العدد 395 -

السنة الرابعة والثلاثون، ذو الحجة 1440هـ – آب 2019م

الحج ركن عظيم، ومن أهم مظاهر وحدة المسلمين

الحج ركن عظيم، ومن أهم مظاهر وحدة المسلمين

 

الحج ركن عظيم من أركان الإسلام، فرضه الله سبحانه على المسلم المستطيع بقوله: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ ، ولا يزال الناس يحجون منذ رفع إبراهيم القواعد من البيت، وأذَّن في الناس بالحج كما أمره ربه عز وجل إلى يومنا هذا، ولا ينقطع الحج طالما على الأرض مؤمن.

 والحج هو من أفضل الأعمال والقربات عند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور».

والحج يعدل الجهاد في سبيل الله، وينوب عنه لمن لا يقدر عليه ومن لا يُكلف به، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: «لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حجٌ مبرور». فقالت عائشة: فلا أدعُ الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. البخاري. وفي رواية للنسائي: قلت: يا رسول الله، ألا نخرج فنجاهد معك، فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد؟. قال: «لا، ولَكُنَّ أحسنُ الجهاد وأجملُه حج البيت، حجٌ مبرور.

 والحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». متفق عليه. وهو سبب لغفران الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صصلى الله عليه وسلم يقول: “من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». البخاري.

والحج والعمرة، الإكثار منهما ينفيان الفقر: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد». الترمذي وابن ماجة.

 والحاج وافد على الله، ومن وفد على الله أكرمه الله، فعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم» ابن ماجة. وفي رواية: «إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم».

والحج، فريضته دائمة مستمرة حتى بعد ظهور الفتن العظام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليحجن هذا البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج». صحيح الجامع. فإذا قبض الله أرواح المؤمنين في آخر الزمان ولم يبقَ على الأرض إلا شرارُ الخلق الذين تدركهم الساعة وهم أحياء توقف الحج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت». صحيح الجامع؛ ولهذا وجب على كل مسلم مستطيع أن يتعجل الحج، فقد يأتي يومٌ يَعْجَزُ فيه عن الحج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة». صحيح الجامع.

 والحج، لمن عجز عنه بشرى من الرسول صلى الله عليه وسلم، فللمسلم أن يغتنم مثل أجر الحاج؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة». الترمذي.

ومن المصالح المرعية في الحج:

أولًا: تعظيم البيت الحرام، فإنه من شعائر الله وتعظيم لله: قال تعالى: ]إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكٗا وَهُدٗى لِّلۡعَٰلَمِينَ ٩٦ فِيهِ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ مَّقَامُ إِبۡرَٰهِيمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ [ ، وقال تعالى: ]ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ[.

ثانيًا: تحقيق الألفة والوحدة، إذ يجتمع المسلمون على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وبلادهم في صعيد واحد، يدعون ربًا واحدًا، ويتوجهون لبيت واحد، فتتوحد الأهداف والغايات، وتصبح الأمة على قلب رجل واحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر» مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يدٌ على من سواهم». صحيح ابن ماجة. فالحج من أهم مظاهر قوة المسلمين وشوكتهم واجتماع جندهم وإظهار شريعتهم.

ثالثًا: موافقة ما توارثه الناس عن إمام الحنفاء إبراهيم وولده إسماعيل، ودعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم، وتذكُّر هذه المواقف والمقامات، قال تعالى: ]وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٢٧ رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ١٢٨ رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ[. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للناس في حجة الوداع: «قفوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم». أبو داود. ويقول صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا». مسلم.

 رابعًا: إعلان التوحيد الذي بعث الله به رسله وإظهاره في الأقوال والأفعال: ففي التلبية يقول الحاج: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك». ويتجرد العبد في سائر المواقف والمشاعر في توحيده وطاعته لله عز وجل ومبايعته للنبي صلى الله عليه وسلم، فيسير ويقف حيث أمره الله، ويحلق شعره، وينحر أو يذبح هديه حيث أمره الله وشرع له، ويتابع في ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *