر المعاصي، ويقول بعضهم إن من معانيها أن يهاجر المسلم من المكان الفاسد الذي هو فيه إلى مكان أقل فسادًا، ويدعو بعضهم إلى أن يتعلم المسلمون الصبر من الظروف والمعاناة التي مرَّ بها رسول الله في مكة، ويذكر بعضهم أن الهجرة وحدت الأمة وعلينا الحفاظ على هذه الوحدة وتعزيزها وتقويتها، ويذكر بضرورة ارتقاء المسلمين فوق خلافاتهم حتى لا تتداعى عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، ويذكر بعضهم أن الهجرة كانت معلمًا تاريخيًا عظيمًا لذلك أرّخ به أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ويطلب من المسلمين أن يحافظوا على التأريخ الهجري في حياتهم، وأن لا يقتصروا على التأريخ الميلادي، ويقول بعضهم إن ذكرى رأس السنة الهجرية شكّلت أساسًا تاريخيًا لهذه الأمة وتلاقيها على الشهادة للّه ولرسوله وللمؤمنين… ومثل هذا الكلام أمثال، وكله لا يدعو إلى تغيير عملي شامل لأوضاع المسلمين، بل كل منهم يدعو إلى تغيير جزئية من جزئيات الإسلام، وإلى إصلاح نظري متفرق. نعم، إنه ليس بمثل هذه المواعظ يتم التأسي. إن كل ما ذكره العلماء هو من الإسلام، ويتعلق بالهجرة، ولكنه لا يحقق المطلوب لأنه عبارة عن مواعظ لا تحمل وراءها عمل، ولأنها لم تركز على المعنى الأساسي الذي تحمله وهو وجوب إقامة دولة الخلافة. ويمكن تشبيه وتمثيل ما يذكرونه على أن كل فكرة منها هي من الإسلام وهي كحبة المسبحة ولكنها تحتاج إلى السلك الذي ينتظمها، وهي الدولة الإسلامية التي تحققها جميعًا، ثم الشاهد لهذه المسبحة وهو (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

إن الهجرة كانت بعد أن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم فترة ثلاث عشرة سنة في مكة أسَّسَ فيها كتلة الصحابة على الإسلام؛ حيث كان يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وهؤلاء عرفوا فيما بعد بالمهاجرين، وكانت بعد أن أوجد رأيًا عامًا على إسلام الحكم في المدينة؛ حيث فشا ذكر الإسلام، وكانت بعد أن أوجد الأنصار الذين نصروا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ورضوا أن يقيموا فيهم أمر الله تعالى بالحكم بما أنزل الله، وبايعوه بيعة العقبة الثانية، تلك البيعة التي سماها علماء المسلمين بيعة حرب، حيث بايعه المؤمنون في المدينة على إقامة حكم الله فيهم والعمل على إظهار الإسلام عل الدين كله، تلك البيعة التي حصلت الهجرة بعدها، وكانت من ثمارها، بمعنى أنه لو لم تكن هناك هذه البيعة لما حصلت الهجرة. واسمعوا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وهو كان ممن حضر هذه البيعة يحدثنا عن هذه البيعة فيقول: «مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين، يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفي المواسم بمنى، يقول: من يؤويني، من ينصرني، حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش، لا يفتنك، ويمشي بين رحالهم، وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله إليه من يثرب، فآويناه، وصدقناه، فيخرج الرجل منا، فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبقَ دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإِسلام، ثم ائتمروا جميعًا فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلًا، حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله! علام نبايعك؟، قال: على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة، قال: فقمنا إليه، فبايعناه، وأخذ بيده ابن زرارة ـ وهو من أصغرهم ـ فقال: رويدًا يا أهل يثرب! فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جُيَيْنة، فبيِّنوا ذلك، فهو عذر لكم عند الله، قالوا: أمط عنا يا سعد! فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا، ولا نسلبها أبدًا، قال: فقمنا إليه، فبايعناه، فأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة» رواه أحمد.

ويحدثنا كذلك كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه الذي حضر هذه البيعة المباركة، وهذا اللقاء التاريخي الذي حول مجرى الصراع بين الإسلام والكفر، فيقول: خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشِعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلًا، وامرأتان من نسائنا، فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا، ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، وكان أول متكلم، فقال: يا معشر الخزرج إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عِز من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبَى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترَون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مُسْلِمُوه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمِن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده.

قال كعب: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت، قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا إلى الله ورغب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق نبيًا لنمنعك مما نمنع منه أزُرَنا (نساءنا وأهلنا)، فبايعْنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، ورثناها كابرًا عن كابر… قال: فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله، أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالًا، وإنا قاطعوها ـ يعني اليهود ـ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع لقومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم (أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم) أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبًا، ليكونوا على قومهم بما فيهم، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم الانصراف إلى رحالهم، فقال رجلٌ منهم: والذي بَعَثَك بالحق لئن شئتَ لنميلنَّ عن أهل منى غدًا بأسيافنا؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم، فرجعوا إلى رحالهم». رواه أحمد.

هذا ما يجب أن يُذكِّرَ به العلماءُ المسلمين، وأن يحيوا في أنفسهم هذه الذكرى على هذا المستوى من المسؤولية، وتوجيههم لأن يتحملوا جميعًا، علماء ومسؤولين، تكاليفها. فالله سائل الجميع عنها… فليحذروا، فإنهم بما يقومون به يضيعون هذا الفرض العظيم، وبما ننصحهم به فيه الخلاص لهم وللأمة جمعاء. فيجب أن تقوم الدعوة بيننا اليوم تمامًا كما كانت تقوم عليه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، حيث قام صلى الله عليه وسلم، هو وصحابته بعبء الدعوة حتى وصل إلى البيعة ثم الهجرة ثم إقامة الدولة في المدينة، قال تعالى: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٧٤).

 نعم، إن الهجرة أول ما تعنيه هي إقامة دار الإسلام، وخلافة الله في أرضه. فتصوروا كيف أنهم ذكروا كل شيء إلا ما يجب عليهم أن يذكروه، وهو الدولة، فبالله عليكم علامَ يدل هذا الأمر؟!.

إن هذه المشكلة هي برسم العلماء أولًا وآخرًا، لأن المسلمين هم تبع لهم، إن ذكروهم بالمفاهيم الصحيحة تذكروا، وإن أعطوهم المفاهيم المغلوطة أخذوها منهم؛ لذلك أول ما توجه الدعوة إلى  العلماء لينتصحوا ثم لينصحوا بها.

إن علماء المسلمين يعلمون ويؤمنون أن في الإسلام دولة، وأن فيه الحكم بما أنزل الله؛ ولكن عدم ذكرهم للدولة قد يكون وراءه الخوف من التصريح به من محاسبتهم عليه من الجهات الأمنية، أو الجهات الدينية الرسمية من دوائر الإفتاء أو وزارات الشؤون الدينية المرتبطة بالأنظمة العلمانية الكافرة. وإلى هؤلاء نقول:

(أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *